بائعة البيض 7 الأخيرة
29-04-2015, 07:38 AM
بائعة البيض 7 الأخيرة

تابع

امرأة تمردت ، فكيف تكون النهاية ؟ .... هل انتهت زهرة ، وانتهى تمردها ولم تخسر شيئا لأنها لم تكن رابحة في يوم ما...؟ ام مازالت امامها لمسة اخيرة تقوم بها ؟
----------------------------------
فاتت ايام ... جاء كامى وخطيبته كعادته ليقضي ليلته هناك... عسعس الليل... انصرف كل واحد الى فراشه ....هطلت الامطار ... زمجرت الريح... ...سمع نباح وعواء ونعي... حشرج الزنك ... انتشر الرعب في تلك الليلة الليلاء...
استيقظ اهل الدار على ضجة وزلزلة وصخب... هب مجرى الهواء... فتحت الابواب والنوافذ... صرخت المدام وابنتها... سمع دوي البرود...صرخ كامى مستنجدا ... التفوا حوله... كان ملقى على الارض...ينزف دما ويتألم... بعد قليل جاءت سيارة الاسعاف وانتشلته...
بقي البوليس يبحث عن السارق الذى فعل فعلته وانصرف... لم يجد لا سارقا ولا عاملا متمردا كما ظنوا... تساءلوا : لا شك انهم عمال حاقدون... ؟
لا احد سال عن فاتْمة ... هي بعيدة عن الشك... دخل ارنكس الى غرفته يتحدث الى زوجته:
- لا شك انهم حفنة من الخارجين عن القانون ، تعاونوا مع احد الحراس...
فجأة توقف ارنوكس عن الكلام خائفا ... رأى حركة تحت السرير... اخرج مسدسه مهددا... خرجت زهرة خائفة مذعورة... ضحكت المدام في بلاهتها المعهودة :
- مسكينة زهرة انها خائفة....!
في الغد من ذلك اعتذرت زهرة : ا نى خائفة ...اخشى ان يقع لى ما وقع لمسيو كامى... ثم ان تركت ابى وحيدا...
عادت الى كوخها ... لم يعاقبها ابوها... اكتفى بفرحة عودتها.
تدحرجت الايام...وعاد الشيخ الى كوخه بخبر مفرح ! وعلى وجهه ملامح امل مبطن بحزن وخوف :
- تعالي يا زهرة ! جئتك بخبر لعله يعجبك... خطبك منى السي قدور وقبلت ، وقرأنا الفاتحة ... سيكون زفافك بعد اسبوع...
لم تتأثر زهرة لهذا الخبر... ما فرحت ولا حزنت! صمتت... لم يعد هناك شيء يفرحها او يحزنها!... عشش البوم في صدرها...باض الغرب في احشائها ...
- واصل الشيخ قائلا : قدور رجل يسترك... زوجته ماتت منذ شهرين... له ستة اطفال... سترين سوف يسعدك... ان حاله لا باس به مستور..له دار ودراهم و.....
- قاطعته زهرة : من اين له الدراهم ؟ ما هو إلا خماس... او انك تعنى نقود التجسس والتجارة بإخوانه الذين يشتغلون في السوق السوداء ؟
- الضرير غاضبا : اغلقى فاك...لا شأن لك... المهم ان تنقذى نفسك ايتها العانس... والله تتزوجينه شئت ام ابيت وإلا....
- زهرة بهدوء : وإلا ماذا يا ابى ؟...لم اعد اخاف الضرب ولا حتى القتل... اعتدت عليه...زهرة ماتت يا ابى ... قتلتموها ... هذه امامك فاتْنَة ( كرصونة ) اسبنيول!
- طأطا الشيخ رأسه : الى متى يا بنْتى ؟ يجب ان تتزوجيه .. لا احد يرضى بك غيره ...
- دبخت زهرة على ظهر ابيها : لا تخف كلمتك هى الاولى والأخيرة... انا ايضا اريد ان اختفي فى الضيعة التى يعمل فيها قدور ، على شرط ان تأتى معى ... اطلب منه هذا الشرط وأنا أقبل...
في منامها ليلا ، رأت رؤية أعادت لها شيئا من ايمانها بنفسها .. رأ ت نفسها طائرة في الفضاء ولم تجد شيئا تتمسك به كي لا تسقط على الارض... فاجأها شيخ مبصر ، يشبه اباها... مد لها عصى ... اختفى في الفضاء وهو يردد :
- تمسكى بالعصى فلن تسقطى ابدا...
استيقظت على صدى صوته... استغفرت ... فسرت العصى بالإيمان الذى لوثته الحاجة والحقارة والظلم والبطش ...
زفت زهرة الى قدور ... وما ادراك بقدور ؟ عجوز فاق اباها سنا... دحرجته الايام الى اواخر عمره... اكل رؤوس خمس نساء ... حفَا حفًا .. . تقوس ظهره... كل ما فيه يوحى بالموت... لم يبق فيه إلا السخط والغضب .... كل ذلك لم يقلق زهرة.... فطر قدور على راس صبية ... وقضى حاجته ببكر... وتغذى بعذراء... وضحك على فتاة ... وهاهو يتعشى على شباب عانس بلغت العشرين من عمرها...
مضى شهر على الزفاف ... خرجت زهرة تعمل مع زوجها فى الحقل... بينما هي تشق الارض بالفأس ، لاح لها خيال يتأبط عكازين... كان يسير في اتجاهها ... توقفت خيل لها انها تعرفه.... نعم كامى خرج من المستشفى يسير على اربع...
- زهرة تفكر : انه كامى ! لا شك ان المجرم جاء يبحث ان الجانى الذى لم يجده البوليس ! نعم ! هو وحده يعرف الحجر من اين اتاه....
نظر كامى الى زهرة نظرة كادت تقسمها ... حاول استنطاقها :
- من ساعدك ؟ اهو علي الذي حدثتنى عنه؟ ام احد العمال ؟...
- زهرة تبتسم ساخرة : علي ؟ من هو ؟ ابتعد ايها النذل وإلا شققت راسك بهذا الفأس ، وأدفنك هنا في الحقل ولا احد يأتى على اخبارك.... اغريتنى بالصداق ايها الذئب الخداع... اذهب واخبر المدام عنى ... ليست لك الجرأة ... لأنك تخاف على ثروة ارنوكس ان تضيع منك ايها الطماع ... يا من تعطف على الفقراء لتستغل ضعفهم ...انا التى ضربتك ... ايه... ! وسوف لن أتخر في قتلك اذا طال وقوفك هنا ... تخالصنا ... وسمت شرفى وبهدلتنى... ووسمت خلقتك... اترك الامور صغيرة انا لا اخسر شيئا ، اذا اردت ان تعرف البندقية التى قوستك ، ابحث عنها في صهريج الخمر...
تذكر كامى اليوم الذى فاجأ خطيبته في حضن عشيقها ... اتخذ منظرا حزينا معترفا بغلطته...كبر شأن زهرة في نظره ... ضعفت زهرة .... غاصت في عيونه الزرقاء... هب نسيم ... بعثر شوشته الشقراء على جبينه ... فجأة تحولت العيون الزرقاء الى عيون شهلاء ... والشعر الاصفر الى شعر اسود... اختفى كامى ....وظهر علي يبتسم في تلك الروابى...احمر وجهها ... ظهرت عليه علامة ابتسامة خجولة... احتار كامى... فوجئت زهرة بحشرجة صوت عنيف ... اتت من داخل براكة الحقل ... ايقظها من احلامها :
- زهرة اين انت ؟ توكلى على الله ... حان وقت العودة الى الدار ....
- كامى : تعالي معى نهرب الى العاصمة ماذا تفعلين هنا... انا احبك واحميك..
نظرت زهرة الى كامى نظرة احتقار ...اجابت بصوت منخفض :
- نعم يا زوجى العزيز... هذا هنا كلب يريد عظما....
انصرفت زهرة وراء زوجها... يتبعها ستة اطفال والأعمى سابعهم والكلب ثامنهم... ولا احد يعرف مصير هؤلاء الصغار مع امرأة صنعتها يد الشقاء و هدهدها الحرمان ، وحبكتها الهموم وكسرها اليأس...
بقي كامى في مكانه جامدا حائرا متسائلا ... انحنت نفسه راكعة إعجابا بهذا العزم ، واحتراما لهذا الاقدام وتلك الشجاعة والنقاوة ، وذاك الاخلاص الذى تعلمته القروية في مدرسة الطبيعة... بمادة فطرة الاسلام .... على يد استاذ أعمى....

انتهى ..... وللقصة بقية انشاء الله، سنلتقى مع زهرة من التمرد الى الثورة على الاستعمار الفرنسي ....؟

zoulikha
كانت ( رواية بائعة البيض ) عينة فقط مما عانته الجزائر اثناء الاحتلال...وبما اننا نعيش على ذكرى الستينيات لاندلاع (ثورة نوفمبر) سوف أشرع في نشر روايتين فى حلقات في هذه السنة ، من صميم الثورة ان شاء الله ...1 ( رواية الجلباب الملعون ) تتحدث عن عينة من مآسى الموقوفين . بعدها 2( رواية من ذاكرة اسيرة ) تصور عينات من معانات الاسرى... وربما في المستقبل القريب 3( رواية مذكرات مجاهدة ) حتى تتعرف الاجيال – على الاقل على جانب من احداث هذه الثورة المجيدة بشهادة المؤرخين المنصفين - اقول هذه الثورة التى ستبقى في الذاكرة خالدة وتحافظ الاجيال على مكتسباتها التى لم تُمنح ولم تُهدى لهم ، كما يموه الذين لم يعرفوا من الثورة إلا ظلها ، او ما اخذوه منها جاحدين مستهترين...

Zoulikha
ربنا زدنا علما وعملا بما علمتنا