تسجيل الدخول تسجيل جديد

تسجيل الدخول

إدارة الموقع
منتديات الشروق أونلاين
إعلانات
منتديات الشروق أونلاين
تغريدات تويتر
منتديات الشروق أونلاين > المنتدى الحضاري > منتدى الدعوة والدعاة

> شرح عقيدة أهل السنة والجماعة للشيخ العثيمين -رحمه الله-

 
أدوات الموضوع
  • ملف العضو
  • معلومات
دمعة حزينة
عضو متميز
  • تاريخ التسجيل : 01-10-2009
  • الدولة : بلدي الغالي الجزائر
  • العمر : 36
  • المشاركات : 567
  • معدل تقييم المستوى :

    17

  • دمعة حزينة is on a distinguished road
دمعة حزينة
عضو متميز
شرح عقيدة أهل السنة والجماعة للشيخ العثيمين -رحمه الله-
17-05-2010, 09:34 PM
شــرح

عقيـدة أهـل السنـة والجمـاعة.


للشيخ

محمد ابن صالح ابن عثيمين

رحمه الله


شرحها:

أبو عمار علي الحذيفي.


الحلقة الثانية


شرح الأصل الأول: الإيمان باللَّه:

ويتكون من عدة فصول:

الأول: أنواع التوحيد.
الثاني: تفســير آية الكــرسي.
الثالث: تفسير أواخر سورة الحشــر.
الرابع: تفســير آيـتي الشـورى.
الخامس: تفسير آية: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير).
السادس: تفســير آية الرزق.
السابع: تفسير آية أخرى في الـــرزق.
الثامن: إحاطة علم الله بكــل شيء.
التاسع: مفاتــح الغيـب خمسـة.
العاشر: مقـدمة مهمـــة في: " الصفات".
الحادي عشر: فـي صـفة الكـلام لله تعـــالى.
الثاني عشر: فـي أن القــرآن كـلام الله.
الثالث عشر: صفة العلـــــو لله عز وجل.
الرابع عشر: فـي صـفة المعـية للّـه تعـالى.
الفصل الخامس عشر: في الحلـولية والاتحـادية ووحدة الوجود.
الفصل السادس عشر: صفة النـزول لله تعالى.
الفصل السابع عشر: الكلام على بعض الصفات الفعلية.
الفصل الثامن عشر: الكلام على بعض الصفات الخبرية.
الفصل الثامن عشر: الكلام على الرؤية.
الفصل التاسع عشر: نفي المؤلف بعض صفات النقص عن الله عز وجل.
الفصل العشرون: وجوب السير على هذا الطريق في العقيدة.
الفصل الحادي والعشرون: المصدر الذي نتلقى منه باب "الأسماء والصفات".

الفصل الأول: أنواع التوحيد:


1- أقسام التوحيد داخلة في الإيمان بالله:
والإيمان بالله يتطلب الإيمان بأربعة أمور:
أ- بوجوده:
أي: نؤمن بأن الله تعالى موجود، ولا نعني بقولنا: "موجود" بمعنى اسم مفعول وأن هناك من أوجده، فليس ذلك مراداً لأهل العلم عند إطلاقهم هذا اللفظ، ولكن نعني بـ"موجود" هنا أنه غير معدوم ولا غائب، فهو سبحانه موجود خلافاً للملاحدة وبعض الفلاسفة الذين أنكروا الصانع، فخالفوا بذلك أشياء:
1-الآيات الشرعية:
وهي الكتب التي أنزلها الله على رسله، فكلها تدعو إلى وحدانيته، وفيها من أنواع البراهين، وأصناف الأدلة، ما يدل القلوب على ربها، وتفتح لها أبواباً من المعرفة بربوبيته وألوهيته وأسماءه وصفاته.
وهذه الكتب كثيرة، وأفضل هذه الكتب وأبلغها هو "القرآن"، فهو خاتمة الكتب السماوية، والمهيمن عليها، والشاهد على ما فيها، وقد جعل الله فيه من الآيات المعجزات، والدلائل النيرات، ما تقوم به الحجة على الناس، فقد تنوعت طرق هذا القرآن في الدعوة إلى توحيده، وتقرير وحدانيته، وتثبيت الفطرة التي فطر الناس عليها.
2- والآيات الكونية:
قال تعالى: (أَولم ينظروا في ملكوت السموات والأَرض وما خلق اللَّه من شيء)، وقال تعالى: (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) وقال تعالى: (إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب).
سئل بعض الأعراب: ما الدليل على وجود الرب تعالى؟ فقال: يا سبحان الله !! إن البعرة لتدل على البعير، وإن أثر الأقدام ليدل على المسير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج؟ ألا يدل ذلك على وجود اللطيف الخبير؟
وقال أبو نواس:
تأمل في نبات الأرض وانظـر إلى آثار ما صنع المليـك
عيون من لجين شاخصــات بأحداق هي الذهب السبيك
على قضب الزبرجد شاهدات بأن الله ليس له شــريك
وقال آخر:
فيا عجباً كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحد
وفي كـل شيء له آيـة تدل على أنه واحــد
وهذه الآيات كثيرة:
1- فمن ذلك السموات والأرض وما فيهما وما بينهما، وما عداهما من المجرات العظيمة التي لا يعلم عددها وعظم خلقها إلا الله.
2- ومنها الشمس والقمر: وما تترتب عليهما من المصالح العظيمة والمنافع الكثيرة، فالناس في نهارهم بحاجة شديدة للشمس في أبدانهم وزروعهم، وبقية معايشهم، ويحتاجون القمر في ليلهم نوراً يستضيئون به، ولمعرفة الشهور والأيام، والسنين والحساب.
3- ومن ذلك النجوم التي خلقها الله لا يعلم كثرتها إلا الله، خلقها علامات لابن آدم، يهتدي بها في ظلمات البر والبحر، وزينة للسماء، وداعية للتفكر في عظيم ملك الله وحسن تدبيره وبديع خلقه، وفي الوقت نفسه هي كذلك راجمات للشياطين.
4- ومنها الجبال الشاهقة، وما فيها من قوة عظيمة، وأنواع كثيرة مختلفة الألوان سود وحمر وبيض كما قال تعالى: (ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود) خلقها لتثبيت الأرض، ومنعها من الاضطراب لئلا تميد بالناس كما قال تعالى: (وألقى في الأرض رواسي أَن تميد بكم وأنهاراً وسبلاً لعلكم تهتدون) وخلق فيها من أنواع المعادن والصخور ما يحتاج الناس إليه في مصالحهم ومعايشهم.
5- ومنها الأنواع الكثيرة من الحيوانات كما قال تعالى: (ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه) وإن عالمها عالم عجيب، تتعجب العقول من كثرتها وأنواعها، وأشكالها وألوانها، وذكاءها ودهاءها، وقوتها وقدرتها، ومكرها وكيدها، وصبرها وجلدها، وحرصها ووفاءها، وأشياء أخرى تدل على عظمة الباري، وسعة ملكه، وكثرة خلقه، ووفور رزقه، وشدة افتقار الخلق إليه.
6- ومنها الأنعام قال تعالى: (وإن لكم في الأنعام لعبرة)، يخلقها الله للانتفاع بلحمها، وقرونها وأظلافها، وأوبارها وأصوافها، وقد أخرج الله لابن آدم من بين فرثها ودمها (لبناً خالصاً سائغاً للشاربين).
7- ومنها البهائم التي سخرها الله لتحمل أثقالنا إلى بلد لم نكن بالغيه إلا بشق الأنفس، قال تعالى: (وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرءوف رحيم).
8- ومن ذلك البحار العظيمة، وما فيها من أسرار مدهشة، وعجائب كثيرة، من الحيوانات ذات الأشكال المختلفة، والصور المتباينة، والصخور والنبات والكنوز وغير ذلك، مع ما تحمله على ظهرها من السفن الكبيرة كالأعلام كما قال تعالى: (ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام)، وهي تجري في البحر بنعمة الله كما قال تعالى: (ألم تر أَن الفلك تجري في البحر بنعمة الله ليريكم من آياته) وقال: (هو الذي يسيركم في البر والبحر) فهو الذي يسيرها في البحر برحمته وعنايته ورعايته وقال: (إنَّ في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع النَّاس، وما أنزل الله من السماء من ماء فأَحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الريَاح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون).
كل ذلك يقهر النفوس والعقول على التسليم بوحدانية البارئ سبحانه.
9- ومن ذلك ما ينـزل الله من السماء من ماء فيحي به الأرض من بعد موتها قال: (والله أنزل من السماء ماء فأَحيا به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآية لقوم يسمعون) وقال:( فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحي الأرض بعد موتها)، ينـزل الله ماءاً واحداً، على تراب واحد، فتخرج الأرض ثماراً وزروعاً ذات ألوان مختلفة، وأذواق متفاوته.
10- ومنها ما أودع الله في ابن آدم ظاهراً وباطناً من الأسرار العجيبة، والأشياء الباهرة المركبة فيه، في لغته وكلامه، وزواجه وتناسله، وأعضاءه وحواسه، وفي أطواره ومراحل خلقه، وغير ذلك من العلامات الدالة على وجوده تعالى، بل وتدل على تفرده بالربوبية كما قال تعالى: (وفي أنفسكم أفلا تبصرون).
11- ومن ذلك ما خلقه الله من الرحمة بين الزوجين كما قال تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) فخلق للرجل زوجة من نفسه يسكن إليها وكذلك المرأة خلق لها زوجاً تسكن إليه، وجعل بينهما من المودة والرحمة الشيء الذي يستوقف العقلاء عنده، وجعل رابط الزواج بينهما وأثر الزواج عليهما كاللباس للبدن، لما يحمله الزواج من معاني الزينة والسَـتر والدفء والوقاية من المخاطر.
12- وما جعله الله كذلك في طعام ابن آدم وشرابه كما قال تعالى: ( فلينظر الإنسان إلى طعامه0 أنا صببنا الماء صباً0ثم شققنا الأرض شقاً0فأنبتنا فيها حباً0 وعنباً وقضباً0وزيتوناً ونخلاً0وحدائق غلباً0وفاكهة وأباً0متاعاً لكم ولأنعامكم0)، ومن ذلك نومه وقيامه كما قال تعالى: (ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون).
13- ومنها الليل والنهار كما قال تعالى: (ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون) أي: جعل الليل لتسكنوا فيه، وجعل النهار لتبتغوا من فضله.
وغير ذلك من الآيات التي تدل على ربوبيته، وأنه خالق الخلائق لا يشاركه في ذلك أحد.
وآياته في الخلق والخليقة لا تعد ولا تحصى، ونعماؤه وآلاؤه لا تجحد ولا تنسى، وكلها تدل على أمرين:
الأول: أن لها خالقاً أوجدها من العدم، وبدأها بعد أن كانت لا شيء، والثاني: أن خالقها واحد لا شريك له في خلقه، لأن هذا الكون لو كان له خالق آخر لاضطربت موازينه، واختلفت قوانينه، قال تعالى: (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) وقال: (قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا).
3- والفطرة:
فالمخلوقات مفطورة على الإيمان بالله، متفقة على ذلك، لا يُعرف شيء اتفقت عليه الخلائق مثل اتفاقها على الإيمان بوجود ربها سبحانه، فهي مقهورة على ذلك، فهو ربها وخالقها الذي خلقها وبرأها، فهي تفتقر إليه، وتؤمن بوجوده وتفزع إليه.
4- والعقل:
والعقل الصريح يستسلم لله، ويذعن له، ويقر بتفرده بخلق الخلق، وتدبيره لمعايشهم، وقيامه على مصالحهم، وأنه لا يشاركه في ذلك أحد، إذ لو شاركه واحد في شيء من ذلك، لانفرط عقد التوازن في الكون، وفسدت السموات والأرض.
5- واتفاق الأمم:
فالأمم كلها أولها وآخرها تقر بربوبيته وأنه خالق الخلق كلهم، ولم ينازع في ذلك أحد من الأمم، إلا من كابر المعقول والمنقول فقال بلسانه شيئاً هو على خلاف ما في قلبه من ضرورة تلجئه إلى التسليم بوجود الله، كما قال تعالى: (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً).
ب- الإيمان بربوبيته:
1- قال الشيخ: (فنؤمن بربوبية الله تعالى) وهذا يشمل الإيمـان بأنه سبحانه منفرد بالخلق والملك والرَزق- بفتح الراء – والإعطاء والمنع، والقبض والبسط، والإحياء والإماتة، والخفض والرفع، ونحو ذلك من المعاني المتعلقة بربوبيته وتدبيره لشئون عباده، وكلها ترجع إلى ثلاثة أمور: وهي الخلق والملك والتدبير (أي: بأنه الرب الخالق المالك المدبر لجميع الأمور) وهذا توحيد لله في أفعاله، وقد دلت عليه كلمة:"لا إله إلا الله" بدلالة التضمن.
2- وهذا النوع من التوحيد كان ثابتاً في نفوس الناس في الأمم السابقة مع وجود الشرك فيهم في باب "العبادة"، كما قال سبحانه وتعالى: (ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله) وقال: (ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيى به الأرض من بعد موتها ليقولن الله) وقال: (ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله) وقال: (ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم) وقال: (ولئن سألتهم من خلقهم ليقولُنَّ الله) وغير ذلك من الآيات.
3- ولكن توحيد الربوبية لم يكن متكاملاً عند المشركين وإن كانوا يقرون به بالجملة، وذلك لضعفهم فيه كتعلقهم بمثل التمائم والاستسقاء بالأنواء والتشاؤم ببعض الأشياء وإنكارهم للبعث، فتوحيدهم للربوبية كان ضعيفاً لكنه لم يكن فاسداً كتوحيدهم للألوهية، فإنهم كانوا يقرون لله بالخلق والملك والتدبير، ولذلك جاءت الرسل لتأصيل توحيد الألوهية، وتصحيح وتكميل توحيد الربوبية.
ج- الإيمان بألوهيته:
1- (و) المراد أننا نؤمن (بألوهية الله تعالى، أي: بأنه الإله الحق) الذي يستحق العبادة (وكل معبود سواه باطل)، وهذا هو توحيد الألوهية ويقال له: "توحيد العبادة"، وهو توحيد الله في أفعال العباد، والمقصود بأفعالهم هنا "عبادتهم" فقط وليس سائر أفعالهم، وهذا التوحيد دلت عليه كلمة "لا إله إلا الله" بالمطابقة.
2- وتوحيد الألوهية هو التوحيد الذي جاءت به الرسل، وأنزلت له الكتب، وليس توحيد الربوبية كما يزعم علماء الكلام ومن أخذ عنهم كالأشاعرة، ومن اعتقد عقيدتهم مثل "الصوفية"، فإنهم يقولون: إن التوحيد الذي جاءت به الرسل هو الإقرار بأن الله هو الخالق المدبر !! وهم يرون أن من أقر بهذا فهو مسلم كما هو موجود في كتبهم مثل "جوهرة التوحيد" وغيرها من كتب الأشاعرة.
د- الإيمان بأسمائه وصفاته:
والأسمـاء: جمع اسم، وهو اللفظ الدال على الذات.
والصفات: جمع صفة، وهي اللفظ الدال على المعنى المتعلق بالذات.
(و) نحن (نؤمن بأسمائه وصفاته، أي: بأن له الأسماء الحسنى والصفات الكاملة العليا).
والإيمان الصحيح بـ"الأسماء والصفات" ينبني على أشياء:
الأول: إثبات ما أثبته الله لنفسه في "كتابه"، وما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم في "الأحاديث الصحيحة"، والاقتصار على هذين المصدرين: "الكتاب والسنة الصحيحة" في إثبات الأسماء والصفات.
الثـاني: إثبات "معاني" هذه الأسماء والصفات، إثباتاً بلا تمثيل.
الثالث: تنـزيه الرب عن المماثلة تنزيهاً بلا تعطيل.
الرابع: تفويض كيفية الصفات إلى الله فلا نخوض فيها، كما قال الإمام مالك بن أنس: "الإستواء معلوم، والكيف مجهول". وهذه أشبه ما تكون بالقاعدة التي تتضمن الإيمان بمعاني الصفات كلها وتفويض كيفية الصفات.
وتوحيد "الأسماء والصفات" دلت عليه كلمة"لا إله إلا الله" بدلالة الالتزام.
2- أدلة أنواع التـوحيد:
(ونؤمن بوحدانيته في كل ذلك) الذي ذكرناه، (أي: بأنه لا شريك له) وشريك نكرة في سياق النفي فتفيد العموم، فلا شريك له مطلقاً، لا (فـي ربوبيته، ولا في ألوهيته، ولا في أسماءه وصفاته).
وليس من شرط الشرك اتخاذ الشريك في هذه الثلاث مجتمعات، بل يحرم اتخاذ الشريك لله، ويكون شركاً ولو وقع الشرك في واحد من هذه الأنواع.
والإيمان بأنواع التوحيد هو اعتقادها والإقرار بها والعمل بمقتضاها، فالتوحيد مبني على ثلاثة أركان: القول والعمل والاعتقاد.
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في "كشف الشبهات": "لا خلاف أن التوحيد لا بد أن يكون بالقلب واللسان والعمل، فإن اختل شيء من هذا لم يكن الرجل مسلماً ".
وهذه الأنواع الثلاثة – وهي الربوبية والألوهية والأسماء والصفات - دلت عليها أدلة كثيرة نجملها في ثلاثة أمور:
الأول: الاستقراء التام للنصوص.
الثاني: دلالة كلمة"لا إله إلا الله".
الثالث: طريقة السلف الصالح، وتنصيص الأئمة على ذلك.
الدليل الأول: الاستقراء التام للنصوص:
ومعنى الاستقراء: التتبع، بأن يقال: تتبعنا كذا فوجدناه كذا كما في "الكوكب المنير"، وهناك أشياء كثيرة مبنية على الاستقراء في أبواب العلم، منها:
1- إذا قلنا: إن الإيمان يكون بالقلب واللسان والجوارح، فهل يمكن أن يقال: إن هذا لم ينص عليه الشرع وإنما هو تثليث، وإن كان العلماء يستندون في ذلك التقسيم إلى نصوص الشريعة ويعتمدون على استقراءها ؟! وقولنا: "الإيمان: قول وعمل واعتقاد" لم يدل عليه دليل يحمل هذا اللفظ، وإنما هو مأخوذ من جملة الأدلة، ومعتمد على استقرائها، وإنما ذكر العلماء هذا التفصيل لما ظهر رأي الخوارج والمرجئة.
2- وهو شيء يعرفه "الصوفية" وهو تقسيم الكلمة إلى ثلاث أقسام:
الاسم، والفعل، والحرف الذي جاء لمعنى.
فهل العرب نصت على هذا التقسيم بعينه ؟!
3- أغلب هؤلاء القبوريين على عقيدة "الأشاعرة" وهم يقولون: إن توحيد الله ينبني على ثلاثة أشياء:
1- توحيد الذات.
2- توحيد الصفات.
3- توحيد الأفعال.
وهذا التقسيم عليه ملاحظات كثيرة من حيث هو، ولكن أردنا أن نبين أن القبوريين المنكرين للتقسيم العلمي للتوحيد، هم أنفسهم يقرون بتقسيم آخر ليس مبنياً على أسس صحيحة، فنحن نسألهم: من أين لكم الدليل على هذا التقسيم ؟! فإن قالوا: الاستقراء، قيل لهم: إن الحكم بالاستقراء حق، ولكن:
أولاً: تقسيمكم هذا لم يدل عليه شيء من الاستقراء، ولا هو مؤيد ببراهين قوية بمثل "تقسيم أهل السنة".
ثانياً: كيف تحتجون بالاستقراء في موضع، وتنكرونه في موضع آخر هو أولى منه ؟!!.
أدلة توحيد الربوبية:
وللربوبية عدة معاني، ترجع كلها إلى ثلاثة أمور:
الأول: الخلق:
أي: أنه لا يقدر على الخلق إلا الله، والمراد بالخلق هنا إيجاد الشيء من العدم، ، والأدلة على ذلك كثيرة قال تعالى: (والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون) وقال تعالى: (أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم) وقال: (الله خالق كل شيء) وقال: (إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له) وقال: (هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه) وقال: (أفمن يخلق كمن لا يخلق) وقال: (واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون) وقال: (قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض) وقال: (قل هل من شركاءكم من يبدؤ الخلق ثم يعيده) والآيات في ذلك كثيرة.
الثاني: الملك:
أي: أنه تعالى متفرد بالملك، والأدلة في ذلك كثيرة، قال تعالى: (قل اللهم مالك الملك) وقال: (تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير) وقال: ( ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض) وقال: (ذلكم الله ربكم له الملك) وقال: (وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك) وقال: (لله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء) وقال: (له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى) وقال: (قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه) والآيات في ذلك كثيرة.
وتأمل في قوله تعالى: (بيده الملك) وقوله: (بيده ملكوت) وقوله: (له الملك) وقوله: (له ملك السموات ..) وقوله: (له ما في السموات والأرض) ونحو ذلك، تعرف أساليب وطرق الإفراد في القرآن.
الثالث: التدبير:
أي: أنه تعالى متفرد بتدبير الأمور، وتصريف هذا الكون، قال تعالى: (وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى، يدبر الأمر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون) وقال: (يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه) وقال: (قل من يرزقكم من السماء والأرض أم من يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يـدبر الأَمـر) والآيات في إثبات تفرد الله بتصريف الأمور، وتدبير المعايش كثيرة.
وهناك معاني كثيرة أخرى مثل الرزق والقبض والبسط، والإحياء والإماتة، وهبة الولد، وشفاء المريض، والنصر على العدو، ونحو ذلك، ولكنها كلها ترجع إلى هذه المعاني الثلاثة.
أدلة توحيد الألوهية:
وهذه الألوهية تعني تفرد الرب بحق العبادة لا يشاركه في ذلك أحد، قال تعالى: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً) وقال: (وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه) وقال: (إن الحكم إلا لله أمر أن لا تعبدوا إلا إياه) وقال: (يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم) – إلى قوله: - (فلا تجعلوا لله أنداداً) وقال: (قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون) وقال: (قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دونه) وقال: (قل إنما أمرت أن أعبد الله ولا أشرك به، إليه أدعو وإليه مآب) وقال: (وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله) وقال: (واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه أن لا تعبدوا إلا الله) وقال الله عن الكفار أنهم قالوا: (أجئتنا لنعبد الله وحده) وهذا يدل على تفرد الله بحق العبادة، وأن دعوة الرسل كانت في هذا الباب أيضاً.
أدلة توحيد الأسماء والصفات:
أي: أن الله تعالى متفرد بأسمائه التي سمى بها نفسه، وصفاته التي وصف بها نفسه، لا يشاركه في ذلك أحد، قال تعالى: (ليس كمثله شيء) وقال: (ولم يكن له كفواً أحد) وقال: (فلا تجعلوا لله أنداداً) وقال: (فلا تضربوا لله الأمثال) وقال: (هل تعلم له سمياً).
أدلة المؤلف على هذا التقسيم:
1- وقد ساق المؤلف هنا آية واحدة للدلالة على ما ذكره، وعذره في ذلك أنه أراد الاختصار، والآية هي قوله تعالى: (رب السموات والأَرض وما بينهما، فاعبده واصطبر لعبادته، هل تعلم له سمياً). فقوله تعالى: (رب السموات والأرض وما بينهما) هذا توحيد الربوبية (فاعبده) والفاء سببية، وضابطها: أن ما قبلها سبب لما بعدها، أي: فكما أنه رب كل شيء، فليكن هو المعبود فاعبده (واصطبر لعبادته) وهذا توحيد الألوهية، وزيادة "الطاء" يدل على المبالغة في الصبر، لأن "الزيادة في المبنى، تدل على الزيادة في المعنى"، وقد ذكر ابن القيم في "عدة الصابرين" عن معنى الاصطبار: أنه يدل على الاكتساب والتعلم. (هل تعلم له سمياً) أي: هل تعلم له مثيلاً، وهذا توحيد للأسماء والصفات.
2- وهناك أدلة أخرى لم يذكرها المؤلف فمن ذلك: قوله تعالى: (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون).
قال ابن كثير في "تفسيره": (وقوله: "وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون" قال ابن عباس: من إيمانهم إذا قيل لهم: من خلق السموات ؟ ومن خلق الأرض ؟ ومن خلق الجبال ؟ قالوا: "الله"، وهم مشركون به، وكذا قال مجاهد، وعطاء وعكرمة، والشعبي، وقتادة، والضحاك، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم) أ.هـ
والشاهد من الآية أن الله ذكر عن المشركين أنه يؤمنون بجانب الربوبية، ويشركون بجانب الألوهية والعبادة.
3- قوله تعالى: (يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون).
قال ابن كثير في "تفسيره": (ومضمونه: أنه الخالق الرازق مالك الدار، وساكنيها، ورازقهم، فبهذا يستحق أن يعبد وحده ولا يُشْرَك به غَيره) أ.هـ أي: كما أنه هو خلق الخلق فهو المتفرد بحق العبادة، وهذه طريقة القرآن في الدعوة إلى توحيد الألوهية أنه يلزم الناس بإقرارهم بتوحيد الربوبية أن يفردوا الله بالعبادة.
4- قوله تعالى: (إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبداً).
فنحن نسأل هؤلاء المنكرين سؤالاً فنقول: كيف يكون جميع من في السموات والأرض عبداً لله وهناك من لم يعبد الله، وهناك من لم يركع لله ركعة واحدة، ولم يسجد له سجدة واحدة ؟!
والجواب: أن هذه العبودية عبودية الربوبية لا عبودية الألوهية، أي: أنه مفتقر إلى الله، لا يستغني عن ربه طرفة عين، فالله قائم على مصالح هذا العبد، وتدبير معايشه، فلا يرزقه شخص آخر، ولا يقوم عليه رب آخر، فلم يخرج عن ربوبية الله تعالى له، وإن خرج عن ألوهيته وطاعته.
قال شيخ الاسلام كما في "مجموع الفتاوى"(5/105): (فإن العبد تارة يعني به المعبّد فيعم الخلق، كما في قوله: "إن كل من في السموات والأرض إلا آتى الرحمن عبداً" وتارة يعني به العابد فيخص) أ.هـ ومن هنا نعلم أن جوانب التوحيد في حق الله متعددة، وليست واحدة.
الدليل الثاني: دلالة كلمة "لا إله إلا الله":
فكلمة التوحيد تدل على إفراد الله بالعبادة بدلالة المطابقة، لأن معنى "كلمة التوحيد": "لا إله إلا الله" هو إفراد الله بحق العبادة ونفي هذا الحق عن غيره، و"الإله" لا يكون مستحقاً لهذه العبادة إلا إذا كان رباً خالقاً مدبراً لمصالح عباده، فهذا توحيد الربوبية، وقد عرفناه بدلالة التضمن، والرب موصوف بصفات الكمال والجلال، وهذا توحيد للأسماء والصفات، وقد عرفناه بدلالة الالتزام.
الدليل الثالث: طريقة السلف، وتنصيص الأئمة:
أما السلف الصالح فكلهم مجمعون على هذا التفصيل، وللأئمة كلام نصوا على هذا التفصيل والتقسيم، ويكفي أن أذكر اثنين:
1- ما قاله الطحاوي في أول "عقيدته": (نقول في توحيد الله معتقدين بتوفيق الله: إن الله واحد لا شريك له، ولاشيء مثله، ولا شيء يعجزه، ولا إله غيره).
فقوله: (ولا شيء مثله) فيه الإشارة إلى توحيد الأسماء والصفات.
وقوله: (ولا شيء يعجزه) فيه إشارة إلى توحيد الربوبية.
وقوله: (ولا إله غيره) فيه إشارة إلى توحيد الألوهية.
وهذا التفصيل عليه أئمة الحنفية وهم: أبو حنيفة النعمان بن ثابت، ثم محمد بن الحسن، وأبو يوسف يعقوب بن إبراهيم، وقد أشار إلى ذلك الطحاوي في مقدمة "عقيدته".
2- ما قاله ابن بطة في "الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية":
(وذلك أن أصل الإيمان بالله الذي يجب على الخلق اعتقاده في إثبات الإيمان به ثلاثة أشياء:
أحدها: أن يعتقد العبد ربانيته ليكون بذلك مبايناً لمذهب أهل التعطيل الذين لا يثبتون صانعاً.
والثاني: أن يعتقد وحدانيته، ليكون مبايناً بذلك مذاهب أهل الشرك، الذين أقروا بالصانع وأشركوا معه في العبادة غيره.
والثالث: أن يعتقده موصوفاً بالصفات التي لا يجوز إلا أن يكون موصوفاً بها من العلم والقدرة والحكمة، وسائر ما وصف بها نفسه في كتابه.
إذ قد علمنا أن كثيراً ممن يقر به ويوحده بالقول المطلق قد يلحد في صفاته فيكون إلحاده قادحاً في توحيده، ولأنا نجد الله تعالى قد خاطب عباده بدعائهم إلى اعتقاد كل واحد من هذه الثلاث، والإيمان بها) أ.هـ
3- صنيع أهل العلم في كتبهم، ومن هؤلاء الإمام ابن منده وابن خزيمة، فمن تأمل كتابهما في "التوحيد" وتبويباتهما رأى ما ذكرناه من قبل.
وهناك دليل آخر فنقول:
1- إن المَلِك العظيم:
أ- إذا اتصف بأحسن الصفات والِخصال من العلم والقوة والحكمة ونحوها من الصفات.
ب- وقام بأعظم الأعمال والأفعال، فأحسن إلى رعيته واعتنى بهم، وقام على مصالحهم.
ج- ثم لقي من رعيته ما يستحقه من المحبة والإجلال والذكر الحسن، والسمع والطاعة والانقياد.
كان هذا دليلاً على تعدد هذه الجوانب في هذا الملك، ولا يقول العقلاء: إن هذا كله جانب واحد، فالشخص إذا كان يقر بمحاسن هذا الملك، وصفاته الكريمة، ونعوته العظيمة، ولكنه لا ينقاد له لسبب من الأسباب كأن يأنف ذلك، أو يرى أن غيره من الملوك أولى منه بهذا الملك، فهو مقر له بشيء دون الآخر.
فالجانب الأول: هو جانب صفاته، والجانب الثاني: هو جانب أفعاله تجاه رعيته، والجانب الثالث: هو جانب حقوقه على رعيته.
2- ثم دليل عقلي آخر على هذا التقسيم:
وهو أن من أقر بأن الله هو الخالق الرازق، وأنه صاحب الصفات العظيمة التي لا يشابهه فيها أحد، وأنه هو المستحق للعبادة، ليس كالذي ينكر الخالق أصلاً مثل الملاحدة، أو كالذي يقول: إن الله هو الخالق ولكنه يعبد غيره، أو كالذي يقول: إن الله هو الخالق، ويعبده الله وحده، ولكن يشبه صفات الله بصفات المخلوقين، فعرفنا بذلك أن الشرك قد تتعدد جوانبه.
3- من هؤلاء المنكرون؟ ولماذا ينكرون هذا التقسيم ؟!
وهنا سؤال يطرح نفسه وهو: هل هناك من ينكر هذا التقسيم ؟ ولماذا ؟
1- أما الطرف الأول من السؤال: هل هناك من ينكر هذا التقسيم؟
فالجواب: نعم، وهم عباد القبور، والمفتونون بأضرحة الأولياء والصالحين.
2- وأما الطرف الثاني: لماذا ينكرونه ؟ فالجواب أن يقال: إنما أنكروا ذلك لأن هذا التقسيم يكشف شركهم وما هم عليه من عبادة غير الله، ولذلك هم يغالطون غيرهم فيقولون: "كيف يكون من يستغيث بالصالحين مشركاً وهو يؤمن بالله رباً وخالقاً ؟!!".
فإذا عرف المسلم "أقسام التوحيد" المذكورة عرف أن القوم يوحدون في باب الربوبية بالجملة، ويشركون في العبادة، أي: كحال أبي جهل وأصحابه تماماً، بل الشرك عند المتأخرين في باب "الربوبية" أكثر من الشرك عند مشركي قريش وغيرهم، على أن توحيد الربوبية وحده لا ينفع صاحبه ولا يخرجه من الكفر إلى الإسلام، ولا يقيه من الخلود من النار، ولذلك يسميه بعض العلماء بتوحيد المشركين.
4- حقيقة دعوة الرسل عند القبوريين:
ومن هنا نسأل هؤلاء سؤالاً: إذا كنتم تنكرون أن المشركين كانوا موحدين بالجملة في باب "الربوبية" وإنما وقعوا في الشرك في باب "الألوهية"، وتنكرون أن الرسل جاءوا لتكميل "الربوبية" وتأصيل "الألوهية"، فماذا تعتقدون أنتم ؟! وما هي دعوة الرسل عندكم ؟!
قالوا: نعتقد أن المشركين من العرب وغيرهم، كانوا لا يؤمنون بالله أصلاً، ولا يقرون بوجوده، وإنما جاءت الرسل أصلاً لدعوة الأمم لهذا الأصل العظيم، وهو الإيمان بالله أولاً.
والجواب عن هذا أن يقال: أولاً: هذا قول لا دليل عليه، ولن يستطيع هؤلاء أن يقيموا برهاناً واحداً على دعواهم هذه، وهذا الوجه وحده كاف في نقض دعواهم.
ثانياً: هذا مناقض تماماً للمعلوم من حياة الناس في عهده وقبل وبعد عهده صلى الله عليه وسلم:
1- فهل كان مشركو "مكة" كأبي جهل وغيره، ومشركو سائر قبائل العرب ينكرون وجود الرب، وهم يعرفون إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وأنه مرسل من ربه، ويعظمون البيت الحرام، ويعلمون أن لهذا البيت رباً يحميه كما قال عبد المطلب لأبرهة، وهم يحجون هذا البيت ويكرمون من يأتيه من الحجاج، ويخافون اليمين الغموس، ويخافون دعوة المظلوم ولاسيما عند البيت الحرام.
ومشركو العرب كانوا يعرفون أنواعاً من العبادات يتقربون بها إلى الله، فقد قال حكيم بن حزام لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "أرأيت أمورا كنت أتحنث [أي: أتعبد] بها في الجاهلية هل لي فيها من شيء ؟ [أي: من الأجور والثواب] فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أسلمت على ما أسلفت من خير" وهو متفق عليه.
ومن ذلك النذر، ألم يقل عمر: "إني نذرت في الجاهلية أن اعتكف ليلة في المسجد الحرام" فقال رسول الله عليه وسلم: "أوف بنذرك" والحديث متفق عليه.
ومن ذلك الصيام، قالت عائشة رضي الله عنها: "كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية" والحديث متفق عليه، وغير ذلك من الدلائل التي تدل على أن المشركين كانوا يعرفون الله في الجاهلية، وهذا أشهر من أن يستدل له، وإنما كانوا يعبدون الأوثان لأنهم يعتقدونها رجالاً صالحين يشفعون لهم عند الله كما ذكر ذلك ربنا في كتابه الكريم، لكنهم (إذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين) وتركوا ما هم عليه من الشرك، فهل هذه أفعال المنكرين لوجود الرب ؟!
2- اليهود الذين كانوا مجاورين للمؤمنين في خيبر هل كانوا ينكرون وجود الرب، وقد كانوا يتنبئون بخروج نبي يرسله الله، ويعتقدون أنهم شعب الله المختار ؟!
3- وهل النـزاع مع النصارى في عهده صلى الله عليه وسلم وبعد عهده، من نصارى نجران وغيرهم، هل كان الخلاف معهم في هذا الأمر وهم يعتقدون أن الإنجيل لا زال كتاب الله المقدس ؟!
والخلاصة: إن هذا الذي يقوله القبوريون شيء يكذبه النقل، والعقل، والمعلوم من سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وحياة الناس قديماً وحديثاً !!


الفصل الثاني: تفسير آية الكرسي:


1- فضل آية الكرسي:
جاء في فضلها:
1- أنها أعظم آية في القرآن كما في "صحيح مسلم" عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟" قال: قلت الله ورسوله أعلم. قال: "يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم ؟" قال: قلت: "الله لا إله إلا هو الحي القيوم"، قال فضرب في صدري وقال: "والله ليهنك العلم أبا المنذر".
وسيأتي معنا سبب تفاضل القرآن فيما بينه إن شاء الله.
2- وأن من قرأها في ليلته أمسى عليه ملك يحرسه، كما في "صحيح البخاري" عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: "وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام فأخذته وقلت: والله لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال إني محتاج وعلي عيال، ولي حاجة شديدة، قال: فخليت عنه فأصبحت فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة" قال: قلت: يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالاً فرحمته، فخليت سبيله، قال: "أما إنه قد كذبك وسيعود" فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه سيعود، فرصدته فجاء يحثو من الطعام فأخذته فقلت لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: دعني فإني محتاج وعلي عيال، لا أعود، فرحمته فخليت سبيله فأصبحت، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا هريرة ما فعل أسيرك ؟" قلت: يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالاً، فرحمته فخليت سبيله، قال: "أما إنه قد كذبك وسيعود" فرصدته الثالثة فجاء يحثو من الطعام، فأخذته فقلت لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا آخر ثلاث مرات، إنك تزعم لا تعود ثم تعود، قال: دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها، قلت: ما هو؟ قال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي (الله لا إله إلا هو الحي القيوم) حتى تختم الآية، فإنك لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربنك شيطان حتى تصبح، فخليت سبيله فأصبحت، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما فعل أسيرك البارحة" قلت يا رسول الله زعم أنه يعلمني كلمات، ينفعني الله بها، فخليت سبيله، قال: "ما هي؟" قلت: قال لي إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم "الله لا إله إلا هو الحي القيوم" وقال لي: لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح، وكانوا أحرص شيء على الخير، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أما إنه قد صدقك وهو كذوب، تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال يا أبا هريرة" قال: لا، قال: "ذاك شيطان".
3- وأن من قرأها دبر كل صلاة لم يبق بينه وبين الجنة إلا الموت كما أخرجه ابن السني في"عمل اليوم والليلة" وغيره بلفظ: "من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة لم يبق بينه و بين دخول الجنة إلا الموت"، وقد أورده العلامة الألباني في "الصحيحة"برقم (972)، ومن أخذ بتحسينه فلا بأس عليه، فإنه رحمه الله إمام هذا العصر في هذا الفن، وإن كان هذا الحديث لا يرتقي إلى درجة الحسن فيما يظهر من طرقه، فإن في طرقه ضعفاً شديداً، والله أعلم.
2- بيان معاني هذه الآية:
وبما أن هذه الآية تتكلم عن صفات الرب عز وجل فقد أوردها المؤلف في هذا الموضع، ونحن سنوردها مفسرة إن شاء الله:
قال المؤلف رحمه الله: (ونؤمن بأنه) سبحانه هو (الله لا إله) أي لا معبود بحق (إلا هو) وحده، وما عداه من المعبودات عبادتها باطلة فهذا فيه توحيد الألوهية.(الحي) الذي له الحياة الكاملة التي لم يسبقها عدم، ولن يلحقها فناء ولم يعترضها نقص، وإلى هذا الاسم ترجع أغلب الصفات من مثل السمع والبصر والكلام، والقدرة والقوة، والرضى والغضب، والضحك والفرح، والمحبة والكره، ونحو ذلك، فإن هذه الصفات كلها من تمام الحياة وكمالها، وهذا فيه الإشارة إلى توحيد الأسماء والصفات.(القيوم) أي القائم على نفسه بنفسه، والقائم على غيره، والقيوم يدل على المبالغة وإلى هذا الاسم ترجع أفعال الربوبية مثل الخلق والرَزق والإحياء والإماتة، ذلك لأن هذه المعاني العظيمة ترجع إلى معنى صفة "القيومية"، وهذا فيه الإشارة إلى توحيد الربوبية.
والاسم الواحد من أسماء الله في غاية الحُسن، فإذا أضيف اسم إلى اسم ازداد حسناً فوق حسنه، وقد قال: ابن القيم "أسماء الله في غاية الحسن، فإذا اجتمعت بعضها ببعض ازدادت حسنا فوق حسنها".
قال الشيخ ابن سعدي في "الحق الواضح المبين":
(هذا تفسير (الحي القيوم) وجمعهما في غاية المناسبة، كما جمعهما الله في عدة مواضع من كتابه ... وذلك أنهما محتويان على جميع صفات الكمال) أ.هـ
ولابن القيم كلام نحو هذا في "إغاثة اللهفان"(2/599) نقله عن أفلاطون مقراً له، وقد قال ابن القيم في "النونية":
ولأجل ذا جــاء الحديـث بأنـه في آية الكرسي وذي عمـران
اسم الإله الأعظم اشتملا على اسْـ ـم الحي والقيـوم مقتـرنان
فالكل مرجعها إلى الاسمين يـــد ري ذاك ذو بصر بهذا الشـان
ومن صفات الحي القيوم أنه (لا تأخذه) أي: لا تغلبه (سِنة) أي نعاس، وسببه كما قال شيخ الاسلام: (والنعاس ينـزل في الرأس، بسبب نزول الأبخرة التي تدخل في الدماغ، فتنعقد فيحصل منها النعاس). "مجموع الفتاوى"(12/250)، (ولا نوم) أي: لا النوم ولا مقدماته، لأن النوم أخو الموت وفي الحديث: (النوم أخو الموت ولا ينام أهل الجنة) رواه البيهقي في"الشعب" عن جابر، وقد أورده العلامة الألباني في "الصحيحة" (1087)، ولأن النائم يستريح بنومه من تعب مضى ليستقبل حياته بنشاط، والله منـزه عن ذلك لكمال قوته كما قال تعالى: (ولقد خلقنا السمواتِ والأرضَ وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لُغوب) أي: تعب، و"لغوب" هنا نكرة في سياق النفي فتفيد العموم.
وهناك كلام طويل في الفرق بين النوم والنعاس، والخلاصة ما قاله الشوكاني في "تفسيره" عند آية الكرسي:
(والذي ينبغي التعويل عليه في الفرق بين السنة والنوم، أن السِّنة لا يفقد معها العقل، بخلاف النوم، فإنه استرخاء أعضاء الدماغ من رطوبات الأبخرة حتى يفقد معه العقل، بل وجميع الإدراكات بسائر المشاعر) أ.هـ
(له) وحده لا شريك له (ما في السموات وما في الأرض) أي: خلقاً وملكاً وعبيداً، وفي الآية إفراد الله بالملك والخلق، ووجه الإفراد تقديم ما حقه التأخير وهو الجار والمجرور.
وفي هذا الموضع من الآية دليل على شمول ملك الله للعالم العُلوي والعالم السُفلي.
(من ذا) أي: من هذا، و"ذا" اسم إشارة، من هذا (الذي يشفع عنده إلا بإذنه) والشفاعة: توسط الشخص لغيره عند آخر لجلب خير له، أو دفع مضرة عنه.
فهذه الشفاعة لا تقع إلا بعد توفر ثلاثة شروط:
الأول: رضا الله عن الشافع.
الثاني: رضاه سبحانه عن المشفوع له.
الثالث: الإذن بالشفاعة.
والآية إنما ذكرت الإذن فقط لأنه أعظم الشروط، وكل الشروط ترجع إلى هذا الشرط، وبقية الشروط مذكورة في مواضع أخرى، كما قال تعالى: (وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئاً إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى) وقال تعالى: (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون) وقال تعالى: (يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أَذن له الرحمن ورضي له قولاً).
وقوله: (من ذا الذي يشفع عنده) استفهام بمعنى النفي، أي: لا أحد يشفع عنده إلا بإذنه (يعلم) سبحانه (ما بين أيديهم) والمراد أمامهم، أي: الأمور المستقبلة (و) يعلم (ما خلفهم) والمراد وراءهم، أي: الأمور الماضية، وقيل: عكس ذلك.(ولا يحيطون بشيء من علمه) أي: ولا يطّلعون على شيء من علمه، وهناك قولان في تفسير "العلم" نقلهما ابن كثير في "تفسيره":
الأول: علمه هنا هو معلوماته.
الثاني: علمه هنا علم ذاته وصفاته، وهذا هو الأقرب إلى الصواب، لأن الآية سيقت مساق بيان الصفات، وبيان أن العباد لا يحيطون به علماً إلا بما شاء، وهذا من كمال صفاته، والآية لم تسق مساق بيان النعم، وقد ذكر بعض العلماء أن هذا هو تفسير أهل السنة، وأما ابن كثير فقد أورد القولين.
(إلا بما شاء) أي: إلا بما شاء أن يطلعهم عليه (وسع) أي: أحاط (كرسيه) أي: "موضع القدمين من العرش" كما ورد عن ابن عباس وأبي موسى الأشعري بسند صحيح، صححه الألباني في "العلو" (ص102،123،124/ مختصره) موقوفاً عليهما ولا يعرف لهما مخالف، وعبر بعضهم عن ذلك بقوله: "هو كالمرقاة بين يدي العرش".
وتفسير الكرسي بأنه علم الله، أو أنه العرش يعتبر من الخطأ، ولا يصح أن صحابياً قال بهذا، وممن رجح ما ذكرناه شيخ الإسلام وابن كثير والشوكاني وغيرهما.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" (6/584-585):
(وقد نقل عن بعضهم أن كرسيه "علمه" وهو قول ضعيف، فإن علم الله وسع كل شيء كما قال ربنا: "وسعت كل شيء رحمة وعلماً".
والله يعلم نفسه ويعلم ما كان وما لم يكن، فلو قيل: وسع علمه السموات والأرض لم يكن هذا المعنى مناسباً، لاسيما وقد قال تعالى: (ولا يؤوده حفظهما) أي: لا يثقله ولا يكرثه، وهذا يناسب القدرة لا العلم والآثار المأثورة تقتضي ذلك لكن الآيات والأحاديث في العرش أكثر من ذلك صريحة متواترة.
وقد قال بعضهم: إن الكرسي هو العرش لكن الأكثرون على أنهما شيئان) أ.هـ
قال ابن كثير في "تفسيره":
(والصحيح أن الكرسي غير العرش، والعرش أكبر منه كما دلت على ذلك الآثار والأخبار) أ.هـ
أقول: من أدلة التفريق بين الكرسي والعرش حديث أبي ذر عند ابن جرير والبيهقي أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكرسي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده ما السموات السبع عند الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وإن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة".
وقد صححه العلامة الألباني في الصحيحة" برقم (109) وقال هناك:
(وجملة القول: أن الحديث بهذه الطرق صحيح، ... والحديث خرج مخرج التفسير لقوله تعالى: (وسع كرسيه السموات والأرض) وهو صريح في كون الكرسي أعظم المخلوقات بعد العرش، وأنه جُرم قائم بنفسه وليس شيئا معنوياً، ففيه رد على من يتأوله بمعنى الملك وسعة السلطان، كما جاء في بعض التفاسير.
و ما روي عن ابن عباس أنه العلم، فلا يصح إسناده إليه لأنه من رواية جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عنه، رواه ابن جرير.
قال ابن منده: ابن أبي المغيرة ليس بالقوي في ابن جبير.
واعلم أنه لا يصح في صفة الكرسي غير هذا الحديث، كما في بعض الروايات، أنه موضع القدمين، وأن له أطيطاً كأطيط الرحل الجديد، و أنه يحمله أربعة أملاك، لكل ملك أربعة وجوه، و أقدامهم في الصخرة التي تحت الأرض السابعة .. إلخ فهذا كله لا يصــح مرفوعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبعضه أشد ضعفاً من بعض) أ.هـ
وفي هذا الموضع من الآية دليل على أن العالم العُلوي أعظم من السفلي، فإذا كان الكرسي قد وسع (السموات والأرض) وما بينهما وما فيهما فكيف بالعرش ؟!!
(ولا يئوده) أي: يثقله (حفظهما) أي: حفظ السموات والأرض (وهو) سبحانه (العلي) أي: ذو العلو المطلق بأنواعه: وهو يرجع إلى قسمين:
الأول: علو الذات.
والثاني: علو الصفات.
(العظيم) أي: ذو العظمة التي لا منتهى لها.
3- الفوائد المأخوذة من هذه الآية العظيمة:
وقد دلت هذه الآية العظيمة على أمور كثيرة وفوائد غزيرة، منها:
1- في هذه الآية إثبات أنواع التوحيد الثلاثة، فقوله: (لا إله إلا هو) فيه إثبات لتفرده بحق العبادة، وإبطال عبودية ما سوى الله من المعبودات، وقوله: (الحي) فيه إثبات جميع معاني الحياة الكاملة من السمع والبصر، والقدرة والإرادة وغير ذلك من الصفات اللائقة به سبحانه، وقوله: (القيوم) تدخل فيه جميع صفات الأفعال، لأن القيوم هو الذي قام بنفسه واستغنى عن جميع مخلوقاته، وافتقرت مخلوقاته إليه فلا تستغني عنه طرفة عين.
2- إثبات ألوهية الله تعالى وانفراده بذلك، وبطلان ألوهية ما سواه.
3- إثبات صفة الحياة له سبحانه، وهذه الحياة حياة تامة.
4- إثبات بعض أسماء الله وهما (الحي القيوم) و (العلي العظيم).
5- كمال قيامه على الخلائق وافتقارها إليه.
6- كمال قوته وقدرته وعلمه لأنه نزه نفسه عن صفات النقص كالسنة والنوم والعجز والفقر ونحو ذلك.
7- سعة ملكه سبحانه، وتفرده بذلك الملك.
8- كمال عظمته وسلطانه، وذلك بنفي الشفاعة حتى تكون بعد إذنه ورضاه.
9- فيه الرد على المشركين الذين يزعمون أن الأصنام أو الأولياء يشفعون لهم عند الله.
10- إحاطة علم الله بكل شيء، وعلمه سبحانه محيط بماضي الخلائق ومستقبلها، مع شمول علمه وإطلاعه على الغيوب، وفي ذلك إشارة إلى أنه لا ينسى ولا يغفل ولا يحدث له علم جديد لم يكن يعلمه، وهناك آيات كثيرات في هذا الباب تدل على ما ذكرنا، فمن ذلك قوله تعالى: (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين) وقال تعالى: (يعلم ما يلج فِي الأرْض وما يخرج منها وما ينـزل من السماء وما يعرج فيها وهو الرّحيم الغفور) وقال تعالى: (إليه يردّ علم السّاعة وما تخرج من ثمرات من أَكمامها وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه) وقال تعالى: (وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، ولا أصغر من ذلك ولا أَكبر إلا في كتَاب مبين) وغير ذلك من الآيات.
11- فيه الرد على القدرية والرافضة ونحوهم ممن يزعمون أن الله لا يعلم الجزئيات، وإنما يعلم الكليات.
12- فيه اختصاصه بتعليم عباده، فهم لا يعلمون شيئاً – ولاسيما ما كان من أسماءه وصفاته - إلا بما علمهم الله إياه، كما في الآية الأخرى: (ويعلمكم الله) وقال: (علم الإنسان ما لم يعلم) وقال: (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً).
13- فيه إثبات صفة الكرسي للعرش، وهي الآية الوحيدة المثبتة للكرسي.
14- عظم المخلوقات العلوية، فإذا كان الكرسي بهذا الوصف المذكور فكيف بالعرش ؟
15- فيه إثبات صفة المشيئة لله.
16- وإثبات صفة الكلام.
17- في الآية إثبات العلو على الخلائق، وهو علو بذاته وصفاته.


الفصل الثالث: تفسير أواخر سورة الحشــر:

1- بيان معاني الآيات:
(ونؤمن بأنه) سبحانه (هو الذي لا إله) أي: لا معبود حق (إلا هو عالم الغيب والشهادة) والغيب: هو كل ما غاب عنك كما في "المختار"، أو خفي عن الحواس كما في "الترجمان"، والشهادة: هي المعاينة، وليس هناك شيء في حق الله من الغيب الذي يغيب عنه، وكل الأشياء مشاهدة يراها الرب تبارك وتعالى، ولكن المقصود أن الله يعلم كل الأشياء سواء كانت هي بالنسبة لكم من الغيب، أو هي بالنسبة لكم من الشهادة.
والغيب نوعان:
الأول: غيب مطلق، فهذا تفرد به الرب جل وعلا لا يشاركه فيه أحد من الملائكة ولا الرسل ولا بني آدم ولا الجن، فهذا من ادعاه فهو كافر.
الثاني: غيب نسبي وهو الشيء الذي يغيب عن بعض الناس ويطلع عليه آخرون، فهذا يعلمه كل من لم يكن في حقه من الغيب.
(هو الرحمن الرحيم) تقدم الكلام على هذين الإسمين في بداية هذا "الشرح".
(هو الله الذي لا إله إلا هو الملك) بفتح الميم وكسر اللام، أي: ذو الملك، وهو ملك مطلق، واسع لكل الأشياء، وشامل لكل زمان ومكان فهو ملك أزلي سرمدي.
(القدّوس): بضم القاف وتشديد الدال المهملة، وله معنيان: الأول: المنـزه عن كل عيب وننقص. الثاني: المعظم والممجد من قبل عبيده، قالت الملائكة: (ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك). (السلام): السالم من كل نقص وعيب لكماله في ذاته وصفاته.
(المؤمن): ويحمل معنيين: الأول: الذي أمّن عذابه من لا يستحق من العباد. الثاني: المصدق لرسله بالآيات والمعجزات.
(المهيمن): المطلع على عباده والرقيب عليهم والشهيد على أعمالهم. (العزيز): ذو العزة، والغالب الذي لا يغلبه شيء (الجبار): يحمل ثلاثة معاني: الأول: الذي يجبر خلقه ويقهرهم على ما يريد. والثاني: الذي يجبر الكسر ويغني من الفقر. الثالث: العظيم. (المتكبر): ذو الكبر والعظمة المنزه عما لا يليق به.
وقال الشوكاني في "فتح القدير": (وأصل التكبر: الامتناع وعدم الانقياد ....
والكبر في صفات الله مدح، وفي صفات المخلوقين ذمّ).
(سبحان الله) مصدر منصوب، والعامل فيه فعل محذوف تقديره "أسبح سبحان الله"، وهو تنـزيه لله عما لا يليق به.
(عما يشركون): يحتمل أمرين: أن تكون "ما" مصدرية، فيكون المعنى [عن شركهم]. فالمعنى تنـزيه الله عن الشرك، ويحتمل أن تكون "ما" موصولة، فيكون المعنى [عن الذي يشركونه]، والمعنى تنـزيه الله عن الشريك.
(هو الله الخالق): وهو الموجد للشيء من العدم، (البارئ): وهو مظهر الأشياء إلى الوجود، (المصور): الذي خص كل مخلوق بما يميزه عن الآخر.
وكلام أهل "التفسير" وشراح "الأسماء الحسنى" كثير في الفرق بين هذه الأسماء الثلاثة، ولولا الإطالة لنقلناه برمته، وما ذكرناه هو الخلاصة.
(له) وحده (الأسماء الحسنى)، وإنما قلنا "وحده" لأن تقديم الجار والمجرور يدل على الإفراد، والحسنى مؤنث الأحسن، وفي الآية تفرده وحده بهذه الأسماء، وهي كثيرة لا يعلم قدرها ولا عددها إلا الله، كما يدل عليه حديث ابن مسعود عند الحاكم في "المستدرك" وغيره، وفيه: (أو استأثرت به في علم الغيب عندك)، وهناك أدلة أخرى تدل على أن أسماء الله لا يعلم عددها إلا الله، وتقدير الأسماء بتسعة وتسعين قول شاذ مخالف للنصوص وإجماع أهل العلم.
قال ابن القيم في "بدائع الفوائد":
(الأسماء الحسنى لا تدخل تحت حصر، ولا تُحد بعدد، فإن لله تعالى أسماء وصفات استأثر بها في علم الغيب عنده لا يعلمها ملك مقرب، ولا نبي مرسل، كما في الحديث الصحيح: "أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك).
وأما قول شيخ الاسلام كما في "مجموع الفتاوى"(6/381): (فإن الذي عليه جماهير المسلمين أن أسماء الله أكثر من تسعة وتسعين) فهذا عند المتأخرين.
(يسبح له ما في السموات والأرض): أي: تنـزهه السموات والأرض وما بينهما وما فيهما.
قال ابن كثير:
(وقوله: (يسبح له ما في السموات والأرض) كقوله: (تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن، وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليماً غفوراً).
وقال: (أي: لا تفقهون تسبيحهم أيها الناس لأنها بخلاف لغتكم، وهذا عام في الحيوانات والنبات والجماد، وهذا أشهر القولين كما ثبت في صحيح البخاري عن ابن مسعود أنه قال: "كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يُؤكل"، وفي حديث أبي ذر: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ في يده حصيات، فسمع لهن تسبيح كحنين النحل، وكذا يد أبي بكر وعمر وعثمان، رضي الله عنهم أجمعين، وهو حديث مشهور في المسانيد) أ.هـ
وظاهر الآيات أن كل شيء يسبح لله، سواء كان جماداً أو ذا روح، وقال آخرون: لا يسبح إلا ما كان ذا روح فقط، والقول الأول هو الصحيح في المسألة وهو اختيار ابن كثير كما رأيت.
(وهو العزيز) تقدم معناه (الحكيم) يشمل معنيين: الأول: أنه ذو الحكم فله الحكم وحده كما قال تعالى: (إن الحكم إلا لله)، والمعنى الآخر: ذو الحكمة.
2- مسألة الاســم والمســمى:
وهذه المسألة هي: هل أسماء الله هي عين المسمى، أم هي غيره ؟!
في المسألة خمسة أقوال:
1- قيل: إنها عين المسمى: وهذا قول جماعة من أهل السنة، منهم الشافعي، وأبو عبيد القاسم بن سلام، واللالكائي في "أصول الاعتقاد"(1/188) والبغوي في "شرح السنة"(5/29) وغيرهم، وهو أحد قولي أصحاب الأشعري، اختاره ابن فورك وتلميذه البيهقي.
قال شيخ الإسلام: إن هؤلاء الذين قالوا: إن الإسم هو المسمى لم يهتدوا إلى الصواب.
2- وقيل: إنها غير المسمى وهذا قول الجهمية والمعتزلة، وتابعهم في ذلك جماعة من الأشاعرة كالغزالي والرازي وغيرهما، وقد بنى الجهمية قولهم هذا على أن أسماء الله مخلوقة، وما دامت كذلك فهي غير الخالق، وهؤلاء الذين ذمهم السلف كما يقول شيخ الإسلام، وهذا القول وقع فيه ابن حزم في "الفصل في الملل والنحل" (3/170-179) وشنع على أهل القول الأول، لكن لم يبلغ به هذا القول أن يوافق المعطلة في أن أسماء الله مخلوقة.
3- الإمساك عن القول في هذه المسألة نفياً وإثباتاً، فلا يقولون: هو المسمى ولا غيره، ويرون في نظرهم أن الإطلاق بدعة.
4- أن الأسماء ثلاثة أقسام: تارة يكون الاسم هو المسمى كاسم الموجود، وتارة يكون غير المسمى كاسم الخالق، و تارة لا يكون هو ولا غيره كاسم العليم والقدير، وهو المشهور عن أبي الحسن الأشعري.
5- قيل: إن الاسم للمسمى، وأسماء الله تعالى هي لله تعالى، فليست هي عينه ولا هي غيره، وهذا هو الصحيح في هذه المسألة، وهذا قول جمهور أهل السنة، واختيار شيخ الاسلام ابن تيمية، وتلميذه العلامة ابن القيم.
ولكن إذا قيل: هل هو المسمى أم غيره قالوا: بالتفصيل في المسألة.
أ- قال شيخ الاسلام كما في "مجموع الفتاوى":
1- (وأما الذين يقولون إن الاسم للمسمى كما يقوله أكثر أهل السنة فهؤلاء وافقوا الكتاب والسنة والمعقول.
قال الله تعالى: (ولله الأسماء الحسنى) وقال: (أياً ما تدعوا فله الأسماء الحسنى).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن لله تسعة وتسعين اسماً" وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن لي خمسة أسماء: أنا محمد وأحمد والماحي والحاشر والعاقب" وكلاهما في الصحيحين.
وإذا قيل لهم: أهو المسمى أم غيره ؟
فصلوا فقالوا: ليس هو نفس المسمى، ولكن يراد به المسمى وإذا قيل: إنه غيره - بمعنى أنه يجب أن يكون مبايناً له - فهذا باطل، فان المخلوق قد يتكلم بأسماء نفسه فلا تكون بائنة عنه فكيف بالخالق ؟ وأسماؤه من كلامه وليس كلامه بائنا عنه) أ.هـ
2- وقال: (فصل في الاسم والمسمى: هل هو هو، أو غيره أو لا يقال: هو هو، ولا يقال: هو غيره أو هو له، أو يفصل في ذلك ؟ فان الناس قد تنازعوا في ذلك، والنـزاع اشتهر في ذلك بعد الأئمة بعد أحمد وغيره والذي كان معروفاً عند أئمة السنة أحمد وغيره الإنكار على الجهمية الذين يقولون أسماء الله مخلوقة، فيقولون: الاسم غير المسمى وأسماء الله غيره وما كان غيره فهو مخلوق، وهؤلاء هم الذين ذمهم السلف وغلظوا فيهم القول لأن أسماء الله من كلامه وكلام الله غير مخلوق).
3- وقال: (والمقصود هنا أن المعروف عن أئمة السنة إنكارهم على من قال: أسماء الله مخلوقة وكان الذين يطلقون القول بأن الاسم غير المسمى هذا مرادهم، فلهذا يروى عن الشافعي والأصمعي وغيرهما أنهم قالوا: إذا سمعت الرجل يقول الاسم غير المسمى فاشهد عليه بالزندقة، ولم يعرف أيضا عن أحد من السلف أنه قال: الاسم هو المسمى بل هذا قاله كثير من المنتسبين إلى السنة بعد الأئمة وأنكره أكثر أهل السنة عليهم). انظر"مجموع الفتاوى": (6/185-212).
ب- وقال تلميذه العلامة ابن القيم في "بدائع الفوائد":
1- (وإذا كان القرآن كلامه وهو صفة من صفاته فهو متضمن لأسمائه الحسنى فإذا كان القرآن غير مخلوق ولا يقال: إنه غير الله فكيف يقال إن بعض ما تضمنه وهو أسماؤه مخلوقة وهي غيره ؟
فقد حصحص الحق بحمد الله وانحسم الإشكال، وأن أسماءه الحسنى التي في القرآن من كلامه، وكلامه غير مخلوق، ولا يقال: هو غيره، ولا هو هو.
وهذا المذهب مخالف لمذهب المعتزلة الذين يقولون: أسماؤه تعالى غيره وهي مخلوقة، ولمذهب من رد عليهم ممن يقول: اسمه نفس ذاته لا غيره، وبالتفصيل تزول الشبه ويتبين الصواب والحمد لله) أ.هـ.
2- وقال رحمه الله: (وعبر لي شيخنا أبو العباس ابن تيمية قدس الله روحه عن هذا المعنى بعبارة لطيفة وجيزة فقال: المعنى سَبِّحْ ناطقاً باسم ربك متكلماً به وكذا سبح اسم ربك المعنى سبح ربك ذاكراً اسمه، وهذه الفائدة تساوي رحلة لكن لمن يعرف قدرها فالحمد لله المنان بفضله ونسأله تمام نعمته). انظر: "البدائع" (1/16-22):
ج- قال ابن أبي العز في "شرح الطحاوية": (الاسم يراد به المسمى تارة، وتارة يراد به اللفظ الدال عليه، فإذا قلت: قال الله كذا أو سمع الله لمن حمده ونحو ذلك، فهذا المراد به المسمى نفسه، وإذا قلت: الله اسم عربي، والرحمن اسم عربي، والرحيم من أسماء الله ونحو ذلك، فالاسم هنا هو المراد لا المسمى، ولا يقال غيره، لما في لفظ الغير من الإجمال، فإن أريد بالمغايرة أن اللفظ غير المعنى فحق، وإن أريد إن الله سبحانه كان ولا إسم له حتى خلق لنفسه أسماء، أو حتى سماه خلقه بأسماء من صنعهم، فهذا من أعظم الضلال، والإلحاد في أسماء الله تعالى) أ.هـ مختصراً.
د- وقال المؤلف وهو الشيخ العثيمين: (إن أريد بالاسم اللفظ الدال على المسمى فهو غير الله، وإن أريد بالاسم مدلول ذلك اللفظ فهو المسمى) أ.هـ "القول المفيد" (2/295).
تنبيه: قوله: (غير الله) لا يدل على أنه مخلوق.
ومقصد الجميع صحيح إلا الجهمية، قال شيخ الاسلام كما في "مجموع الفتاوى"(12/170):
(وأصل مقصود الطوائف كلها صحيح، إلا من توسل منهم بقوله إلى قول باطل، مثل قول الجهمية: إن الاسم غير المسمى، فإنهم توسلوا بذلك إلى أن يقولوا أسماء الله غيره، ثم قالوا: وما كان غير الله فهو مخلوق بائن عنه، فلا يكون الله تعالى سمى نفسه باسم، ولا تكلم باسم من أسمائه، ولا يكون له كلام تكلم به، بل لا يكون كلامه إلا ما كان مخلوقاً بائنا عنه.
فهؤلاء لما علم السلف أن مقصودهم باطل أنكروا إطلاقهم القول بأن كلام الله غير الله وإن علم الله غير الله وأمثال ذلك) أ.هـ
فائدة: أبو بكر ابن فورك الذي تقدم ذكره من أهل القول الأول، قال عنه الذهبي في "سير أعلام النبلاء"(17/216): (كان أشعرياً، رأساً في فن الكلام) أ.هـ وهو أحد مشايخ البيهقي الذين أثروا عليه كثيراً في حياته العلمية، فتلميذه البيهقي تأثر به كثيراً، ولاسيما في تأويل "الصفات" وآراء أخرى.
الفصل الرابع: تفســير آيـتي الشـورى:
1- بيان معنى الآية:
(ونؤمن بأن له) وحده (ملك السموات والأرض) وقدم المؤلف الجار والمجرور تبعاً للآية، وتقديمهما يفيد الحصر.(يخلق ما يشاء) و(ما) هنا موصولة بمعنى الذي يشاؤه، وليست (ما) مصدرية، وإلا لكان المعنى: "يخلق مشيئته" وهذا باطل، و (ما) لغير العاقل مع أن المخلوقات متنوعة من العقلاء وغيرهم لأن المخلوقات غير العاقلة أكثر.
(يهب) أي: يعطي بلا عوض أو مقابل (لمن يشاء إناثاً) قدمها على الذكور لأن الإناث محتقرات في الجاهلية.
قال ابن القيم في "تحفة الودود": (وبدأ سبحانه بذكر الإناث فقيل: جبراً لهن لأجل استثقال الوالدين لمكانهن، وقيل: - وهو أحسن - إنما قدمهن لأن سياق الكلام أنه فاعل ما يشاء لا ما يشاء الأبوان، فإن الأبوين لا يريدان إلا الذكور غالباً، وهو سبحانه قد أخبر أنه يخلق ما يشاء فبدأ بذكر الصنف الذي يشاء ولا يريده الأبوان).
قال ابن القيم: (وعندي وجه آخر: وهو أنه سبحانه قدم ما كانت تؤخره الجاهلية من أمر البنات حتى كانوا يئدوهن، أي: هذا النوع المؤخر عندكم مقدم عندي في الذكر) أ.هـ
(ويهب لمن يشاء الذكور) عرف الذكور هنا لفضلهم على الإناث (أو يزوجهم) أي: يجمعهم (ذكراناً وإناثاً) لشخص واحد (ويجعل من يشاء عقيماً) أي: "لا يلد" وهذا في الأنثى، و"لا يولد له" وهذا في الذكر (إنه عليم) بما يفعل، وبما يصلح لكل واحد وما يستحقه، وهو على ذلك (قدير)، وفي هاتين الآيتين أن الناس باعتبار الولد أربعة أقسام:
1- من له إناث فقط. 2- من له ذكور فقط.
3- من له ذكور وإناث. 4- من ليس له شيء.
والناس باعتبار الأب كذلك أربعة أقسام:
1- مخلوق بدون ذكر ولا أنثى، وهو آدم. 2- مخلوق من ذكر بدون أنثى وهي حواء.
3- مخلوق من أنثى بدون ذكر وهو عيسى. 4 - مخلوق من أبوين وهم سائـر الناس.
ذكر هاتين الفائدتين ابن كثير في "تفسيره" عند الآيتين السابقتين، وأشار ابن القيم في "تحفة الودود" إلى التقسيم الأول.
قال شيخ الاسلام ابن تيمية في"الجواب الصحيح"(4/53):
(فإنه سبحانه خلق هذا النوع البشري على الأقسام الممكنة ليبين عموم قدرته، فخلق آدم من غير ذكر ولا أنثى، وخلق زوجته حواء من ذكر بلا أنثى، كما قال تعالى: "وخلق منها زوجها" وخلق المسيح من أنثى بلا ذكر، وخلق سائر الخلق من ذكر وأنثى).
2- فوائد الآيتين السابقتين:
ومن فوائد الآيتين السابقتين:
1- أن الأولاد نعمة عظيمة، إذ هم هبة من الله تعالى.
2- وأن الذي يهب الأولاد هو الله، فلا يهبها رسول ولا نبي ولا ملك ولا رجل صالح ولا جني ولا غير ذلك، وهذا فيه أن الذهاب إلى الكهنة لا يفيد شيئاً، بل يضر المرء في دينه، لأن هبة الولد بيده سبحانه، فالمسلم إذا اشتكى العُقـم فعليه أن يتوجه إلى الله كما قال تعالى: (وزكريا إذ نادى ربّه رب لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثِين0 فاستجبنا له ووهبنا له يحي)، وعليه بالاستغفار كما قال الله: (فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً0يرسل السماء عليكم مدراراً0ويمددكم بأموال وبنين) الآية.
3- أن بني آدم على جنسين ذكور وإناث، وليس هناك جنس ثالث، وإن زعم من زعم أن يتغير، لكن هو في الحقيقة ذكر، وإنما الذي يتغير ظاهر البدن، لا باطنه وجوهره، فمن جعله الله ذكراً فهو كذلك لا يتغير إلى أنثى، وكذلك العكس.
4- أن الله تعالى يخص بفضله من يشاء، وهذا تابع لحكمته.
5- سعة ملك الله، وعموم قدرته وتصرفه بالخلائق، لقوله: (لله ملك السموات والأرض).
6- حكمته تعالى، وأنه لا يفعل شيئاً عبثاً، بل لغاية عظيمة، لقوله: (إنه عليم قدير).


الفصل الخامس: تفسير آية: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير):


1- بيان معنى الآية:
1- (ونؤمن بأنه) تعالى (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) وشيء نكرة في سياق النفي فيفيد العموم، فلا مثيل له من البشر، ولا من الملائكة، ولا من الجن، ولا من غيرهم.
2- قوله تعالى: (ليس كمثله شيء) رد على الممثلة، وقوله تعالى: (وهو السميع البصير) رد على المعطلة، قال ابن سعدي في "تفسيره":
(وهذه الآية ونحوها دليل لمذهب أهل السنة والجماعة من إثبات الصفات، ونفي مماثلة المخلوقات، وفيها رد على المشبهة في قوله: (ليس كمثله شيء) وعلى المعطلة في قوله: (وهو السميع البصير) أ.هـ
3- وقال الشنقيطي في "أضواء البيان": (والظاهر أن السر في تعبيره بقوله: (وهو السميع البصير) دون أن يقول مثلاً: وهو العلي العظيم، أو نحو ذلك من الصفات الجامعة، أن السمع والبصر يتصف بهما جميع الحيوانات فبين أن الله متصف بهما، ولكن وصفه بهما على أساس نفي المماثلة بين وصفه تعالى، وبين صفات خلقه) أ.هـ
4- وفي الآية إثبات الصفات كما جاءت لأن الآية تنفي المماثلة، ونفي المماثلة يدل على إثبات الصفات، كما لو قلت: "ليس مثل هذا الطالب أحد في المدرسة" فليس معنى ذلك أنه ليس له صفات مطلقاً، ولكن يدل على أن لهذا الطالب صفات تميز بها عن غيره من الطلاب.
فالمثلية أمر زائد على الصفات، فنفي المثلية ليس فيه نفي الصفات وإنما فيه نفي خاص، فهو إثبات للصفة دون مماثلة، فصارت الآية دليلاً لأهل السنة على الإثبات وهذا أولى من جعلها دليلاً لأهل التعطيل.
وهذه المسألة تشبه الكثير من الاستدلالات لأهل البدع التي يحتجون بها وهي حجة عليهم.


قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى"(6/288):
(فصل: فيه "قاعدة شريفة":
وهي أن جميع ما يحتج به المبطل من الأدلة الشرعية والعقلية إنما تدل على الحق لا تدل على قول المبطل، وهذا ظاهر يعرفه كل أحد فان الدليل الصحيح لا يدل إلا على حق لا على باطل) أ.هـ
قال ابن القيم في "حادي الأرواح" (ص202) وهو يناقش المستدلين بقوله: (لا تدركه الأبصار) على نفي الرؤية:
(وقد قرر شيخنا وجه الاستدلال به أحسن تقرير وألطفه، وقال لي: أنا ألتزم أنه لا يحتج مبطل بآية أو حديث صحيح على باطله إلا وفي ذلك الدليل ما يدل على نقيض قوله فمنها هذه الآية ..).
5- وفي الآية نفي "المماثلة" وهو أدق من نفي المشابهة لأن المثلية أخص لأنها تعني المشابهة من كل وجه، بخلاف المشابهة فإنها تعني المماثلة من بعض الأوجه، ولعله سيأتي مزيد بيان في موضعه بإذن الله.
2- معنى "الكاف" في الآية:
اختلفت عبارات أهل اللغة في توجيه الكاف في الآية من قوله تعالى: (كمثله) على أقوال:
الأول: أنها أصلية وليست زائدة، والمراد نفي المثل، وإذا لم يكن للمثل مثل صار الموجود واحداً فريداً.
الثاني: أن مثل هنا بمعنى صفة كقوله تعالى: (مَثَلُ الجنة التي وعد المتقون) والتقدير: ليس مثل صفاته شيء، وقد ذكره ابن جرير أحد الوجهين، وقواه بعض أهل العلم من المتأخرين.
وأنبه إلى أن هناك فرقاً بين (مَثَل) بفتحتين، و(مِثْل) بكسرة ثم سكون، لولا أن شيخ الاسلام يقول كما في "الفتاوى"(5/250): (وهذا هو المثل الأعلى الذي قال الله فيه: "وله المثل الأعلى" ....
وهو المثل في قوله: "ليس كمثله شيء").
الثالث: أن الكاف زائدة للصلة والتوكيد، وتقدير الكلام ليس مثله شيء، وهو الوجه الثاني عند ابن جرير.
الرابع: أن الزائد هو (مثل) وتقدير الكلام ليس هو كشيء، وهو عكس القول السابق وهذا القول ضعيف، فقد تعقبه أبو حيان قائلاً: إن (مثل) من الأسماء، والأسماء لا تزاد، وإنما تزاد الأحرف، ثم عزى أبو حيان القول بأن الكاف هي الزائدة إلى ابن جني والزجاج وغيرهما.
أقول: وقول أهل العلم إن "الكاف" أو غيرها "زائد" يريدون بذلك أن المعنى مستقيم بدونها في قواعد "اللغة العربية"، وليس المقصود أنه ليس من القرآن، مع القول بأن هذا الزائد إنما زيد لغاية كالصلة والتوكيد ونحوهما.


الفصل السادس: تفســير آية الرزق:
1- بيان معنى الآية:
(له) وحده (مقاليد السموات والأرض) والمقاليد: قيل: هي المفاتيح، وقيل: هي خزائن السموات والأرض، قال ابن كثير: "والمعنى على القولين أن أزِمّة الأمور بيده تبارك وتعالى، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير" أ.هـ من تفسير آية الزمر.
(يبسط) أي: يوسع (الرزق) والرزق هو ما ينفع المخلوق، ويدخل فيه الطعام والشراب والكساء، ونحو ذلك. (لمن يشاء) لحكمة يعلمها هو سبحانه، ثم من شاء من عباده. (ويقدر) أي: يضيق الرزق على آخرين، ولا يفعل ذلك عبثاً، بل لمصلحة العباد (إنه بكل شيء عليم).
2- فوائــد هـذه الآيـة:
1- في الآية رد على الشيوعيين الذين يسعون للتسوية بين الناس في الرزق، وهذا مردود لأمرين:
أولاً: لأنه يخالف ما قضاه الله بين عباده.
وثانياً: لأن فيه إفساداً للمجتمعات وتعطيلها ووقوفها عن تحريك المال والتجارة، فإن الاقتصاد لا ينهض إلا بتفاوت الناس في مستوى الرزق، لأن الحاجة هي سبب حركتهم وضربهم في الأرض، ويظهر ذلك بما يلي:
أ- إذا كانوا جميعاً أغنياء لم يعمل أحد عند أحد، فتجد الرجل يبحث عن عامل يبني له جداراً، أو يحفر له حفرة، أو غير ذلك فلا يجد أحداً.
ب- وإذا كانوا جميعاً فقراء كان المجتمع مشلولاً، لأن المال هو الذي يحرك المجتمع من جهة الاقتصاد.
ج- وإذا لجأوا إلى التسوية بين الناس في المعيشة ففيها عدة مفاسد، من ذلك: أنها ظلم، لأن الناس يختلفون من واحد إلى آخر من حيث الحاجة والمجهود والأهداف والآمال.
وهناك مصالح أخرى كثيرة مترتبة على تفاوت الناس في المعيشة، منها:
الأولى: كما قال الله تعالى: (ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينـزل بقدر ما يشاء)، فبسط الرزق للعباد من أعظم أسباب البغي في الأرض.
الثانية: مثل معرفة نعمة الغنى ليُعلم من الشاكر كما قال سليمان عليه الصلاة والسلام: (ليبلوني أأشكر أم أكفر).
الثالثة: وابتلاء الناس بالفقر وامتحانهم به ليعلم من الصابر كما قال الله: (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين).
الرابعة: وامتحانهم بالصدقات ليعلم من المتصدق، نعود إلى فوائد الآية فنقول:
2- وفيها تفرد الله بالتصرف في الرزق توسعة وتضييقاً، وبسطاً وقبضاً.
3- وفيها مدى سعة علمه بمصالح العباد والمجتمعات، ولذلك يختم الله آيات بسط الرزق بصفة "العلم" له سبحانه كما قال تعالى: (إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه كان بعباده خبيراً بصيراً) وقال: (الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له إن الله بكل شيء عليم) وآية الباب ونحو ذلك من الآيات.
4- وفيها إحاطة علمه بالجزئيات والكليات، وهذا رد على الفلاسفة ومن قال بقولهم.
فساد النظام الشيوعي في نفسه:
وكل ما تقدم إنما هي أدلة قليلة من أدلة كثيرة تدل على فساد النظام الشيوعي في نفسه، وأن الناس لا يصلح لهم إلا دين رب العالمين، فشريعته قد اشتملت على أعظم المصالح وأكبر المنافع، في كل باب من أبواب الحياة، ولا غرابة في ذلك، فهو القائل سبحانه: (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير)، وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله.
وهناك براهين كثيرة تدل على بطلان النظام الشيوعي عموماً ولاسيما في باب الأموال، لأن الأموال العامة، سرعان ما تذهب نتيجة الإهمال من جهة، ومن جهة أخرى فإن حياة المال في تنميته والعناية به وهذا ما لا يوجد في النظام الشيوعي، كما قد عرفنا في العهود السابقة، بخلاف ما لو كانت أموال شخصية، ولذلك لم يتمالك النظام الشيوعي نفسه فتهاوى سريعاً أمام العالم.
فعرف من ذلك أن شرع الله وقدره يبقي الناس متفاوتين في الرزق لأن ذلك فيه مصالح عظيمة للناس.


الفصل السابع: تفسير آية أخرى في الـــرزق:



1- بيان معنى الآية:
(ونؤمن بأنه) سبحانه كما قال عن نفسه في كتابه: (وما من دابة) وهي التي تدب أي: تمشي (في الأرض) أي: على وجه الأرض، ويدخل في ذلك كل حيوان على وجه الأرض ناطق أو غيره. (إلا على الله رزقها) أي: أوجب على نفسه كفالة أرزاقهم تفضلاً منه، ولم يوجبه أحد عليه، وإنما هو الذي يوجب على نفسه، ويحرم على نفسه، وهذا قول أهل السنة خلافاً للمعتزلة الذين يوجبون على الله، ويمنعون على الله بمقتضى عقولهم !!.
2- معـنى الرزق:
والرزق بالمعنى العام: هو ما ينفع المخلوق أو ما يملكه.
قال شيخ الإسلام كما في "مجموع الفتاوى"(8/132): (وكذلك لفظ الرزق فيه إجمال: فقد يراد بلفظ الرزق ما أباحه أو ملكه، فلا يدخل الحرام في مسمى هذا الرزق كما في قوله تعالى: (ومما رزقناهم ينفقون) وقوله تعالى: (وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت) وقوله: (ومن رزقناه منا رزقاً حسناً فهو ينفق منه سراً وجهراً) وأمثال ذلك.
وقد يراد بالرزق ما ينتفع به الحيوان وإن لم يكن هناك إباحة ولا تمليك، فيدخل فيه الحرام كما في قوله تعالى: (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها) وقوله عليه السلام في الصحيح: (فيكتب رزقه وعمله وأجله وشقي أو سعيد) أ.هـ
قلت: وهذا على خلاف ما يقوله المعتزلة، فإنهم يقولون: الرزق ما كان مباحاً لك فقط، فإذا كان العبد يأكل حراماً لم يكن هذا العبد مرزوقاً وإن عاش سنين طويلة !!.
قال السفاريني:
والرزق ما ينفع من حلالِ أو ضده فحل عن المحالِ
لأنه رازق كـل الخـلقِ وليس مخلـوقاً بغير رزقِ
أو ضده: أي: ضد الحلال، وهو المحرم لأنه عكس الحلال، أي: الرزق ما كان يملكه ابن آدم من النوعين الحلال والحرام.
(ويعلم) سبحانه (مستقرها ومستودعها) قيل المستقر: في الصلب والمستودع في الرحم، وقيل: المستقر مسكنها في الدنيا، والمستودع: مسكنها بعد الموت.
(كل) ما تقدم ذكره (في كتاب مبين) أي: بيـّن، وهو اللوح المحفوظ.
3- فوائـد الآيـة:
1- صفة رَزق الله تعالى، وأن رِزق الله واسع، وذلك لكثرة من يرزقهم، ولتنوع أرزاقهم، ومن أسمائه الرزاق والرازق، والأول أبلغ، [ والرَّزق: بفتح الراء المشددة، والمشهور عند الناس بالكسر وهو خطأ، فبالفتح هي الصفة، وبالكسر هو رزق المخلوق].
2- صفة علم الله تعالى، وأنه يشمل الجزئيات مهما دقت وخفيت، خلافاً للفلاسفة الملاحدة.
3- أن الله يوجب على نفسه ما يشاء، ولا يوجب عليه أحد شيئاً سوى ما يوجبه على نفسه، وقد يحرم على نفسه مالا يليق به سبحانه كالظلم، ولا يحرم عليه أحد شيئاً سوى ما يحرم على نفسه.
4- فيها افتقار الخلائق إلى الله سبحانه، قال شيخ الاسلام (1/46):
(فإن الحاجة إلى الرزق دليل إفتقار المرزوق إلى الخالق الرازق) أ.هـ
4- حقيقة الافتقار إلى الله:
والخلائق كلها مفتقرة إلى الله سبحانه وتعالى، ولكن ما هي حقيقة الافتقار ؟
هناك من يقول: إن حقيقة الافتقار: تسبيحها وقنوتها.
وهناك من يقول: إن الافتقار معناه حاجة الخلائق إليه، وافتقارها بذاتها لتدبيره، وهذا هو الصواب.
قال شيخ الاسلام كما في "مجموع الفتاوى"(1/46-47): (والصـواب أن الأشياء مفتقرة إلى الخالق لذواتها لا لأمر آخر جعلها مفتقرة إليه، بل فقرها لازم لها لا يمكن أن تكون غير مفتقرة إليه، كما أن غنى الرب وصف لازم له لا يمكن أن يكون غير غنى فهو غني بنفسه لا بوصف جعله غنياً، وفقر الأشياء إلى الخالق وصف لها وهي معدومة وهي موجودة ...
هذا قول الجمهور من نظار المسلمين وغيرهم، وهذا الافتقار أمر معلوم بالعقل.
وما أثبته القرآن من استسلام المخلوقات وسجودها وتسبيحها وقنوتها أمر زائد على هذا عند عامة المسلمين من السلف وجمهور الخلف.
ولكن طائفة تدعي أن افتقارها وخضوعها وخلقها وجريان المشيئة عليها، هو تسبيحها وقنوتها ....
وهذا يقوله الغزالي وغيره، وهو أحد الوجوه التي ذكرها أبو بكر بن الأنباري في قوله: "كل له قانتون" قال: كل مخلوق قانت له باشر صنعته فيه، وجرى أحكامه عليه، فذلك دليل على ذله لربه، وهو الذي ذكره الزجاج في قوله: "وله أسلم من في السموات والأرض" قال: "إسلام الكل خضوعهم لنفاذ أمره في جبلهم، لا يقدر أحد يمتنع من جبلة جبله الله عليها" وهذا المعنى صحيح، لكن الصواب الذي عليه جمهور علماء السلف والخلف أن القنوت والاستسلام والتسبيح أمر زائد على ذلك) أ.هـ
وقال ابن القيم في "طريق الهجرتين"(ص8):
(قال الله سبحانه: "يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد) بين سبحانه في هذه الآية أن فقر العباد إليه أمر ذاتي لهم لا ينفك عنهم، كما أن كونه غنياً حميداً ذاتي له، فغناه وحمده ثابت له لذاته، لا لأمر أوجبه وفقر من سواه إليه ثابت لذاته، لا لأمر أوجبه فلا يعلل هذا الفقر بحدوث، ولا إمكان بل هو ذاتي للفقير، فحاجة العبد إلى ربه لذاته لا لعلة أوجبت تلك الحاجة، كما أن غنى الرب سبحانه لذاته لا لأمر أوجب غناه، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
والفقر لي وصفُ ذاتٍ لازم أبداً كما الغنى أبداً وصف له ذاتي ) أ.هـ


المصدر: شكبة سحاب السلفية

- وأنشَدَ الطيِّب العُقبي ـ وهو أحد كبار علماء الجمعية ـ رحمه الله:
... أيُّها السَّائِلُ عن مُعتقَدي يبتغي منِّي ما يَحوي الفؤادْ
... مذهبِي شرعُ النبيِّ المُصطفى واعتقادي سَلَفِيٌّ ذو سدادْ
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية أبو عبد الله
أبو عبد الله
عضو فعال
  • تاريخ التسجيل : 13-04-2007
  • الدولة : الجزائر
  • المشاركات : 474
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • أبو عبد الله is on a distinguished road
الصورة الرمزية أبو عبد الله
أبو عبد الله
عضو فعال
رد: شرح عقيدة أهل السنة والجماعة للشيخ العثيمين -رحمه الله-
18-05-2010, 04:44 AM
بارك الله فيك شرح قيم ...رحم الله الشيخ ابن عثيمين ....
لو بدأت من الحلقة الأولى كان أنفع........
لا تَكُنْ وَلِيًّا لِلَّهِ فِي الْعَلانِيَةِ وَعَدُوَّهُ فِي السَّرِيرَةِ
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية أبو عبد الرحمن2
أبو عبد الرحمن2
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 26-10-2008
  • الدولة : الجزائر/ الشلف
  • المشاركات : 1,592
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • أبو عبد الرحمن2 is on a distinguished road
الصورة الرمزية أبو عبد الرحمن2
أبو عبد الرحمن2
شروقي
رد: شرح عقيدة أهل السنة والجماعة للشيخ العثيمين -رحمه الله-
18-05-2010, 09:24 AM
بارك الله فيكم
ورحم الله الشيخ فقيه الزمان العثيين
قال الله عزوجل :وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ النَّارِ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ .الآية رقم [126] من سورة [البقرة]
عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِحْصَنٍ الْخَطْمِيِّ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "منْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا". أخرجه البخاري

فائدة من الاية والحديث أن إبراهيم عليه السلام أول مادعا الامن قبل الرزق والرسول صلى الله عليه وسلم بدا بالامن قبل الرزق ولو كان الرزق قليل يكفي يوم فكأنما حزيت له الدنيا
فهل من معتبر ؟
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية espoire05
espoire05
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 21-10-2009
  • المشاركات : 2,432
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • espoire05 is on a distinguished road
الصورة الرمزية espoire05
espoire05
شروقي
رد: شرح عقيدة أهل السنة والجماعة للشيخ العثيمين -رحمه الله-
18-05-2010, 10:27 AM


سألوني من تحب ؟ قلت من حملتني في أحشائها تسعة أشهر واستقبلتني بدموعها وفرحتها وربتني على حساب صحتها هي التي ستبقى أعظم حب . أحبك يا أمي ...



  • ملف العضو
  • معلومات
دمعة حزينة
عضو متميز
  • تاريخ التسجيل : 01-10-2009
  • الدولة : بلدي الغالي الجزائر
  • العمر : 36
  • المشاركات : 567
  • معدل تقييم المستوى :

    17

  • دمعة حزينة is on a distinguished road
دمعة حزينة
عضو متميز
رد: شرح عقيدة أهل السنة والجماعة للشيخ العثيمين -رحمه الله-
18-05-2010, 05:57 PM
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو عبد الله مشاهدة المشاركة
بارك الله فيك شرح قيم ...رحم الله الشيخ ابن عثيمين ....
لو بدأت من الحلقة الأولى كان أنفع........
وفيك بارك الله أخي في الله وجزاك خيرا وأحسن اليك
رحم الله الشيخ العلامة وجعله قبره روضة من رياض الجنة وجمعنا به في أعلى عليين مع الرسول الكريم وصحبه وآله الطيبين
- أنا قرأت الموضوع في شبكة سحاب فنقلته لأنتفع به واخواني ولو وجدت في منتدى العقيدة الحلقة الأولى من هذا الدرس القيم لنقلته-
آسفة

- وأنشَدَ الطيِّب العُقبي ـ وهو أحد كبار علماء الجمعية ـ رحمه الله:
... أيُّها السَّائِلُ عن مُعتقَدي يبتغي منِّي ما يَحوي الفؤادْ
... مذهبِي شرعُ النبيِّ المُصطفى واعتقادي سَلَفِيٌّ ذو سدادْ
  • ملف العضو
  • معلومات
دمعة حزينة
عضو متميز
  • تاريخ التسجيل : 01-10-2009
  • الدولة : بلدي الغالي الجزائر
  • العمر : 36
  • المشاركات : 567
  • معدل تقييم المستوى :

    17

  • دمعة حزينة is on a distinguished road
دمعة حزينة
عضو متميز
رد: شرح عقيدة أهل السنة والجماعة للشيخ العثيمين -رحمه الله-
18-05-2010, 06:11 PM
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو عبد الرحمن2 مشاهدة المشاركة
بارك الله فيكم
ورحم الله الشيخ فقيه الزمان العثيين
وفيك بارك الله اخي في الله وجزاك خيرا وأحسن اليك
رحمه الله رحمة واااسعة وجعل قبره روضة من رياض الجنة

- وأنشَدَ الطيِّب العُقبي ـ وهو أحد كبار علماء الجمعية ـ رحمه الله:
... أيُّها السَّائِلُ عن مُعتقَدي يبتغي منِّي ما يَحوي الفؤادْ
... مذهبِي شرعُ النبيِّ المُصطفى واعتقادي سَلَفِيٌّ ذو سدادْ
مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 


الساعة الآن 11:00 AM.
Powered by vBulletin
قوانين المنتدى