يا حبذا الضياع في متاهة الرضاع!
09-05-2012, 02:58 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
يا حبذا الضياع في متاهة الرضاع!
مشغولون..يا حبذا الضياع في متاهة الرضاع!
ستة آلاف ألف ألف مخلوق بشري على وجه الأرض، يزيدون قليلا أو ينقصون، كل واحد منهم في شغل، إما له عبادة يعتكف عليها، أو وظيفة يكدح فيها ، أو حاجة يقضيها، أو هواية يُمر بها أوقات فراغه، لا يحصي ذلك إلا خالقهم-سبحانه- "كل يوم هو في شأن"، يرزق هذا ويمنع هذا، ويحي هذا ويميت هذا...
إذا استعرضنا في أذهاننا بعض ما يعده أفراد من الستة آلاف ألف ألف بشري على وجه الأرض شغلا، لذهب بنا التعجب كل مذهب! منهم من هوايته جمع خصلات من شعور المشاهير ،ومنهم من وظيفته تزيين الكلاب كما تزين العروس يوم الجلوة!! كثير من الخلق ضائع في شغل سخيف طريف!.
بل كل الخلق...نعم كل الخلق ...في شغل سخيف، إلا..الشغل الذي استثناه الله تعالى ورسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:" «الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها، إلا ذكر الله، وما والاه، أو عالما، أو متعلما»، فكل أشغالنا ملعونة إذا، ممحوقة البركة، إلا ثلاثة أمور:
1-ذكر الله وما أدى إليه وأعان عليه ودار في فلكه.
2-العالم الذي يعلم الناس الخير وتقوى الله تعالى وحسن عبادته (ولا يخفى أن العلم في نصوص الكتاب والسنة يراد به العلم الشرعي)
3-المتعلم الذي يتعلم الخير وتقوى الله تعالى وحسن عبادته.
متاهة العبادة..
رأيت أن مما استثناه الله تعالى من الأشغال الملعونة= العلم الشرعي، العلم المؤسس على الوحي من الكتاب والسنة، العلم الذي نعرف به: من نعبد؟ ما هي صفات معبودنا؟ ما هي أفعاله؟ ماذا يحب معبودنا فنأتيه؟ ماذا يبغض فنذره؟ كيف نعبده؟ كيف نتقرب إليه؟ كيف نستجلب رضاه؟ فنفوز في الدارين.
لذلك نجد الضائعين في هذه "المتاهة"، متاهة "عبادة رب العباد"، وهم العلماء، يتتبعون كل صغيرة أو كبيرة تتعلق بالعبادة، لا يتحركون حركة ولا يخطون خطوة إلا بدليل من كتاب أو سنة، حتى قال قائل من السلف: إن استطعت أن لا تحك رأسك إلا بسنة فافعل، ولا عجب فهم يصدرون عن مشكاة الشريعة، مقتدين بنبيهم صلى الله عليه وسلم، الذي ما ترك خيرا –عظيما كان أو حقيرا- إلا دلنا عليه، وما ترك شرا-عظيما أو حقيرا- إلا حذرنا، عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: قَالَ لَنَا الْمُشْرِكُونَ إِنِّي أَرَى صَاحِبَكُمْ يُعَلِّمُكُمْ حَتَّى يُعَلِّمَكُمُ الْخِرَاءَةَ، فَقَالَ: أَجَلْ «إِنَّهُ نَهَانَا أَنْ يَسْتَنْجِيَ أَحَدُنَا بِيَمِينِهِ، أَوْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ، وَنَهَى عَنِ الرَّوْثِ وَالْعِظَامِ» وَقَالَ: «لَا يَسْتَنْجِي أَحَدُكُمْ بِدُونِ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ»!!.
لأنهم يعلمون أنهم عباد لِلّهِ تعالى، وملك له، وهل للعبد شغل إلا خدمة سيده؟ والسعي إلى رضاه؟!لأنهم يعلمون (فَهُم علماء!) أن اقتراف المخلوق لعمل مما نهى عنه الله تعالى، ستكون له عواقب في الدنيا والآخرة.
الموقعون عن رب العالمين..
إن الفقهاء لا يختلفون خلافا طويل الذيل، ويبيضون مجلدات في مسائل خلافية نراها "سخيفة" أو "طريفة" لأجل نصرة أنفسهم، أو الدعاية لأحزابهم ، بل ليوقعوا عن رب العالمين، وينطقوا بتلك العبارة التي هي أثقل على ألسنة المتقين من الجبال =هذا حلال وهذا حرام، ولربما تأخذ المسألة التي يحقرها أحدنا (مع أشغاله العظيمة و"متاهاته" المهمة) دهرا من حياتهم، ولربما ضُرب العالم المهاب من علماء المسلمين ضربا موجعا، أهين إهانة بالغة للرجوع عن رأيه في مسألة فروعية فلا يرجع، كما فعل بإمامنا مالك رحمه الله تعالى.
متاهة الرضاع..
من "المتاهات الفقهية" التي يطرب لذكرها الظرفاء، ويتماجن بها الأدباء، مسألة الرضاع المحرِّم، ويذهلهم ما أثير حول المسألة من جدال بين العلماء، وتطويلهم في عد المصات، وإحصاء الرضعات، واستقصاء القطرات، حاسبين ذلك نوعا من العبث و"الضياع"، متعجبين من عدم اهتداء العلماء إلى عقد مؤتمر دولي للفصل في هذه القضية، بحيث يتنازل بعضهم عن رأيه، أو على الأقل "يتكتلون" كتلا متراكمة تقلل من الأقوال، وتقطع دابر القيل والقال، حتى لا يضيع المسلمون في مثل هذه المتاهات، ويتفرغوا لقضايا أسمى كمشاركة "لاعبي" المنتخب الوطني في كأس العالم –مثلا-.
إن فقهاء المسلمين أعقل وأذكى مما نتصور، بل يذكر أن أفرادا منهم كأبي حامد الغزالي وابن تيمية من أذكى أهل الدنيا، وزادهم الله تعالى على ذكائهم زكاة، فهم يخشون ربهم ويتقونه.
لقد طال خلاف فقهاء المسلمين في قضية الرضاع لتعارض الأدلة فيها، ولما يترتب عليها من أحكام خطيرة، في الزواج والخلوة، لقد طال خلاف فقهاء المسلمين في القضية الرضاع لأنهم يعظمون حرمات الله تعالى وشعائره، "ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب".
ووالله إني لأحسب أن طول خلاف الفقهاء في قضية الرضاع، بل في ما هو أدنى منها من قضايا الشرع أحب إلى الله تعالى وأزكى من الخلاف والجدال في الكثير من القضايا والمسائل التي تعد مصيرية، وحيوية، يستنفر لها "العقلاء" وتستجدى لها القرائح.
لماذا؟..
لماذا نستسيغ أن ينهمك الباحثون والخبراء في بحث جزئية (مجهرية) من جزئيات علم من العلوم أو معرفة من المعارف، وتبذل في سبيل ذلك الأموال العظيمة ، ويعظم في صدرونا أن يختلف فقهاؤنا في قضايا يتعلق به رضا ربنا تعالى الذي هو أعظم من كل عظيم، وأكبر من كل كبير.
لماذا نتلقى دروسا باحترام آراء "الغير"، ولو كان ذلك " الغير" طاعنا في كل مقدس من مقدسات الأمة، ثم نتهكم على أقوال الفقهاء المسلمين والعلماء الربانيين، في مسألة شرعية، تنزلت لها الآيات من لدن حكيم خبير، ونطق بها الذي لا ينطق عن الهوى.
يا حبذا الضياع في متاهة الرضاع!..
فأقول إذا: يا حبذا الضياع في متاهة الرضاع إن كان في ذلك رضا ربنا سبحانه، ويا فوز الضائعين فيها حين يلقون مليكهم فيقول فيما أفنيتم أعماركم، فيقولون في البحث عن مرادك ومراد نبيك صلى الله عليه وسلم.
من مواضيعي
0 جُنُونِيَّاتٌ جَزَائِرِيّةٌ (2): الأَشِـــعَّــــةُ فَـــــــوْقَ الــــــنّـــــَهْـــــدِيَّــــــ
0 جُنُونِيَّاتٌ جَزَائِرِيّةٌ (1): دَوْلَــــةُ "الــــحَــــفْــــصِــــيّـــِيــــنَ"..
0 "حَافِظُ الأَحْلامِ"..
0 "دَاعِــشْ".. مَـا أَكْـثَـرَ "عِـيَـالَـكَ"!
0 "أَنــَــا مُـــــجْــــــرِمٌ!.."
0 قَـنَـوَاتُ الخـَيَـالِ.. "الـبَـطْـنِـيِّ"!
0 جُنُونِيَّاتٌ جَزَائِرِيّةٌ (1): دَوْلَــــةُ "الــــحَــــفْــــصِــــيّـــِيــــنَ"..
0 "حَافِظُ الأَحْلامِ"..
0 "دَاعِــشْ".. مَـا أَكْـثَـرَ "عِـيَـالَـكَ"!
0 "أَنــَــا مُـــــجْــــــرِمٌ!.."
0 قَـنَـوَاتُ الخـَيَـالِ.. "الـبَـطْـنِـيِّ"!
التعديل الأخير تم بواسطة إخلاص ; 09-05-2012 الساعة 07:05 PM









