بين السلفيين والإخوان : الجزء 5 والأخير
31-03-2007, 10:10 AM
خامسا : لماذا تعادي هذه الفئات المختلفة في الداخل و الخارج حركة الاخوان المسلمين ؟
1-بشكل عام : يقول الدكتور يوسف القرضاوي حفظه الله في نهاية كتابه "الإخوان المسلمون :70 عاما في الدعوة والتربية والجهاد" :
و أختم هذه المباحث بالجواب عن سؤال كبير، هو: لماذا تعادي هذه الفئات المختلفة في الداخل و الخارج حركة الاخوان المسلمين؟ و من المسؤول عن هذه العداوة: أهم الاخوان المسلمين أم الذين يعادونهم؟
و يهمني أن أبين هنا حقيقتين ناصعتين :
الأولى: أن أحدا لا يستطيع أن يرضي جميع الناس ، و قديما قالوا في الأمثال: رضا الناس غاية لا تدرك.
و في الآثار الاسرائيلية: أن موسى عليه السلام قال: يا رب كف عني ألسنة الناس، ورضهم عني ، قال: يا موسى هذا شيء لم أختصه لنفسي، فكيف أجعله لك؟!.
و الحقيقة الثانية: أن الكون كله قائم على التباين و التقابل، فالنهار يقابله الليل والنور يقابله الظلام، والخصب يقابله الجدب، و البصر يقابله العمى ، و الحياة يقابلها الموت ، و كذلك الحق يقابله الباطل، و الهدى يقابله الضلال،
والتوحيد يقابله الشرك، و التقوى يقابلها الفجور، و المؤمنون يقابلهم الكفار، و المتقون يقابلهم الفجار، وهذه سنة الله في خلقه.ولهذا خلق الله آدم و إبليس، و إبراهيم و نمرود، و موسى و فرعون،و محمدا و أبا جهل،وأكد القرآن هذه الحقيقة بقوله تعالى:"وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس و الجن يوحي بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا".و قــــال تعالــــى:"وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين و كفى بربك هاديا و نصيرا".
وإذا كان في الناس من عادى الله تعالى، خالقهم ورازقهم و مدبر أمرهم كما قال تعالى:"يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي و عدوكم أولياء", فبين أن هناك أعداء لله،فكيف يطمع المخلوق ألا يكون له أعداء مهما تكن صفحته بيضاء ؟
فكيف بجماعة جاءت بدعوة لها أهداف و مباديء لا يمكن أن يرضى عنها كل الناس؟.إن هناك أناسا وجدوا في هذه الدعوة قيودا على سرقاتهم و أطماعهم و مصالحهم و امتيازاتهم ، فلا غرو أن يعدوا دعوة الاخوان دفاعا عن مصالحهم التي كسبوها بالباطل، ولكنهم لا يعلنون ذلك صراحة، بل يغلفون ذلك بأغلفة شتى، حتى لا تظهر لصوصيتهم ولا فجورهم للناس.وهناك آخرون رأوا في دعوة الاخوان قيودا على ملذاتهم، و شهواتهم المحرمة، من الخمر و الميسر
والنساء ، و غيرها مما تتيحه لهم الأنظمة الوضعية، فهم لذلك يقاومون هذه الدعوة التي تضيق عليهم كل ما كان موسعا لهم، على طريقة قوم لوط الذين دعاهم إلى الإيمان و الطهارة من القذارة، فقالوا:" أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون"!.وهناك من يعادون الإخوان لأنهم يجهلون حقيقة دعوتهم، و لا يعرفون أهدافها ولا مناهجها و لا وسائلها، ولا القائمين عليها، وقد قال العرب "من جهل شيئا عاداه" ، والله تعالى يقول:"بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه و ما يأتهم تأويله".وقد ساهم الإعلام المعادي للإخوان في الغرب والشرق ومن الداخل و الخارج، على تشويه صورتهم وتجهيل الناس بحقية أمرهم، وإظهارهم في شكل منفر ، كأنهم يعوقون التقدم، ويرجعون بالناس القهقرى،ويقفون ضد الحريات، ويجمدون الحياة، ويعادون غير المسلمين، ويريدون أن يعلنوا الحرب على العالم كله.
و هناك من يعادون الإخوان؛ لأنهم يعادون الاسلام: رسالته وحضارته و أمته، ويتوجسون خيفة من انبعاثه و صحوته، أو يتميزون غيظا كلما نهض من عثرته، أو قرب من جمع كلمته، و هؤلاء تحركهم أحقاد قديمة، و أطماع جديدة،
ومخاوف دائمة، ونرى هذا يتجسد في القوى الصهيونية و الصليبية و الشيوعية، و من دار في فلكها، وحطب في حبالها، فلا يتصور من هؤلاء أن يفتحوا صدورهم للإخوان ، وأن يرخبوا بدعوتهم، بل هي مصنفة في قائمة الأعداء أبدا وهو ما نزال نشاهده إلى اليوم. مهما حاول الإخوان المسلمون أن يبينوا وجه المرونة في دعوتهم، و الانفتاح في وجهتهم،
ويفتحوا صفحة للحوار مع الآخر ويتبنوا فكرة الوسطية و الاعتدال في مواقفهم، حتى اتهمهم المتشددون بتمييع الاسلام ، و تقديم التنازلات دون مقابل.
ومع هذا رأينا الغرب المعادي والمتأثر باللوبي الصهيوني، يزداد بعدا كلما ازددنا منه قربا ، ويخوف من الصحوة الإسلامية و مما سماه " الخطـــر الاسلامـــــي" الذي اطلق عليه " الخطـــر الأخضـــــر " ، بل غدا يحذر من الإسلام المعتدل بعد أن كان يحذر من الإسلام المتطرف و يقول: إن الاسلام المعتدل أشد خطرا لأنه أبقى أثرا و أطول عمرا.ومن كان عميلا لهذه القوى المعادية للإسلام و أمته، أو من عبيد فكرها، أسارى فلسفتها، فهو يحتضن أفكارها، ويروج أخبارها عن وعي و قصد ، أو عن تقليد كتقليد القردة، وكحاكاة كمحاكاة الببغاء .
و مثل هؤلاء : من يعادي الاخوان ممن ينسب إلى أبنائه لأنه يعادي الإسلام و يكره الإسلام، و إن تسمى بأسماء أهله، فهو لا يحب للإسلام أن يسود ، ولا لأمته أن تقود، ولا لدولته أن تعود ، ولا ذنب للإخوان لدى هؤلاء إلا أنهم يدعون إلى الاسلام و يجاهدون في سبيله.
و لكن من مكر هؤلاء الكارهين للإسلام و تعاليمه و شرائعه، أنهم لا يستطيعون أن يظهروا أمام الناس على حقيقتهم، و لا أن يكشفوا اللثام عن وجوههم، و أن يعلنوا عداوتهم للاسلام، فلا غرو أن يصبوا عداوتهم كلها على الإخوان،
ويفرغوا كل أحقادهم وكراهيتهم للاسلام في هذه الدعوة، تنفيسا عن الحقد والبغضاء لهذا الدين.
و هؤلاء لا علاج لهم و لادواء لأحقادهم، إلا أن يتخلى الإخوان عن الإسلام و الدعوة إليه و عن جمع الأمة عليه، هنـــا يكونون سمنا على عسل، و يصبحون موضع الرضا و القبول. وقديما قال معاوية: أستطيع أن أرضي كل خصومي إلا واحدا، قيل: من هو ؟ قال: الحاسد، لأنه لا يرضى إلا زوال نعمتي.وكذلك تسطيع أن ترضي كل خصم بطريقة أو بأخرى إلا من يكره الاسلام، فهذا لا يرضيه إلا سقوط راية الاسلام، و انطفاء جذوة الاسلام.
"يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم، و يأبى الله الا أن يتم نوره و لو كره الكافرون".
"ولن ترضى عنك اليهود و لا النصارى حتى تتبع ملتهم", أي لا يرضيهم شيء إلا ترك الاسلام تماما
والدخول في دينهم و هو مستحيل.ولقد بين القرآن نية أعداء الاسلام الكارهين لهم فقال عز من قائل:
"ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا", فانظر إلى هذه الصيغة " لا يزالون " التي تشعر بالاستمرار، و إلى الهدف " حتى يردوكم عن دينكم" والمعركة دائرة الرحى ومستمرة ما دام في الدنيا حق
وباطل، و ايمان وكفر.
ومن فضل الله تعالى أن قال" إن استطاعوا" فقيد بأن الشرطية التي تفيد التشكيك، ولن يستطيعوا إن شاء الله تعالى،
وعندنا آيات ثلاث في كتاب الله تبشرنا إن الله سيظهر الاسلام على الأديان كلها."هو الذي أرسل رسوله بالهدى و دين الحق ليظهره على الدين كله و لو كره المشركون".
ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين ، و نجنا برحمتك من القوم الكافرين.
وصل الله على سيدنا و إمامنا و أسوتنا وحبيبنا و معلمنا محمد، وعلى آله و صحبه ومن اتبعه بإحسان إلى يوم الدين.
من مؤاخذات السلفية –خصوصا- على الإخوان المسلمين : كثيرة جدا أذكر منها :
1-أنهم لا يهتمون بالتوحيد وتصحيح العقيدة كما ينبغي , وكذا لا يعطون عقيدة الولاء والبراء ما تستحق من الأهمية. قال بن باز رحمه الله تعالى"جماعة الإخوان المسلمين ينتقدهم خواص طلبة العلم لأنه ما عندهم اهتمام بالعقيدة ". والحقيقة أن هذا الأمر نسبي من جهة بحيث من الصعب البرهان على أن فلانا يهتم بالتوحيد وأن آخر مقصرٌ في اهتمامه بالتوحيد.ثم من جهة أخرى ليس في هذا عيب كبير-إن صح- لأن السلفية تركز على التوحيد والإخوان يركزون على السياسة والتربية والدعوة...بحيث أن هذا يكمل الآخر , وأن العقيدة تكمل السياسة والتربية والدعوة.وكلٌّ على ثغر من ثغور الإسلام , وفي كل خير بإذن الله .ومنه فهذا الاختلاف كان المفترض منه أن يكون اختلاف رحمة , لأنه اختلاف تكامل ولكن البعض من إخواننا السلفيين المتعصبين جعلوه اختلاف تضاد وتطاحن لا اختلاف تكامل وتنوع.
سياسي إسلامي بقصد الوصول إلى الحكم وتطبيق شرع الله والحكم بما أنزل الله , غير واحد من العلماء : قلة من القدامى وكثيرون من المعاصرين. إذن الإخوان متبعون وليسوا مبتدعين في هذه المسألة بالذات.
4-أنهم يخرجون على الحاكم المسلم –مهما كان ظالما وليس كافرا-.
ا- وهذه كذلك مسألة اختلف فيها الفقهاء حيث ذهب الأكثرون على عدم جواز الخروج على الحاكم المسلم الظالم لأن سيئات الخروج أعظم من سيئاته في الغالب , ولكن ذهب بعض العلماء إلى جواز ذلك , ولكل أدلته القوية أو الضعيفة .المهم الكل مجتهد والكل مأجور بإذن الله. وهل الحسين بن علي رضي الله عنه كان جاهلا بالدين أو ضالا منحرفا حينما خرج على يزيد المسلم الظالم ثم قُتِل في كربلاء يوم 10 محرم ؟!.
ب-ثم من قال بأن الإخوان خرجوا على الحاكم المسلم الظالم ؟!.
جـ-وأما الخروج على الحاكم الذي لا يحكم بما أنزل الله أي على الحكومة الكافرة , فأغلب العلماء منهم الفقهاء الأربعة وبن حزم وجعفر الصادق يقولون بوجوب(لا بالجواز فقط) ذلك , وإن اختلفوا بعد ذلك في أسلوب الخروج وشروط الخروج.
5-ركزوا على الجانب السياسي والتنظيمي , وتركوا بلاد النيل وغيرها تموج بالبدع والموالد والأضرحة والتخلف والتوسل.وهنا يمكن أن يقال بأن الإخوان تحدثوا في السياسة وفي العقيدة في نفس الوقت , ثم يمكن أن يُقال بأننا في زمان تكالب فيه أعداء الإسلام على المسلمين بالاستعمار العسكري لكثير من الدول الإسلامية منها فلسطين والعراق وأفغانستان والشيشان و...وبالاستعمار الثقافي والفكري للأغلبية الساحقة (إن لم أقل لكل) من الدول العربية والإسلامية , وعوض أن يهتم السلفية بمواجهة هذا الخطر الضخم هم يقضون أغلب جهدهم ووقتهم مع الحديث عن مسائل فقهية ثانوية مثل القبض في الصلاة وإسبال الثياب والموسيقى ومصافحة المرأة والنقاب والتصوير غير المجسم وإعفاء اللحية واحتفال بالمولد ...وعن مسائل في العقيدة فرعية مثل قولنا عن القبر "المثوى الأخير" وأيهم أفضل عثمان أو علي , و"يد الله" ما المقصود بها وكون الله في السماء وليس في كل مكان و... بل لقد أفتي الشيخ الألباني رحمه الله وغفر له بأن الانتفاضة وكذا العمل الاستشهادي "عمل عبثي ولا طائل من ورائه"!!! , وأفتى بن باز رحمه الله وغفر له بجواز الاشتراك مع ألد أعداء المسلمين وهم الأمريكان والصهاينة في ضرب بلد مسلم"العراق" , فقط لأن حاكمها صدام حسين رحمه الله كان طاغية !!!. ونحن هنا لسنا ممن يحاسب العلماء على سقطاتهم وهفواتهم وزلاتهم , بل الله وحده يحاسبهم ولا نقول إلا أن لكل مجتهد نصيب , فإذا أصاب فله أجران وإذا أخطا فله أجر واحد. والعلماء كل العلماء , يبقون ورثة الأنبياء ويبقون علماءنا : نحبهم ونواليهم ونحب من أحبهم ولا نوافق من أبغضهم مهما أصابوا أو أخطأوا.
6-أنهم يركزون على توحيد الربوبية عوض توحيد الألوهية . وهذا ليس صحيحا البتة , ومن نظر أو قرأ ما كتبه الهضيبي وحسن البنا وسيد قطب وعبد القادر عودة وعمر التلمساني ومحمد قطب يعرف بيقين كم أكد الإخوان على توحيد الألوهية.
7- أنها علمانية اتخذت فقط من قضية الحاكمية سلاحا تحارب به من أجل البلوغ إلى كراسي القيادة , وأهملت في المقابل جانب التوحيد الذي من أجله بعث الله الأنبياء . وهي تهمة أجبتُ عنها قبل قليل.
الخ...
وأنا ذكرتُ فقط هنا أمثلة ولم أذكر كل المؤاخذات , من جهة لأنه من الصعب حصرها ومن جهة أخرى لأنها في الكثير من الأحيان مبالغ فيها جدا جدا جدا.
يتبع :
من مواضيعي
0 الطمع في خدمة تقدمونها إلي ...
0 عن الشيعة الإمامية الإثناعشرية بصيغة Pdf :
0 مواضيعي الطويلة ( المنشورة في المنتدى ) عن المرأة بصيغة Pdf :
0 أحكام من فقه ( مالك بن أنس ) الإمام :
0 ظواهر غريبة جدا عند طلب الرقية الشرعية
0 ماذا لو كنتَ مكاني وفُـرض عليك أن تسمحَ بالغشِّ ؟!
0 عن الشيعة الإمامية الإثناعشرية بصيغة Pdf :
0 مواضيعي الطويلة ( المنشورة في المنتدى ) عن المرأة بصيغة Pdf :
0 أحكام من فقه ( مالك بن أنس ) الإمام :
0 ظواهر غريبة جدا عند طلب الرقية الشرعية
0 ماذا لو كنتَ مكاني وفُـرض عليك أن تسمحَ بالغشِّ ؟!







