نَحو هَدْم عَقيدة الغِشّ
26-06-2015, 08:36 AM

إنَّ أيّ إجراءات سيتِمّ الاستعانة بها من أجل القضاء على الغشّ في امتحانات التَّعليم الثانوي، أو في غيرها من المسابقات، يكون مَفعولها جُزئيا ويَبقى الغِشُّ متواصلا في الباكالوريا و في غيرها، مُجدِّدا أساليبه في كُلّ مرَّة بما يتناسب مع الوضع الجديد، وهذا ممّا لا تزال التجربة تُثبتُه، فينبغي لهذه المهازل التي تَهزُّ التّعليم عندنا أن تُنبِّهنا إلى قصور واضح وكبير في المهامّ التَّربوية لمؤسَّسات التربية والتّعليم، حتّى عمَّت البَلوى و صِرنا نَشهد في مدارسنا سلوكات لا علاقة لها بالتربية و لا بالتَّعليم، فهل يُعدُّ هذا إعلاناً عن إفلاس المنظومة التربوية، من خلال عجزها عن البِناء الخُلُقي والقيمي للتِّلميذ؟
إنَّ انتشار الغِشّ في كُلّ أطوار التَّعليم بما فيها التَّعليم العالي، يدُلُّنا على أنَّ المَسألةَ تعدَّت مرحلة الشُّذوذ لتتحوّل إلى قاعدة، وصار المحترِفون للغشِّ يشعرون بكثير من الاعتزاز والفخر، بدَل الشعور بالخزي والحرَج، بل صار عنوانا من عناوين التفوُّق عند أصحابه، وكُلّ هذا الاستنكار الذي يُبديه الرّأي العام لهذه الظاهرة سُرعان ما يختفي، وينسى النّاس أنَّ الغش كان هو الطريق نحو التفَوُّق، وهذا في نظري أخطر ما في الموضوع، وذلكَ عندما تَحوَّل الغِشُّ إلى عقيدة مُلتَزمة، وضرورة مُلِحَّة في الكثير من المجالات، أي أنَّنا استبدلْنا قُبحَه بالجمال ومِن ثَمَّ صار مَقبولا جدّاً، حتّى أنّ كثيرا منّا لا تُعجِزُه الأدلَّة على شرعية عملية الغشّ، ولعلّ هذا يُفسِّر إلى حدٍّ ما تورُّط أولياءٍ و أساتذة وجامعيين وغيرهم في هذه الظاهرة، إذ غاب عندهم وَخْزُ الضمير، وانتفى الشعور بالألم، فهل يليقُ بنا أن نكتَفِيَ بإجراءات ردعية أو وقائيةٍ فقط؟ أليس الأوْلى هو التفكير في كيفية إعادة بناء أخلاقنا؟ و لْنَنتبِه هُنا أيضا، إلى أنَّ الرِّضا بالمعصية و التَّحدُّث بها هو أسوأ من المعصية ذاتها، وليس الذي يَعصي بألَمٍ كالذي يعصي بسُرور، وقد تكون المعصية مع التواضع والانكسار خيراً من الطاعة مع الكِبْر والاستكبار، وهذا تفريقٌ في غاية الأهمية يجعلنا نُفكِّر في الجَوْهَر دون العَرض، فهَل يُمكِن أن نَعتبِر مَنع مُحاولة الغشّ نجاحا إذا كان صاحبه مُقيما على اعتقاده بضرورته وجدواه؟ إنَّ كلَّ إجراءات مُعاقَبة الغَشَّاشين في الامتحانات هي في الحقيقة مُعالجة ظرفية لأعراض المَرض، وأمّا أَصلُه فباقٍ في ضمائر أصحابه وأخلاقهم، فالمُشكِلة ليست في تقنيات الجيل الثالث أو الرابع، بل في شَرعنَة الغشّ اجتماعيا و سياسيا وتَربويّاً، وتَمرُّده على المنظومة الخُلقية الأصيلة للمجتمَع، ويبدو واضحاً أنّ المدرسة حاليا عاجزة عن تعْرية هذا السُّلوك من زِينته وجاذبيَّته، وهذا إخفاقٌ بعيد أَثَرهُ في المجتمع.
إنَّنا مُطالبون بهَدم عقيدة الغِشِّ والإجهاز عليها في أُصولها، وهذا خَيرٌ من اللُّجوء إلى تقنيات الخداع البصري لمحاربة الغِشِّ بتقنيات الجيل الثالث.
عبد العزيز حامدي