رسائل الأنس مع القرآن الكريم ـ مع سورة الإسراء بقلم المختار العروسي البوعبدلي
21-05-2008, 06:28 PM
هذه التأملات كانت عبارة عن جلسات إيمانية منزلية مع بعض الإخوة الكرام ويطيب لنا أن تشاركونا فيها لعل الله يوفقنا إلى ما يحب ويرضى.
بقلم العروسي المختار البوعبدلي
سورة الإسراء
بـــــــــسم الله الرحمن الرحيم
سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)
في هذه السورة بدأ الله عز وجل بتنزيه نفسه عن النقص وتبرئتها منه، إثباتا لأسمائه وصفاته، وتتضمن الأمر لنا بالتسبيح أي تنزيهه عز وجل عما يقول به المشركون من إنكار الإسراء والمعراج وغيره مما أنكروه من الرسالة الإسلامية، ليكون لنا فيه التصديق المطلق بأنه القوي الشديد له الأسماء الحسنى، إذ أن أمر الله عز وجل بالتسبيح في كتابه تعليم وتربية وتهذيب وتأديب، تبيينا لكيفية بناء علاقتنا به تعالى من خلال تصديقنا بما يخرج عن قدرتنا العقلية العملية إلى إعجازه الجازم بقدرته وعلمه، وبالأحرى أسمائه وصفاته المطلقة فسبحان الله عما يصفون. وذلك لما كان من الدليل الوصفي الصادق المصاحب للرؤية العينية اليقينية من رسوله صلى الله عليه وسلم، كما أن هذه الآية فيها إشارة إلى أن التسبيح اليقيني لا يتحقق إلا بإتيان العبادة على أكمل وجه كما جاءت في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم لأن التسبيح لا يكون إلاّ لله وحده لا شريك له قولا، ولا يتم ذلك إلاّ بإتيان الأمر والابتعاد عن النهي.
ومن هذا فإن التسبيح إنما يكون من معرفة وعلم بقدرة الخالق وإرادته وعلمه وقوته أي الإيمان بأسمائه وصفاته.
ومما كان أثناء الإسراء و المعراج أن فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبرد، بمعنى تعطل القوانين الزمنية " الوقت الطبيعي" فهو سبحانه الأول والآخر، ومن هذا نقرأ إن ما يمضي من عمر الإنسان يقاس بما قدمه من عمل، ليتم العدل الإلهي الجزاء من جنس العمل، ورحمة الله سبقت كل شيء، وأما المكان فدلالة على الوجود وكل موجود له واجد والخلق كله لله تعالى لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا فهذه صورة إيمانية بما يكون من الجزاء في اليوم الآخر بأن الله تعالى يعوض المكان الدنيوي بمكان ينعدم الزمن فيه بسيادة الحق وفناء الباطل، ويكون فيها كمال العبودية لله وحده لا شريك له. ثم إن الله سبحانه وتعالى يكشف لنا غيب الماضي من تاريخ البشر وما كان من تعاملهم وتفاعلهم مع رسالات الله تعالى وأنبيائه، ليبين منها حقيقة حركة التاريخ وبأن العمل فردي والأثر جماعي، وكيف أن الخروج عن سنن الفطرة لتحقيق عملية الاستخلاف في البناء الحضاري المؤسس على التكوين الأخلاقي الفاضل الصالح، هذا الخروج عن الفطرة يؤدي إلى اندثار واضمحلال وضعف ولا يكون الزوال لها فيما تعلق بالأمر والنهي. بمعنى استمرار الصراع بين الحق و الباطل وفق مبدأ الغلبة. وهذه داخلة في قضايا التغيير و التغير.
وقوله تعالى:{ وَآَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا (2) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3) وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6) إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7) عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا (8)} يبين بعض ما كان من سنن حركة التاريخ حسب القيم المتواجدة في إطار العلاقات الدولية، الحاصلة من علاقات المجتمعات والشعوب المعمول بها فيما كان من عقائد وتنظيمات سياسية واقتصادية و.....، مع أن الأصل في الصراع ما كان من الصراع العقائدي، وهذا ما يبرز سنة من سنن الله تعالى ألا وهي سنة التدافع. فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251) البقرة ، وهذا فيه إشارة إلى أن الحق باق إلى يوم الدين وإن مرّ بوقت ضعف، وبقائه ولو على مستوى الأفراد، ثم إن الله تعالى يبين حقيقة بل بالأحرى عناصر القوة والتي كانت في العامل الاقتصادي، الذي يعبر عن التجهيز الحياتي في جميع المجالات والميادين وعلى كل المستويات وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ ، والعامل التكويني في البناء القوي للشخصية العامة المتميزة بروح الممانعة والمقاومة والثبات على الفكرة والسعي لتبليغها وسيادتها، وهذا لا يتم إلا عن طريق أولا:التربية، ثانيا: الإعلام وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا ، ثم إن هذا لا يتم إلا بأهم عنصر وعامل ومحور ألا وهو العلم بشقيه الديني والمادي. وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا قوة علمية فقوة اقتصادية فقوة عسكرية.وكل شيء مرده إلى الله تعالى. .../... يتبع
بقلم العروسي المختار البوعبدلي
سورة الإسراء
بـــــــــسم الله الرحمن الرحيم
سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)
في هذه السورة بدأ الله عز وجل بتنزيه نفسه عن النقص وتبرئتها منه، إثباتا لأسمائه وصفاته، وتتضمن الأمر لنا بالتسبيح أي تنزيهه عز وجل عما يقول به المشركون من إنكار الإسراء والمعراج وغيره مما أنكروه من الرسالة الإسلامية، ليكون لنا فيه التصديق المطلق بأنه القوي الشديد له الأسماء الحسنى، إذ أن أمر الله عز وجل بالتسبيح في كتابه تعليم وتربية وتهذيب وتأديب، تبيينا لكيفية بناء علاقتنا به تعالى من خلال تصديقنا بما يخرج عن قدرتنا العقلية العملية إلى إعجازه الجازم بقدرته وعلمه، وبالأحرى أسمائه وصفاته المطلقة فسبحان الله عما يصفون. وذلك لما كان من الدليل الوصفي الصادق المصاحب للرؤية العينية اليقينية من رسوله صلى الله عليه وسلم، كما أن هذه الآية فيها إشارة إلى أن التسبيح اليقيني لا يتحقق إلا بإتيان العبادة على أكمل وجه كما جاءت في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم لأن التسبيح لا يكون إلاّ لله وحده لا شريك له قولا، ولا يتم ذلك إلاّ بإتيان الأمر والابتعاد عن النهي.
ومن هذا فإن التسبيح إنما يكون من معرفة وعلم بقدرة الخالق وإرادته وعلمه وقوته أي الإيمان بأسمائه وصفاته.
ومما كان أثناء الإسراء و المعراج أن فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبرد، بمعنى تعطل القوانين الزمنية " الوقت الطبيعي" فهو سبحانه الأول والآخر، ومن هذا نقرأ إن ما يمضي من عمر الإنسان يقاس بما قدمه من عمل، ليتم العدل الإلهي الجزاء من جنس العمل، ورحمة الله سبقت كل شيء، وأما المكان فدلالة على الوجود وكل موجود له واجد والخلق كله لله تعالى لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا فهذه صورة إيمانية بما يكون من الجزاء في اليوم الآخر بأن الله تعالى يعوض المكان الدنيوي بمكان ينعدم الزمن فيه بسيادة الحق وفناء الباطل، ويكون فيها كمال العبودية لله وحده لا شريك له. ثم إن الله سبحانه وتعالى يكشف لنا غيب الماضي من تاريخ البشر وما كان من تعاملهم وتفاعلهم مع رسالات الله تعالى وأنبيائه، ليبين منها حقيقة حركة التاريخ وبأن العمل فردي والأثر جماعي، وكيف أن الخروج عن سنن الفطرة لتحقيق عملية الاستخلاف في البناء الحضاري المؤسس على التكوين الأخلاقي الفاضل الصالح، هذا الخروج عن الفطرة يؤدي إلى اندثار واضمحلال وضعف ولا يكون الزوال لها فيما تعلق بالأمر والنهي. بمعنى استمرار الصراع بين الحق و الباطل وفق مبدأ الغلبة. وهذه داخلة في قضايا التغيير و التغير.
وقوله تعالى:{ وَآَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا (2) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3) وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6) إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7) عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا (8)} يبين بعض ما كان من سنن حركة التاريخ حسب القيم المتواجدة في إطار العلاقات الدولية، الحاصلة من علاقات المجتمعات والشعوب المعمول بها فيما كان من عقائد وتنظيمات سياسية واقتصادية و.....، مع أن الأصل في الصراع ما كان من الصراع العقائدي، وهذا ما يبرز سنة من سنن الله تعالى ألا وهي سنة التدافع. فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251) البقرة ، وهذا فيه إشارة إلى أن الحق باق إلى يوم الدين وإن مرّ بوقت ضعف، وبقائه ولو على مستوى الأفراد، ثم إن الله تعالى يبين حقيقة بل بالأحرى عناصر القوة والتي كانت في العامل الاقتصادي، الذي يعبر عن التجهيز الحياتي في جميع المجالات والميادين وعلى كل المستويات وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ ، والعامل التكويني في البناء القوي للشخصية العامة المتميزة بروح الممانعة والمقاومة والثبات على الفكرة والسعي لتبليغها وسيادتها، وهذا لا يتم إلا عن طريق أولا:التربية، ثانيا: الإعلام وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا ، ثم إن هذا لا يتم إلا بأهم عنصر وعامل ومحور ألا وهو العلم بشقيه الديني والمادي. وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا قوة علمية فقوة اقتصادية فقوة عسكرية.وكل شيء مرده إلى الله تعالى. .../... يتبع







