"أَنــَــا مُـــــجْــــــرِمٌ!.."
30-08-2016, 02:35 PM
"أَنــَــا مُـــــجْــــــرِمٌ!.."
كل يوم تطلع فيه الشمس.. فتتعار الطير.. وتغدو خماصا صافات ويقبضن.. وتجمع النحل بين زهرة وزهرة.. وتتفيأ الظلال على حواف الجدر والأشجار.. أمضي إلى شأني.. وأنا طيب النفس.. حسن الظن بها.. أن لم أقترف في ليلتي ما يسود الصحائف.. ولم أصب نفسا ولا عرضا ولا مالا..
وأسوق سيارتي.. قد فتحت نافذتها.. فتخترق نفحات النسيم شعر لحيتي الكث.. فيفيض التفاؤل من قلبي.. وأجود بالبسمات بلا حساب..
فإذا بحاجز أمني.. تتراكم السيارات قبل الوصول إليه بأمد.. يقشعر جلدي قشعريرة ورثتها من دهر البطش والتنكيل بكل من أرسل اللحية وتقلنس وتقمص.. ثم تئوب إلي نفسي حين أواسيها أننا في زمن "الوئام" و"المصالحة".. وأنه إن سعى "الأمير" الذي سكن الجبال دهورا آمنا على نفسه.. فكيف لا آمَن أنا المسكين الذي لا جبلا صعد ولا رأسا قطع!
أقترب من الحاجز الأمني.. فأرى ما يستدعي القشعريرة التسعينية تارة أخرى.. نفر من رجال الدرك.. مستوفزين.. على حافتي الطريق.. قد لبسوا الدروع.. وعلقوا على عواتقهم الأسلحة التي يهجم بها العساكر عند الزحف.. ينظرون إلى كل مار..ملتحيا أو أمرد.. شزرا.. فيمر المسكين من بينهم وجلا.. وما يبلع ريقه إلا إذا أشار إليه أحدهم أن "سر!" ووجهه أشد عبوسا من الليل المدلهم!
ولربما أشار إليه أن "تنح ذات اليمين!".. فتتفحص أوراقه ورقة ورقة.. ويطوف الدركي حول مركبته ببخطى بطيئة حذرة.. ثم يناوله الأوراق كأنه نادم على أن لم يجد ما يسره من تلبس صاحبة المركبة بجريمة تليق بفخامة الحاجز الذي أعد له..
ولربما اشتد الريب وقوي الشك.. فأُنزل الركاب وأبعدوا.. وعكف الجنود على التفتيش.. والناس يتفرجون بين شامت ومشفق على من تفتش سيارته.. على قارعة الطريق..في بلده..الآمن!
يصل دوري لأجوز ذاك الصراط.. ووضوئي يوشك أن ينتقض.. من الهلع.. تتسارع نبضات قلبي.. وتتزاحم الأفكار في ذهني.. وأهم بفعل أشياء تزيل عني الشبهة.. فقد صرت عند نفسي "مشبوها".. بل أنا وكل جزائري مجرمون قطعا.. وإلا لما أعدت لنا مثل هذه الحواجز في وقت السلم .. ولما عوملنا هذه المعاملة..
تسول لي نفسي أن أنزع "النظارات الشمسية" لئلا يعدها الدركي استفزازا وتكبرا.. وأن أطفئ التلاوة القرآنية أو الأنشودة المنبعثة من سيارتي لئلا يعدني الدركي "داعشيا" جلدا.. وأصمت عن كل حديث مع رفيقي في السيارة.. لئلا تعلو لنا ضحكة أو زجرة تتبعها ألف حسرة..
ها قد اقتربت من الدركي..فأجمد وجهي في تقاسيم ليس هي بالبشر (فيظنني هازئا) ولا هي بالتجهم (فيحسبني حاقدا).. فأنا حينذاك كمن سقط شقاه.. أتربص تلويح الدركي بيده أن "امض".. وقد سكنت عن الحركة إلا ما لا بد منه لئلا تتوقف السيارة أمام الحاجز.. فأُحجَز!..
فأسير بسيارتي متباطئا حتى أجاوزه بمسافة تذهب عني الريب إن أسرعت مقدار عشر السرعة المسموحة.. فإذا جاوزنا مرحلة "الخطر".. هنأ بعضنا بعضا بالسلامة.. ودعا بعضنا لبعض بالعافية في الحاجز المقبل..
وما قصصته عليك من مظاهر الترويع والتخويف في الحواجز عددتَه لعبا إن أخبرتك عن نبأ مجاوزة الحواجز الأمنية في المناطق "الساخنة ".. التي ينبغي عليك فيها أن تتسلل بسيارتك يمنة ويسرة بين حواجز حجرية.. ويطل عليك من جوانب الطريق بين أكياس الرمل جندي قد لبس لَأْمة الحرب!
إني لآسى على رجال الدرك والشرطة الذين تكونوا شهورا طويلة على مبادئ القانون وفنون التحقيق.. وتهيئوا لخدمة الشعب وحمايته..والتحبب إليه بالابتسامة الدافئة واللمسة الحانية.. وتعاهدوا على البطش بالمجرمين الراتعين في الأرواح والأعراض والأموال.. آسى عليهم أن يحبسوا في هذه الحواجز المخيفة.. وتهدر طاقاتهم وتحبط هممهم في التضييق والترهيب.. ويبغضوا إلى إخوانهم وأبناء وطنهم بمثل هذا..
آسى على من ولي شأن أمننا.. أن لم يجد مندوحة عن هذا التخويف والأذى للشعب وقوات أمنه.. في التكنولوجيا والمراقبة الإلكترونية التي تفرغ رجل الأمن إلى مهام نافعة غير التضييق والتعنيت على الناس المساكين..
آسى على شبابنا.. الذي تربوا على مناظر الحواجز المخيفة.. وأن يعاملوا فيها كاللصوص المشبوهين.. والمجرمين المعروفين.. وتفتش مركباتهم.. فيبغضوا الشرطي والدركي والجندي لذلك.. ومن أبغض هؤلاء.. جنح إلى الضفة الأخرى..إلى التطرف والجريمة والعصيان.. فعامِل البريء على أنه مجرم.. ينقلب مجرما ولا بد!
آسى على القائمين على حقوق الإنسان في بلادنا.. كيف لا يرون هذه الحواجز المخيفة انتهاكا لحق الإنسان..و لحق المواطن..في بلد يزعم ولاتها أنها أمنت.. ورعت الحقوق.. وبنت سرح القانون..
نعم.. ملاحقة المجرمين.. والتضييق عليهم مقصد..لكن احترام الناس.. ورعاية مشاعرهم من التخويف الظاهر والتهمة المبطنة مقصد أجلّ.. والرشيد من لم يهدر هذا بهذا..
وأسوق سيارتي.. قد فتحت نافذتها.. فتخترق نفحات النسيم شعر لحيتي الكث.. فيفيض التفاؤل من قلبي.. وأجود بالبسمات بلا حساب..
فإذا بحاجز أمني.. تتراكم السيارات قبل الوصول إليه بأمد.. يقشعر جلدي قشعريرة ورثتها من دهر البطش والتنكيل بكل من أرسل اللحية وتقلنس وتقمص.. ثم تئوب إلي نفسي حين أواسيها أننا في زمن "الوئام" و"المصالحة".. وأنه إن سعى "الأمير" الذي سكن الجبال دهورا آمنا على نفسه.. فكيف لا آمَن أنا المسكين الذي لا جبلا صعد ولا رأسا قطع!
أقترب من الحاجز الأمني.. فأرى ما يستدعي القشعريرة التسعينية تارة أخرى.. نفر من رجال الدرك.. مستوفزين.. على حافتي الطريق.. قد لبسوا الدروع.. وعلقوا على عواتقهم الأسلحة التي يهجم بها العساكر عند الزحف.. ينظرون إلى كل مار..ملتحيا أو أمرد.. شزرا.. فيمر المسكين من بينهم وجلا.. وما يبلع ريقه إلا إذا أشار إليه أحدهم أن "سر!" ووجهه أشد عبوسا من الليل المدلهم!
ولربما أشار إليه أن "تنح ذات اليمين!".. فتتفحص أوراقه ورقة ورقة.. ويطوف الدركي حول مركبته ببخطى بطيئة حذرة.. ثم يناوله الأوراق كأنه نادم على أن لم يجد ما يسره من تلبس صاحبة المركبة بجريمة تليق بفخامة الحاجز الذي أعد له..
ولربما اشتد الريب وقوي الشك.. فأُنزل الركاب وأبعدوا.. وعكف الجنود على التفتيش.. والناس يتفرجون بين شامت ومشفق على من تفتش سيارته.. على قارعة الطريق..في بلده..الآمن!
يصل دوري لأجوز ذاك الصراط.. ووضوئي يوشك أن ينتقض.. من الهلع.. تتسارع نبضات قلبي.. وتتزاحم الأفكار في ذهني.. وأهم بفعل أشياء تزيل عني الشبهة.. فقد صرت عند نفسي "مشبوها".. بل أنا وكل جزائري مجرمون قطعا.. وإلا لما أعدت لنا مثل هذه الحواجز في وقت السلم .. ولما عوملنا هذه المعاملة..
تسول لي نفسي أن أنزع "النظارات الشمسية" لئلا يعدها الدركي استفزازا وتكبرا.. وأن أطفئ التلاوة القرآنية أو الأنشودة المنبعثة من سيارتي لئلا يعدني الدركي "داعشيا" جلدا.. وأصمت عن كل حديث مع رفيقي في السيارة.. لئلا تعلو لنا ضحكة أو زجرة تتبعها ألف حسرة..
ها قد اقتربت من الدركي..فأجمد وجهي في تقاسيم ليس هي بالبشر (فيظنني هازئا) ولا هي بالتجهم (فيحسبني حاقدا).. فأنا حينذاك كمن سقط شقاه.. أتربص تلويح الدركي بيده أن "امض".. وقد سكنت عن الحركة إلا ما لا بد منه لئلا تتوقف السيارة أمام الحاجز.. فأُحجَز!..
فأسير بسيارتي متباطئا حتى أجاوزه بمسافة تذهب عني الريب إن أسرعت مقدار عشر السرعة المسموحة.. فإذا جاوزنا مرحلة "الخطر".. هنأ بعضنا بعضا بالسلامة.. ودعا بعضنا لبعض بالعافية في الحاجز المقبل..
وما قصصته عليك من مظاهر الترويع والتخويف في الحواجز عددتَه لعبا إن أخبرتك عن نبأ مجاوزة الحواجز الأمنية في المناطق "الساخنة ".. التي ينبغي عليك فيها أن تتسلل بسيارتك يمنة ويسرة بين حواجز حجرية.. ويطل عليك من جوانب الطريق بين أكياس الرمل جندي قد لبس لَأْمة الحرب!
إني لآسى على رجال الدرك والشرطة الذين تكونوا شهورا طويلة على مبادئ القانون وفنون التحقيق.. وتهيئوا لخدمة الشعب وحمايته..والتحبب إليه بالابتسامة الدافئة واللمسة الحانية.. وتعاهدوا على البطش بالمجرمين الراتعين في الأرواح والأعراض والأموال.. آسى عليهم أن يحبسوا في هذه الحواجز المخيفة.. وتهدر طاقاتهم وتحبط هممهم في التضييق والترهيب.. ويبغضوا إلى إخوانهم وأبناء وطنهم بمثل هذا..
آسى على من ولي شأن أمننا.. أن لم يجد مندوحة عن هذا التخويف والأذى للشعب وقوات أمنه.. في التكنولوجيا والمراقبة الإلكترونية التي تفرغ رجل الأمن إلى مهام نافعة غير التضييق والتعنيت على الناس المساكين..
آسى على شبابنا.. الذي تربوا على مناظر الحواجز المخيفة.. وأن يعاملوا فيها كاللصوص المشبوهين.. والمجرمين المعروفين.. وتفتش مركباتهم.. فيبغضوا الشرطي والدركي والجندي لذلك.. ومن أبغض هؤلاء.. جنح إلى الضفة الأخرى..إلى التطرف والجريمة والعصيان.. فعامِل البريء على أنه مجرم.. ينقلب مجرما ولا بد!
آسى على القائمين على حقوق الإنسان في بلادنا.. كيف لا يرون هذه الحواجز المخيفة انتهاكا لحق الإنسان..و لحق المواطن..في بلد يزعم ولاتها أنها أمنت.. ورعت الحقوق.. وبنت سرح القانون..
نعم.. ملاحقة المجرمين.. والتضييق عليهم مقصد..لكن احترام الناس.. ورعاية مشاعرهم من التخويف الظاهر والتهمة المبطنة مقصد أجلّ.. والرشيد من لم يهدر هذا بهذا..
سأل أناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكهان؟ فقال: «ليسوا بشيء»
من مواضيعي
0 جُنُونِيَّاتٌ جَزَائِرِيّةٌ (2): الأَشِـــعَّــــةُ فَـــــــوْقَ الــــــنّـــــَهْـــــدِيَّــــــ
0 جُنُونِيَّاتٌ جَزَائِرِيّةٌ (1): دَوْلَــــةُ "الــــحَــــفْــــصِــــيّـــِيــــنَ"..
0 "حَافِظُ الأَحْلامِ"..
0 "دَاعِــشْ".. مَـا أَكْـثَـرَ "عِـيَـالَـكَ"!
0 "أَنــَــا مُـــــجْــــــرِمٌ!.."
0 قَـنَـوَاتُ الخـَيَـالِ.. "الـبَـطْـنِـيِّ"!
0 جُنُونِيَّاتٌ جَزَائِرِيّةٌ (1): دَوْلَــــةُ "الــــحَــــفْــــصِــــيّـــِيــــنَ"..
0 "حَافِظُ الأَحْلامِ"..
0 "دَاعِــشْ".. مَـا أَكْـثَـرَ "عِـيَـالَـكَ"!
0 "أَنــَــا مُـــــجْــــــرِمٌ!.."
0 قَـنَـوَاتُ الخـَيَـالِ.. "الـبَـطْـنِـيِّ"!