الرد على من يفتري أن والدي النبي في النار (من الفرزدقي )
11-11-2007, 11:05 PM
الرد على من يفتري أن والدي النبي في النار
تعقيب على بعض الردود التي صدرت منهم إثبات أن والدي المصطفى في النار و العياذ بالله مستشهدين ببعض الأقوال الشاذة ..
في البداية أحب أن أنبه إلى أن الموضوع طويل ..
وأني سأقتصر في الجواب على ثلاثة نواح :
أولا : في إثبات أن القران حاكم على السنة وأنه إذا ورد حديث آحاد يخالف نصا قرآنيا وجب التمسك بالكتاب العزيز وترك الحديث الذي يحتمل الخطأ والصواب .
ثانيا : في إثبات أن أهل الجاهلية ومنهم والدا التبي صلى الله عليه وآله سلم وأجداده هم من أهل الفترة خلافا لما ادعاه الألباني .
ثالثا : في إثبات أن أهل الفترة ناجون وغير معذبين ..
وبذلك يتم مقصودنا في الجواب على كلام الأخ وإذا كان لديه أي تعليق فليذكره لنا مشكورا ..
وعلى كل الأحوال فالمسألة ليست من أصول الدين .. فالخلاف فيها سائغ .. ولكن دفاعا عن والدي النبي صلى الله عليه وآله سلم ولعظم مكانتهما في قلوب كل المسلمين أحببنا الاتساع في هذه المسألة .. وإلا فالمسألة مبحوثة في كتب أهل العلم ولا حاجة إعادة الكلام ..
أولا :
إن مما يجب التنبه إليه عند تصحيح الحديث أو تضعيفه أو عند قبوله أو رده عرض ما جاء فيه من الأفكار على كتاب الله تعالى وهذه نقطة مهمة جدا غفل عنها كثير من المشتغلين بعلوم الحديث النبوي الشريف ..
- والقاعدة في هذا :
أن حديث الآحاد مقبول إذا خلا معناه مما يعارض القرآن ، وقد جاءت نصوص القرآن والسنة وعمل الصحابة وسلف الأمة والمحدثين وأهل العلم بتقرير هذه القاعدة ، ولا أظن عاقلا يخالف هذا بعد إدراكه ..
ومما نذكره من الأدلة على هذه القاعدة ولم نذكرها كلها خوف التطويل :
1- ثبت عن أبي حميد وأبي أسيد رضي الله عنهما عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله سلم أنه قال ( إذا سمعتم الحديث عني تعرفه قلوبكم وتلين له أشعاركم وأبشاركم وترون أنه منكم قريب فأنا أولاكم به ، وإذا سمعتم الحديث عني تنكره قلوبكم وتنفر منه أشعاركم وأبشاركم وترون أنه منكم بعيد فأنا أبعدكم منه ) وهو حديث صحيح صححه شيخكم الألباني في صحيحته ( 2/369)
2- وعن أبي هريرة رضي الله تعالى قال رسول الله صلى الله عليه وآله سلم ( إذا حدثتم عني حديثا تعرفونه ولا تنكرونه فصدقوا به قلته أو لم أقله فإني أقول ما تعرفونه ولا تنكرونه ، وإذا حدثتم عني حديثا تنكرونه ولا تعرفونه فكذبوا به فإني لا اقول ما تنكرونه وأقول ما تعرفونه ) رواه الطحاوي في مشكل الأثار 14-347 وهو حسن .
3- وعن أبي أيوب الأنصاري وعوف ابن مالك الأشجعي وعبدالله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وآله سلم قال ( أطيعوني ما كنت بين أظهركم وعليكم بكتاب الله عز وجل أحلوا حلاله وحرموا حرامه ) رواه الطبراني في الكبير 18-38 وصححه الألباني في صحيحته 3/458
ووجه الاستدلال منه أن النبي صلى الله عليه وآله سلم أمر بالتمسك بكتاب الله تعالى بعد وفاته لأن الحديث المروي عنه صلى الله عليه وآله سلم يمكن أن يتلاعب به بعض الناس أو يدسوا فيه ما يوافق أهواءهم خلافا لكتاب الله تعالى الذي تكفل الله بحفظه وفي حياته صلى الله عليه وآله سلم يمكن للإنسان أن يستوثق منه صلى الله عليه وآله سلم شخصيا ..
وهذا كما هو ظاهر دليل واضح على وجوب عرض الحديث على القران وعلى أن القران هو الحاكم على الحديث لا العكس ..
وهناك أدلة كثيرة على هذه القاعدة من عمل الصحابة نشير إليها :
1- رد سيدنا عمر بن الخطاب لحديث فاطمة بن قيس في قضية النفقة والسكنى للمطلقة ثلاثا وقال لها ( لا نترك كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة لا ندري حفظت أو نسيت ) كما في مسلم 2/1118
2- ورد السيدة عائشة على سيدنا عمر وابنه عبدالله في مسألة تعذيب الميت ببكاء أهله عليه لأنه معارض لقوله تعالى ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) وهو في البخاري 3/151
وكذلك رد الإمام أحمد بن حنبل حديث ( رفع عن أمتي النسيان والخطأ وما استكرهوا عليه ) فقال كما نقل الحافظ ابن حجر في تلخيص الحبير 1/282
(ونقل الخلال عن أحمد قال : من زعم أن الخطأ والنسيان مرفوع فقد خالف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فإن الله في قتل النفس الخطأ الكفارة )
ورد المحدثون كالبخاري والمديني حديث مسلم ( خلق الله التربة يوم السبت …) وذكر الخلق في سبعة أيام وهذا يعارض القران الذي فيه خلق السماوات والأرض في ستة أيام كما ذكر ذلك ابن كثير في تفسير قوله تعالى ( إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ) 2/230 ..
وقد نص على هذه القاعدة الحافظ الخطيب البغدادي في كتابه الفقيه والمتفقه فقال ( وإذا روى الثقة المأمون خبرا متصل الإسناد رد بأمور : أن يخالف نص الكتاب أو السنة المتواترة فيعلم أنه لا أصل له أو منسوخ ) ص132
ثانيا :
إذا علمت ذلك عرفت أن والديه صلى الله عليه وآله سلم وأجداده ناجون لأنهم من أهل الفترة وهذا مقطوع به وما ورد من أحاديث الآحاد مما يخالف ذلك فلا يجوز الأخذ بها إطلاقا لأن العاقل لا يمكن أن يترك نصا مقطوعا به في القرآن الكريم ويأخذ بحديث آحاد خالفه كما قرر ذلك العلماء في علم الأصول ومصطلح الحديث وقواعده وغير ذلك مما سبق ..
ومنه يتضح أن كلام الألباني الذي نقله الأخ ليس صحيحا ، أو على الأقل ليس هو قول جمهور الأمة كما نقله الأخ ، فهناك قول قوي آخر يقول بنجاة أهل الفترة اعتمادا على الآيات القرآنية التي هي أقوي من أحاديث الآحاد التي استدل بها ..
وأما دعواه بأن أهل الجاهلية ليسوا من أهل الفترة إذ لو كانوا كذلك لما استحقوا العذاب كما ذكر الأخ وننقل من كلامه :
(قوله صلى الله عليه وسلم: رأيت عمرو بن عامر الخزاعي يجر قصبة في النار ؛ كان أول من سيب السوائب. رواه الشيخان.
وفي روايه.. كان أول من غير دين إسماعيل..
2- سألوه عليه الصلاة والسلام عن عبدالله بن جدعان فقالوا: كان يقري الضيف ، ويعتق ، ويتصدق ، فهل ينفعه ذلك يوم القيامه؟ فقال: لا ، إنه لم يقل يوما: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين.. رواه مسلم.
3- أنه صلى الله عليه وسلم مر بنخل فسمع صوتا ( يعني: من قبر) ، فقال: ما هذا. قالوا: قبر رجل دفن في الجاهليه. فقال صلى الله عليه وسلم: لولا أن تدافنوا ؛ لدعوت الله عز وجل أن يسمعكم من عذاب القبر ما أسمعني.. رواه أحمد من طرق عن أنس ، وعن جابر ، وله شواهد من حديث زيد بن ثابت عند مسلم وأحمد ، وهو مخرج في الصحيحه (158 و 159) .
فهذه أحاديث آحاد متكلم في أسانيدها ومتونها وهي معارضة للقران .. وللآيات الكريمات الصريحات في كونهم لم تأتهم دعوة مثل قوله تعالى ( لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون ) وقوله تعالى ( وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير ) وقوله تعالى ( أم آتيناهم كتاب من قبله فهم به مستمسكون ) ، والنووي والبيهقي رحمهما الله أخطآ في هذه المسألة والعجيب ممن يقلدهما في خطئهما هذا وهو يدعي الاجتهاد ويأمر الناس بعدم التقليد !!
ثالثا :
وإذا تقرر أن أهل الجاهلية ومنهم والدي النبي صلى الله عليه وآله سلم وأجداده أنهم من أهل الفترة ، فنتعرض لحكم أهل الفترة وهم كما عرفهم في القاموس ( الفترة ما بين كل نبيين ) ، وقد اختلف في حكمهم ونقول نحن بنجاتهم استنادا إلى الأدلة التالية :
الإسلام دين الرحمة والعدل ، ساد جميع الأديان ، وعامل الناس بهذه الرحمة والعدالة ، فقد قال تعالى واصفا إرسال نبيه عليه الصلاة والسلام : { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين } [ الأنبياء : 107] .
وقال عليه الصلاة والسلام: (( أنا نبي الرحمة )) أخرجه أحمد في المسند 4/ 395.
وقال أيضا: (( وإنما بعثني رحمة للعالمين )) أخرجه أحمد في المسند 5/ 437.
وفي جانب العدالة يقول تعالى : { ونضع الموازين القسط ليوم القيامة ، فلا تُظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبَّة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين } [الأنبياء : 47] .
وقال تعالى : { إنَّ هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم } [ الإسراء : 9] .
فمن مظاهر الرحمة والعدالة : رفع المؤاخذة والعقوبة عمن لم تصله دعوة الإسلام ، وهذا هو منطق العدل والصواب ، فكيف يؤاخذ شخص بنتائج وعقوبات من لم يتمسك بدين ، وهو لم يسمع بهذا الدين ولم يعلم به ؟
إن الغرابة كلَّ الغرابة حاصلة بهذه المؤاخذة والمعاقبة ، والعدل كل العدل بترك مؤاخذة المرء بما لم يعلم به ، فمن هذا الباب رفع الإسلام الحرج عن الذين لم تصلهم الدعوة .
وقد سئل الإمام الشافعي رحمه الله تعالى عن صفات الله ، وما يؤمن به ؟
فقال : لله تعالى أسماء وصفات جاء بها كتابه ، وأخبر بها نبيه أمته ،ولا يسع أحدا من خلق الله قامت عليه الحجة ردها ؛ لأن القرآن نزل بها ، وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم القول بها ، فيما روى عنه العدول ، فإن خالف بعد ذلك بعد ثبوت الحجة عليه ، فهو كافر ، فأما قبل ثبوت الحجة عليه ، فمعذور بالجهل ؛ لأن علم ذلك لا يقدر عليه بالعقل ، ولا بالروية ، والقلب ، والفكر ، و لانكفر بالجهل بها أحدا إلا بعد انتهاء الخبر إليه به . مختصر العلو ، للذهبي ، ص : 177
والأدلة الشرعية في هذا الموضوع كثيرة ، فقد نص القرآن الكريم في كثير من آياته على هذه المسألة ، ونذكر هاهنا أهم ما ورد في ذلك خوف الإطالة :
الدليل الأول : قوله تعالى : { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } [ الإسراء : 15]
فلا عقاب قبل الشرع بحكم هذه الآية .
قال الشاطبي: جرت سنته سبحانه في خلقه : أنه لايؤاخذ بالمخالفة إلا بعد إرسال الرسل ، فإذا قامت الحجة عليهم ؛ فمن شاء فليؤمن ، ومن شاء فليكفر ، ولكل جزاء مثله . الموافقات 3/377 .
قال القاسمي : محاسن التأويل 10/ 213
في معنى الآية : وما صحَّ ، وما استقام منا ، بل استحال في سنَّتنا المبنية على الحِكم البالغة ، أن نعذِّب قوما حتى نبعث إليهم رسولا يهديهم إلى الحق ، ويردعهم عن الضلال ؛ لإقامة الحجة ، وقطعاً للعذر .
والعذاب أعمُّ من الدنيوي والأخروي ، أي : فهو يشملهما ، وليس مختصا بأحدهما .
وقال ابن تيمية في مجموع الفتاوى 13 /493 : إن الكتاب والسنة قد دلت على أن الله لايعذب أحدا إلا بعد إبلاغ الرسالة ، فمن لم تبلغه جملة ، لم يعذِّبه رأسا ، ومن بلغته جملة دون بعض التفصيل ، لم يعذِّبه إلا على إنكار ما قامت عليه الحجة الرسالية .
الدليل الثاني : قوله تعالى : { رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكونَ للناس على الله حجَّةٌ بعد الرسل ،و كان الله عزيزا حكيما } [النساء : 165] .
وقال البرسوي تفسير روح البيان 2/ 324 :
والمعنى : لئلا يكون للناس على الله معذرة يوم القيامة يعتذرون بها ، قائلين : لولا أرسلتَ إلينا رسولا فيبين لنا شرائعك ، ويعلمنا ما لم نكن نعلم من أحكامك ، وينبهنا من سَنة الغفلة ، لقصور القوة البشرية عن إدراك جزئيات المصالح ، وعجز أكثر الناس عن إدراك كلياتها .
ففيه تنبيهٌ على أنَّ بعثة الأنبياء إلى الناس ضرورة ، وإنما سميت المعذرةُ حجةً مع استحالة أن يكون لأحد عليه سبحانه حجة في فعلٍ من أفعاله ، بل أن يفعل ما يشاء ، للتنبيه على أن المعذرة في القبول عنده تعالى بمقتضى كرمه ورحمته ، لعباده بمنزلة الحجة القاطعة التي لا مردَّ لها .
الدليل الثالث : قوله تعالى : { ولو أنا أهلكناهم بعذابٍ من قبله ، لقالوا ربنا لولا أرسلتَ إلينا رسولا فنتبعَ آياتك من قبل أنْ نذلَّ ونخزى } [ سورة طه ، آية : 134] .
جاء في روح المعاني للبروسوي 16/ 286 :
قوله تعالى : { من قبله } أي : من قبل الرسول ، أي قبل إرسال محمد صلى الله عليه وسلم ، { فنتبع آياتك } التي جاءنا بها { من قبل أن نذل } بالعذاب في الدنيا ، { ونخزى } بدخول النار اليوم .
والمراد : أنا لو اهلكناهم قبل ذلك ، لقالوا ، ولكنَّا لن نهلكهم قبله ، فانقطعت معذرتهم .
ولو أردنا أن نتسع في الموضوع لنقلنا نقولا كثيرة كما جمع في ذلك الإمام السيوطي في رسالته القيمة ( مسالك الحنفا في والدي المصطفى ) المطبوعة في كتابة الحاوي 2/202 فليرجع إليها من أراد الاستزادة ..
29 الفرزدقي
تعقيب على بعض الردود التي صدرت منهم إثبات أن والدي المصطفى في النار و العياذ بالله مستشهدين ببعض الأقوال الشاذة ..
في البداية أحب أن أنبه إلى أن الموضوع طويل ..
وأني سأقتصر في الجواب على ثلاثة نواح :
أولا : في إثبات أن القران حاكم على السنة وأنه إذا ورد حديث آحاد يخالف نصا قرآنيا وجب التمسك بالكتاب العزيز وترك الحديث الذي يحتمل الخطأ والصواب .
ثانيا : في إثبات أن أهل الجاهلية ومنهم والدا التبي صلى الله عليه وآله سلم وأجداده هم من أهل الفترة خلافا لما ادعاه الألباني .
ثالثا : في إثبات أن أهل الفترة ناجون وغير معذبين ..
وبذلك يتم مقصودنا في الجواب على كلام الأخ وإذا كان لديه أي تعليق فليذكره لنا مشكورا ..
وعلى كل الأحوال فالمسألة ليست من أصول الدين .. فالخلاف فيها سائغ .. ولكن دفاعا عن والدي النبي صلى الله عليه وآله سلم ولعظم مكانتهما في قلوب كل المسلمين أحببنا الاتساع في هذه المسألة .. وإلا فالمسألة مبحوثة في كتب أهل العلم ولا حاجة إعادة الكلام ..
أولا :
إن مما يجب التنبه إليه عند تصحيح الحديث أو تضعيفه أو عند قبوله أو رده عرض ما جاء فيه من الأفكار على كتاب الله تعالى وهذه نقطة مهمة جدا غفل عنها كثير من المشتغلين بعلوم الحديث النبوي الشريف ..
- والقاعدة في هذا :
أن حديث الآحاد مقبول إذا خلا معناه مما يعارض القرآن ، وقد جاءت نصوص القرآن والسنة وعمل الصحابة وسلف الأمة والمحدثين وأهل العلم بتقرير هذه القاعدة ، ولا أظن عاقلا يخالف هذا بعد إدراكه ..
ومما نذكره من الأدلة على هذه القاعدة ولم نذكرها كلها خوف التطويل :
1- ثبت عن أبي حميد وأبي أسيد رضي الله عنهما عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله سلم أنه قال ( إذا سمعتم الحديث عني تعرفه قلوبكم وتلين له أشعاركم وأبشاركم وترون أنه منكم قريب فأنا أولاكم به ، وإذا سمعتم الحديث عني تنكره قلوبكم وتنفر منه أشعاركم وأبشاركم وترون أنه منكم بعيد فأنا أبعدكم منه ) وهو حديث صحيح صححه شيخكم الألباني في صحيحته ( 2/369)
2- وعن أبي هريرة رضي الله تعالى قال رسول الله صلى الله عليه وآله سلم ( إذا حدثتم عني حديثا تعرفونه ولا تنكرونه فصدقوا به قلته أو لم أقله فإني أقول ما تعرفونه ولا تنكرونه ، وإذا حدثتم عني حديثا تنكرونه ولا تعرفونه فكذبوا به فإني لا اقول ما تنكرونه وأقول ما تعرفونه ) رواه الطحاوي في مشكل الأثار 14-347 وهو حسن .
3- وعن أبي أيوب الأنصاري وعوف ابن مالك الأشجعي وعبدالله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وآله سلم قال ( أطيعوني ما كنت بين أظهركم وعليكم بكتاب الله عز وجل أحلوا حلاله وحرموا حرامه ) رواه الطبراني في الكبير 18-38 وصححه الألباني في صحيحته 3/458
ووجه الاستدلال منه أن النبي صلى الله عليه وآله سلم أمر بالتمسك بكتاب الله تعالى بعد وفاته لأن الحديث المروي عنه صلى الله عليه وآله سلم يمكن أن يتلاعب به بعض الناس أو يدسوا فيه ما يوافق أهواءهم خلافا لكتاب الله تعالى الذي تكفل الله بحفظه وفي حياته صلى الله عليه وآله سلم يمكن للإنسان أن يستوثق منه صلى الله عليه وآله سلم شخصيا ..
وهذا كما هو ظاهر دليل واضح على وجوب عرض الحديث على القران وعلى أن القران هو الحاكم على الحديث لا العكس ..
وهناك أدلة كثيرة على هذه القاعدة من عمل الصحابة نشير إليها :
1- رد سيدنا عمر بن الخطاب لحديث فاطمة بن قيس في قضية النفقة والسكنى للمطلقة ثلاثا وقال لها ( لا نترك كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة لا ندري حفظت أو نسيت ) كما في مسلم 2/1118
2- ورد السيدة عائشة على سيدنا عمر وابنه عبدالله في مسألة تعذيب الميت ببكاء أهله عليه لأنه معارض لقوله تعالى ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) وهو في البخاري 3/151
وكذلك رد الإمام أحمد بن حنبل حديث ( رفع عن أمتي النسيان والخطأ وما استكرهوا عليه ) فقال كما نقل الحافظ ابن حجر في تلخيص الحبير 1/282
(ونقل الخلال عن أحمد قال : من زعم أن الخطأ والنسيان مرفوع فقد خالف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فإن الله في قتل النفس الخطأ الكفارة )
ورد المحدثون كالبخاري والمديني حديث مسلم ( خلق الله التربة يوم السبت …) وذكر الخلق في سبعة أيام وهذا يعارض القران الذي فيه خلق السماوات والأرض في ستة أيام كما ذكر ذلك ابن كثير في تفسير قوله تعالى ( إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ) 2/230 ..
وقد نص على هذه القاعدة الحافظ الخطيب البغدادي في كتابه الفقيه والمتفقه فقال ( وإذا روى الثقة المأمون خبرا متصل الإسناد رد بأمور : أن يخالف نص الكتاب أو السنة المتواترة فيعلم أنه لا أصل له أو منسوخ ) ص132
ثانيا :
إذا علمت ذلك عرفت أن والديه صلى الله عليه وآله سلم وأجداده ناجون لأنهم من أهل الفترة وهذا مقطوع به وما ورد من أحاديث الآحاد مما يخالف ذلك فلا يجوز الأخذ بها إطلاقا لأن العاقل لا يمكن أن يترك نصا مقطوعا به في القرآن الكريم ويأخذ بحديث آحاد خالفه كما قرر ذلك العلماء في علم الأصول ومصطلح الحديث وقواعده وغير ذلك مما سبق ..
ومنه يتضح أن كلام الألباني الذي نقله الأخ ليس صحيحا ، أو على الأقل ليس هو قول جمهور الأمة كما نقله الأخ ، فهناك قول قوي آخر يقول بنجاة أهل الفترة اعتمادا على الآيات القرآنية التي هي أقوي من أحاديث الآحاد التي استدل بها ..
وأما دعواه بأن أهل الجاهلية ليسوا من أهل الفترة إذ لو كانوا كذلك لما استحقوا العذاب كما ذكر الأخ وننقل من كلامه :
(قوله صلى الله عليه وسلم: رأيت عمرو بن عامر الخزاعي يجر قصبة في النار ؛ كان أول من سيب السوائب. رواه الشيخان.
وفي روايه.. كان أول من غير دين إسماعيل..
2- سألوه عليه الصلاة والسلام عن عبدالله بن جدعان فقالوا: كان يقري الضيف ، ويعتق ، ويتصدق ، فهل ينفعه ذلك يوم القيامه؟ فقال: لا ، إنه لم يقل يوما: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين.. رواه مسلم.
3- أنه صلى الله عليه وسلم مر بنخل فسمع صوتا ( يعني: من قبر) ، فقال: ما هذا. قالوا: قبر رجل دفن في الجاهليه. فقال صلى الله عليه وسلم: لولا أن تدافنوا ؛ لدعوت الله عز وجل أن يسمعكم من عذاب القبر ما أسمعني.. رواه أحمد من طرق عن أنس ، وعن جابر ، وله شواهد من حديث زيد بن ثابت عند مسلم وأحمد ، وهو مخرج في الصحيحه (158 و 159) .
فهذه أحاديث آحاد متكلم في أسانيدها ومتونها وهي معارضة للقران .. وللآيات الكريمات الصريحات في كونهم لم تأتهم دعوة مثل قوله تعالى ( لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون ) وقوله تعالى ( وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير ) وقوله تعالى ( أم آتيناهم كتاب من قبله فهم به مستمسكون ) ، والنووي والبيهقي رحمهما الله أخطآ في هذه المسألة والعجيب ممن يقلدهما في خطئهما هذا وهو يدعي الاجتهاد ويأمر الناس بعدم التقليد !!
ثالثا :
وإذا تقرر أن أهل الجاهلية ومنهم والدي النبي صلى الله عليه وآله سلم وأجداده أنهم من أهل الفترة ، فنتعرض لحكم أهل الفترة وهم كما عرفهم في القاموس ( الفترة ما بين كل نبيين ) ، وقد اختلف في حكمهم ونقول نحن بنجاتهم استنادا إلى الأدلة التالية :
الإسلام دين الرحمة والعدل ، ساد جميع الأديان ، وعامل الناس بهذه الرحمة والعدالة ، فقد قال تعالى واصفا إرسال نبيه عليه الصلاة والسلام : { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين } [ الأنبياء : 107] .
وقال عليه الصلاة والسلام: (( أنا نبي الرحمة )) أخرجه أحمد في المسند 4/ 395.
وقال أيضا: (( وإنما بعثني رحمة للعالمين )) أخرجه أحمد في المسند 5/ 437.
وفي جانب العدالة يقول تعالى : { ونضع الموازين القسط ليوم القيامة ، فلا تُظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبَّة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين } [الأنبياء : 47] .
وقال تعالى : { إنَّ هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم } [ الإسراء : 9] .
فمن مظاهر الرحمة والعدالة : رفع المؤاخذة والعقوبة عمن لم تصله دعوة الإسلام ، وهذا هو منطق العدل والصواب ، فكيف يؤاخذ شخص بنتائج وعقوبات من لم يتمسك بدين ، وهو لم يسمع بهذا الدين ولم يعلم به ؟
إن الغرابة كلَّ الغرابة حاصلة بهذه المؤاخذة والمعاقبة ، والعدل كل العدل بترك مؤاخذة المرء بما لم يعلم به ، فمن هذا الباب رفع الإسلام الحرج عن الذين لم تصلهم الدعوة .
وقد سئل الإمام الشافعي رحمه الله تعالى عن صفات الله ، وما يؤمن به ؟
فقال : لله تعالى أسماء وصفات جاء بها كتابه ، وأخبر بها نبيه أمته ،ولا يسع أحدا من خلق الله قامت عليه الحجة ردها ؛ لأن القرآن نزل بها ، وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم القول بها ، فيما روى عنه العدول ، فإن خالف بعد ذلك بعد ثبوت الحجة عليه ، فهو كافر ، فأما قبل ثبوت الحجة عليه ، فمعذور بالجهل ؛ لأن علم ذلك لا يقدر عليه بالعقل ، ولا بالروية ، والقلب ، والفكر ، و لانكفر بالجهل بها أحدا إلا بعد انتهاء الخبر إليه به . مختصر العلو ، للذهبي ، ص : 177
والأدلة الشرعية في هذا الموضوع كثيرة ، فقد نص القرآن الكريم في كثير من آياته على هذه المسألة ، ونذكر هاهنا أهم ما ورد في ذلك خوف الإطالة :
الدليل الأول : قوله تعالى : { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } [ الإسراء : 15]
فلا عقاب قبل الشرع بحكم هذه الآية .
قال الشاطبي: جرت سنته سبحانه في خلقه : أنه لايؤاخذ بالمخالفة إلا بعد إرسال الرسل ، فإذا قامت الحجة عليهم ؛ فمن شاء فليؤمن ، ومن شاء فليكفر ، ولكل جزاء مثله . الموافقات 3/377 .
قال القاسمي : محاسن التأويل 10/ 213
في معنى الآية : وما صحَّ ، وما استقام منا ، بل استحال في سنَّتنا المبنية على الحِكم البالغة ، أن نعذِّب قوما حتى نبعث إليهم رسولا يهديهم إلى الحق ، ويردعهم عن الضلال ؛ لإقامة الحجة ، وقطعاً للعذر .
والعذاب أعمُّ من الدنيوي والأخروي ، أي : فهو يشملهما ، وليس مختصا بأحدهما .
وقال ابن تيمية في مجموع الفتاوى 13 /493 : إن الكتاب والسنة قد دلت على أن الله لايعذب أحدا إلا بعد إبلاغ الرسالة ، فمن لم تبلغه جملة ، لم يعذِّبه رأسا ، ومن بلغته جملة دون بعض التفصيل ، لم يعذِّبه إلا على إنكار ما قامت عليه الحجة الرسالية .
الدليل الثاني : قوله تعالى : { رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكونَ للناس على الله حجَّةٌ بعد الرسل ،و كان الله عزيزا حكيما } [النساء : 165] .
وقال البرسوي تفسير روح البيان 2/ 324 :
والمعنى : لئلا يكون للناس على الله معذرة يوم القيامة يعتذرون بها ، قائلين : لولا أرسلتَ إلينا رسولا فيبين لنا شرائعك ، ويعلمنا ما لم نكن نعلم من أحكامك ، وينبهنا من سَنة الغفلة ، لقصور القوة البشرية عن إدراك جزئيات المصالح ، وعجز أكثر الناس عن إدراك كلياتها .
ففيه تنبيهٌ على أنَّ بعثة الأنبياء إلى الناس ضرورة ، وإنما سميت المعذرةُ حجةً مع استحالة أن يكون لأحد عليه سبحانه حجة في فعلٍ من أفعاله ، بل أن يفعل ما يشاء ، للتنبيه على أن المعذرة في القبول عنده تعالى بمقتضى كرمه ورحمته ، لعباده بمنزلة الحجة القاطعة التي لا مردَّ لها .
الدليل الثالث : قوله تعالى : { ولو أنا أهلكناهم بعذابٍ من قبله ، لقالوا ربنا لولا أرسلتَ إلينا رسولا فنتبعَ آياتك من قبل أنْ نذلَّ ونخزى } [ سورة طه ، آية : 134] .
جاء في روح المعاني للبروسوي 16/ 286 :
قوله تعالى : { من قبله } أي : من قبل الرسول ، أي قبل إرسال محمد صلى الله عليه وسلم ، { فنتبع آياتك } التي جاءنا بها { من قبل أن نذل } بالعذاب في الدنيا ، { ونخزى } بدخول النار اليوم .
والمراد : أنا لو اهلكناهم قبل ذلك ، لقالوا ، ولكنَّا لن نهلكهم قبله ، فانقطعت معذرتهم .
ولو أردنا أن نتسع في الموضوع لنقلنا نقولا كثيرة كما جمع في ذلك الإمام السيوطي في رسالته القيمة ( مسالك الحنفا في والدي المصطفى ) المطبوعة في كتابة الحاوي 2/202 فليرجع إليها من أراد الاستزادة ..
29 الفرزدقي
0 comments

من مواضيعي
0 استفسار عن طريقة عرض المواضيع في الاقسام
0 بين من يتهم ببدعة المولد وبين من يرى سنية المولد
0 هل المشكلة من عندي ام من الموقع؟؟؟
0 كتاب اهل السنة والجماعة الأشاعرة شهادة علماء الامة وادلتهم
0 شكر ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،، ثم عتب
0 مُحاورات الفرزدقي (مُناظرات)
0 بين من يتهم ببدعة المولد وبين من يرى سنية المولد
0 هل المشكلة من عندي ام من الموقع؟؟؟
0 كتاب اهل السنة والجماعة الأشاعرة شهادة علماء الامة وادلتهم
0 شكر ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،، ثم عتب
0 مُحاورات الفرزدقي (مُناظرات)







