بائعة البيض 2 تابع
22-04-2015, 09:01 AM
بائعة البيض 2 تابع

رواية قصيرة في حلقات نشرت في كتابي ( الحطان العالية ) طبع في الثمانينات في مطبعة كرفى بباتنة .
كانت زهرة تقضي ايامها مع الاطفال في البحث عن الدوم والحلزون ،...تنتخب من الاعشاب ما يؤكل...تنظر الى علي باهتمام ... كان علي اكبر الاطفال سنا ... كان يبادلها نفس الشعور ... توطدت العلاقة بينهما... أصبح كل واحد منهما لا يتحمل بعد الاخر...
اختفت تلك الصداقة مع الايام خافا من الافك والافاكين.... اصبحا يتبادلاني النظرة من بعيد...
اشترت الام دجاجة بما وفرته من نقود النخالة ... صارت الدجاجة دجاجات... كانت زهرة تجمع البيض وتبيعه في طريق السيارات ... مرت الايام تجر الليالي ... مرضت الام تغيرت صحتها وهنت ثم ماتت...تألم الضرير ، حزنت زهرة :
- امى ودعت صحتها بين من يلبس وهي تغسل ، ومن يأكل وهي تطهي...
وإذا جاء القحط جاء اعوانه... لم تكتفى ايام الله بما حل بزهرة ... اصيب الدجاج بوباء ومات... وضربت الارض بالسداد على الضرير وابنته...لم يعد لهما سوى صدقة بعض الجيران والزهرة تأنف من الصدقة ...رفضت ان تعمل في البيوت ... رأت في موت امها راحة لها ... رفضت ان تكون خليفة لها في خدمة الناس.
منذ ان وعت الفتاة هذه الحياة لم يقدم لها العيش جاهزا ... كانت تنبش عليه بأظافرها لتخرجه من اعماق الارض... لفحت الشمس بشرتها ، دحرجتها الزوابع ، ادمت السدرة اناملها ... علمتها فطانتها الفطرية كيف تحافظ على كرامتها ... لا تقبل التسول ،ولا خدمة بيوت القايد والشنبيط كلهم في نظرها بياعين للرومى ( الفرنسي ) هم الذين يبيعون اخوانهم المشتغلين بالسوق السوداء... حملت الفتاة افكارا عن ابيها لا تقل اهمية عن اهمية شيوخ القرية....
شبت الفتاة ، منعها ابوها من الخروج مع رفيقاتها ... اصبحت تنتظر املا وحيدا :
- اه لو يتقدم على لخطبتى ! لقد اصبح راعيا لأغنام خوصى ، يستطيع ان يضمن لى لقمة العيش ويغنينى عن التسول... ربما يسمح لى بأخذ ابى معى !
لكن الامر ليس بيد على ولو كان يحب زهرة ، كل الامر بيد ابيه الذى اصبح خماسا عند القايد... عاد الاب الضرير يرجو ابنته ان تشتغل عند القايد :
- لا ...محال لن اخدم الديار التى فتكت بأمى...افضل ان اخدم عند الرومى واسبنيول على الاقل متأكدة ان ابناءهم لن يسخروا منى... كلا... لن اعمل عند من امتص دماء امى ومزق جهدها وشربها عرقها...
استيقظت القرية في يوم ربيعى قبل الديوك ... دقت البنادر ،نغمت القصبة ، زغردة النساء ، دوى البرود... انه زفاف ابن القايد و بنت الشنبيط ... طلع النهار على اصحاب العرس وكبار الجماعة بحفل ابهى من يوم العيد ... قدم المدعوين من اصحاب المدينة من مسلمين وارو بيين... قدموا لهم كؤوس اللبن والخمر، و اسمن الكباش المشوية.... حضر الكميسير فرانسوا والسفاح اسبنيولي صَلناس... واليهودي لايَك صاحب معامل الزربية بتلمسان ، وجاء ارنوكس صاحب مزرعة الخمر مع اسرته.... لبس الضيوف افخم الأزياء... وتحزم شبان القرية بالقرطاس والبنادق و ركبوا أحسن الخيول ، يكاد الرائي يحسبهم مقبلون على استرجاع حقوقهم المسلوبة... لكن لم يحملوا تلك الاسلحة إلا من اجل عيون القايد والشانبيط ... وما حملوها الا ليوطدوا علاقة القايد والشنبيط بالفرنسيين... وما كل هذا الاحتفال إلا من اجل اضطهاد الغاشي اكثر فأكثر ، أي من يسمونهم ( لي بيكو )
تزين اصحاب العرس و كبار الجماعة كالبصلة بسبع عباءات وبرانس والامتار من القماش المستورد من اوربا ... راحوا يتيهون كالطاووس بأثوابهم... لان الطاووس يتيه بريشه ولما ينظر الى رجليه يشرع في الصراخ لشدة قبحهما وببشاعتهما لكن هؤلاء لا يصرخون ولا يعيطون ، بل يتفجرون داخل نفوسهم كالذرة... اما الخماسون والمُياومُون انزووا وراء الاشجار والحشائش يتطلعون من بعيد لان حضورهم يوسخ الحفل البهيج ويبهدل القايد وأعوانه امام الفرنسيين... اختفت نساؤهم خوفا من الضرائب التى تنزل علي رؤوسهم اذا ما وسخوا الحفل بوجودهم... اما اطفال الخردة فلا الاباء ولا عبيد القايد استطاع ان يمنعهم بالطرد والضرب من حضور الحفل ... وضعوا القايد وشنبيطه في حيص بيص... يشتمان يبصقان عليهم وعلى من رباهم...
اما زهرة بقيت وحدها في كوخها البعيد...تموت شوقا لرؤية الحفل:
- هذا العرس ستحضره الحضريات التلمسانيات والنصارى ، وزوجة ارنوكس التى كانت تشترى البيض منى ... كم اود ان اراها ، كانت لطيفة معى...كانت تلح علي ان اعمل عندها في المزرعة وكنت ارفض... اه لو تبقى على عرضها ! خير لى ان اعمل عند اسبنيول من ان اعمل عند خيمة القايد ، او احدى العربيات....
نصب الصف ... تعالت اصوات البند ير ، وصلت اذن زهرة ... ازدادت لهفتها وشوقها ... تبكى مرة ، تضحك مرة اخرى ، تحاول ان تختلس النظرة من بعيد ... تحدث نفسها:
- اريد ان ار ى اصحاب المدينة ، وصياغتهم الثمينة المرصعة بالأحجار... لا يهمنى ان ارى النصارى! هم لا يلبسون الكثير من الذهب...رايتهم مرارا عندما زرت خالتى في المدينة... كانت خالتى تقول صياغة النصارى صغيرة وأنيقة وتساوى اضعاف صياغة العرب... لكن يهمنى ان ارى العربيات مثلى .... ليتنى لازلت طفلة لأتسلل مع الاطفال الى دار الحفل.... يا لحماقتى لو خدمت بيت القايد لكنت الان بين الشغالات اتفرج عن قريب... نحرك الله يا علي لو تزوجتنى لكنت الان هناك مع نساء الخماسين...
توجهت الفتاة الى صندوق امها ... اخرجت شاشا مرصعا اسودت اسلاكه من القدم... مشطت شعرها ...عدلت أطمرها ...علقت في عنقها خيوطا وأحزمة ، كانت التقطتها من مزابل اسبنيول ... وضعت الشاش على رأسها ...استسلمت لأحلام اليقظة ... صبغت الحفل على نفسها... ازدوجت شخصيتها...تصورت عليا عريسا لها يجلس الى جانبها... ايقظها الواقع ... تنهدت ... لا عليه كلنا نموت ... حتى الاغنياء والقايد والنصارى....لن نأخذ إلا شبرا واحدا من الارض... قال ابى حياتهم هنا وحياتنا هناك ، في الاخرة ، هل صحيح ؟ سألبس هناك وهم يتفرجون علي؟...
مكثت زهرة تتمرغ في عسل الخيال مرة وفي علقم الواقع مرة ... تمددت على حصيرها ... عاد علي ... دق قلبها مع الطبول... شعرت بالسعادة ... جاشت بها العواطف ... فتحت الباب بعنف وهي تصرخ:
- اريد ان احضر العرس حتى لو قتلونى...لى حق في ذلك...خدمتهم امى وماتت من اجلهم... سيسخرون منى ويستهزئون ... فليسخروا لا ابالي ، استهزؤوا من امى قبلى...
يتبع

zoulikha
ربنا زدنا علما وعملا بما علمتنا