الصوفية التى يجهلها الكثير
16-11-2007, 01:06 PM


الصوفية التى يجهلها الكثير


الكاتب: فوزى العنجرى

يقول الحق عز وجل في محكم التنزيل «ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصروالفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا»
إن هذه الآية تحتم على المسلم أن يتحرى غايةالتحري في ما يعتقد ويتبنى من مذاهب وأفكار واعتقادات، وتلزمه البحث والتقصي قبلالعزم على أي قرار يتخذه، أو حكم يحكم به،
فهو مسؤول عن أحكامه التي طريقها السمع؛هل سمع ما بني حكمه عليه؟
و هو مسؤول عن أحكامه التي طريقها البصر؛ هل رأى وأبصر مابنى حكمه عليه؟
وكذلك القلب وما أودعه من اعتقادات هو مسؤول، هل بني ما اعتقده علىالبرهان والحجة؟
أم كان لمجرد التقليد واتباع كلام الغير الذي لم يقم عليهدليل؟

لهذا فإنني سأسير في مقالي هذا عن الصوفية عكس التيار السائد الذييظهر الصوفية شرا محضا، نعم سأسير عكس هذا التيار ما دام قد جار عن القصد، وإن غضبالناس، ما دمت أرضي رب الناس.
إن الصوفية التي أصبحت اليوم عند الناس أصل كلبلية، هي في تاريخنا وتراثنا على النقيض من هذا، بذل وجهاد وذكر وأوراد وهدي وإرشادوتسليك للبشر والعباد.


هذه الصورة الناصعة التي ينقلها لنا التاريخ عن الصوفيةما بالها أصبحت اليوم شركا وعبادة قبور واتحادا وحلولا وقعودا وتواكلا وتثبيطا عنالجهاد في سبيل الله؟


لعل أحدهم الآن ينبري لي صارخا قائلا: لأنها هي كذلك، أماترى الصور المنتشرة في كل مكان عنهم؟
فنقول: إن هذه الصور تمثل أصحابها، ولاتمثل الصوفية في شيء، ترى أيحق لمن يرى تنكب المسلمين لطريق الإسلام وإعراضهم عنه.
وانتشار الكذب والرذائل بينهم أن يعيب الإسلام ويتهمه بأنه أصل البلاء؟ فكذلكالصوفية التي هي بريئة من كثير مما نسب إليها وممن انتسب إليها.


نحن نريد وندافععن الصوفية التي بيّن أصولها الإمام القشيري في رسالته وأبو طالب المكي في قوتالقلوب والسهر وردي في العوارف والغزالي في الإحياء وزروق في القواعد وابن عطاءالله في الحكم وما علق عليها العلماء من شروح، وغيرها من الكتب المعتبرة التي أصّلتالصوفية، نعم، هذه الصوفية التي نريد، وهذه الصوفية التي لم يزل العلماء والأئمةيذكرونها ويثنون على أصحابها، وهذه الصوفية التي تمتلئ المكتبة الإسلامية بشتىفنونها وعلومها بتراجم أكابرها، وهذه الصوفية التي انتمي إليها وسلك طريقها أكابروأماثل من أئمة الإسلام.


أقوال العلماء

وإليك أيها القارئ الكريم طائفة منأقوال العلماء في الصوفية هذه التي ذكرت،لتعلم أنها على خلاف الصورة التي يعممهاالبعض ظلما للتاريخ:
قال الإمام تاج الدين السبكي رحمه الله:
«الصوفية حياهمالله وبياهم وجمعنا في الجنة وإياهم.. والحاصل أنهم أهل الله وخاصته الذين ترتجىالرحمة بذكرهم، ويستنزل الغيث بدعائهم، فرضي الله عنهم وعنا بهم»
(من كتاب معبدالنعم ص/119).
وقال الإمام النووي رحمه الله:
«أصول طريق التصوف خمسة:
تقوى اللهفي السر والعلانية
إتباع السنة في الأقوال والأفعال
الإعراض عن الخلق في الإقبالوالإدبار
الرضي عن الله في القليل والكثير
الرجوع إلى الله في السراء والضراء
(من كتاب المقاصد النووية).


وقال أيضا معرفا بهم، في معرض الكلام عن الوقف عليهمبعد أن صححه:
«وهم - يعني الصوفية - المشتغلون في العبادة في أغلب الأوقات،المعرضون عن الدنيا» (الروضة 5/321) .
وكذا قال من قبله من الشافعية القاضي حسينوالمتولي والرافعي، وصرحوا بأنه - أي الوقف - يصرف على المشتغل بالعبادة منهم فيأغلب الأوقات، أما من يشتغل بالأكل والسماع والرقص فلا.
وقال قاضي القضاة أبومحمد الحارثي الحنبلي الحافظ في شرح المقنع:
«يصح الوقف على الصوفية، وهم المنقطعونللعبادة وتصفية النفس من الأخلاق المذمومة»
(من كتاب الموفي بمعرفة التصوف والصوفيللكمال الأدوفي ص/50) .
وكذا قال الحنفية بتصحيح الوقف عليهم، المصدرنفسه.


فهل يا ترى يصح الوقف على المبتدعة وأصحاب الحلول والاتحاد وعبادة غيرالله تعالى؟!


وقال الإمام عبد القاهر البغدادي في سياق بيانه لأصناف أهل السنة: «
هذا الباب في بيان أصناف أهل السنة والجماعة، اعلموا أسعدكم الله أن أهل السنةوالجماعة ثمانية أصناف من الناس» ثم أخذ ببيان هذه الأصناف، إلى أن قال:
«والصنفالسادس منهم: الزهاد الصوفية الذين أبصروا فأقصروا واختبروا فاعتبروا، ورضوابالمقدور وقنعوا بالميسور، وعلموا أن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك مسؤول عن الخيروالشر ومحاسب على مثاقيل الذر..» (من كتاب الفرق بين الفرق) .


وقال الإمام وحجةالإسلام الغزالي رحمه الله: «ولقد علمت أن الصوفية هم السالكون لطريق الله تعالىخاصة، وأن سيرتهم أحسن السير، وطريقتهم أصوب الطرق، وأخلاقهم أزكى الأخلاق..» (منكتاب المنقذ من الضلال) .


وقال الإمامالكبير أبو المظفر الاسفراييني في سياقتعداده لمفاخر أهل السنة والجماعة ومآثرهم «وسادسها:
علم التصوف والإشارات، وما لهمفيها من الدقائق والحقائق، لم يكن قط لأحد من أهل البدعة فيه حظ، بل كانوا محرومينمما فيه من الراحة والحلاوة والسكينة والطمأنينة، وقد ذكر أبو عبد الرحمن السلمي منمشايخهم - يعني الصوفية - قريبا من ألف»
(التبصير في الدين) .
فانظر كيف لم يجعلللمبتدعة نصيبا من التصوف وقصره على أهل الحق، فهل هذا يستقيم مع إطلاق الذم فيهموجعلهم أصل كل بلية؟!
ومن قبلهم قال الإمام القشيري رحمه الله: «جعل الله هذهالطائفة صفوة أوليائه، وفضلهم على الكافة من عباده بعد رسله وأنبيائه صلوات اللهوسلامه عليهم، وجعل قلوبهم معادن أسراره، واختصهم من بين الأمة بطوابع أنواره فهمالغياث للخلق، والدائرون في عموم أحوالهم مع الحق بالحق» (الرسالةالقشيرية).


التصوف علم شريف

وقال الحافظ السيوطي رحمه الله:
«إن التصوف فينفسه علم شريف، وإن مداره على اتباع السنة وترك البدعة والتبري من النفس وعوائدهاوحظوظها وأغراضها ومراداتها واختياراتها، والتسليم لله والرضى به وبقضائه وطلبمحبته واحتقار ما سواه..» (من كتاب تأيي الحقيقة العلية) .


وقال الإمام الفخرالرازي:
«الباب الثامن في الأحوال الصوفية: اعلم أن أكثر من حصر فرق الأمة لم يذكرالصوفية، وذلك خطأ؛ لأن حاصل قول الصوفية أن الطريق إلى معرفة الله تعالى هوالتصفية والتجرد من العلائق البدنية، وهذا طريق حسن..»
وقال أيضا: «والمتصوفة قوميشتغلون بالفكر وتجرد النفس من العلائق الجسمانية، ويجتهدون ألا يخلو سرهم وبالهمعن ذكر الله تعالى في سائر تصرفاتهم وأعمالهم، منطبعون على كمال الأدب مع الله عزوجل، وهؤلاء هم خير فرق الآدميين»
(من كتاب اعتقادات فرق المسلمين والمشركينص/72) .


ولقد انتسب إلى الصوفية أعلام من أكابر الأمة يشار إليهم بالبنان وتعقدعلى كلماتهم الخناصر، مثل الإمام الحافظ أبي نعيم الاصبهاني صاحب طبقات الأولياء
والإمام الحافظ وشيخ الإسلام أبي عثمان الصابوني وقد تربى في بيت التصوف ونشأ فيرعاية الإمام أبي الطيب الصعلوكي بعد وفاة أبيه
والإمام الحافظ أبي طاهر السلفي،فصحب الصوفية في حلهم وترحالهم ولبس الخرقة منهم كما هو ثابت ومبين عنه
والحافظ أنأبي جمرة
والإمام الحافظ ابن رشيد السبتي الفهري
والإمام سلطان العلماء العز بنعبد السلام
وشيخ الاسلام زكريا الأنصاري
وشيخه البلقيني
والحافظ السيوطي
والآلوسيصاحب التفسير
والحافظ المناوي وغيرهم.


وأثنى عليهم أكابر أيضا مثل الإمام التقيالسبكي والتاج ابنه، والحافظ ابن حجر العسقلاني ومن طالع ترجمته الجواهر والدرر علمحبه للصوفية، والحافظ السخاوي، وغيرهم كثير يضيق المقام عن تعدادهم، وهذه كتبهمطافحة بالثناء العاطر على الصوفية

وكان أحدهم إذا ما أراد المبالغة في الثناءوالتزكية على من يترجم له منهم قال
(هو من بيت صلاح وتصوف) أو نحو ذلك من العباراتالدالة على الإجلال والإكبار.


وإليك طائفة من هذا لتعلم علم اليقين بأننا لانتقول ولا نضع عليهم ما لا يقولونه أو يعتقدونه،

قال الحافظ المنذري في كتابهالتكملة لوفيات النقلة 2/150 في ترجمة أبي القاسم عبد المعز بن عبد الله الأنصاريالهروي (الشيخ الصالح الأصيل... وهو من بيت الصلاح والتصوف).


وقال أيضا في ترجمةالإمام أبي الحسن أسعد بن محمد السهروردي
(الشيخ الأصيل... الصوفي.. وهو من بيتالحديث والتصوف والصلاح) 2/404.


وقال أيضا في ترجمة أبي الفضل أحمد بن عبدالمنعم الميهني
(الشيخ الصالح الأصيل.. وولي خدمة الصوفية برباط الخليفة، وهو منبيت التصوف والصلاح هو وأبوه وجده وجد أبيه وأخوه أبو البركات محمد، كلهم حدثوا،وسلفه كلهم مشهورون بين أهل الطريقة - يعني الصوفية - متقدمون في كل موضع) 2/405،
وكتابه زاخر بالثناء عليهم وجميل الذكر لهم.


وقال الحفاظ ابن الصلاح في طبقاته 1/232 في ترجمة الإمام محمد بن علي بن الحسين الاسفراييني
(أحد حفاظ الحديثالجوالين في طلبه، ومن المعروفين بكثرة الحديث والتصنيف له وبصحبة الصالحين من أئمةالصوفية في الأقطار) .


وقال الإمام النووي في ما ألحقه وأضافه على طبقات ابنالصلاح في ترجمة إبراهيم بن عيسى المرادي والأندلسي
«الفقيه الشافعي الإمام الحافظالمتقن المحقق الضابط الزاهد الورع الذي لم تر عيني في وقته مثله، كان رضي الله عنهبارعا في معرفة الحديث وعلومه وتحقيق ألفاظه ولا سيما الصحيحان،
ذا عناية باللغةوالنحو والفقه ومعارف الصوفية، حسن المذاكرة فيها،
وكان عندي من كبار المسلكين فيطرائق الحقائق - يعني التصوف - حسن التعليم، صحبته نحو عشر سنين لم أر منه شيئايكره، وكان من السماحة بمحل عال على قدر وجده، وأما الشفقة على المسلمين ونصيحتهمفقل نظيره فيهما» (من طبقات ابن الصلاح).


وقال ابن الصلاح في ترجمة احمد بن عليبن الحسين الطريثيثي
«الصوفي المسند أبو بكر، قال الحافظ الأوحد أبو طاهر السلفيوبدأ به في معجمه في شيوخ بغداد: أبو بكر هذا أجل شيخ شاهدته ببغداد من شيوخالصوفية وأكثرهم حرمة وهيبة عند أصحابه» 1/352.


وقال الحافظ ابن السمعاني فيكتاب الانساب عند نسبة (صوفي) (واشتهر بهذه النسبة جماعة من الأكابر، وصنفوا فيهمالتصانيف، ومن المحدثين الذين اشتهروا بهذه النسبة..) فأخذ رحمه الله في تعدادطائفة من أعلام المحدثين الصوفية.


الثناء على أعلام الصوفية

وكتب التراجموالتواريخ موشحة بالثناء على أعلام الصوفية، مثل سير أعلام النبلاء للذهبي وتاريخالإسلام له وطبقات الفقهاء الشافعيين لابن كثير وطبقات الحنابلة والحنفية والمالكيةوالكتب التي ألفت في بيان طبقات الصوفية مثل طبقات السلمي وطبقات أبي نعيم وطبقاتابن الملقن وطبقات المناوي وغيرها.

ولعل في هذه الحادثة التي تنقلها كتبالتواريخ عن الإمام العظيم أبي إسحاق الشيرازي رحمه الله تعالى، حين أوفده الخليفةالمقتدي في سفارة إلى السلطان ملكشاه ووزيره نظام الملك ما يدلك أيها القارئ الكريمعلى مكانة الصوفية عند العلماء،

ولا سيما إذا علمت من كان بصحبة هذا الإمام في هذهالرحلة من أصحابه وتلاميذه الذين هم أعيان الأعيان وسمع الدنيا وبصرها،
مثل فخرالإسلام الشاشي
والحسين بن علي الطبري
وابن بيان
والميانجي
وأبي ثعلب الواسطي
وعبدالملك الشابر خواستي
وأبي الحسن الآمدي
وأبي القاسم الزنجاني
وأبي علي الفارقي
وأبيالعباس بن الرطبي
وغيرهم من أعلام الأمة وحفاظها، فتلقى الناس أبا إسحاق في كل بلدةحل بها بالحفاوة والترحيب اللذين لا مثيل لهما، فكانوا يتلقونه بنسائهم وأولادهمفيمسحون أركانه تبركا والشيخ ينهاهم عنه تواضعا رحمه الله.


قال تاج الدينالسبكي:
«وخرجت إليه صوفيات البلد وما فيهن، إلا من معها سبحة والقين الجميع إلىالمحفة وكان قصدهن أن يلمسها فتحصل لهن البركة، فجعل يمرها على يديه وجسده ويتبركبهن، ويقصد في حقهن ما قصدن في حقه».
وقال «ولما بلغ بسطام قيل للشيخ: قد أتىفلان الصوفي، فنهض الشيخ من مكانه وعدا إليه، وإذا به شيخ كبير هم، وهو راكب بهيمة،وخلفه خلق من الصوفية بمرقعات جميلة، فقيل له: قد أتاك الشيخ أبو إسحاق، فرمى نفسهعن البهيمة وقبل يده وقبل الشيخ أبو إسحاق رجله، وقال له الصوفي: قتلتني يا سيديفما يمكنني أمشي معك، ولكن تتقدم إلى مجلسك، ولما وصل جلس الشيخ أبو إسحاق بينيديه، وأظهر كل واحد منهما من تعظيم صاحبه ما جاوز الحد» اهـ.


فهل يعقل أن يصدرعن هذا الإمام كل هذا التعظيم والتبجيل لمبتدعة ضالين؟!
وهلا قال له أحد هؤلاءالأئمة الكبار من أصحاب الحديث الذين كانوا بصحبته: ما هذه البدع يا إمام؟!


ياقوم اتقوا الله!

كل هذا الذي ذكرناه - وغيره كثير طويناه خشية الإملال - يعطيناصورة ناصعة مناقضة غاية التناقض للصورة القاتمة السوداء التي تلقى على الناس وترسمفي أذهانهم للصوفية، والتي ليس فيها إلا الشرك والخرافات والقول بالاتحاد والحلولواستحلال المحرمات وإتيان الموبقات، فكيف تلتئم هذه الصورة المشرقة مع ما يشاعويعمم عن الصوفية، مما لا يقره عاقل فضلا عن عالم؟


وبعد...
فلعل أحد المتحمسينالذين تأثروا بشيء مما ينشر اليوم عن الصوفية - أو بالأصح عن أدعياء الصوفية - ينبري قائلا: هذا الذي نقلته لنا إنما كان في السابق، أما اليوم فالصوفية خلو من كلخير وما فيها إلا البدع والشرور.


فأقول: كلا، وهذا الكلام أيضا ليس بصحيح، وإلافلماذا يثني عليها المعاصرون من أعلام الدعاة والمرشدين والعلماء.


قال الأستاذالعلامة أبو الحسن الندوي رحمه الله عن الصوفية في الهند
«إن هؤلاء الصوفية كانوايبايعون الناس على التوحيد والإخلاص واتباع السنة والتوبة عن المعاصي وطاعة اللهورسوله، ويحذرون من الفحشاء والمنكر والأخلاق السيئة والظلم والقسوة ويرغبونهم فيالتحلي بالأخلاق الحسنة والتخلي عن الرذائل...». ثم تحدث عن مدى تأثير أخلاقهموإخلاصهم وتعليمهم وتربيتهم ومجالسهم في المجتمع والحياة.
(من كتاب «المسلمون فيالهند» للشيخ الندوي) .


وتحدث الشيخ الندوي أيضا رحمه الله تعالى، في معرض كلامهعن زيارته الفيلسوف والشاعر الإسلامي محمد إقبال بعد أن ذكر إقبال التصوف ورجالهوالتجديد الإسلامي في الهند بواسطتهم، وبعد أن أثنى على الشيخ أحمد السرهندي والشيخولي الله الدهلوي والسلطان محيي الدين أورنك زيب رحمهم الله تعالى
قال الشيخ «إننيأقول دائما لولا وجودهم - يعني الصوفية - وجهادهم لابتلعت الهند وحضارتها وفلسفتهاالإسلام» (من كتاب روائع إقبال للشيخ الندوي) .


قال العلامة محمد الحامد رحمهالله
«فاعلم أن التصوف هو تنقية الظاهر والباطن من المخالفات الشرعية، وتعمير القلببذكر الله تعالى، ومراقبته وخشيته ورجائه، والسير في العبادات والأعمال على النهجالشرعي طبق السنة الشريفة، وخلافا للبدعة السيئة التي يحظر الإسلام التلبس بها»
(منكتاب العلامة المجاهد الشيخ محمد الحامد لعبد الحميد طهماز).


وقال الأستاذالأديب عباس محمود العقاد:
«ظل المتصوفة والمنتسبون إلى الطرق الصوفية من المتأخرينيبرؤون من القول بالحلول ووحدة الوجود وإسقاط التكاليف، ويعتزلون من يقول بها علىوجوهها المنقولة من الديانات الوثنية..

وهذا الفارق الفاصل بين الصوفية الإسلاميةوالصوفية الدخيلة الذي أوهم فريقا من المستشرقين أن التصوف كله مستعار من الهندوفارس أو من الأفلاطونية الحديثة»
(من كتاب التفكير فريضة إسلامية) .


أما عنجهادهم في نشر الإسلام والذود عن حياضه بالغالي والنفيس وبذل النفس رخيصة في سبيلالله تعالى فالحديث يطول، وبحسب القارئ أن يعلم أن الصوفية كانوا - وإلى عهد قريب - عدة الملوك والخلفاء للقتال، ينفرون خفافا وثقالا.
قال الشيخ محمد راغب الطباخرحمه الله:
«ومن جليل أعمال الصوفية وآثارهم الحسنة في الأمة الإسلامية أن الملوكوالأمراء متى قصدوا الجهاد، كان كثير من هؤلاء بإيعاز وبغير إيعاز يحرضون اتباعهمعلى الخروج إلى الجهاد، ولعظيم اعتقادهم فيهم وانقيادهم كانوا يبتدرون إلى الانتظامفي سلك المجاهدين، فيجتمع بذلك عدد عظيم من أطراف ممالكهم، وكثيرا ما كان أولئكيرافقون الجيوش بأنفسهم ويدافعون ويحرضون؛ فيكون ذلك سببا للظفر والنصر، وإذا تتبعتبطون التاريخ وجدت من ذلك شيئا كثيرا»
(الثقافة الإسلامية للشيخ رحمهالله) .


وقال أمير البيان شكيب أرسلان:
«فالقادرية - إحدى طرق الصوفية - هم أحمسمبشري الدين الإسلامي في غربي إفريقيا من السنغال إلى بنين.. وهم ينشرون الإسلامبطريقة سلمية بالتجارة والتعليم.. فيلقنون صغار الزنج الدين الإسلامي أثناء التعليمويرسلون النجباء من تلاميذهم على نفقة الزوايا إلى مدارس طرابلس والقيروان وجامعالقرويين بفاس والجامع الأزهر بمصر.. وبواسطة أنوار هذه الطريقة زالت البدع من بينالبربر وتمسكوا بالسنة والجماعة»
(من كتاب حاضر العالم الاسلامي) .


وقال الدكتورعبد الرحمن بدوي: «للصوفية وخصوصا للطرق الصوفية المنتظمة دور هائل في نشر الدعوةالإسلامية في خارج دار الإسلام»
(تاريخ التصوف الإسلامي ص/25).
وقال أيضا: «دورالصوفية في الجهاد، المرابطة في الثغور الاسلامية لحمايتها ضد المعتدين على حدوددار الإسلام، والتصوف الاسلامي نشأ وتطور واستمر الى عهد قريب مجاهدا أو مرابطا،والرباطات وهي قلاع حربية حصينة، كانت في أصلها وتطورها خانقاهات للصوفية المرابطينفيها للجهاد ضد أعداء المسلمين» (من المصدر السابق).


وما جهاد المسلمين في الهندللاستعمار البريطاني منا ببعيد، وذلك بقيادة سيد الطائفة الصوفية الحاج امداد اللهوخلفائه الإمام النانوتوي والإمام الكنكوهي والحافظ ضامن الشهيد وغيرهم رحمهم اللهوألحقنا بهم معافين.
وجهاد الصوفية المشرف في آسيا ضد الروس القياصرة والبلاشفةمن بعدهم لا يخفى على من طالع كتب التاريخ.


يقول الأستاذ الدكتور محمد عليالبار:
«يجهل أكثر المثقفين الأدوار البطولية العظيمة التي قام بها علماء الإسلامومشايخ الطرق الصوفية في نشر الإسلام في المناطق الشاسعة التي دخلت في الإسلام علىامتداد القرون، في ما يعرف اليوم بالاتحاد السوفياتي... وعندما توقف المد العسكريفي القرن الرابع الهجري، وتوقفت الفتوحات عند حدود الصين والتركستان الشرقية، قامالعلماء ومشايخ الطرق الصوفية ومريدوهم من التجار بنشر الإسلام في الأصقاعالواسعة...»
(من كتاب «المسلمون في الاتحاد السوفياتي» للدكتور محمد علي البار 1/389 – 390).


وقال أيضا: «وقد انتشرت بينهم - التركمان - الطرق الصوفية التيكان لها دور كبير في إسلامهم ثم في تعميق الاسلام فيهم وإبقاء جذوته مشتعلة فيقلوبهم، والتي يوجهها ويقودها السادة من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم» (1/368).


وقال أيضا عن الطريقة النقشبندية:
«تتمتع بشعبية واسعة في جميع الاتحادالسوفياتي.. ومركزها الرئيس في بخارى، وقد قاد رجال هذه الطريقة الجهاد ضد الغازينالبوذيين الأوبروت في القرنين السابع والثامن عشر الميلادي في قرغيزيا، ما جعل لهذهالطريقة شعبية كبيرة بين القرغيز تشبه الى حد كبير إكبار الناس لهذه الطريقة فيالقوقاس، حيث أخرجت الإمام الملا محمد والإمام محد شامل وحركة المريدين التي قاومتالغزو الروسي للداغستان والقوقاس لأكثر من 137 عاما، والذي كان من آخر ابطالهاالإمام نجم الدين غوستو الذي أعلن استقلال الداغستان سنة 1337 هـ 1918 م» (1/378).


رسائل النور

ولا ننسى ما قام به العلامة بديع الزمان النورسي، وهومن أعلام الصوفية الكبار، من إصلاح أفنى فيه حياته لكي يشعل النور في غياهب الظلماتالتي تلت إسقاط الخلافة الإسلامية العثمانية، وها هي رسائل النور إلى يومنا هذاتبعث النور والدفء في قلوب النشء الإسلامي في تركيا والعالم الإسلاميأجمع.


وكذلك جهاد الصوفية السنوسية ضد الاستعمار الإيطالي وبطولاتهم التي صارتمضرب المثل في الفداء والبسالة، والتي توجت باستشهاد الليث عمر المختار رحمه اللهتعالى.
وقريب منه الحركة الجهادية في الجزائر التي كانت بقيادة الأمير المجاهدالعالم الصوفي عبد القادر الحسني الجزائري رحمه الله.


كل هذا الخير والعملالمبارك المبرور للصوفية، يجعلنا نصدع بأن ما يشاع على سبيل الإطلاق من ذم الصوفيةظلم للحقيقة وجناية على التاريخ.


نعم لقد شاب التصوف الإسلامي بعض الانحرافاتوالمخالفات والبدع، ولكن عند التحقيق نجد أن الصوفية الحقة بريئة كل البراءة مماألحقه فيها بعض من ينتسبون إليها زورا، أو بعض الغلاة الذين ابتعدوا بفهمهم عنالصوفية الحقة القائمة على نهج القرآن والسنة.


قال العلامة زروق:
«فغلاةالمتصوفة كأهل الأهواء من الأصوليين، وكالمطعون عليهم من المتفقهين، يرد قولهمويجتنب فعلهم، ولا يترك المذهب الحق الثابت بنسبتهم إليه وظهورهم فيه»
(من كتابقواعد التصوف القاعدة 35).


وقال الحافظ السيوطي بعد أن ذكر أصل علم التصوف وأثنىعليه:
«وعلمت أيضا أنه كثر فيه الدخيل من قوم تشبهوا بأهله وليسوا منهم، فأدخلوافيه ما ليس منه فأدى ذلك الى إساءة الظن بالجميع، فوجه أهل العلم للتمييز بينالصنفين ليعلم أهل الحق من أهل الباطل، وقد تأملت الأمور التي أنكرها أئمة الشرععلى الصوفية، فلم أر صوفيا محققا يقول بشيء منها، وإنما يقول بها أهل البدع والغلاةالذين ادعوا أنهم صوفية وليسوا منهم»
(من كتاب تأييد الحقيقة العليةص/57).

أوزار الأوعياء
وقال العلامة ابن عابدين في معرض بيان البدع الحادثةفي مجالس العزاء والمآتم والختمات والتي ابتدعها أشخاص تزيوا بزي الصوفية وانتحلوااسمهم، قال بعد إنكاره لها:
«ولا كلام لنا مع الصدق من ساداتنا الصوفية المبرئين عنكل خصلة ردية»
(من رسالة شفاء العليل لابن عابدين).


وقال الأستاذ العقاد رحمهالله بحق: «وليس من الإنصاف أن تحمل على التصوف أوزار الأدعياء واللصقاء الذينيندسون في صفوفه نفاقا واحتيالا أو جهلا أو فضولا، فإنه ما من نحلة في القديموالحديث سلمت من أوزار اللصقاء الذين ينتمون إليها من غيرها أهلها»
(من كتابالتفكير فريضة إسلامية).


إلى هنا أرجو أن أكون جليت الأمر، وأوصلت الصورةالحقيقية الناصعة للصوفية الحقة للقارئ، ولا يعكر على ما مر، ما ينسب إلى بعض أعلامالصوفية من كلمات وأقوال تناقض في ظاهرها الشرع، كلا، وللعلماء المحققين توجيهاتصحيحة لأكثرها؛ على أن أغلب ما ينسب إلى أكابر الصوفية من هذه الكلمات مكذوب ومنحولومدسوس عليهم زورا وبهتانا وحسدا من أجل إيغار صدور ولاة الأمر والعامة عليهم، وقدكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضعت عليه أحاديث ركبت لها أسانيد باطلة،فلا غرابة إن وضع على هؤلاء العلماء.


ثم نقول لمن يحتج علينا بالأشخاص، دع عنكالأشخاص ولنتكلم في الأفكار والمبادئ، فهذه مبادئ الصوفية مبينة موضحة في أمهاتكتبهم، التعرف للكلاباذي، والرسالة للقشيري، والقوت لأبي طالب المكي، والإحياءوقواعد التصوف والحكم والعوارف، فإن كان لكم اعتراض عليها، فخصمكم في هذا النزاعليس نحن، بل التاريخ الإسلامي بأجمعه، وقد نقلنا طرفا من أقوال أعلامه.


أما إذاكنتم تقرون هذه المبادئ - وهو ما نأمله - فميزاننا وميزانكم هي، كل ما خالفها منأفعال المنتسبين للصوفية مرفوض من قبلنا وقبلكم.
والذي يلزم المسلم في دينه أنيبادر بنفي كل ما يشين عمن ثبتت فضيلته وفاح شذا صدقه من العلماء العاملين الذينشهد لهم التاريخ والأمة بالفضل والعلم.
ثم عليه أن يعلم أن كل ما خالف الكتابوالسنة هو مرفوض مردود كأننا من كان قائله، وأن الصوفية الحقة بريئة من كل ما ناقضالشرع وخالف طريق الرسول صلى الله عليه وسلم.


وأخيرا..
فإنني أذكر نفسي وإخوانيبقول الحق تبارك وتعالى:
«ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقربللتقوى واتقوا الله»،
وقوله سبحانه: «وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل»،
وقوله عز من قائل: «وإذا قلتم فاعدلوا».


وأقول: إن لأولياء الله تعالى حرمة عندربهم، وإن الله تعالى لم يتوعد على ذنب بالحرب إلا على ذنبين، الربا وإيذاءالصالحين، فقال لأكلة الربا بعد أن وعظهم وحثهم على التوبة:
«فإن لم تفعلوا فأذنوابحرب من الله»،
وقال في إيذاء أوليائه في الحديث القدسي: «من آذى لي وليا فقد آذنتهبالحرب».

فلنحذر غاية الحذر من إيذاء أولياء الله تعالى، ولنكن لهذه النصوص علىذكر، ولا يجرنا اللدد إلى غمط الناس وبطر الحق.
اللهم اهدنا وإخواننا المسلمينبهداك واجعل عملنا في رضاك، واملأ قلوبنا بحب أوليائك الصالحين، وارزقنا الأدبمعهم، واجعلنا من أهل الغيرة عليهم وعلى أعراضهم. آمين.