سبب وهن الأمة...تناحري في محطة القطار
20-11-2012, 10:16 AM
سبب وهن الأمة...تناحري في محطة القطار
بينما كنت في المحطة أنتظر موعد قدوم القطار توجهت إلى أحد المحلات لشراء كيس من الشيبس وجلست في أحد المقاعد منتظرة وبيدي كتاب أقرأه فما لبثت أن جلست بجانبي فتاة أخرى وكان كيس الشيبس مفتوح وموضوع بيني وبينها، كنت أقرأ الكتاب وآكل منه بين الفينة والأخرى فإذا بالفتاة تمد يدها للكيس وتأكل منه غير مبالية بي وكررت فعلتها عدة مرات، نظرت إليها فإذا بابتسامة عريضة على محيلها وكانت تبدو في غاية السعادة، حينها استشطت غضبا ليس لأني لا أرغب في أن تنقص منه فأنا كريمة بنت الكرام أجود عليها وأتعاطف معها وأتواضع لها، فإذن علام غضيك يا قطر الندى؟ قلت في نفسي لأنها وقحة ولم تراعي آداب الاستئذان كما وأن ضحكتها تلك قد استفزتني أيما استفزاز، ولكني لن أنحدر إلى مستواها ولن أقول لها شيئا فلو نفست عن بركان الغضب الذي شعرت به حينها لتفوهت بكلام لاذع وشديد –طبعا لو فعلت ذلك لأولته في نفسي على أني أحرص على تاديبها حتى لا تعيدها مرة أخرى مع غيري- ،والحمد لله أني لم أفعل فهذا أحفظ لكرامتي ومستواي كما أن ملامح وجهي ونظراتي الحادة لها كانت أبلغ تعبير من أي كلام آخر كان يمكن أن أقوله لها.
وما أثار تعجبي أكثر من شدة وقاحتها أنه لما بقي في الكيس آخر حبة منه سارعت لأخذها وشطرتها إلى نصفين أكلت النصف وتركت النصف الآخر لي، ومعالم السعادة لا تفرق محياها والبسمة لتزال مرسومة على شفاهها وكأنها تفعل ذلك نكاية بي "واش ملوجه صحيح عندها".
المهم، وصل القطار أخيرا ودعتني الفتاة بابتسامة عريضة وانطلقت نحوه مسرعة، نعم الآن اكتملت وقاحتها على آخرها وأظهرت بلادة لا مثيل لها، فقد ذهبت وكأن شيئا لم يكن بالرغم من أن استيائي الشديد من تصرفها بدى أكثر من واضح على ملامح وجهي ونظراتي الحادة لها.
أغلقت كتابي واتجهت أنا الأخرى إلى نفس القطار ولكني حرصت على اختيار مقطورة أبعد ما تكون عن المقطورة التي صعدت إليها هي فقد ضاق صدري منها بما يكفي ولا رغبة لي في رؤيتها أمامي طوال الرحلة داخل القطار، بعدما استقريت في مقعدي فتحت حقيبتي لأضع الكتاب فإذا بي أجد كيس الشيبس الذي اشتريته أنا على حاله داخل الحقيبة، لقد صعقت من هذا المشهد وانتفض جسدي بسخونة شديدة شعرت بغليانها في في أعلى رأسي، لقد خجلت من نفسي كثيرا لأن كيس الشيبس الذي كنا نأكل منه أنا والفتاة كان كيسها هي، ومن فرط انشغالي بمواصلة قراءة الكتاب لم أنتبه لذلك.
أعدت شريط الأحداث قليلا نحو الوراء واسترجعت كل ذلك الكلام الذي حدثتني به نفسي، يبدو أنه علي الاعتراف بأن الوقحة بيننا كانت أنا لأني لم أستأذن منها، ويبدو أن كرمها هي أعلى وأرقى من كرمي بكثير فشتان بين من كانت لا تمانع في أن آخذ من كيسها وهي في غاية السعادة والسرور دونما إذن منها ومن كانت لا تمانع في أن يُؤخذ من كيسها لكن بعد أخذ الإذن وإلا...، كما يبدو أنني كنت أسبح في خيال لا صلة له بالواقع لما تصورت في قرارة نفسي بأني لم أنحدر إلى مستواها لما تمنعت من توجيه العتاب لها لأن مستواها كان أعلى من مستواي وتلك السعادة والبسمة التي رسمتها على محياها طيلة مكوثها بجانبي والتي كانت عنوان الوقاحة والاستفزاز بالنسبة لي أصبحت تذبحني خجلا من نفسي كلما تذكرتها.
لعل حكايتي مع هذه الفتاة تشكل صورة مصغرة عن التناحر الكبير بيننا في أوسع وأوضح معانيه، بين الأزواج، وبين الأباء والأبناء"جيلنا كان وكان وكان ...وجيلكم صفر"، وبين طوائف المسلمين هذا سني وهذا شيعي وهذا سلفي وهذا وهابي، والدماء تراق بيننا هنا وهناك في الجزائر، في العراق، في لبنان، في سوريا، في دارفور والقائمة تطول...
الأكيد بالنسبة لي أن وهني وضعفي أنا وعدم مقدرتي على رؤية الحقيقة بشكل أوضح (نظرا لغياب بعض المعطيات عندي) وعدم قدرتي على البحث عن مساحة مشتركة بيني وبين الآخر إذا اختلفت معه، وعدم تقبلي لفكرة التماس العذر للآخرين يشكل جزءا من وهن الأمة ككل، والأكيد أيضا بالنسبة لي أن غزة تغتصب...نعم إنها تغتصب...والمئات من النساء والأطفال والمستضعفين فيها ينادون هناك "وا معتصماه" ولكن لا معتصم فينا لبى النداء.
نعم إني أومن بأن العلاقات الدولية لطالما كانت مبنية على أساس حماية المصالح وبسط النفوذ والهيمنة لمن استطاع إلى ذلك سبيلا، ولا تشكل الدول الإسلامية في هذا استثناءا عن بقية الأمم الأخرى، ولكني أومن أكثر وأكثر وأكثر بقوله تعالى في محكم تنزيله:
"إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" (الآية 11،الرعد)
من منا سيرفع التحدي اليوم عاليا ويقول: لن أكون جزءا من وهن هذه الأمة سأصلح نفسي أولا.
إلى أن يحدث ذلك لك الله يا غزة لك الله فهو نعم المولى ونعم الوكيل.
ملاحظة:









.gif)



