تسجيل الدخول تسجيل جديد

تسجيل الدخول

إدارة الموقع
منتديات الشروق أونلاين
إعلانات
منتديات الشروق أونلاين
تغريدات تويتر
منتديات الشروق أونلاين > المنتدى الحضاري > منتدى الدعوة والدعاة

> أصول الدعوة السلفية عند بن باديس رحمه الله/أصول الفقه

 
أدوات الموضوع
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية مُسلِمة
مُسلِمة
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 04-09-2012
  • المشاركات : 4,418
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • مُسلِمة has a spectacular aura aboutمُسلِمة has a spectacular aura about
الصورة الرمزية مُسلِمة
مُسلِمة
شروقي
أصول الدعوة السلفية عند بن باديس رحمه الله/أصول الفقه
02-03-2013, 11:35 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


سأقوم بتكملة موضوعي أصول الدعوة السلفية عند بن باديس رحمه الله الدي كان في القسم الإسلامي العام ثم نقل إلى قسم الحوار الديني ليخفى أو بالأحرى ليحدف مع أني لأجله عكفت على قراءة ست مجلدات تخص اثار بن باديس رحمه الله إضافة إلى عدة رسائل في أصول الدعوة السلفية

http://montada.echoroukonline.com/sh...d.php?t=226567




الفصل الثاني :أصــــــــــــول الفقه





المبحث الأول : مصادر تلقي الفقه هي الكتاب والسنة والإجماع



وهذا من الأصول الواضحة والمتفق عليها بين جميع أهل السنة بل هذا من العقائد عندهم فلا يتوهمن متوهم أن كل ما تعلق بالفقه أو الأصول فهو خارج عن مسمى العقيدة أو أنه داخل في إطار الظنيات ولا يمكن أن يرقى إلى مستوى القطعيات التي يكفر منكرها أو المخالف فيها ، وإنما تكلم هنا المتأخرون في قدرة أهل الأعصار المتأخرة على الاستقلال بالنظر في هذه المصادر الشرعية، وسيأتي في المطالب التالية توضيح هذه المسألة وغيرها مما هو مرتبط بها ، وكلام الشيخ ابن باديس واضح أيضا في دعوة الناس وأهل العلم خاصة إلى الرجوع إلى الكتاب والسنة في ميدان الفقه والفتوى والابتعاد عن منهج المتأخرين الذي باعد بين المسلمين وأصول دينهم ، كما دعا إلى ضرورة ربط الفتاوى بالأدلة الشرعية ليعلم الناس أن هذه الأحكام صادرة عن الله تعالى، وليست مجرد آراء يمكن لكل واحد أن يتخير منها ما يشاء ، ومن نصوصه في هذا الباب قوله رحمه الله تعالى :( وبيّن القرآن أصول الأحكام وأمهات مسائل الحلال والحرام ووجوه النظر والاعتبار مع حكم الأحكام وفوائدها في الصالح العام والخاص، فهجرناها واقتصرنا على قراءة الفروع الفقهية مجردة بلا نظر، جافة بلا حكمة، محجبة وراء أسوار من الألفاظ المختصرة تفنى الأعمار قبل الوصول إليها) ([114]).
ومن نصوصه أيضا تعليق له على فتوى أصدرها الأزهريون في وقته قال فيه :( كنا ننتظر من مجلة يحرّرها كبار علماء الأزهر الشريف أن تأتينا في باب الفتاوى والأحكام منها بأدلة المسائل ومستندات الأقوال ، ومن إبدائها رأيها في الترجيح بالطرق المعتبرة عند أهله، وكنا ننتظر كذلك أنها لا ترجع في استدلالها إلا إلى الكتاب والسنة...) ([115]).
وقال أيضا وهو يلوم المتصدرين من أهل زمانه على هجرهم للسنة النبوية :( وعلمنا القرآن أن النبي صلى الله عليه وسلم هو المبين للناس ما نزل إليهم من ربهم، وأن عليهم أن يأخذوا ما أتاهم وينتهوا عما نهاهم عنه، فكانت سنته العملية والقولية تالية للقرآن، فهجرناها كما هجرناه وعاملناها بما عاملناه حتى أنه ليقل في المتصدرين للتدريس من كبار العلماء في أكبر المعاهد من يكون ختم كتب الحديث المشهورة كالموطأ والبخاري ومسلم ونحوها مطالعة، فضلا عن غيرهم من أهل العلم، فضلا عن غيرها من كتب السنة)([116]).
وله نصوص أخرى تتضمن هذا المعنى يأتي نقلها في شرح الأصول الآتي ذكرها.






المبحث الثاني : عدم إحداث الأقوال الجديدة المخالفة لإجماع السلف



الحجة الملزمة عند أهل السنة هي الكتاب والسنة الصحيحة الصريحة وما أجمعت عليه العلماء، فلا يجوز إحداث الأقوال الجديدة المخالفة لإجماع السلف ولا الخارجة عن مذاهبهم إذا اختلفوا، كما لا يجوز مخالفة الكتاب والسنة، لأن المتأخرين كما هم مقيدون بالكتاب والسنة فهم مقيدون بفهم السلف الصالح وبمذاهبهم، فباب الفقه لا يختلف عن باب الاعتقاد ولا عن غيره من الأبواب ، والأصل المذكور واضح فلا يحتاج إلى كثير شرح، والشيخ ابن باديس رحمه الله لإدراكه لأهمية هذا الأصل قد نبه عليه في غير ما موضع، ومن المواضع التي بين فيها أصل الرجوع إلى الكتاب والسنة ، مع توضيح ضابطه وهو التقيد بفهم العلماء السابقين قوله رحمه الله : «لا نجاة للناس من هذا التيه الذي نحن فيه والعذاب المنوع الذي نذوقه ونقاسيه إلا بالرجوع إلى القرآن، إلى علمه وهديه في بناء العقائد والأحكام والآداب عليه والتفقه فيه، والسنة النبوية شرحه وبيانه ، والاستعانة على ذلك بإخلاص القصد وصحة الفهم والاعتضاد بأنظار العلماء الراسخين والاهتداء بهديهم في الفهم عن رب العالمين»([117]).
وإذا ذُكر العلماء فأوَّل من ينصرف إليهم الذهن هم العلماء المتقدمون قبل المتأخرين الذين هم مَحكُمُون بهذا الأصل، كما سبق نقله عنه في بيانه لمعنى الإمام الذي يستحق أن يقتدى به. وصرح بهذا المعنى في موضع آخر فقال :( ولو كان هذا الاختلاف من باب اختلاف العلماء فيما لا نص فيه أو فيه ظاهر يقبل التأويل على وجوه من النظر شتى لكان للمختلفين عذر قائم ووجهة سديدة ، ولكنه اختلاف يمت إلى الهوى بأقرب نسب وينجذب إلى التعصب بأوثق الأسباب، وحجته الداحضة قولهم رأى بنو فلان »([118]).





[114]/ الآثار (1/250).
[115]/ الآثار (3/240).
[116]/ الآثار (1/251).
[117]/ الآثار (1/252).
[118]/ الآثار (6/69).






يتبع إن شاء الله......
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية مُسلِمة
مُسلِمة
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 04-09-2012
  • المشاركات : 4,418
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • مُسلِمة has a spectacular aura aboutمُسلِمة has a spectacular aura about
الصورة الرمزية مُسلِمة
مُسلِمة
شروقي
رد: أصول الدعوة السلفية عند بن باديس رحمه الله/أصول الفقه
08-03-2013, 12:52 PM
المبحث الثالث : التزام الصحة



ومن الأصول التي يتفق عليها علماء أهل السنة ضرورة التزام الصحة في باب الأحكام والحلال والحرام ، نعم قد يختلفون في بعض شروط الصحة وفي كثير من التطبيقات، ولكن ذلك بعد اتفاقهم على أنه لا بد من التثبت في باب الرواية والرجوع إلى أهل الفن المتخصصين في هذا الباب ، وهذا أصل قد يغفل عنه بعض الناس وقد يغلو فيه آخرون حتى إنهم يجعلون علامة السلفيين الاجتهاد في الحديث، وليس ذلك بلازم نفيا ولا إثباتا، لأنه قد يشتغل بالحديث أعدى أعداء أهل السنة فلا يكون ذلك شفيعا لهم، وقد يكون السني ورافع لوائهم غير مشتغل بذلك ويكتفي باتباع العلماء الذين سبقوه والاتباع غير التقليد كما لا يخفى . وإنما أكَّدت على هذا لأن بعض الغلاة قد يتنقص ابن باديس أو غيره من أهل العلم المعاصرين أو المتقدمين لعدم تفرغهم للتصنيف في هذا المجال أو عدم تخصصهم فيه، وليس هذا مما يجوز أن يتنقص به أهل العلم وإنما يتكلم بهذا بعض المبتدئين في العلم –وإن تقادم عهد التزامهم -الذين يفتقدون الموجهين الناصحين.
والشيخ ابن باديس رحمه الله من العلماء الذين رفعوا الدعوة إلى التثبت في ما هو موجود في الكتب المصنفة، وإضافة إلى ما سبق نقله في المبحث الأول ننقل هنا نصوصا أخرى تؤكد ما ذكرناه هناك، ومن ذلك التقديم الذي صدر به رسالة كتبها مبارك الميلي في بيان درجة حديث من الأحاديث المشهورة على الألسنة في ذلك الزمان، وهو لا يصح بحال حيث قال فيه :( تقوم الدعوة الإصلاحية على أساس الكتاب والسنة، فلا جرم أن كان رجالها من المعتنين بالسنة القائمين عليها رواية ودراية الناشرين لها بين الناس، ومن عنايتهم تحريهم فيما يستدلون به ويستندون إليه منها ، فلا يجوز عليهم إلا ما يصلح للاستدلال والاستناد ، ولا يذكرون منها شيئا إلا مع بيان مخرجه ورتبته حتى يكون الواقف عليه على بيِّنة من أمره مما لو التزمه كل عالم – كما هو الواجب - لما راجت الموضوعات والواهيات بين الناس فأفسدت عليهم كثيرا من العقائد والأعمال ) ([119]).

وكذلك نذكر رده على بعض علماء المغرب الذين قرضوا رسالة فيها أحاديث موضوعة معزوة إلى دواوين السنة المشهورة وليست فيها فقال رحمه الله: ( والحقيقة أن إخواننا هؤلاء ما أتوا إلا من ناحية الضعف الفاشية البادية في أكثر علماء المسلمين اليوم وقبل اليوم بكثير، وهي الإعراض عن كتب السنة وعدم الإطلاع عليها والوقوفِ على المشهور منها فضلا عن غيره، وعرف هذا منهم حتى صار من ينسب شيئا إلى النبي r أو إلى جوامع سننه لا يخشى شيئا من ناحيتهم في الرد عليهم وتبيين حقيقة ما جاء به بل صاروا هم أنفسهم – إلا من شاء ربك – كحاطب ليل ينقلون إذا كتبوا الغث والسمين لا يميزون بين المقبول والمردود)([120]).

وبيَّن في موضع آخر أن هذا التثبت المطلوب لا يستدعي أن يكون المتثبت محدثا خالصا وأنه يكفيه الرجوع إلى أئمة الفن الموثوق بهم فقال :( وخطتنا الأخذ بالثابت عند أهل النقل الموثوق بهم والاهتداء بفهم الأئمة المعتمد عليهم)([121]).

ويرى الشيخ رحمه الله تعالى أنه من الواجب على المفتي أن يفصل القول في بيان ضعف الأحاديث وأن لا يجمل في مواضع الجدال والنقاش والخلاف، فقد جاء في فتوى أحد شيوخ الأزهر ما يلي: ( الحديث ضعيف على ما صرح به الشهاب الخفاجي في شرح الشفا، بل مال الحافظ الذهبي إلى أنه موضوع وإذا ينهار الإشكال من أساسه)، قال الشيخ معلقا على كلامه: (وهذا وإن كان كافيا في الجواب لكن المنتظر من عالم من هيئة كبار العلماء أن يذكر سنده ويبين المطعون فيه من رجال ويرجح ضعفه أو وضعه…) ([122])

وليس هذا بمطلوب مطلقا وإنما هو محمول على ما ذكرته من مواضع المناقشة والمجادلة والله أعلم.


[119]/ الآثار (2/338).
[120]/ الآثار (3/252) و(6/82).
[121]/ الآثار (5/94).
[122]/ الآثار (3/241).





يتبع إن شاء الله .........

  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية مُسلِمة
مُسلِمة
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 04-09-2012
  • المشاركات : 4,418
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • مُسلِمة has a spectacular aura aboutمُسلِمة has a spectacular aura about
الصورة الرمزية مُسلِمة
مُسلِمة
شروقي
رد: أصول الدعوة السلفية عند بن باديس رحمه الله/أصول الفقه
11-03-2013, 06:27 PM
المبحث الرابع : إبطال نظرية التقليد العام الملزم للناس


ومن الأصول التي اتفق عليها المجددون السلفيون في كل زمان إبطال ما يسمى بنظرية التقليد العام الملزم لجميع الناس القاضية بتحريم النظر في الأدلة والاجتهاد في المسائل ، والدعوةُ إلى بعث الاجتهاد في الأمة ممن تأهل له والسعي لتأهيل المنتسبين إلى العلم ليبلغوا درجته ، وكذا دعوة العامة وغيرهم إلى الارتقاء إلى رتبة الاتباع التي تعني أن يؤخذ الحكم الشرعي من العالم مقرونا بدليله، وتؤهل طلبة العلم لفهم الحجة والدليلِ وأسبابِ الترجيح بين الأقوال، وليس من مذهبهم تحريم التقليد بإطلاق كما قد ينسبه إليهم مخالفوهم، بل هو عندهم بمنزلة الضرورة حيث يتعذر الاجتهاد بالنسبة لمن له أهلية الاجتهاد والاختيار، وكذا لمن الأصل فيه أن يكون متبعا، وذلك حيث لم يجد من يفتيه بالدليل ويقنعه بالحجة.

ونظرا للحال الغالبة على الأمة الإسلامية فإننا نجد من أهل العلم الذين لا شك في سلفيتهم ينصحون المتعلمين بدراسة الفقه على واحد من المذاهب المنتشرة، وليس ذلك إقرارا منهم للوضع ولكن هو من باب الضرورة التي فرضها واقع الأمة حيث ارتفع العلم وقل أهل الاجتهاد حتى في أرض العلم والتوحيد، ولا حديث عن البلاد الشاسعة الأخرى التي لا تكاد تجد فيها عالما بالكتاب والسنة، فليفهم هذا فإنه مهم يقي أهل الحق والإنصاف من أن يسؤوا الظن بالعلماء السنيين ويحفظهم أيضا من الانحراف عن خطتهم ومنهجهم. والشيخ ابن باديس رحمه الله تعالى أحد المجددين المعاصرين الذين دعوا جهرة إلى رفع تلك القيود المعنوية التي كبلت عقول الأمة طلبتها وعلمائها، وكان مما قاله في هذا السياق هذه الكلمات الواضحات النيرات :( كما أدخلت على مذهب أهل العلم بدعة التقليد العام الجامد التي أماتت الأفكار وحالت بين طلاب العلم وبين السنة والكتاب، وصيّرتها في زعم قوم غير محتاج إليهما من نهاية القرن الرابع إلى قيام الساعة، لا في فقه ولا استنباط ولا تشريع، استغناء عنهما - زعموا- بكتب الفروع من المتون والمختصرات، فأعرض الطلاب عن التفقه في الكتاب والسنة وكتب الأئمة وصارت معانيها الظاهرة بَلْهَ الخفية مجهولة حتى عند كبار المتصدّرين) ([123]).

فالتقليد العام بدعة عطلت العقول وأماتت الأفكار وفصلت الأمة عن أصل دينها، بل هي عند الشيخ داء قديم ينبغي أن يعالج وأن يتخلص منه حتى تنهض الأمة. وفي تقرير هذا يقول: ( ونزيد أن نذكر اليوم أن هذا الإعراض عن ربط الفروع بأصولها ومعرفة مأخذها هو داء قديم في هذا المغرب من أقصاه إلى أدناه، بل داء عضال فيما هو أرقى من المغارب الثلاث وهو الأندلس ) ([124]).

ثم نقل شكوى الحافظ ابن عبد البر من أهل زمانه لميلهم إلى التقليد وابتعادهم عن النظر والاستدلال، وكان مما ذكر ابن عبد البر رحمه الله تعالى أبياتا للمنذر بن سعيد البلوطي شافية كافية معبّرة حقا :
عـذيـري من قوم يقولون كلمـا طلبت دليـلا : هكــذا قـال مالك
فإن عدت قالوا هكذا قال أشهـب وقـد كـان لا تخفى عليـه المسالك
فـإن زدت قـالوا : سحنون مثلـه ومـن لـم يقل ما قالـه فهـو آفك
فإن قلت: قال الله ضجوا وأكـثروا وقالوا جميعـا أنت قــرن مماحـك
وإن قلت : قـال الرسـول فقولهم أتت مالكـا في تـرك ذاك المسالـك
قال ابن باديس:( واستشهد ابن عبد البر بأبيات القاضي منذر بن سعيد البلوطي المولود سنة 265 هـ والمتوفى سنة 355 هـ لتبيين قدم هذا الداء في الأندلس وشكوى العلماء الأعلام منه وإنكاره على أهله ).
وكما نص الشيخ على ما هو واجب وما الذي تنهض به الأمة وما الذي ينبغي أن نسعى لنصل إليه، فقد نص أيضا على جواز التقليد بالنسبة للعوام للاعتبارات التي سبق شرحها فقال رحمه الله :( والمقلد في الفروع دون علم بأدلتها متبع لمفتيه فيها يصدق عليه باعتبار الأدلة التي يجهلها أنه متبع ما ليس له به علم، لكنه له علم من ناحية أخرى، وهي علمه بأن التقليد هو حكم الله تعالى في حق مثله من العوام بما أمر الله تعالى من سؤال أهل العلم وما رفع عن العاجز من الإصر وهو من العامة العاجزين عن درك أدلة الأحكام)([125]).

وقال في مبادئ الأصول :( التقليد هو أخذ قول المجتهد دون معرفة لدليله وأهله هو من لا قدرة له على فهم الدليل وهم العامة غير المتعاطين لعلوم الشريعة واللسان)([126]).
وهذا صريح بأن التقليد ليس إلا من شأن العامة ، وقد سمى في موضع المتفقهين المتأخرين بالفروعيين على سبيل الذم فقال:(ولما لم تكن عندهم الأصول تاهوا في الفروع المنتشرة، ومحال أن يضبط الفروع من لم يعرف أصولها، وذكر ما أداهم إليه إهمال النظر من الانقطاع عن أقوال مالك نفسه وأمثاله إلى أمثالهم من الفروعيين التائهين الناظرين بغير علم)([127]).




[123]/ الآثار (5/38).
[124]/ الآثار (4/78).
[125]/ الآثار (1/141).
[126]/ الفتح المأمول (163).
[127]/ الآثار (4/81


يتبع إن شاء الله............

  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية مُسلِمة
مُسلِمة
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 04-09-2012
  • المشاركات : 4,418
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • مُسلِمة has a spectacular aura aboutمُسلِمة has a spectacular aura about
الصورة الرمزية مُسلِمة
مُسلِمة
شروقي
رد: أصول الدعوة السلفية عند بن باديس رحمه الله/أصول الفقه
12-03-2013, 09:08 PM
المبحث الخامس : إثبات مرتبة الاتباع




ومن الأمور النظرية التي تميز بها السلفيون إثباتهم لرتبة الاتباع المتوسطة بين الاجتهاد والتقليد الذي هو أخذ القول من غير بحث عن دليله ، بل جعلوها هي الواجب الأصلي على كل مسلم لأنها تعني أن يؤخذ الحكم والقول بدليله، والمخالفون من أهل التقليد لا يرون إلا التقليد المحض لمن عجز عن الاجتهاد وليس ذلك بأمر لازم، لأن الواقع يبين تفاوت الناس في إدراكهم للعلوم الشرعية وفي فهمهم للنصوص، فلماذا يجعل حكمهم واحدا وهو التقليد ؟ وإذا كان الاجتهاد فرض كفاية فإن الاتباع أوجب منه ويتعين على كل من قدر عليه والله تعالى أعلم، وقد حث الشيخ ابن باديس على قرن الفتوى بالدليل حتى يعتاد الناس ذلك وحتى يرتقى بهم عن رتبة التقليد المحض ، فقال رحمه الله :( ومما ينبغي لأهل العلم أيضا إذا أفتوا وأرشدوا أن يذكروا أدلة القرآن والسنة لفتاواهم ومواعظهم ليقربوا المسلمين إلى أصل دينهم ويذيقوهم حلاوته ويعرفوهم منزلته، فإلى الكتاب والسنة أيها العلماء إن كنتم للخير تريدون)([128]).

ومما يبين وجوب ارتقاء الناس إلى رتبة الاتباع –أخذ الحكم مع دليله- عند القدرة قوله رحمه الله :(فمن تبع مخلوقا وأطاعه فيما يأمره وينهاه دون أن يكون في طاعته مراعيا طاعة الله فقد عبده واتخذه ربا فيما أطاعه فيه..)([129]).


وله أقوال أخرى يدعو فيها المنتسبين إلى العلم خصوصا لأن يسلكوا مسلك الاتباع ومن ذلك ما قاله في تقديمه لكتاب الفكر السامي :( إن كتابكم هذا إن شاء الله هو أساس النهضة الفقهية في جامع القرويين المعمور نهضة تبنى على النظر والاستدلال، فيخرج بها أهل العلم من جمود التقليد إلى سعة الاتباع بالدليل) ([130]).

وهو يحسب أن هذه الدعوة هي من دعوة القرآن حيث قال عن كتاب الله تعالى بأنه:( يخاطب العقل ويدعو إلى الفطرة ويقارع بالحجة ويدعو إلى التفكير ، ويحارب الجمود ويحث على الاستدلال)([131]).



وقد أثبت هذه الرتبة التي قل من أثبتها ودعا إليها في إملائه في الأصول فقال: ( الاتباع هو أخذ قول المجتهد مع معرفة دليله ومعرفة كيفية أخذه للحكم من ذلك الدليل، حسب القواعد المتقدمة وأهله هم المتعاطون للعلوم الشرعية واللسانية الذين حصلت لهم ملكة صحيحة فيهما فيمكنهم عند اختلاف المجتهدين معرفة مراتب الأقوال من القوة والضعف، واختيار ما يترجح منها، واستثمار ما في الآيات والأحاديث من أنواع المعارف المفيدة في إنارة العقول، وتزكية النفوس وتقويم الأعمال، ولهذا كان حقا على المعلمين والمتعلمين للعلوم الشرعية واللسانية أن يجروا في تعليمهم وتعلمهم على ما يوصل إلى هذه الرتبة على الكمال)([132]).





المبحث السادس : فتح باب الاجتهاد


وكما أن المجددين جعلوا من أصولهم إبطال تلك النظرية التي فصلت بين الفقه وأدلته وبين الأمة ومصادر دينها، فقد دعوا أيضا إلى فتح باب الاجتهاد وإلى العودة إلى الاجتهاد بجميع أنواعه وأقسامه، وقد اعتبروا تعطيل الاجتهاد من الأسباب التي أعطت الحجة وسهلت الأمر على الحكام أن يرفضوا أحكام الشريعة الإسلامية، حيث ظهر عجز المنتسبين إلى العلم عن إيجاد الأجوبة للنوازل الحادثة والحوادث المتجددة لارتباط معظمهم بالفروع المدونة في المختصرات وتركهم الكتاب والسنة اللذين فيهما الجواب الشافي عن كل سؤال والبيان لكل جديد يطرأ، وفي الحقيقة أن من يسمى بالعلماء عند المتأخرين قد أساءوا كثيرا إلى هذه الشريعة الغراء بما صرحوا به من غلق باب الاجتهاد، بل وأساءوا إلى أنفسهم حيث حرموا أنفسهم من أن يكونوا علماء بحق، فإنهم وإن وصفوا بالعلماء وشيوخ الإسلام إلا أن حقيقة العلم هي ما أخذ من الكتاب والسنة وليس هو مجرد حفظ مختصر فقهي واستحضار ما جرد فيه من فروع ، وقد نصّ الشيخ ابن باديس رحمه الله تعالى في موضع على أن ما يؤخذ فقها مجردا عن الدليل لا يعتبر علما، وأن الجاهل البسيط خير من المقلد فقال رحمه الله تعالى :(إذا كان التفكير لازما للإنسان في جميع شؤونه وكل ما يتّصل به إدراكه فهو لطلاب العلم ألزم من كل إنسان، فعلى الطالب أن يفكّر فيما يفهم من المسائل وفيما ينظر من الأدلة تفكيرا صحيحا مستقلا عن تفكير غيره، وإنما يعرف تفكير غيره ليستعين به ثم لا بد له من استعمال فكره هو بنفسه. بهذا التفكير الاستقلالي يصل الطالب إلى ما يطمئن له قلبه ويسمى حقيقة علما وبه يأمن من الوقوع فيما أخطأ فيه غيره، ويحسن التخلص منه إن وقع فيه ... فالتفكير التفكير يا طلبة العلم فإن القراءة بلا تفكير لا توصل إلى شيء من العلم، وإنما تربط صاحبها إلى صخرة الجمود والتقليد وخير منها الجاهل البسيط) ([133]).

وقال الشيخ وهو يتحدث عن تعطيل أتاتورك للشريعة في تركيا :» وهنا يجب أن أقول إن كل وصمة يرمى بها الإسلام إنما هي من إفراط مثل هاته الطائفة الملحدة وتفريط طائفة العلماء المقلدة ، ولقد طالت مصيبة الإسلام بهاتين الطائفتين من عهد بعيد …ولو دعا الكماليون العلماء المستقلين أهل النظر والاستدلال لأروهم من الإسلام ما كانوا يجهلون، وأبانوا لهم عن مبادئه السامية وقواعده العالية الصالحة لكل إنسان الممكنة التطبيق على مقتضيات الأزمان ما لم يكونوا يحتسبون « ([134]).

وقال في مقال اقترح فيه بعض الأشياء لإصلاح التعليم في الزيتونة: » وأما فرع القضاء والفتوى من قسم التخصص فيتوسع لهم في فقه المذهب ثم الفقه العام ويكون "بداية المجتهد " من الكتب التي يدرسونها ، ويدرسون آيات الأحكام وأحاديث الأحكام ، ويدرسون علم التوثيق ويتوسعون في علم الفرائض والحساب ، ويطلعون على مدارك المذاهب حتى يكونوا فقهاء إسلاميين ينظرون إلى الدنيا من مرآة الإسلام الواسعة لا من عين المذهب الضيقة« ([135]).
ورغم أن دراسة الشيخ ابن باديس لم تكن سوى عند علماء المالكية الذين عرف أكثرهم بالتعصب والجمود، إلا أنه ظهر في فتاويه مع قلة المدون منها متحررا من التقليد المحض وناظرا في الأدلة الشرعية، ولم يكن دائما ملتزما بالمشهور أو بما يقوله خليل، فقد كتب بحثا ماتعا في مسألة القراءة على الأموات على طريقة الأئمة المجتهدين وختمه بقوله:( إلى هنا ننتهي من البحث الذي بيناه على النظر والاستدلال لا على مجرد سرد الأقوال ) ([136]).



وقال في موضع :( فالذكاة لا تفيد فيها في مشهور مالك وتفيد فيها في مذهب الشافعي وجماعة من المالكية، وهي فسحة ينبغي اعتمادها)([137]).
وقال في قضية تحديد الصاع والمد :( وفي الصاع أربعة أمداد والمد ملء اليدين المتوسطتين لا مقبوضتين ولا مبسوطتين ، وهذا تقريب فيه تسهيل على الناس في هذا الأمر العام ، ليس فيه تشديد بالنقير والقطمير والحبة والقمحة فلا تكن من المتنطعين ) ([138]).

كما أنه أفتى أيضا فيما يعد من نوازل على ضوء التخريج والنظر في التكييف الشرعي لها ، فلما طرح عليه سؤال استعمال دواء منع الحمل بسبب الضعف، أرجعها إلى أصل العزل الذي اختلف فيه بين المنع والكراهة والجواز بشرط الإذن، وقد ألحقه الشيخ بمشهور المذهب المالكي وقال :( فيقاس عليه شرب الدواء لمنع الولادة فيجوز ما لا يلحق ضررا بالجسم إذا كان بإذن الزوج لأن له حقا في الولد، وإذا كانت ضعيفة عن الولادة فلا تتوقف على إذنه ) ([139]).


ومما نظر فيه من النوازل قضية كراء الأسواق أو ثمن الدخول إليها الذي عرف عند العامة بالمكوس فقد أجازه الشيخ ولم يعتبره ضريبة أو مكسا كما هو اسمه عند العامة وقال :( نظيره من اكترى اصطبلا ثم يأخذ على أرباب المواشي أجرة بقاء مواشيهم في اصطبله مدة محدودة ) ([140]).


ولما اعترض عليه من أصر على أنه مكس محرم بيَّن له وجه الفرق بين الأمرين من وجهين، أحدهما أن المال المأخوذ يكون محرما في حالة ما إذا كان السوق ملكا مشاعا ، بخلاف ما إذا كان ملكا لبلدية أو غيرها فهي تكريه للناس مقابل ما تقدمه من أعمال التنظيف والحراسة وغيرها ، والثاني منها أن المكتري لا يلاحظ إلا المدة المعلومة التي تبقى فيها السلع داخل السوق ولا ينظر هل باع وكم باع فهذه إجارة صحيحة، بخلاف صاحب المكس أو الضريبة الذي يجعلها على السلعة الداخلة إلى السوق أو المبيعة([141]).







يتبع إن شاء الله........
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية مُسلِمة
مُسلِمة
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 04-09-2012
  • المشاركات : 4,418
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • مُسلِمة has a spectacular aura aboutمُسلِمة has a spectacular aura about
الصورة الرمزية مُسلِمة
مُسلِمة
شروقي
رد: أصول الدعوة السلفية عند بن باديس رحمه الله/أصول الفقه
14-03-2013, 08:59 PM
المبحث السابع : إصلاح منهج التعليم والعمل على تصفية الفقه




ومن الأمور العملية والخصائص العلمية التي تتميز بها الدعوة السلفية المعاصرة الدعوة إلى تصفية العلوم الشرعية، مما دخلها من مذاهب محدثة ومناهج مخترعة ومنحرفة ، وما حوته من آراء شاذة وضعيفة ، وعلى رأس هذه العلوم العقيدة ثم الفقه الإسلامي، ولا شك أن عملية التصفية ليست مما يقوم به فرد من الأفراد أو عالم من العلماء ولو في علم واحد من العلوم، لذلك فإن أكثر علماء ومجددي العصر الحديث سعوا إلى إيجاد الأجواء المساعدة على ذلك كالدعوة إلى إحياء روح البحث والاجتهاد والترجيح، والنظر في تصحيح الأحاديث وتضعيفها، وكذلك الدعوة إلى تجديد مناهج التعليم التي درج عليها المتأخرون بإصلاح الطرائق وتغيير الكتب المقررة وجعلها توافق الفكر السلفي في جميع أبعاده، وبعد أن مرَّ زمن غير قصير على هذه الدعوات تجسد ذلك في البرامج التي تبنتها الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، ثم في ظهور الدراسات الحديثة في ميدان الفقه والأصول والحديث وغيرها، وإن هذا من الأمور التربوية التي تضمن البقاء للمنهج السلفي وتجسِّد أصوله عمليا، ويضمن عدم ارتباط المنهج بفكر جماعة معينة فيزول بزوالهم ، والشيخ ابن باديس كان من الرجال الأفذاذ الذين تنبهوا إلى أن بداية الإصلاح تكون بإصلاح التعليم وأساليبه ومقرراته فدعا جهرة وصراحة إلى ضرورة التغيير فقال رحمه الله تعالى في موضع : (لن يصلح المسلمون حتى يصلح علماؤهم ، فإنما العلماء من الأمة بمثابة القلب ، إذا صلح صلح الجسد كله ، وإذا فسد فَسد الجسد كله وصلاح المسلمين إنما هو بفقههم الإسلام وعلمهم به، وإنما يصل إليهم هذا على يد علمائهم ، فإذا كان علماؤهم أهل جمود في العلم وابتداع في العمل فكذلك المسلمون يكونون فإذا أردنا الصلاح للمسلمين فلنصلح علماءهم ، ولن يصلح العلماء إلا إذا صلح تعليمهم …ولن يصلح هذا التعليم إلا إذا رجعنا به إلى التعليم النبوي في شكله وموضوعه وصورته فيما كان يعلم r وفي صورة تعليمه ) ([142]).



ولكنه لم يكن مستعجلا ذلك لعلمه بأن الأمر يستدعي اقتناعا جماعيا وعملا جبارا لا تنهض به إلا أمة من العلماء تتخصص في هذا الباب ، ولقد انتقد الشيخ في أحد مقالاته الوضع التعليمي الذي كان سائدا في زمانه لانحرافه عما كان عليه السلف الصالح شكلا ومضمونا، وقد حاول الإصلاح حسب ما قدر عليه، واقترح على غيره في عدة مناسبات تغيير هذه المناهج ، ولكن الأمر لم يكن بالهين ولا بالسهل، فإن ما أفسد خلال قرون لا يمكن إصلاحه في ساعات أو سنوات، قال الشيخ رحمه الله تعالى بعد تصوير موجز لحال التعليم في عصر النبوة والسلف الصالح:( هذا هو التعليم الديني السني السلفي، فأين منه تعليمنا نحن اليوم وقبل اليوم منذ قرون وقرون؟ فقد حصلنا على شهادة العالمية من جامع الزيتونة ونحن لم ندرس آية واحدة من كتاب الله ولم يكن عندنا أي شوق أو أدنى رغبة في ذلك، ومن أين يكون لنا هذا ونحن لم نسمع من شيوخنا يوما منزلة القرآن من تعلم الدين والتفقه فيه ولا منزلة السنة النبوية من ذلك . هذا جامع الزيتونة فدع عنك الحديث عن غيره مما هو دونه بمديد مراحل. فالعلماء إلا قليلا منهم أجانب أو كالأجانب من الكتاب والسنة من العلم بهما والتفقه فيهما، ومن فطن منهم لهذا الفساد التعليمي الذي باعد بينهم وبين العلم بالدين وحملهم وزرهم ووزر من في رعايتهم، لا يستطيع إذا كانت له همة ورغبة أن يتدارك ذلك إلا في نفسه، أما تعليمه لغيره فإنه لا يستطيع أن يخرج فيه عن المعتاد الذي توارثه الآباء والأجداد رغم ما يعلم ما فيه من فساد وإفساد)([143]).

والشيخ رحمه الله تعالى مع أنه لم يعمر طويلا ومع كثرة أشغاله فقد أسهم في هذا المضمار بما لا ينبغي أن يستهان به ويكفيه اعتماده في دروسه العامة على تفسير القرآن تفسيرا مستقلا عن أي كتاب من كتب المتأخرين، وشرحه للموطأ بالطريقة نفسها، وهو وإن لم يؤلف كتابا في الفقه الذي هو المقصود أساسا بالكلام هنا فشرحه للموطأ يعتبر من مظاهر التجديد لأن الموطأ كتاب فقه وحديث في آن واحد([144])



وكذلك قد ترك لنا الشيخ إملاء مختصرا في علم الأصول وهو مع صغر حجمه يدل على فكرٍ متحررٍ وعلى نظرة تجديدية للعلم، ويكفيه فخرا في هذا أنه صنف مختصرا لنفسه ولم يعمد إلى طريقة المتأخرين التي تعتمد شرح المتون الرائجة أو تدوين الحواشي على شروحها المنتشرة، وقد تجنب الشيخ في هذا المختصر كل ما ينتقد على تلك المختصرات الشائعة عند المتأخرين من إدخال المسائل الفرضية التي لا حاجة إليها والعقلية الكلامية وربما الفقهية أيضا، ولم يتقيد أيضا بألفاظ التعاريف التي يطول الجدل في جدواها ومحترزاتها، واعتمد على عنصر التمثيل الذي يكاد يكون مفقودا في أكثرها، ولقد كان مجددا حتى في الأسلوب والعبارة فرحمه الله رحمة واسعة، واسمع إليه وهو يتحدث عما أحدثه في واقعه من تغيير قال رحمه الله :(وأحدثنا تغييرا في أساليب التعليم ، وأخذنا نحث على تعلم جميع العلوم باللسان العربي …، ونحبب الناس في فهم القرآن ، وندعو الطلبة إلى الفكر والنظر في الفروع الفقهية والعمل على ربطها بأدلتها الشرعية ، ونرغبهم في مطالعة كتب الأقدمين ومؤلفات المعاصرين ، لما قمنا بهذا وأعلناه قامت علينا وعلى من وافقنا قيامة أهل الجمود والركود وصاروا يدعوننا للتنفير منا عبداويين دون أن أكون والله يوم جئت قسنطينة قرأت كتب الشيخ محمد عبده إلا القليل ) ([145]).







[142]/ الآثار (4/74).
[143]/ الآثار (4/76).
[144]/ قال الشيخ مبارك الميلي وهو يصف منهج ابن باديس في التدريس :« التعليم المسجدي وهو للطلبة والعامة، فأما العامة فكانوا يحضرون للمسجد إما لطلب الاعتقادات من كتب الكلام أمثال صغرى السنوسي ، وإما لمعرفة العبادات من كتب الفقه كابن عاشر وخليل ، وفي هذا الدور أصبحوا يحضرون لمعرفة الاعتقادات من آيات الله ، ولمعرفة العبادات من كتب السنة كالموطأ ، ولمعرفة الشمائل من شمائل الترمذي أو الشفا ، ولسماع العظات من القرآن والحديث ، فالتعليم المسجدي اليوم يقوم على الكتاب والسنة من غير أن يحارب كتب الكلام والفقه ، وإنما يحارب كتب المناقب والرقائق المحشوة بالموضوعات والأساطير ، والتعليم المسجدي ليس بجديد وإنما الجديد فيه دراسة الكتاب والسنة وتوجيه العامة إليهما في اعتقاداتها وعباداتها وسلوكها. أما الطلبة المسجديون فقد نظموا في هذا الدور تنظيما يميز كل طبقة من أخرى ، ويعطيها من المعلومات ما يناسبها ، ولا تزال مادة تعليمه المتن والشرح غالبا ، لكن أسلوبه لم يبق على ما كان عليه ، فقد صار المعلم يشرح المسألة العلمية مستقلة ثم يعود إلى عبارة المؤلف لينزلها عليها ويبين وفاءها أو قصورها » الشيخ مبارك الميلي لمحمد الميلي (183-184).
[145]/ الآثار (5/102).





يتبع إن شاء الله..........
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية مُسلِمة
مُسلِمة
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 04-09-2012
  • المشاركات : 4,418
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • مُسلِمة has a spectacular aura aboutمُسلِمة has a spectacular aura about
الصورة الرمزية مُسلِمة
مُسلِمة
شروقي
رد: أصول الدعوة السلفية عند بن باديس رحمه الله/أصول الفقه
18-03-2013, 08:12 PM


الفصل الثالث : أصول السلوك




ولأهل السنة في باب السلوك أو التزكية- الذي يجمع بين أبواب العبادات والقربات والآداب والأخلاق- عدة أصول تميزهم عن غيرهم ممن انحرف عن طريق السلف فيه، اقتصرت منها أيضا على الأصول المتعلقة بمصادر التلقي إضافة إلى قواعد أخرى تتعلق بالبدعة بمفهومها وعموم ذمها وما يدخل فيها وما لا يدخل.
1-المصادر المعتبرة في السلوك الصحيح ( أخلاقا وعبادة ) هي الكتاب والسنة الصحيحة وعمل السلف الصالح([146]).

2-لا اعتبار في هذا الباب أو غيره بالإلهام المجرد أو الكشف أو الذوق أو التحسين العقلي أو غير ذلك([147]).

3-عدم اعتماد الضعيف من الأحاديث ولا غيره من الأخبار في إثبات العبادات، وليس معنى ذلك الجزم بعدم روايته في فضائل الأعمال الثابتة لأن هذه مسألة خلافية بين أهل السنة([148]).

4-اجتناب العبادات المبتدعة وهي كل ما لم يقم دليل على شرعيته ، سواء كان معتمد أصحابه تقليدا أو كشفا أو حديثا ضعيفا أو تخصيصا لما ثبت أصله بلا مخصص([149]).


5-أن البدع الدينية كلها ضلالة ليس فيها حسن ولا مباح([150]).

6- أن النظر في المصالح يختص بغير أبواب التعبدات([151]).

7-إبطال منهج أهل الطرق الصوفية جملة وتفصيلا لمخالفاته الاعتقادية والسلوكية([152]).


المبحث الأول : مصادر تلقي السلوك هي الكتاب والسنة وعمل السلف الصالح





لا يختلف باب السلوك عند أهل السنة عما تقدم ذكره من أبواب من حيث المصادر، فإن الحجة فيه هي الكتاب والسنة وما كان عليه السلف الصالح ، وهم يعتقدون أن في الشرع كفاية وغنى عما سواه ، يقول الشيخ ابن باديس وهو يدعو إلى الرجوع إلى هدي القرآن في هذا الباب وينتقد الأوضاع الصوفية الغالية التي كانت سائدة في زمانه:(بيَّن القرآن مكارم الأخلاق ومنافعها ومساوئ الأخلاق ومضارها وبيَّن السبيل للتخلي عن هذه للتحلي بتلك مما يحصل به الفلاح بتزكية النفس والسلامة من الخيبة بتدسيتها، فهجرنا ذلك كله ووضعنا أوضاعا من عند أنفسنا واصطلاحات من اختراعاتنا خرجنا في أكثرها عن الحنيفية السمحة إلى الغلو والتنطع وعن السنة البيضاء إلى الإحداث والتبدع وأدخلنا فيها النسك الأعجمي والتخييل الفلسفي ، ما أبعدها غاية البعد عن روح الإسلام« ([153]).

وقال وهو يتحدث عن أفضل الذكر وأنه في الثابت من الأذكار ما يغني عما أحدثه أهل الطرق :( وقد روى عنه الأئمة من أذكار اليوم والليلة وسائر الأذكار ما فيه الكفاية والشفاء )([154]).
ومعلوم أنَّ من أُسُس بدعة الطرق تحديد الأذكار المخترعة وتوقيتها بأوقات وأعداد معينة وإلزام أتباع الطريقة بها ، والشيخ في هذا النص قد أبطل هذا الأساس إذ أعلن أن في المروي عن النبي صلى الله عليه و سلم من الأذكار ما يغني ويكفي عما سواه.
وقال رحمه الله وهو يحكي ما كان يجري في رحلة له في الغرب الجزائري :( فكنا نجيب بأن ما كان من باب تزكية النفس وتقويم الأخلاق والتحقيق بالعبادة والإخلاص فيها فهو التصوف المقبول ، وكلام أئمته فيه ككلام سائر أئمة الإسلام في علوم الإسلام لابد من بنائه على الدلائل الصحيحة من الكتاب والسنة ، ولابد من الرجوع عند التنازع فيه إليهما وكنت أذكر ما يوافق هذا من كلام أئمة الزهد المتقدمين كالجنيد وأضرابه)([155]).





[146]/ قال ابن تيمية في المجموع (10/362-363) :( فالعلم المشروع والنسك المشروع مأخوذ عن أصحاب رسول الله وأما ما جاء عمن بعدهم، فلا ينبغي أن يجعل أصلا وإن كان صاحبه معذورا، بل مأجورا لاجتهاد أو تقليد، فمن بنى الكلام في العلم الأصول والفروع على الكتاب والسنة والآثار المأثورة عن السابقين فقد أصاب طريق النبوة، وكذلك من بنى الإرادة والعبادة والعمل والسماع المتعلق بأصول الأعمال وفروعها من الأحوال القلبية والأعمال البدنية على الإيمان والسنة والهدى الذي كان عليه محمد وأصحابه فقد أصاب طريق النبوة وهذه طريق أئمة الهدى ) .
[147]/ قال ابن القيم في مدارج السالكين (1/494-495):» القاعدة الأولى : أن الذوق والحال والوجد هل هو حاكم أو محكوم عليه فيحكم عليه بحاكم آخر أو ويتحاكم إليه؟ فهذا منشأ ضلال من ضل من المفسدين لطريق القوم الصحيحة، حيث جعلوه حاكما فتحاكموا إليه فيما يسوغ ويمتنع، وفيما هو صحيح وفاسد، وجعلوه محكا للحق والباطل فنبذوا لذلك موجب العلم والنصوص، وحكموا فيها الأذواق والأحوال والمواجيد فعظم الأمر وتفاقم الفساد والشر، وطمست معالم الإيمان والسلوك المستقيم وانعكس السير، وكان إلى الله فصيروه إلى النفوس، فالناس المحجوبون عن أذواقهم يعبدون الله وهؤلاء يعبدون نفوسهم )، وانظر المدارج (2/70-71) و(2/334).
[148]/ قال ابن تيمية في المجموع (18/65-66):( وكذلك ما عليه العلماء من العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال، ليس معناه إثبات الاستحباب بالحديث الذي لا يحتج به فإن الاستحباب حكم شرعي ، فلا يثبت إلا بدليل شرعي، ومن أخبر عن الله أنه يحب عملا من الأعمال من غير دليل شرعي فقد شرع من الدين ما لم يأذن به الله، كما لو أثبت الإيجاب أو التحريم، ولهذا يختلف العلماء في الاستحباب كما يختلفون في غيره ، بل هو أصل الدين المشروع، وإنما مرادهم بذلك أن يكون العمل مما قد ثبت أنه مما يحبه الله أو مما يكرهه الله بنص أو إجماع، كتلاوة القرآن والتسبيح والدعاء والصدقة والعتق والإحسان إلى الناس، وكراهة الكذب والخيانة ونحو ذلك فإذا روى حديث في فضل بعض الأعمال المستحبة وثوابها وكراهة بعض الأعمال وعقابها فمقادير الثواب والعقاب وأنواعه إذا روى فيها حديث لا نعلم أنه موضوع جازت روايته والعمل به بمعنى أن النفس ترجو ذلك الثواب أو تخاف ذلك العقاب كرجل يعلم أن التجارة تربح لكن بلغه أنها تربح ربحا كثيرا فهذا إن صدق نفعه وإن كذب لم يضره ومثال ذلك الترغيب والترهيب بالإسرائيليات والمنامات وكلمات السلف والعلماء ووقائع العلماء ونحو ذلك مما لا يجوز بمجرده إثبات حكم شرعي لا استحباب ولا غيره).
[149]/ قال ابن تيمية (1/ 160) :( وفيهم من ينظم القصائد في دعاء الميت والاستشفاع به والاستغاثة أو يذكر ذلك في ضمن مديح الأنبياء والصالحين، فهذا كله ليس بمشروع ولا واجب ولا مستحب باتفاق أئمة المسلمين، ومن تعبد بعبادة ليست واجبة ولا مستحبة وهو يعتقدها واجبة أو مستحبة، فهو ضال مبتدع بدعة سيئة لا بدعة حسنة باتفاق أئمة الدين، فإن الله لا يعبد إلا بما هو واجب أو مستحب، وكثير من الناس يذكرون في هذه الأنواع من الشرك منافع ومصالح، ويحتجون عليها بحجج من جهة الرأي أو الذوق أو من جهة التقليد والمنامات ونحو ذلك ) وقال في اقتضاء الصراط المستقيم (314-315) :( فمن قصد بقعة يرجو الخير بقصدها ولم تستحب الشريعة ذلك، فهو من المنكرات وبعضه أشد من بعض، سواء كانت البقعة شجرة أو غيرها أو قناة جارية أو جبلا أو مغارة، وسواء قصدها ليصلي عندها أو ليدعو عندها أو ليقرأ عندها أو ليذكر الله سبحانه عندها أو لينسك عندها، بحيث يخص تلك البقعة بنوع من العبادة التي لم يشرع تخصيص تلك البقعة به لا عينا ولا نوعا ) .
[150]/ قال ابن تيمية في الاقتضاء (269-271):( ولهذا كان الأصل الذي بنى الإمام أحمد وغيره من الأئمة عليه مذاهبهم أن أعمال الخلق تنقسم إلى عبادات يتخذونها دينا ينتفعون بها في الآخرة أو في الدنيا والآخرة، وإلى عادات ينتفعون بها في معايشهم، فالأصل في العبادات أن لا يشرع منها إلا ما شرعه الله، والأصل في العادات أن لا يحظر منها إلا ما حظره الله،… واعلم أن هذه القاعدة وهي الاستدلال بكون الشيء بدعة على كراهته قاعدة عامة عظيمة، وتمامها بالجواب عما يعارضها، وذلك أن من الناس من يقول البدع تنقسم إلى قسمين حسنة وقبيحة بدليل قول عمر t في صلاة التراويح نعمت البدعة هذه، وبدليل أشياء من الأقوال والأفعال أحدثت بعد رسول الله e وليست بمكروهة أو هي حسنة، للأدلة الدالة على ذلك من الإجماع أو القياس، … ثم هؤلاء المعارضون لهم هنا مقامان، أحدهما أن يقولوا إذا ثبت أن بعض البدع حسن وبعضها قبيح فالقبيح ما نهانا عنه الشارع أما ما سكت عنه من البدع فليس بقبيح بل قد يكون حسنا فهذا مما قد يقوله بعضهم، المقام الثاني أن يقال عن بدعة سيئة هذه بدعة حسنة، لأن فيها من المصلحة كيت وكيت، وهؤلاء المعارضون يقولون ليست كل بدعة ضلالة، والجواب أن القول أن شر الأمور محدثاتها وأن كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، والتحذير من الأمور المحدثات، فهذا نص رسول الله e فلا يحل لأحد أن يدفع دلالته على ذم البدع ومن نازع في دلالته فهو مراغم) .
[151]/ قال الشاطبي في الاعتصام (2/627)-دار ابن عفان-:( فهذه أمثلة عشرة توضح لك الوجه العملي في المصالح المرسلة ، وتبين لك اعتبار أمور : أحدها الملائمة لمقاصد الشرع بحيث لا تنافي أصلا من أصوله ، ولا دليلا من دلائله ، والثاني أن عامة النظر فيها إنما هو فيما غفل معناه وجرى على وفق المناسبات المعقولة التي إذا عرضت على العقول تلقتها بالقبول ، فلا مدخل لها في التعبدات ، ولا ما جرى مجراها من الأمور الشرعية ، لأن عامة التعبدات لا يعقل معناها على التفصيل ، كالوضوء والصلاة والصيام في زمن مخصوص دون غيره ، والحج ونحو ذلك « وقال (2/633):» وإذا تقررت هذه الشروط علم أن البدع كالمضاد للمصالح المرسلة لأن موضوع المصالح المرسلة ما عقل معناه على التفصيل ، والتعبدات من حقيقتها أن لا يعقل معناها على التفصيل )وانظر حقيقة البدعة لسعيد بن ناصر الغامدي (2/184-185).
[152]/ قال ابن تيمية في المجموع (11/15):( فمن جعل طريق أحد من العلماء والفقهاء، أو طريق أحد من العباد والنساك أفضل من طريق الصحابة فهو مخطئ ضال مبتدع)، وقال (10/340-341):» فمحمد أرسل إلى كل أحد من الإنس والجن كتابيهم وغير كتابيهم، في كل ما يتعلق بدينه من الأمور الباطنة والظاهرة، في عقائده وحقائقه وطرائقه وشرائعه، فلا عقيدة إلا عقيدته، ولا حقيقة إلا حقيقته ، ولا طريقة إلا طريقته، ولا شريعة إلا شريعته، ولا يصل أحد من الخلق إلى الله وإلى رضوانه وجنته وكرامته، وولايته إلا بمتابعته باطنا وظاهرا في الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة … وليس لله ولى إلا من اتبعه باطنا وظاهرا فصدقه فيما أخبر به من الغيوب والتزم طاعته فيما فرض على الخلق من أداء الواجبات وترك المحرمات، فمن لم يكن له مصدقا فيما أخبر، ملتزما طاعته فيما أوجب وأمر به في الأمور الباطنة التي في القلوب، والأعمال الظاهرة التي على الأبدان، لم يكن مؤمنا فضلا عن أن يكون وليا لله « وقال (22/524):» فإن الدعاء من أفضل العبادات، وقد نهانا الله عن الاعتداء فيه، فينبغي لنا أن نتبع فيه ما شرع وسن، كما أنه ينبغي لنا ذلك في غيره من العبادات، والذي يعدل عن الدعاء المشروع إلى غيره، وإن كان من أحزاب بعض المشائخ الأحسن له أن لا يفوته الأكمل الأفضل ، وهى الأدعية النبوية، فإنها أفضل وأكمل باتفاق المسلمين من الأدعية التي ليست كذلك، وإن قالها بعض الشيوخ، فكيف يكون في عين الأدعية ما هو خطأ أو إثم أو غير ذلك. ومن أشد الناس عيبا من يتخذ حزبا ليس بمأثور عن النبي e ، وإن كان حزبا لبعض المشائخ ويدع الأحزاب النبوية التي كان يقولها سيد بنى آدم وإمام الخلق وحجة الله على عباده والله أعلم ) .
[153]/ الآثار (1/250).
[154]/ الآثار (1/32).
[155]/ الآثار (4/261) وقال بعدها :( إن بعض الشيوخ المنتمين إلى الطريق لما سمعني أستدل بكلام الجنيد على لزوم وزن الأعمال والأقوال والأحوال والفهوم بالكتاب والسنة قال لي وما الجنيد إلا واحد من الناس . وما صار الجنيد واحدا من الناس إلا يوم استدللت بكلامه ) .
[156]/ الآثار (5/108).





يتبع إن شاء الله..........
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية مُسلِمة
مُسلِمة
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 04-09-2012
  • المشاركات : 4,418
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • مُسلِمة has a spectacular aura aboutمُسلِمة has a spectacular aura about
الصورة الرمزية مُسلِمة
مُسلِمة
شروقي
رد: أصول الدعوة السلفية عند بن باديس رحمه الله/أصول الفقه
20-03-2013, 07:57 PM
المبحث الثاني : إبطال الاحتجاج بالإلهام المجرد أو الكشف أو الذوق



ومع التصريح بالاعتماد على الأدلة الثلاثة في باب السلوك، فإن أهل السنة يصرحون أيضا ببطلان طريق من خالف في ذلك وأحدث واعتمد من المصادر ما لم يأذن به الله فكما صرحوا ببطلان المنهج الكلامي في الاعتقاد وبطلان التقليد في الفقه، فقد صرحوا بأنه لا اعتبار في هذا الباب لا بدعوى الكشف والإلهام ولا بالذوق والاستحسان، ولا غيرها من الطرائق المبتدعة التي لم يأذن بها الله تعالى، ومن كلام الشيخ ابن باديس رحمه الله في هذا السياق قوله في الرد على أحد المتصوفة :
( لما كتبنا في الجزء الماضي في تحقيق العبادة الشرعية تحرينا الاستدلال بالكتاب والسنة وهدي الصحابة ، لأن المسألة مسألة دينية وهذه هي مآخذها ، ولأنها جرى فيها خلاف والله تعالى يقول :'' فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً '' (النساء59). فقال أحد الكاتبين في جريدة أتى البيوت من ظهورها ، فسمى استدلالنا بالكتاب والسنة وهدي الصحابة إتيانا للبيوت من ظهورها وهي كلمة مصادمة للآية القطعية المتقدمة وغيرها ، ولعل الكاتب لم يتفهمها ولم يدر ما مقتضاها وإلا فما كان لمسلم أن يقولها، ثم إذا كان الكتاب والسنة وهدي سادات الأمة ظهورا للبيوت ، فما هي يا صوفي الزمان أبوابها ) ([156]).

فلا استدلال عنده إلا بهذه الثلاثة المذكورة أما أقوال المتصوفة وأذواقهم ومواجيدهم فلا عبرة بها .

وقد صرح في موضع بأن الشرع لا يؤخذ من المنام كما أن الزعم بأن الله تعالى يُعلم الناس أحكاما جديدة عن طرقه فيه اتهام للرسول r بكتمان الهدي واتهام للشرع بالنقص، قال رحمه الله وهو ينتقد أصول الطريقة التيجانية :( فمن اعتقد أن صلاة الفاتح علمها النبي صلى الله عليه وسلم لصاحب الطريقة التيجانية دون غيره كان مقتضى اعتقاده هذا أنه مات ولم يبلغ وهذا كفر ، فإن زعم أنه علمه إياها في المنام فالإجماع على أنه لا يؤخذ من الدين في المنام مع ما فيه من الكتم وعدم التبليغ المتقدم) ([157]).

وإذا كان ادعاء الرؤية فيه اتهام للدين والرسول فحكم الكشف ودعوى الإلهام لا يختلف عنده.




[156]/ الآثار (5/108).
[157]/ الآثار (3/316).




يتبع إن شاء الله...........

  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية مُسلِمة
مُسلِمة
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 04-09-2012
  • المشاركات : 4,418
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • مُسلِمة has a spectacular aura aboutمُسلِمة has a spectacular aura about
الصورة الرمزية مُسلِمة
مُسلِمة
شروقي
رد: أصول الدعوة السلفية عند بن باديس رحمه الله/أصول الفقه
23-03-2013, 08:46 PM
المبحث الثالث : التزام الصحة في إثبات العبادات


وكما سبق فإنه لا يجوز عند أهل الحق أن يعتمد في الدين إلا على ما صح عن الرسول عليه الصلاة و السلام سواء في العقيدة أو الفقه، فإن شأن قضايا السلوك لا يختلف عن غيره من أبواب الدين فلا يجوز إثبات أي عبادة من العبادات ولا إثبات أي أصل من الأصول فيه إلا بما كان ثابتا عن الرسول صحيحا أو حسنا عن أهل الحديث ، واسمع إلى الشيخ وهو يتقصد النصح والتنبيه على أنه لا يجوز أن يعتمد كل ما جاء في كتاب حلية الأولياء اغترارا بكون مصنفه محدثا وأن موضوعه السلوك والفضائل، فقال رحمه الله :( ذكرنا هذا الحديث الموضوع الذي رواه أبو نعيم في كتابه حلية الأولياء لننبه على وضعه ونحذر قراء الحلية - وقد طبعت منها أجزاء – من الاعتماد على كل ما فيها ، فإن كثيرا من المنتسبين إلى العلم يغترون باسم الكتاب واسم مؤلفه فيتناولون كل ما فيه من الأحاديث بالقبول والتسليم كأنه ثابت صحيح مع أننا نجد فيه هذا الحديث الموضوع الذي قال فيه ابن الجوزي ما قال) ([158]).

وقال رحمه الله في موضع آخر تحت عنوان تحذير:( يجري على الألسنة ما رواه الطبراني في الأوسط عن عائشة مرفوعا :" لا تنزلوهن الغرف ولا تعلمونهم الكتابة وعلموهن الغزل وسورة النور " قال الشوكاني : في سنده محمد بن إبراهيم الشامي قال الدارقطني كذاب ، وكثيرا ما تكون هذه الأخبار الدائرة على الألسنة باطلة في نفسها معارضة لما صح في غيرها فيجب الحذر منها )
([159]).

وقضية التحذير من اعتماد كل ما يروى وكل ما هو متداول في الكتب والألسنة أمر متكرر في كتابات الشيخ رحمه الله تعالى مما يدلنا على شدة اعتنائه به وعلى أنه كان مظهرا من مظاهر التجديد التي تميز بها ، ولا يدعي أحد أن الشيخ كان محدثا ناقدا كما لا يزعم أحد أن التثبت من الصحة والتزامها لا يكون إلا من محدث ، فالشيخ رحمه الله لا يقول للناس كونوا محدثين، ولكن كان يقول لهم عليكم أن تتبينوا بالرجوع إلى أهل الاختصاص وإلى الكتب المصنفة في نقد الأحاديث وفي التصحيح والتعليل، وقد حمَّل أهل العلم والخطباء المسؤولية عن انتشار الأحاديث الموضوعة في الأمة فقال رحمه الله تعالى :( من قلة الاحتياط في الدين وعدم الاحترام للعلم ما يجري على ألسنة كثير من الناس من قولهم :" قال رسول الله " صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، دون معرفة للحديث عند أهله، ومصيبة بعض المتسمين بالعلم والقائمين بالخطب الجمعية في هذا أشد وأضر لتعديها منهم إلى غيرهم ونشرهم الموضوعات الكثيرة في الناس ، ولا يكفيهم أنهم سمعوا أو وجدوا فقالوا ، فقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع " رواه مسلم في مقدمة صحيحه([160]) ، والكذب على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عظيم ، والتحري فيما دونه واجب فكيف به ) ([161]).

ومما ينبغي التذكير به في هذا الموضع أن التساهل في الفضائل والترغيب والترهيب الذي أجازه كثير من علماء أهل السنة من السلف والخلف لا يتنافى مع ما ذكرنا لأن الجواز عندهم مقيد بعدم تشريع عبادة جديدة كما هو مشروط بأن لا يكون الضعف شديدا ، وكثير من المتأخرين قد أهمل القيد وتخطى الشرط فوقع في المحذور ، والشيخ رحمه الله كان ممن يرى جواز رواية الضعيف في هذا الباب ولم يهمل أن ينبه إلى ضوابط ذلك التي أشرنا إليها فقال في موضع :( لا نعتمد في إثبات العقائد والأحكام على ما ينسب للنبي r من الحديث الضعيف لأنه ليس لنا به علم ، فإذا كان الحكم ثابتا بالحديث الصحيح مثل قيام الليل ثم وجدنا حديثا في فضل قيام الليل بذكر ثواب عليه مما يرغب فيه جاز عند الأكثرين أن نذكره مع التنبيه على ضعفه الذي لم يكن شديدا على وجه الترغيب ، ولو لم يكن الحكم قد ثبت لما جاز الالتفات إليه وهذا هو معنى قولهم الحديث الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال أي في ذكر فضائلها المرغبة فيها لا في أصل ثبوتها. فما لم يثبت بالدليل الصحيح في نفسه لا يثبت بما جاء من الحديث الضعيف في ذكر فضائله باتفاق أهل العلم أجمعين)([162]).

فتأمل نقله للاتفاق على أن ما لم يكن ثابتا أصله في الشرع لم يجز أن يروى في فضله حديث وقبله اشتراطه أن الضعف ينبغي أن لا يكون شديدا . وقد أكد ما رآه عمليا حينما كتب في تضعيف حديث قراءة يس على الأموات الذي يزعم كثير من الناس جهلا أنه وارد في فضائل الأعمال ([163]).

ونختم هذا المبحث بكلمة للشيخ في هذا الباب انتقد فيها حال الخطب الجمعية في زمانه وما فيها من مخالفات، فقال رحمه الله :( أكثر الخطباء في الجمعات اليوم في قطرنا يخطبون الناس بخطب معقدة مسجعة طويلة من مخلفات الماضي لا يراعى فيها شيء من أحوال الحاضر وأمراض السامعين تلقى بترنم وتلحين أو غمغمة وتمطيط ، ثم كثيرا ما تختتم بالأحاديث المنكرات أو الموضوعات . هذه حال بدعية في شعيرة من أعظم الشعائر الإسلامية سد بها أهلها بابا عظيما من الخير فتحه الإسلام وعطلوا بها الوعظ والإرشاد وهو ركن عظيم من أركان الإسلام )([164]).



[158]/ الآثار (3/49-50).
[159]/ الآثار (3/62).
[160]/ مسلم (5).
[161]/ الآثار (2/119).
[162]/ الآثار (1/143).
[163]/ الآثار (3/300).
[164]/ الآثار (1/71).


يتبع إن شاء الله...........
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية مُسلِمة
مُسلِمة
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 04-09-2012
  • المشاركات : 4,418
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • مُسلِمة has a spectacular aura aboutمُسلِمة has a spectacular aura about
الصورة الرمزية مُسلِمة
مُسلِمة
شروقي
رد: أصول الدعوة السلفية عند بن باديس رحمه الله/أصول الفقه
25-03-2013, 08:41 PM
المبحث الرابع : اجتناب العبادات المبتدعة



من الأصول القطعية والمشهورة أيضا عند أهل السنة اجتناب العبادات المبتدعة، بل إعلان الحرب عليها حيث أمكن ذلك ، والبدعة في الدين هي كل ما لم يقم دليل على شرعيته سواء كان في جانب الأعمال غير الثابتة في الشرع، أو في جانب كيفيات الأعمال الثابتة، أو جانب تخصيصها بالأزمنة والأمكنة، ومهما كان مستند صاحبها ما دام لم يدل على شرعيتها الكتاب والسنة أو إجماع سلف الأمة، وهم يعتبرون الابتداع في الدين ضربا من الاستدراك على الشرع واتهامه بالنقص والحاجة إلى غيره ليكمله، لأن أدلة الشرع نفسها قد أعربت عن استغنائها عن غيرها، وأنها كافية لمن أراد سبيل الهدى، وقد قال الشيخ ابن باديس رحمه الله وهو يقرر هذا المعنى ويحذر من سلوك طريق الابتداع في الدين:( من أبين المخالفة عن أمره وأقبحها الزيادة في العبادة التي يتعبد لله بها على ما مضى من سنته فيها ، وإحداث محدثات على وجه العبادة في مواطن مرت عليه ولم يتعبد بمثل ذلك فيها ، وكلا هذين زيادة وإحداث مذموم، يكون مرتكبه كمن يرى أنه اهتدى إلى طاعة لم يهتد إليها رسول الله صلى الله عليه و سلم وسبق إلى فضيلة قصر رسول الله r عنها، وكفى بهذا وحده فتنة وبلاء )([165]).


وقد أعلن الشيخ أن من ركائز دعوته محاربة البدع كما صرح أن الابتداع هو سبب تخلف المسلمين وانحرافهم عن الدين الذي به سعادتهم وعزهم في الدنيا قبل الآخرة فقال رحمه الله :( ونقاوم كل معوج من الأخلاق وفاسد العادات ، ونحارب على الخصوص البدع التي أدخلت على الدين الذي هو قوام الإخلاص فأفسدته، وعاد وبال ذلك الفساد علينا ، وتأخرنا من حيث يكون تقدمنا وسقطنا بما لا نرتفع إلا به) ([166]).

وأعظم البدع نكارة بدع العقائد العملية التي تصب في معنى الشرك الأكبر والأصغر لذلك فقد كان تركيز الشيخ عليها أكثر من غيرها ، قد قال الشيخ رحمه الله في ذمها :( من الناس من يخترع أعمالا من عند نفسه ويتقرب بها إلى الله، مثل ما اخترع المشركون عبادة الأوثان بدعائها والذبح عليها والخضوع لديها ، وانتظار قضاء الحوائج منها ، وهم يعلمون أنها مخلوقة لله مملوكة له ، وإنما يعبدونها – كما قالوا – لتقربهم إلى الله زلفى ،…وكما اخترع طوائف من المسلمين الرقص والزمر والطواف حول القبور والنذر لها والذبح عندها ونداء أصحابها وتقبيل أحجارها ونصب التوابيت عليها وحرق البخور عندها وصب العطور عليها ، فكل هذه اختراعات فاسدة في نفسها لأنها ليست من سعي الآخرة الذي كان يسعاه محمد r وأصحابه من بعده فساعيها موزور غير مشكور)([167]).
ومفهوم البدعة عند الشيخ ابن باديس يشمل أيضا ما كان في العبادات ولو كان على سبيل التخصيص لما كان مشروعا متفقا على مشروعيته، فقد قال رحمه الله تعالى عن تخصيص زيارة القبور بوقت معين:( وكذلك التزامها في وقت مخصوص بشكل مخصوص كما تلتزم الطاعات التي فرضها الشارع وجعل لها أوقاتا، فإن هذا ليس مما يتسع له صدر الدين ، ولا مما كان في عهد السلف الصالحين، ولا سيما مع التكلف الذي كثر من يرتكبه بإلزام وبغير إلزام ) ([168]). وقال في موضع آخر:« إن ما ورد من العبادة مقيدا بقيده يلتزم قيده، وما ورد منها مطلقا يلتزم إطلاقه ، فالآتي بالعبادة المقيدة دون قيدها مخالف لأمر الشرع ووضعه، والآتي بالعبادة المطلقة ملتزما فيه ما جعله بالتزامه كالقيد مخالف كذلك لأمر الشرع ووضعه وهو أصل في جميع العبادات »([169]).

وقال رحمه الله تعالى عن تخصيص قراءة القرآن بمواضع لم يرد فيها نص شرعي : ( بعد أن ثبت أن قراءة القرآن العظيم في تلك المواضع بدعة ، وأنها مكروهة فهل هي كراهة تنزيه أو تحريم ؟ ذهب الشاطبي إلى أن الكراهة حيثما عبر بها في البدعة فهي كراهة تحريم على تفاوت مراتبها في ذلك وساق على ذلك جملة من الأدلة الكافية في الباب السادس من كتابه الاعتصام)([170]).

ومن الشبهات التي يتمسك بها محسنو البدع أن يسألوا عن دليل منع العبادة المشروعة على وجه مخصوص ، وذلك جهلا منهم أن السنة قسمان سنة فعلية وسنة تركية، وأنه كما يصح الاستدلال بفعل النبي صلى الله عليه و سلم يصح الاستدلال بتركه للشيء والعمل حيث كان المقتضي قائما، وفي تقرير هذا المعنى يقول ابن باديس رحمه الله : (الاستدلال بترك النبي صلى الله عليه و سلم أصل عظيم في الدين ، والعمل النبوي دائر بين الفعل والترك ، ولهذا تكلم علماء الأصول على تركه كما تكلموا على فعله ، وقد ذكرنا جملة من كلامهم فيما قدمنا ، غير أن تقرير هذا الأصل الذي يهدم بدعا كثيرة من فعل ما تركه النبي صلى الله عليه و سلم مما يتأكد مزيد تثبيته وبيانه ، إذ بالغفلة عنه ارتكبت بدع وزيدت زيادات ليست مما زيدت عليه في شيء « ([171]).



وقال رحمه الله تعالى مطبقا لهذا الأصل على قراءة القرآن على الموتى عند الاحتضار وعند الدفن وبعده:(وإذا كان ترك القراءة هو السنة فالقراءة قطعا بدعة، إذ ما فعله النبي صلى الله عليه و سلم من القربات ففعله سنة وما تركه مما يحسب قربة مع وجود سببه فتركه هو السنة وفعله قطعا بدعة، والقراءة في هذه المواطن الثلاثة التي حسب أنها قربة قد وجد سببها في زمنه فمات الناس وشيع جنائزهم وحضر دفنهم ولم يفعل هذا الذي حسب اليوم قربة ، ومن المستحيل شرعا أن يترك قربة مع وجود سببها بين يديه ، ثم يهتدي إليها من يجيء من بعده ويسبق هو إلى قربة فاتت محمدا صلى الله عليه و سلم وأصحابه والسلف الصالح من أمته ، ولا يكون الإقدام على إحداث شيء للتقرب به مع ترك النبي صلى الله عليه و سلم له مع وجود سببه إلا افتئاتا عليه وتشريعا من بعده، وادعاء ضمنيا للتفوق عليه في معرفة ما يتقرب به والحرص عليه والهداية إليه ، فلن يكون فعل ما تركه والحالة ما ذكر من المباحات أبدا، بل لا يكون إلا من البدع المنكرات«([172]).








[165]/ الآثار (1/224).
[166]/ الآثار (5/175).
[167]/ الآثار (1/87).
[168]/ الآثار (3/235).
[169]/ الآثار (2/57).
[170]/ الآثار (3/274).
[171]/ الآثار (3/295).
[172]/ الآثار (3/273

يتبع إن شاء الله.......
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية مُسلِمة
مُسلِمة
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 04-09-2012
  • المشاركات : 4,418
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • مُسلِمة has a spectacular aura aboutمُسلِمة has a spectacular aura about
الصورة الرمزية مُسلِمة
مُسلِمة
شروقي
رد: أصول الدعوة السلفية عند بن باديس رحمه الله/أصول الفقه
29-03-2013, 01:45 PM
المبحث الخامس: البدع الدينية كلها ضلالة




ومن الأصول التي يتميز أهل السنة بها أنهم لا يفرقون بين بدعة وبدعة فيما يتعلق بأمور الدين، فإن البدعة عندهم كلها ضلالة كما نطق به رسول الله صلى الله عليه و سلم ، وليس فيها ما يستحسن ولا ما يباح، بل هم يعتقدون أن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه و سلم ، وكل هدي ليس منه فهو مضاد له ولا خير فيه، وكلام الشيخ ابن باديس رحمه الله في هذا الباب كله يصب في تأكيد هذا المعنى وتقريره، وليس يوجد في كلامه إشارة إلى تفريق بين بدعة وبدعة أخرى، أو وصف ما ثبت عنده أنه بدعة بالحسن أو الجواز والاستحباب ونحو ذلك، بل الذي نجده دائما هو التعميم في الذم للبدع كلها والرد على من قال بضد ذلك، ومن ذلك في قوله رحمه الله:( إن الذي ابتدع مثل هذه البدعة التي هي تقرب فيما لم يكن قربة كأنه يرى أن طاعة الله تنقص هذه الشريعة فهو يستدركها وأن محمدا صلى الله عليه و سلم خفيت عليه قربة هو اهتدى إليها أو لم تخف عليه ولكنه كتمها ، وهذه كلها مهلكات لصاحبها، فلا يكون ما أوقعه فيها من ابتداع تلك التي يحسبها قربة إلا محرما ، وقد قال مالك فيما سمعه منه ابن الماجشون :" من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدا صلى الله عليه و سلم خان الرسالة لأن الله يقول :( اليوم أكملت لكم دينكم )، فما لم يكن يومئذ دينا فلا يكون اليوم دينا " وهذا من جهة النظر المؤيد بكلام مالك ، وأما من جهة الأثر فقد جاء في صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله أن رسول الله r كان يقول في خطبته :" أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه و سلم، وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة "([173])


وفيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :" من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا "([174])

ووجه الدليل من الحديثين أنه سمى في الحديث الأول البدعة شرا وضلالا فعم ولم يخص ، وأثبت الإثم لمرتكب الضلالة والداعي إليها ، والإثم لا يكون إلا في الحرام فيكون النظر هكذا كل بدعة ضلالة وكل ضلالة يؤثم صاحبها، فكل بدعة يؤثم صاحبها، وكل ما يؤثم عليه فهو حرام فكل بدعة حرام)[175]).



وهذا النص لوحده كاف لبيان منهج الشيخ في هذه القضية ، ولكن زيادة للفائدة ولبيان تكرُّر كلام الشيخ في هذا الباب وردا على من زعم أنه ليس للشيخ إلا مقتطفات حسنة في مواضع أنقل بقية المواضع التي صرح فيها بذم البدع جملة وأنها كلها ضلالة دون استثناء ، فقال رحمه الله ردا عمن يستجيز البدع معتمدا على نية التقرب الحسنة عنده :( وكثيرا ما يرتكبون البدع كدعاء المخلوقات وكالحج إلى الأضرحة وإيقاد الشموع عليها والنذر لها وضرب الدف في بيوت الله ، وغير هذا من أنواع البدع والمنكرات ويتوكؤون في ذلك كله على ( إنما الأعمال بالنيات ) كلا! ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب ، فإن البدع كلها من قسم المخالفات ، والمخالفات لا تنقلب طاعات بالنيات«([176]).


وقال في موضع آخر وهو يدافع عن دعوة الشيخ ابن عبد الوهاب رحمه الله تعالى :( وإنما كانت غاية ابن عبد الوهاب تطهير الدين من كل ما أحدث فيه المحدثون من البدع، في الأقوال والأعمال والعقائد، والرجوع بالمسلمين إلى الصراط السوي من دينهم القويم بعد انحرافهم الكثير وزيغهم المبين)([177])



والشاهد في كلامه قوله :" كل ما أحدث فيه المحدثون" ، وكذلك قال في رده على بعض الكتاب المخالفين لخط جمعية العلماء :( ثم يقول "نحن مالكيون" ومن ينازع في هذا ، وما يقرئ علماء الجمعية إلا فقه مالك ، ويا ليت الناس كانوا مالكية حقيقة إذا لطرحوا كل بدعة وضلالة، فقد كان مالك رحمه الله كثيرا ما ينشد :

وخير أمور الدين ما كان سنة وشر الأمور المحدثات البدائع) ([178]).





وكذلك لما كتب الشيخ أصول جمعية العلماء ودعوتها نص في المادة السابعة على أن البدع كلها ضلالة فقال رحمه الله :( البدعة كل ما أحدث على أنه عبادة وقربة ولم يثبت عن النبي r فعله وكل بدعة ضلالة ) ([179]).


وقال في موضع آخر :( من أبين المخالفة عن أمره وأقبحها الزيادة في العبادة التي تعبد لله بها على ما مضى من سنته فيها وإحداث محدثات على وجه العبادة في مواطن مرت عليه ولم يتعبد بمثل ذلك المحدث فيها ، وكلا هذين زيادة وإحداث وابتداع مذموم يكون مرتكبه كمن يرى أنه اهتدى إلى طاعة لم يهتد إليها رسول الله صلى الله عليه و سلم، وسبق إلى فضيلة قصر رسول الله صلى الله عليه و سلم عنها ، وكفى بهذا وحده فتنة وبلاء ، ودع ما يجر إليه من بلايا أخرى ) ([180]).



ومن الشبه التي قد يتمسك بها بعض من يستحسن البدع ويقسمها إلى حسنة وسيئة حديث النبي صلى الله عليه و سلم المشهور الذي قال فيه من سن في الإسلام سنة حسنة ، وقد أوضح الشيخ رحمه الله تعالى عدم دلالته على مرادهم بحمله على غير ابتداء العبادات وتخصيصه بأمور البر والإحسان كما هو مبين في سبب وروده فقال :( علمنا أن المراد بمن سن سنة حسنة ..هو من ابتدأ طريقا من الخير في أعمال البر والإحسان وما ينفع الناس في شؤون الحياة ، ولا يشمل ذلك ما يحدثه المحدثون من البدع في العبادات من الزيادات والاختراعات إذ الزيادة على ما وضعه الشرع من العبادات وحدده افتيات عليه واستنقاص له وهذه هي البدعة التي قال فيها النبي صلى الله عليه و سلم : "كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار([181]) ) ([182]).








[174]/ مسلم (2674).

[175]/ الآثار (3/275).

[176]/ الآثار (2/65-66).

[177]/ الآثار (5/32).

[178]/ الآثار (5/283).

[179]/ الآثار (5/154).

[180]/ الآثار (1/224).

[181]/ ورد هذا اللفظ عند النسائي (1578) وصححه ابن خزيمة (1785).
[182]/ الآثار (1/38
مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 


الساعة الآن 02:21 AM.
Powered by vBulletin
قوانين المنتدى