النصيحة....آداب وعوامل نجاحها
27-04-2014, 08:11 PM
تحياتي للجميع كما كنت وعدت في تعليقي على شرح حديث الدين النصيحة ،إفراد موضوع خاص حول النصيحة حتى لا نقع في طوام فنُسيئ بدل أن نحسن ،فمتابعة ممتعة
آداب النصح:
للنَّصيحة آداب ينبغي التأدُّب بِها، ومراعاتُها، ومن أهَمِّها ما يأتي:
أوَّلاً: الإخلاص لله تعالى؛ وذلك بأن يَقصد النَّاصِحُ بنصحه وجْهَ الله - عزَّ وجلَّ - لقوله الله تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [البينة: 5]، وقال: إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ [الزمر: 2].
ثانيًا: الرفق واللِّين، ينبغي للناصح أن يتحلَّى بالرفق واللِّين؛ كما يقول النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما كان الرِّفقُ في شيء إلاَّ زانه، وما نزع من شيء إلاَّ شانه))؛ رواه مسلم.وقد نفى الله عن نبيِّه الغلظةَ والشِّدة، فقال: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ [آل عمران: 159].
وقال عبدالعزيز بن أبي روَّاد: \"كان مَن كان قبلكم إذا رأى الرَّجلُ مِن أخيه شيئًا يأمره في رفق، فيُؤجَر في أمره ونَهيِه، وإنَّ أحدَ هؤلاء يخرق بصاحبه، فيستغضب أخاه، ويَهتك سِتره\".وقد ذَهَب بعضُ العلماء إلى وجوب الرِّفق في النَّصيحة؛ قال الغزاليُّ - رحمه الله -: ويدلُّك على وجوب الرِّفق ما استَدلَّ به المأمونُ إذْ وعظه واعظٌ، وعنَّف له في القول، فقال: يا رجل! ارفق؛ فقد بعَث اللهُ مَن هو خيرٌ منك إلى من هو شَرٌّ منِّي، وأمره بالرِّفق؛ قال تعالى: فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى [طه: 44]، فلْيَكن اقتداءُ المُحتسب في الرِّفق بالأنبياء - عليهم الصَّلاة والسَّلام.
وليتَ الدُّعاة النُّصحاء، والخُطباء البلغاء، والمرشدين النُّبلاء يقتدون بالنبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في قصَّة الشابِّ الذي جاء إلى النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يَستأذنه في الزِّنا، فما كان منه - عليه الصَّلاة والسَّلام - إلاَّ أن قام بِنُصحه بالرِّفق واللِّين؛ فعن أبي أمامة - رضي الله عنه - أنَّ غلامًا شابًّا أتى النبِيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: يا نَبِيَّ الله، تأذن لي في الزِّنا؟ فصاح الناسُ به، فقال النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((قرِّبوه، ادْنُ))، فدنا حتَّى جلس بين يديه، فقال النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أتحبُّه لأمِّك؟!)) فقال: لا، جعلني الله فداك! قال: ((كذلك الناس لا يحبُّونه لأمَّهاتهم، أتحبُّه لابنتك؟)) قال: لا، جعلني الله فداك! قال: ((كذلك الناس لا يحبُّونه لبناتِهم، أتحبه لأختك؟)) قال: لا، جعلني الله فداك! قال: ((كذلك الناس لا يحبونه لأخواتهم))، فوضع رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يده على صدره، وقال: ((اللَّهم طهِّر قلبه، واغفر ذنبه، وحصِّن فَرْجَه))، فلم يكن شيءٌ أبغض إليه منه؛ رواه أحمد، وصحَّحه الألباني في \"الصحيحة\" رقم (370).
ثالثًا: أن تكون النصيحة سرًّا؛ لأنَّ النُّصح أمام الناس يولِّد ردودَ أفعال، ورُبَّما لا تقبل النَّصيحة، بل يزداد الأمر سوءًا؛ ولذلك فقد كان سلَفُنا الصالح - رضوان الله عليهم - يَحرصون على النُّصح سرًّا؛ قال بعضهم: \"من وعَظ أخاه فيما بينه وبينه، فهي نصيحة، ومَن وعظه على رؤوس الناس فإنَّما وبَّخَه\".
وقال الفُضيل بن عياض - رحمه الله -: المؤمن يَستر ويَنصح، والفاجر يهتك ويُعيِّر.
ولله دَرُّ الشافعي - رحمه الله - إذا يقول: \"من وعظ أخاه سرًّا فقد نصحه وزانَه، ومن وعظه علانيةً فقد فضحه وشانه\".
وسُئِل ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - عن أمر السُّلطان بالمعروف، ونَهيه عن المُنكَر، فقال: إنْ كنتَ فاعلاً ولا بدَّ، ففيما بينك وبينه.
وقد أنشد الإمام الشافعي شعرًا، فقال:
تَعَمَّدْنِي بِنُصْحِكَ فِي انْفِرَادِي
وَجَنِّبْنِي النَّصِيحَةَ فِي الْجَمَاعَهْ
فَإِنَّ النُّصْحَ بَيْنَ النَّاسِ نَوْعٌ
مِنَ التَّوْبِيخِ لاَ أَرْضَى اسْتِمَاعَهْ
فَإِنْ خَالَفْتَنِي وَعَصَيْتَ قَوْلِي
فَلاَ تَغْضَبْ إِذَا لَمْ تُعْطَ طَاعَهْ
وقال ابنُ حزم: \"وإذا نصحْتَ فانصح سرًّا لا جهرًا، وبتعريضٍ لا تصريح، إلاَّ أنْ لا يَفهمَ المنصوحُ تعريضَك، فلا بدَّ من التصريح\".وقد قال الله تعالى لإمام النَّاصحين - عليه الصَّلاة والسَّلام -: وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا [النساء: 63]؛ أيْ: وانصَحْهم فيما بينك وبينهم بكلامٍ بليغ، رادعٍ لهم.
رابعًا: اختيارُ الأحوال والأزمنة المُناسِبة: فعلى النَّاصح أن يكون فَطِنًا لبيبًا في اختيار الأحوال والأزمنة المُناسبة، وعليه أن يتقمَّص الفُرَص السَّانحة، فاختيار الحال والزَّمان المناسب من أكبر الأسباب لقبول النَّصيحة، قال ابن مسعودٍ - رضي الله عنه -: \"إنَّ للقلوب شهوة وإقبالاً، وفترةً وإدبارًا، فخُذوها عند شهوتِها وإقبالِها، وذَرُوها عند فترتها وإدبارها\"، فهنيئًا لذلك الداعية الذي يَعرف متى تُدْبِر القلوب ومتى تُقْبِل، فيُحسِن الإنكار، ويُجيد مُخاطبة القلوب\".وقد كان النبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يتخوَّل أصحابَه بالموعظة أحيانًا؛ مَخافة السَّآمة عليهم.
العوامل المؤثِّرة في قبولِها:
إذا أردتَ أن تكون نصيحتُك مقبولةً ونافعة، وتؤتي ثِمارَها، فعليك بالتأدُّب بآدابها، ومن أهَمِّها ما يأتي:
أوَّلاً: التأدُّب بآداب النصيحة التي سبق ذِكْرُها.
ثانيًا: التثبُّت والتأكُّد من أن الشخص المرادَ نُصْحُه قد وقع منه الخطأ والزَّلل فعلاً.
ثالثًا: القُدوة الحسنة، وذلك بأن يكون الناصح عاملاً بِما يأمر الناسَ به، وتاركًا لِما يَنهى الناسَ عنه، قال أبو بكر الآجُرِّي - رحمه الله -: \"ولا يكون ناصحًا لله ولرسوله ولأئمَّة المسلمين وعامتهم إلاَّ مَن بدأ بالنصيحة لنفسه، واجتهدَ في طلب العلم والفقه؛ لِيَعرف به ما يجب عليه، ويَعلم عداوة الشَّيطان له، وكيف الحذَرُ منه، ويعلم قبيحَ ما تَميل إليه النَّفسُ؛ حتَّى يُخالفها بعِلم\".
وقد وبَّخ اللهُ تعالى بني إسرائيلَ على تناقُضِ أقوالِهم مع أفعالهم، فقال: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ [البقرة: 44]. وقال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يُؤتَى بالرَّجُل يوم القيامة فيُلقى في النار، فتندلق أقتابُ بطنه، فيدور بِها كما يدور الحمار في الرَّحى، فيجتمع إليه أهلُ النار، فيقولون: يا فلان، ما لك؟ ألَم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ قال: بلى، كنتُ آمر بالمعروف ولا آتيه، وأَنْهى عن المنكر وآتيه))؛ روه مسلم.
ورحم الله أبا الأسودِ الدُّؤلِيَّ حين قال:
يَا أَيُّهَا الرَّجُلُ الْمُعَلِّمُ غَيْرَهُ
هَلاَّ لِنَفْسِكَ كَانَ ذَا التَّعْلِيمُ
تَصِفُ الدَّوَاءَ لِذِي السِّقَامِ مِنَ الضَّنَا
كَيْ يَشْتَفِي مِنْهُ وَأَنْتَ سَقِيمُ
لاَ تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ
عَارٌ عَلَيْكَ إِذَا فَعَلْتَ عَظِيمُ
ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَانْهَهَا عَنْ غَيِّهَا
فَإِذَا انْتَهَتْ عَنْهُ فَأَنْتَ حَكِيمُ
فَهُنَاكَ يَقْبَلُ مَا تَقُولُ وَيَقْتَدِي
بِالقَوْلِ مِنْكَ وَيَنْفَعُ التَّعْلِيمُ
رابعًا: إشعار المنصوح بالشَّفقة والمحبَّة، فذلك هَدْيُ الأنبياء - عليهم السَّلام - فقد كانوا يقولون لأقوامهم: وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ [الأعراف: 68]، ويدخل في ذلك: الابتسامةُ الصَّادقة في وجه المنصوح قبل نصيحته، والكلمةُ الطيبة، والثَّناءُ عليه، وتعديدُ مَحامدِه، أو الهديَّة.
خامسًا: إنزال الناس منازِلَهم، وذلك باتِّخاذ الأسلوب المناسب معهم، فكما هو معلومٌ أنَّ الناس ليسوا على درجةٍ واحدة، بل هم درجاتٌ متفاوتة، فيتَّخِذ مع كلِّ واحد أسلوبًا يناسبه؛ فإمام المسلمين يسلك في نصحه أسلوبًا مناسِبًا لمقامه، والعالِمُ يَسلك في نصحه أسلوبًا يناسبه، والأب والأم يتَّخذ معهما أسلوبًا يناسبهما ويليق بِهما، والجاهل يتخذ معه أسلوبًا يفيده، والمعانِد يتخذ معه أسلوبًا يليق به... وهكذا.
سادسًا: المصداقيَّة في النصيحة؛ قال تعالى حاكيًا عن فرعون أنَّه قال لقومه: مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ [غافر: 29]، فظاهِرُ قوله أنَّه صادقٌ في نصح قومه، وأنَّه يرشِدُهم إلى ما فيه نفعُهم! ولكنَّه في الحقيقة كاذبٌ دجَّال؛ حالُه كحال إبليس اللَّعين حينما قال لأبينا آدمَ وأُمِّنا حوَّاء: وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ [الأعراف: 21]، وهو أكذب الكاذبين!
فهذه جملةٌ من العوامل المفيدة والنافعة، والمؤثِّرة في قبول المنصوح لنصيحة النَّاصح.
نماذج رائعة من نصائح السلف:
لقد سطر لنا تاريخُنا الإسلامي الزاهر نماذِجَ رائعةً في أخذ السَّلف بالأسلوب المؤثِّر في قبول النَّصيحة، والاستجابة لَها، وإليك بعضًا من تلك النَّماذج الفريدة.
النَّموذج الأول: الحسن والحسين - رضي الله عنهما -:
يُروى أن الحسنَ والحسين - رضي الله عنهما - رأَيَا رجلاً كبيرًا في السنِّ يتوضَّأ، وكان لا يُحْسِن الوضوء، فأرادا تعليمَه، فذهبا إليه، فادَّعيا أنَّهما قد اختلفا: أيُّهما حسَنُ الوضوء أكثر مِن أخيه؟ وأرادا مِنه أن يَحكم بينهما، فأمر أحدَهما بالوضوء، ثم أمر الآخَر، ثم قال لهما: أنا الذي لا أعرف الوضوء، فعَلِّماني إيَّاه!
النموذج الثانِي: جرير بن عبدالله - رضي الله عنه -:
عن إبراهيم بن جرير البجليِّ عن أبيه، قال: غَدا أبو عبدالله - أيْ: جرير - إلى الكناسة؛ لِيَبتاع منها دابَّة، وغدا مولًى له، فوقف في ناحية السُّوق، فجعلت الدوابُّ تمرُّ عليه، فمرَّ به فرسٌ، فأعجبه، فقال لمولاه: انطلق فاشتَرِ ذلك الفرس، فانطلقَ مولاه، فأعطى صاحبه به ثلاثمائة درهم، فأبى صاحبُه أن يبيعه، فقال: هل لك أن تنطلق إلى صاحبٍ لنا ناحيةَ السُّوق؟ قال: لا أُبالي، فانطلقا إليه، فقال له مولاه: إنِّي أَعطيتُ هذا بفرسه ثلاثمائة درهم، فأبى، وذكر أنه خيرٌ من ذلك، قال صاحب الفرس: صدَق، أصلحك الله، فترى ذلك ثمنًا؟ قال: \"لا، فرَسُك خير من ذلك، تبيعه بخمسمائة؟\" حتى بلغ سبعمائة درهم، أو ثمانمائة، فلما أن ذهب الرجل أقبل على مولاه، فقال له: \"ويحك! انطلَقْت لتبتاع لي دابَّة، فأعجبتني دابَّةُ رجل، فأرسلتُك تشتريها، فجئتَ برجلٍ من المسلمين تقوده، وهو يقول: ما ترى؟ ما ترى؟ وقد بايعتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - على النُّصح لكلِّ مسلم\"؛ رواه الطبراني في \"الكبير\".
النموذج الثالث: الإمام مالك بن أنس - رحمه الله -:
يُروى أن إمامَ دارِ الهجرةِ مالِك بن أنس - رحمه الله - كتب إلى الخليفة هارونَ الرَّشيدِ برسالةٍ يَنصحه فيها، يقول: أمَّا بعد، إنِّي كتبتُ إليك بكتاب لَم آلُكَ فيها رشدًا، ولم أدَّخِر فيها نصحًا؛ تحميدًا لله، وأدبًا عن رسول الله، فتدبَّرْه بعقلك، وردِّد فيه بصرَك، وأَرْعِه سمعك، ثُمَّ اعقله قلبك، وأحضر فهمك، ولا تغيبن عنه ذهنك؛ فإنَّ فيه الفضلَ في الدُّنيا، وحُسْنَ ثواب الله في الآخرة، اذكر نفسك في غمرات الموت، وكربة ما هو نازلٌ لديك منه، وما أنت موقوف عليه بعد الموت من العرض على الله سبحانه، ثم الحساب، ثم الخُلود بعد الحساب.
وأعِدَّ لله - عزَّ وجلَّ - ما يسهِّل عليك أهوالَ تلك المشاهد وكُرَبَها؛ فإنَّك لو رأيتَ سخط الله تعالى وما صار إليه الناس من ألوان العذاب، وشدَّة نعمته عليهم، وسمعتَ زفيرهم في النار، وتسابُقهم مع كُلوح وجوههم، وطول غمِّهم، وتقلُّبهم في دركاتِها على وجوههم، لا يسمعون ولا يُبصرون، ويدعون بالويل والثُّبور، وأعظم حسرةٍ إعراضُ الله عنهم، وانقطاعُ رجائهم، وإجالته إيَّاهم بعد طول الغمِّ بقوله: اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ [المؤمنون: 108]، احذر بطانة السُّوءِ وأهلَ الرَّدى على نفسك؛ فإنَّه بلَغني عن عمر بن الخطَّاب - رضي الله عنه - أنه قال: شاوِرْ في أمرك الذين يَخافون الله.
احذر بطانة السوء وأهل الرَّدى على نفسك؛ فإنه بلغني عن النبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنه قال: ((ما من نبيٍّ ولا خليفة إلاَّ وله بطانتان؛ بطانةٌ تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر، وبطانةٌ لا تألوه خَبالاً)).ثُم قال: \"لا تَجرَّ ثيابك؛ فإنَّ الله لا يحبُّ ذلك، فقد بلغَنِي عن النبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنه قال: ((من جرَّ ثوبه خُيَلاء لم يَنظر الله إليه يوم القيامة))؛ رواه مسلم.
أطِع الله في معصية الناس، ولا تُطِع الناس في معصية الله؛ فقد بلغني عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنه قال: ((لا طاعة لِمَخلوقٍ في معصية الخالق))؛ رواه مسلم.
فهذه أمور تتعلَّق بالنصيحة، ينبغي على كلِّ مسلم ناصحٍ أن يتحلَّى بها، وأن يكون ناصحًا أمينًا.
اللَّهم إنا نسألك القيامَ بأمرك، والبُعدَ عن نَهيِك، والعملَ بِما يقرِّبنا منك يا أرحم الراحمين، اللهم إنا نعوذ بك من سخطك والنار، ونسألك رضاك والجنَّة يا ذا الجلال والإكرام.
آداب النصح:
للنَّصيحة آداب ينبغي التأدُّب بِها، ومراعاتُها، ومن أهَمِّها ما يأتي:
أوَّلاً: الإخلاص لله تعالى؛ وذلك بأن يَقصد النَّاصِحُ بنصحه وجْهَ الله - عزَّ وجلَّ - لقوله الله تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [البينة: 5]، وقال: إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ [الزمر: 2].
ثانيًا: الرفق واللِّين، ينبغي للناصح أن يتحلَّى بالرفق واللِّين؛ كما يقول النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما كان الرِّفقُ في شيء إلاَّ زانه، وما نزع من شيء إلاَّ شانه))؛ رواه مسلم.وقد نفى الله عن نبيِّه الغلظةَ والشِّدة، فقال: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ [آل عمران: 159].
وقال عبدالعزيز بن أبي روَّاد: \"كان مَن كان قبلكم إذا رأى الرَّجلُ مِن أخيه شيئًا يأمره في رفق، فيُؤجَر في أمره ونَهيِه، وإنَّ أحدَ هؤلاء يخرق بصاحبه، فيستغضب أخاه، ويَهتك سِتره\".وقد ذَهَب بعضُ العلماء إلى وجوب الرِّفق في النَّصيحة؛ قال الغزاليُّ - رحمه الله -: ويدلُّك على وجوب الرِّفق ما استَدلَّ به المأمونُ إذْ وعظه واعظٌ، وعنَّف له في القول، فقال: يا رجل! ارفق؛ فقد بعَث اللهُ مَن هو خيرٌ منك إلى من هو شَرٌّ منِّي، وأمره بالرِّفق؛ قال تعالى: فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى [طه: 44]، فلْيَكن اقتداءُ المُحتسب في الرِّفق بالأنبياء - عليهم الصَّلاة والسَّلام.
وليتَ الدُّعاة النُّصحاء، والخُطباء البلغاء، والمرشدين النُّبلاء يقتدون بالنبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في قصَّة الشابِّ الذي جاء إلى النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يَستأذنه في الزِّنا، فما كان منه - عليه الصَّلاة والسَّلام - إلاَّ أن قام بِنُصحه بالرِّفق واللِّين؛ فعن أبي أمامة - رضي الله عنه - أنَّ غلامًا شابًّا أتى النبِيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: يا نَبِيَّ الله، تأذن لي في الزِّنا؟ فصاح الناسُ به، فقال النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((قرِّبوه، ادْنُ))، فدنا حتَّى جلس بين يديه، فقال النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أتحبُّه لأمِّك؟!)) فقال: لا، جعلني الله فداك! قال: ((كذلك الناس لا يحبُّونه لأمَّهاتهم، أتحبُّه لابنتك؟)) قال: لا، جعلني الله فداك! قال: ((كذلك الناس لا يحبُّونه لبناتِهم، أتحبه لأختك؟)) قال: لا، جعلني الله فداك! قال: ((كذلك الناس لا يحبونه لأخواتهم))، فوضع رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يده على صدره، وقال: ((اللَّهم طهِّر قلبه، واغفر ذنبه، وحصِّن فَرْجَه))، فلم يكن شيءٌ أبغض إليه منه؛ رواه أحمد، وصحَّحه الألباني في \"الصحيحة\" رقم (370).
ثالثًا: أن تكون النصيحة سرًّا؛ لأنَّ النُّصح أمام الناس يولِّد ردودَ أفعال، ورُبَّما لا تقبل النَّصيحة، بل يزداد الأمر سوءًا؛ ولذلك فقد كان سلَفُنا الصالح - رضوان الله عليهم - يَحرصون على النُّصح سرًّا؛ قال بعضهم: \"من وعَظ أخاه فيما بينه وبينه، فهي نصيحة، ومَن وعظه على رؤوس الناس فإنَّما وبَّخَه\".
وقال الفُضيل بن عياض - رحمه الله -: المؤمن يَستر ويَنصح، والفاجر يهتك ويُعيِّر.
ولله دَرُّ الشافعي - رحمه الله - إذا يقول: \"من وعظ أخاه سرًّا فقد نصحه وزانَه، ومن وعظه علانيةً فقد فضحه وشانه\".
وسُئِل ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - عن أمر السُّلطان بالمعروف، ونَهيه عن المُنكَر، فقال: إنْ كنتَ فاعلاً ولا بدَّ، ففيما بينك وبينه.
وقد أنشد الإمام الشافعي شعرًا، فقال:
تَعَمَّدْنِي بِنُصْحِكَ فِي انْفِرَادِي
وَجَنِّبْنِي النَّصِيحَةَ فِي الْجَمَاعَهْ
فَإِنَّ النُّصْحَ بَيْنَ النَّاسِ نَوْعٌ
مِنَ التَّوْبِيخِ لاَ أَرْضَى اسْتِمَاعَهْ
فَإِنْ خَالَفْتَنِي وَعَصَيْتَ قَوْلِي
فَلاَ تَغْضَبْ إِذَا لَمْ تُعْطَ طَاعَهْ
وقال ابنُ حزم: \"وإذا نصحْتَ فانصح سرًّا لا جهرًا، وبتعريضٍ لا تصريح، إلاَّ أنْ لا يَفهمَ المنصوحُ تعريضَك، فلا بدَّ من التصريح\".وقد قال الله تعالى لإمام النَّاصحين - عليه الصَّلاة والسَّلام -: وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا [النساء: 63]؛ أيْ: وانصَحْهم فيما بينك وبينهم بكلامٍ بليغ، رادعٍ لهم.
رابعًا: اختيارُ الأحوال والأزمنة المُناسِبة: فعلى النَّاصح أن يكون فَطِنًا لبيبًا في اختيار الأحوال والأزمنة المُناسبة، وعليه أن يتقمَّص الفُرَص السَّانحة، فاختيار الحال والزَّمان المناسب من أكبر الأسباب لقبول النَّصيحة، قال ابن مسعودٍ - رضي الله عنه -: \"إنَّ للقلوب شهوة وإقبالاً، وفترةً وإدبارًا، فخُذوها عند شهوتِها وإقبالِها، وذَرُوها عند فترتها وإدبارها\"، فهنيئًا لذلك الداعية الذي يَعرف متى تُدْبِر القلوب ومتى تُقْبِل، فيُحسِن الإنكار، ويُجيد مُخاطبة القلوب\".وقد كان النبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يتخوَّل أصحابَه بالموعظة أحيانًا؛ مَخافة السَّآمة عليهم.
العوامل المؤثِّرة في قبولِها:
إذا أردتَ أن تكون نصيحتُك مقبولةً ونافعة، وتؤتي ثِمارَها، فعليك بالتأدُّب بآدابها، ومن أهَمِّها ما يأتي:
أوَّلاً: التأدُّب بآداب النصيحة التي سبق ذِكْرُها.
ثانيًا: التثبُّت والتأكُّد من أن الشخص المرادَ نُصْحُه قد وقع منه الخطأ والزَّلل فعلاً.
ثالثًا: القُدوة الحسنة، وذلك بأن يكون الناصح عاملاً بِما يأمر الناسَ به، وتاركًا لِما يَنهى الناسَ عنه، قال أبو بكر الآجُرِّي - رحمه الله -: \"ولا يكون ناصحًا لله ولرسوله ولأئمَّة المسلمين وعامتهم إلاَّ مَن بدأ بالنصيحة لنفسه، واجتهدَ في طلب العلم والفقه؛ لِيَعرف به ما يجب عليه، ويَعلم عداوة الشَّيطان له، وكيف الحذَرُ منه، ويعلم قبيحَ ما تَميل إليه النَّفسُ؛ حتَّى يُخالفها بعِلم\".
وقد وبَّخ اللهُ تعالى بني إسرائيلَ على تناقُضِ أقوالِهم مع أفعالهم، فقال: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ [البقرة: 44]. وقال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يُؤتَى بالرَّجُل يوم القيامة فيُلقى في النار، فتندلق أقتابُ بطنه، فيدور بِها كما يدور الحمار في الرَّحى، فيجتمع إليه أهلُ النار، فيقولون: يا فلان، ما لك؟ ألَم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ قال: بلى، كنتُ آمر بالمعروف ولا آتيه، وأَنْهى عن المنكر وآتيه))؛ روه مسلم.
ورحم الله أبا الأسودِ الدُّؤلِيَّ حين قال:
يَا أَيُّهَا الرَّجُلُ الْمُعَلِّمُ غَيْرَهُ
هَلاَّ لِنَفْسِكَ كَانَ ذَا التَّعْلِيمُ
تَصِفُ الدَّوَاءَ لِذِي السِّقَامِ مِنَ الضَّنَا
كَيْ يَشْتَفِي مِنْهُ وَأَنْتَ سَقِيمُ
لاَ تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ
عَارٌ عَلَيْكَ إِذَا فَعَلْتَ عَظِيمُ
ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَانْهَهَا عَنْ غَيِّهَا
فَإِذَا انْتَهَتْ عَنْهُ فَأَنْتَ حَكِيمُ
فَهُنَاكَ يَقْبَلُ مَا تَقُولُ وَيَقْتَدِي
بِالقَوْلِ مِنْكَ وَيَنْفَعُ التَّعْلِيمُ
رابعًا: إشعار المنصوح بالشَّفقة والمحبَّة، فذلك هَدْيُ الأنبياء - عليهم السَّلام - فقد كانوا يقولون لأقوامهم: وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ [الأعراف: 68]، ويدخل في ذلك: الابتسامةُ الصَّادقة في وجه المنصوح قبل نصيحته، والكلمةُ الطيبة، والثَّناءُ عليه، وتعديدُ مَحامدِه، أو الهديَّة.
خامسًا: إنزال الناس منازِلَهم، وذلك باتِّخاذ الأسلوب المناسب معهم، فكما هو معلومٌ أنَّ الناس ليسوا على درجةٍ واحدة، بل هم درجاتٌ متفاوتة، فيتَّخِذ مع كلِّ واحد أسلوبًا يناسبه؛ فإمام المسلمين يسلك في نصحه أسلوبًا مناسِبًا لمقامه، والعالِمُ يَسلك في نصحه أسلوبًا يناسبه، والأب والأم يتَّخذ معهما أسلوبًا يناسبهما ويليق بِهما، والجاهل يتخذ معه أسلوبًا يفيده، والمعانِد يتخذ معه أسلوبًا يليق به... وهكذا.
سادسًا: المصداقيَّة في النصيحة؛ قال تعالى حاكيًا عن فرعون أنَّه قال لقومه: مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ [غافر: 29]، فظاهِرُ قوله أنَّه صادقٌ في نصح قومه، وأنَّه يرشِدُهم إلى ما فيه نفعُهم! ولكنَّه في الحقيقة كاذبٌ دجَّال؛ حالُه كحال إبليس اللَّعين حينما قال لأبينا آدمَ وأُمِّنا حوَّاء: وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ [الأعراف: 21]، وهو أكذب الكاذبين!
فهذه جملةٌ من العوامل المفيدة والنافعة، والمؤثِّرة في قبول المنصوح لنصيحة النَّاصح.
نماذج رائعة من نصائح السلف:
لقد سطر لنا تاريخُنا الإسلامي الزاهر نماذِجَ رائعةً في أخذ السَّلف بالأسلوب المؤثِّر في قبول النَّصيحة، والاستجابة لَها، وإليك بعضًا من تلك النَّماذج الفريدة.
النَّموذج الأول: الحسن والحسين - رضي الله عنهما -:
يُروى أن الحسنَ والحسين - رضي الله عنهما - رأَيَا رجلاً كبيرًا في السنِّ يتوضَّأ، وكان لا يُحْسِن الوضوء، فأرادا تعليمَه، فذهبا إليه، فادَّعيا أنَّهما قد اختلفا: أيُّهما حسَنُ الوضوء أكثر مِن أخيه؟ وأرادا مِنه أن يَحكم بينهما، فأمر أحدَهما بالوضوء، ثم أمر الآخَر، ثم قال لهما: أنا الذي لا أعرف الوضوء، فعَلِّماني إيَّاه!
النموذج الثانِي: جرير بن عبدالله - رضي الله عنه -:
عن إبراهيم بن جرير البجليِّ عن أبيه، قال: غَدا أبو عبدالله - أيْ: جرير - إلى الكناسة؛ لِيَبتاع منها دابَّة، وغدا مولًى له، فوقف في ناحية السُّوق، فجعلت الدوابُّ تمرُّ عليه، فمرَّ به فرسٌ، فأعجبه، فقال لمولاه: انطلق فاشتَرِ ذلك الفرس، فانطلقَ مولاه، فأعطى صاحبه به ثلاثمائة درهم، فأبى صاحبُه أن يبيعه، فقال: هل لك أن تنطلق إلى صاحبٍ لنا ناحيةَ السُّوق؟ قال: لا أُبالي، فانطلقا إليه، فقال له مولاه: إنِّي أَعطيتُ هذا بفرسه ثلاثمائة درهم، فأبى، وذكر أنه خيرٌ من ذلك، قال صاحب الفرس: صدَق، أصلحك الله، فترى ذلك ثمنًا؟ قال: \"لا، فرَسُك خير من ذلك، تبيعه بخمسمائة؟\" حتى بلغ سبعمائة درهم، أو ثمانمائة، فلما أن ذهب الرجل أقبل على مولاه، فقال له: \"ويحك! انطلَقْت لتبتاع لي دابَّة، فأعجبتني دابَّةُ رجل، فأرسلتُك تشتريها، فجئتَ برجلٍ من المسلمين تقوده، وهو يقول: ما ترى؟ ما ترى؟ وقد بايعتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - على النُّصح لكلِّ مسلم\"؛ رواه الطبراني في \"الكبير\".
النموذج الثالث: الإمام مالك بن أنس - رحمه الله -:
يُروى أن إمامَ دارِ الهجرةِ مالِك بن أنس - رحمه الله - كتب إلى الخليفة هارونَ الرَّشيدِ برسالةٍ يَنصحه فيها، يقول: أمَّا بعد، إنِّي كتبتُ إليك بكتاب لَم آلُكَ فيها رشدًا، ولم أدَّخِر فيها نصحًا؛ تحميدًا لله، وأدبًا عن رسول الله، فتدبَّرْه بعقلك، وردِّد فيه بصرَك، وأَرْعِه سمعك، ثُمَّ اعقله قلبك، وأحضر فهمك، ولا تغيبن عنه ذهنك؛ فإنَّ فيه الفضلَ في الدُّنيا، وحُسْنَ ثواب الله في الآخرة، اذكر نفسك في غمرات الموت، وكربة ما هو نازلٌ لديك منه، وما أنت موقوف عليه بعد الموت من العرض على الله سبحانه، ثم الحساب، ثم الخُلود بعد الحساب.
وأعِدَّ لله - عزَّ وجلَّ - ما يسهِّل عليك أهوالَ تلك المشاهد وكُرَبَها؛ فإنَّك لو رأيتَ سخط الله تعالى وما صار إليه الناس من ألوان العذاب، وشدَّة نعمته عليهم، وسمعتَ زفيرهم في النار، وتسابُقهم مع كُلوح وجوههم، وطول غمِّهم، وتقلُّبهم في دركاتِها على وجوههم، لا يسمعون ولا يُبصرون، ويدعون بالويل والثُّبور، وأعظم حسرةٍ إعراضُ الله عنهم، وانقطاعُ رجائهم، وإجالته إيَّاهم بعد طول الغمِّ بقوله: اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ [المؤمنون: 108]، احذر بطانة السُّوءِ وأهلَ الرَّدى على نفسك؛ فإنَّه بلَغني عن عمر بن الخطَّاب - رضي الله عنه - أنه قال: شاوِرْ في أمرك الذين يَخافون الله.
احذر بطانة السوء وأهل الرَّدى على نفسك؛ فإنه بلغني عن النبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنه قال: ((ما من نبيٍّ ولا خليفة إلاَّ وله بطانتان؛ بطانةٌ تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر، وبطانةٌ لا تألوه خَبالاً)).ثُم قال: \"لا تَجرَّ ثيابك؛ فإنَّ الله لا يحبُّ ذلك، فقد بلغَنِي عن النبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنه قال: ((من جرَّ ثوبه خُيَلاء لم يَنظر الله إليه يوم القيامة))؛ رواه مسلم.
أطِع الله في معصية الناس، ولا تُطِع الناس في معصية الله؛ فقد بلغني عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنه قال: ((لا طاعة لِمَخلوقٍ في معصية الخالق))؛ رواه مسلم.
فهذه أمور تتعلَّق بالنصيحة، ينبغي على كلِّ مسلم ناصحٍ أن يتحلَّى بها، وأن يكون ناصحًا أمينًا.
اللَّهم إنا نسألك القيامَ بأمرك، والبُعدَ عن نَهيِك، والعملَ بِما يقرِّبنا منك يا أرحم الراحمين، اللهم إنا نعوذ بك من سخطك والنار، ونسألك رضاك والجنَّة يا ذا الجلال والإكرام.








