توبة
03-12-2007, 07:44 PM
تـوبـة
اقترب السّحر...
نداءٌ خافتٌ منبعثٌ وسْط الظلام ،يخترق سكونَ الليلِ، متسلقا مهْوى الأذن...
في زاوية غرفة النّوم الشرقية ،تسمع تمتمات وهمسات ...مناجاة وإجهاشَ بكاء...اقتربت في هدوء حذر أمُدّ الخطى، ورحت استرق السّمع محاولا استبيان هاتك الأصوات ...
وقفت بباب الغرفة ، متفاديا أي ضجّة أو حركة ، تعكّر صفو تلك اللّحظة المقدسةَ...
كان الموقف يبعثُ على الرّهبة والخشوع...
لمحته وسْط الظّلام ،في بؤرةِ ضوءٍ خافتٍ منبعثٍ من خلف النّافذة المطلّة على الشّارع المنير...لمحته ساجدا ...رداؤُه الأبيضُ يعكس ذلك النّور، فيزيدُ المكان قداسة وخشوعا...
كلمات خفيفةُ الصوت ، ثقيلة المعنى...مناجاة ...تسبيح...تضرع...
- آهٍ... أيّها الدّمع الحارّ المنسابُ أخاديدَ وسْط هضبات الوجه...أغْسلْها ذنوبا وخطايا وجِراحاتٍ...لا تدع لها أثرا...أمْحُها...
استغفار...استرحام...استعطاف...انكسار...
- أنتِ يا معاجم الدنيا ، اشرحي وفسري...
- أنتِ يا قلوب الدنيا ، أنصتي ...استمعي وعي...
تنهّدت...جُلت بعيني أطراف الظّلامِ المضيءِ...
- آهٍ ...يا خاطري التائه في ظلماء الأوهام ...
شعرت بقشعريرة...تملكتني رعشة، ارتعدت فرائصي...ولم أتمالك نفسي...لقد أدركت كم أنا ضعيف ...مهزوم...أسره الغرور...
- آه... أيتها اللحظة التعيسة...من يسمع ندائي الحزين...من يدركني...من ينقذني...
- أنت أيّها الغافل...أنت أيّها الضال الضائع...أنت وأنت...لم تعد إنسانا قويما عاقلا، يا ويحك... نعم لقد صرت غير ذلك...
- أيّها المسكين ...مسكين أنت ،تفرّقت بك السّبل ، ضاقت بك الأرض بما رحبت ...
كلمات رحت أسمعها بقلبي ، لا أدري أيَّ طريق سلكتْ حتىّ وصلت إلى هناك ...متأكد أنا، لم أسمعها بأذني...
تملكتني قوة وحرارة،رحلت بها إلى عالم حالم يجلّ عن الوصف...
تراجعت إلى الخلف كما تقدّمت...استدرت ،توجهت شطر حمام البيت مستندا الجدار،دخلت،أوصدت الباب خلفي في هدوء...وقفت تحت المرشاش...ماؤُه الفاتر موجاتٌ تمتد فوق الجسد المثقل بالذّنوب والهموم ودرن السّنين...تساقطت رذاذا...شعرت بها منحدرة نحو المجاري...لقد أصبح الجسد خفيفا سابحا في ملكوت الطهر المقدس ...
توضّأت ثم خرجت صوب غرفتي دخلت... نظرت من النّافذة...كانت تباشير الفجر قد لاحت ، ها قد ارتفع صوت الآذان يملأ أرجاء المدينة بترجيعه...كبّر وشهد ونادى للصلاه...
- إنها ساعة الحقيقة...هاهي قد دنت ...الحمد لله...
انصرفت إلى الخزانة...ارتديت ملابسي ...تعطّرت...وهممت بالخروج فإذا أنا وجها لوجه معه...وقعت عيناي على عينيه ...طأطأت رأسي حياء...:
- هذا أنت؟!( قالها بمضض )...كالعادة – طبعا- دخلتَ الآن...؟ !
لم أقدر على النّطق ... حاولت ...تحرّكت...كأنّي أريد قول شيء... شعر بي...استدار:
- أتريد قول شيء؟...
تمالكت نفسي ،تشجّعت ،نظرت إليه ونبست:
- ألا تريد أن ندرك الصّلاة في المسجد؟ !...
تملكته دهشة...لم يكن يتوقع كلمات كهاته...اقترب منيّ وضع يمناه على صدري متحسسا كمن يجس نبض قلبي...عرج بها إلى الأعلى...تلمّس وجهي...فلم أشعر إلا وهو يضمّني بقوة إلى صدره ...غلبته الدّموع، فلم أتمالك نفسي أنا أيضا فأجهشت بالبكاء وهمست:
- تبت إلى الله...
- فقال:الحمد لله...
- نعم...لقد تبتُ ...تبتُ إلى الله...
- إن الله يحب التوابين...
ثم أرسلني،فإذا عيناه تلمعان ودموعه حبّات لؤلؤ تناثرت على صفحتي خدِّه...راح يمسحها كأنّه يجمعها... ابتسم ثم أمسك بيدي وسرنا كأنّنا الرّوح والجسد...
- إنّه أخي وكنت الأصغر...
جعفر الشلفي
بوقدير في 19فبراير2007
اقترب السّحر...
نداءٌ خافتٌ منبعثٌ وسْط الظلام ،يخترق سكونَ الليلِ، متسلقا مهْوى الأذن...
في زاوية غرفة النّوم الشرقية ،تسمع تمتمات وهمسات ...مناجاة وإجهاشَ بكاء...اقتربت في هدوء حذر أمُدّ الخطى، ورحت استرق السّمع محاولا استبيان هاتك الأصوات ...
وقفت بباب الغرفة ، متفاديا أي ضجّة أو حركة ، تعكّر صفو تلك اللّحظة المقدسةَ...
كان الموقف يبعثُ على الرّهبة والخشوع...
لمحته وسْط الظّلام ،في بؤرةِ ضوءٍ خافتٍ منبعثٍ من خلف النّافذة المطلّة على الشّارع المنير...لمحته ساجدا ...رداؤُه الأبيضُ يعكس ذلك النّور، فيزيدُ المكان قداسة وخشوعا...
كلمات خفيفةُ الصوت ، ثقيلة المعنى...مناجاة ...تسبيح...تضرع...
- آهٍ... أيّها الدّمع الحارّ المنسابُ أخاديدَ وسْط هضبات الوجه...أغْسلْها ذنوبا وخطايا وجِراحاتٍ...لا تدع لها أثرا...أمْحُها...
استغفار...استرحام...استعطاف...انكسار...
- أنتِ يا معاجم الدنيا ، اشرحي وفسري...
- أنتِ يا قلوب الدنيا ، أنصتي ...استمعي وعي...
تنهّدت...جُلت بعيني أطراف الظّلامِ المضيءِ...
- آهٍ ...يا خاطري التائه في ظلماء الأوهام ...
شعرت بقشعريرة...تملكتني رعشة، ارتعدت فرائصي...ولم أتمالك نفسي...لقد أدركت كم أنا ضعيف ...مهزوم...أسره الغرور...
- آه... أيتها اللحظة التعيسة...من يسمع ندائي الحزين...من يدركني...من ينقذني...
- أنت أيّها الغافل...أنت أيّها الضال الضائع...أنت وأنت...لم تعد إنسانا قويما عاقلا، يا ويحك... نعم لقد صرت غير ذلك...
- أيّها المسكين ...مسكين أنت ،تفرّقت بك السّبل ، ضاقت بك الأرض بما رحبت ...
كلمات رحت أسمعها بقلبي ، لا أدري أيَّ طريق سلكتْ حتىّ وصلت إلى هناك ...متأكد أنا، لم أسمعها بأذني...
تملكتني قوة وحرارة،رحلت بها إلى عالم حالم يجلّ عن الوصف...
تراجعت إلى الخلف كما تقدّمت...استدرت ،توجهت شطر حمام البيت مستندا الجدار،دخلت،أوصدت الباب خلفي في هدوء...وقفت تحت المرشاش...ماؤُه الفاتر موجاتٌ تمتد فوق الجسد المثقل بالذّنوب والهموم ودرن السّنين...تساقطت رذاذا...شعرت بها منحدرة نحو المجاري...لقد أصبح الجسد خفيفا سابحا في ملكوت الطهر المقدس ...
توضّأت ثم خرجت صوب غرفتي دخلت... نظرت من النّافذة...كانت تباشير الفجر قد لاحت ، ها قد ارتفع صوت الآذان يملأ أرجاء المدينة بترجيعه...كبّر وشهد ونادى للصلاه...
- إنها ساعة الحقيقة...هاهي قد دنت ...الحمد لله...
انصرفت إلى الخزانة...ارتديت ملابسي ...تعطّرت...وهممت بالخروج فإذا أنا وجها لوجه معه...وقعت عيناي على عينيه ...طأطأت رأسي حياء...:
- هذا أنت؟!( قالها بمضض )...كالعادة – طبعا- دخلتَ الآن...؟ !
لم أقدر على النّطق ... حاولت ...تحرّكت...كأنّي أريد قول شيء... شعر بي...استدار:
- أتريد قول شيء؟...
تمالكت نفسي ،تشجّعت ،نظرت إليه ونبست:
- ألا تريد أن ندرك الصّلاة في المسجد؟ !...
تملكته دهشة...لم يكن يتوقع كلمات كهاته...اقترب منيّ وضع يمناه على صدري متحسسا كمن يجس نبض قلبي...عرج بها إلى الأعلى...تلمّس وجهي...فلم أشعر إلا وهو يضمّني بقوة إلى صدره ...غلبته الدّموع، فلم أتمالك نفسي أنا أيضا فأجهشت بالبكاء وهمست:
- تبت إلى الله...
- فقال:الحمد لله...
- نعم...لقد تبتُ ...تبتُ إلى الله...
- إن الله يحب التوابين...
ثم أرسلني،فإذا عيناه تلمعان ودموعه حبّات لؤلؤ تناثرت على صفحتي خدِّه...راح يمسحها كأنّه يجمعها... ابتسم ثم أمسك بيدي وسرنا كأنّنا الرّوح والجسد...
- إنّه أخي وكنت الأصغر...
جعفر الشلفي
بوقدير في 19فبراير2007
من مواضيعي
0 توبة
0 عذراء الشهادة
0 أسى العراق
0 الجزائر في مدونة الشعر المهجري
0 ربيع القلوب
0 طلب المساعدة
0 عذراء الشهادة
0 أسى العراق
0 الجزائر في مدونة الشعر المهجري
0 ربيع القلوب
0 طلب المساعدة







