غزة: أبعاد المعركة.. ومحددات الانتصار- منقول للنقاش-
02-01-2009, 08:54 PM
بدأت مجزرة صهيونية نازية جديدة ضد أهلنا في غزة. والمجازر هي أسلوب صهيوني نازي أساسي في استخدام آلة الحرب الصهيونية منذ نشأة الكيان الصهيوني – الذي قال مؤسسوه لولا المجازر ما قامت الدولة – وحتى الآن , وهو سيتواصل اعتماده ضد الشعب الفلسطينية طالما بقى هذا الكيان الإجرامي, فالمجازر عنوان الاحتلال الاستيطاني الصهيوني, ومكون أساسي من نظرية قيامه وبقائه.
وفي مواجهة المجزرة, ظهرت مجددا حالة النظام الرسمي العربي , مشلولا عاجزا مغيبا, وليثبت لجمهور العام أن جانبا منه مخترق أمريكيا صهيونيا , و لتجد جماهير الأمة نفسها أمام حائط سد داخل كل بلد يمنعها من القيام بواجبها في نصرة أهل غزة بالمال و الجهد و التطوع و المشاركة بشكل فاعل , بما يعيد تكرار مأساة الحركة الشعبية داخل دولنا , التى تجد نفسها بين واجبها في نصرة أهل فلسطين ومأساة تحول جهدها إلى صراع داخلي ينتهي إلى خدمة العدو أيضا .
وبين هذا وذاك , أعادت السلطة الفلسطينية في رام الله إنتاج موقفها و تكرار دورها , كغطاء للعدوان و الدور و النشاط الصهيوني , بتكرار مقولاتها حول خطا إطلاق الصواريخ , لتحميل حماس المسئولية عن ما يقوم به العدو , إضافة إلى تجديد تلك السلطة خطاب الفتنة الداخلية , مع غطاء من أحاديث شكلية فارغة تطالب العدو بوقف العدوان , دون اى تحرك عملي ولو حتى بوقف الاتصالات و التنسيق الامنى مع هذا العدو أو وقف مفاوضات يستثمرها العدو كغطاء لعمليات المجازر الإجرامية الجارية ضد الأهل في غزة .
ما الذي يجرى ضد غزة , ولم جر الآن وليس قبل أو بعد هذا التوقيت المحدد ؟ وهل نحن في مواجهة ذلك , في مرحلة إطلاق المواقف أم في حالة إدارة المعركة ؟ وما الفرق بينهما ؟ وما هي أبعاد تلك المعركة الجارية , على الجانب الصهيوني .. و المرامي القريبة منها و البعيدة ؟ وكذا كيف نرى الأنسب في التخطيط والأهداف و السبل لدى قيادة أهلنا في غزة ؟ وماذا عن غزة المقاومة من بعد ؟ هل تنكسر إرادة المقاومة ؟ هل تنتصر غزة ؟ و ما هي محددات انتصارها , أو متى نقول إنها انتصرت ؟

التوقيت

في توقيت المجزرة, فنحن أمام " الوقت " و" الظرف ". في الوقت, فقد كان مطروحا على طاولة اتخاذ القرار الصهيوني عدة مواعيد لارتكاب المجزرة الجارية, أهمها توقيت 9 يناير الذي يتوافق مع موعد انتهاء المدة القانونية لمحمود عباس في رئاسة السلطة , وقد جرى طرحه كتوقيت لبدء المجزرة لتحقيق هدف إنهاء ازدواجية السلطة, وتسليم غزة لعباس ليصبح نهجه في الارتباط بالمشروع الصهيوني مسيطرا على غزة والضفة معا . وكان هناك توقيت آخر طرح في حوارات الصهاينة حول الموعد هو يوم تنصيب باراك اوباما رئيسا للولايات المتحدة , وقد فكر فيه الصهاينة كنقطة بدء في إرساء قواعد محددة وواضحة للإدارة الجديدة في التعامل مع الكيان الصهيوني والشرق الأوسط, تقوم على استثمار حالة الانكفاء على مشكلات الداخل الامريكى اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا - التي من البادي أن تلك الإدارة الجديدة ستغرق فيها -لإرساء قاعدة اعتماد الكيان الصهيوني "مديرا" لمنطقة الشرق الأوسط, وتسخير القدرة الأمريكية تحت الهيمنة الصهيونية في تلك المنطقة.
لكن الصهاينة توصلوا إلى التوقيت الجاري , على أسس متعددة – يبدو أن أطراف في سلطة رام الله كانت مؤثرة في تحديد بعضها – منها ضرورة تغيير الأوضاع في غزة قبل حلول موعد 9 يناير , ليأتي الموعد بلا مشكلات تهدد وضعية شرعية عباس وتمثيله في التفاوض , ولقطع الطريق على تطوير حماس أوضاعها السياسية في الضفة بعد انتهاء "ولاية" عباس , كما اختارت القيادة الصهيونية هذا التوقيت بعد ما تنامت حركة إرسال سفن بحرية محملة بالاحتياجات الإنسانية لسكان القطاع, وقبل وصول سفينة إيرانية حتى لا تدخل "إسرائيل" وإيران في مشكلات مباشرة – أو في حرج متبادل - , وكذا جاء اختيار التوقيت بعد ما حدث تصعيد في لهجة الخلاف بين حماس وبعض الأطراف العربية التي كان لحماس علاقة طيبة بها . وفي كل ذلك يجب الوضع في الاعتبار أن العمليات جرت في يوم السبت الذي هو يوم إجازة في الكيان الصهيوني والذي سبق أن استثمرته مصر خلال حرب 73 .
وفي " الظرف " , فنحن أمام ثلاثة ابعاد :



أولها يتعلق باستثمار حالة الارتباك في الوضع الدولي .

وثانيها يتعلق باضطراب و تعثر الموقف العربى.

وثالثها يتعلق باضطراب الوضع الفلسطيني ودخوله في مرحلة إنتاج وضع جديد , أرادت القيادة الصهيونية أن تكون فاعلة في تحديد مساراته .
في أمر استثمار الصهاينة لحالة الارتباك الدولى , فالبادي أن الصهاينة قرءوا خريطة الصراعات الدولية المضطربة , فوجدوا تعدد المشكلات الدولية السياسية المتفجرة من حشد القوات على الحدود الباكستانية الهندية إلى الأوضاع في أفغانستان إلى تنامي الصراع الروسي الامريكى , كما وجدوا العالم " محشور " في الأزمة الاقتصادية التي أربكت كل الدول, وهو ما وجدوه فرصة سانحة للقيام بمعركة في "منطقة" صغيرة بالمقارنة بالمشكلات الدولية الأخرى.
وفي أمر استثمار الصهاينة لحالة التبعثر العربي , فالبادي أن الصهاينة وجدوا الانغماس العربي والإقليمي في المشكلة اللبنانية , و تدهور العلاقات بين أطراف عربية كانت مثلت نقطة يتماسك عندها الموقف العربي , وتعدد المناطق العربية المتفجرة (العراق والصومال) إضافة إلى انشغال الدول العربية بالأوضاع الاقتصادية المتدهورة , فرصة للقيام بتلك العملية مع ضمان اقل رد فعل عربي عليها .
الخطة الصهيونية
في الخطة الصهيونية , فقد اعتمدت القيادة الصهيونية فكرة المباغة لغزة , كما هي اعتمدت فكرة نقل المعركة إلى ارض الخصم , لتوفير الوقت اللازم لتحقيق أهدافها .
في مسالة مباغتة غزة , فقد شهدنا تحركا مفاجئا للقيادة الصهيونية باتجاه سوريا , إذ كان لافتا قيام اولمرت بزيارة إلى تركيا , وسط ضجيج سياسي وإعلامي صهيوني حول توفر الفرصة لحل المشكلة مع سوريا , استمر لنحو أسبوع , قبل بدء المجزرة في غزة . وخلال هذا الضجيج جرى الحديث عن رفع درجة التفاوض من غير المباشر إلى المباشر . كانت خديعة صهيونية وقد قراها رئيس الوزراء التركي على هذا النحو , لذلك قرر إلغاء استضافة تركيا للمفاوضات الصهيونية السورية . كما شهدنا تحركا " سلاميا " أخر للقيادة الصهيونية باتجاه لبنان , أو لنقل مناورة أخرى في هذا الاتجاه , إذ سبق مجزرة غزة أحاديث في الإعلام الصهيوني , وتحركات سياسية صهيونية مع قوات اليونيفيل المعززة المنتشرة على الحدود بين الأرض المحتلة عام 48 و لبنان , تحت يافطة بدء الاستعداد للانسحاب من قرية الغجر .

لكن من كان يقرا التحركات الصهيونية , لاشك كان يدرك أن الخطة الصهيونية للعدوان على غزة قد دخلت طور تجهيز المسرح السياسي و الاعلامى للتنفيذ . لقد وزعت القيادة الصهيونية أوراقا في مجلس الأمن الدولي, تظهر فيها كدولة معتدى عليها من قبل حركة حماس في غزة , التي تطلق الصواريخ على " البلدات الصهيونية " في الجنوب . كما وجه اولمرت نداءا هو الأول في نوعه في تاريخ الصراع الصهيوني الإسلامي على ارض فلسطين , خاطب فيه الشعب الفلسطيني في غزة بلغة المصالح المشتركة بين الصهاينة والفلسطينيين في مواجهة " عدو مشترك " لهما هو حماس , فيما وصف بأنه سابقة في تصرفات الاحتلال تجاه الشعب الذي تحيله , بتوجيه نداء له للتحالف بين الشعب و الاحتلال ضد المقاومة!

لكن الأمر البارز في الخطة الصهيونية , كان هو فكرة نقل المعركة إلى أرض الخصم العربي. لقد أكثرت الصحف الصهيونية من الترويج لمقولة الغطاء العربي للعدوان على غزة , وتحدثت بعض الصحف صراحة عن طلب عربي من القادة الصهاينة بإنهاء وجود ظاهرة حماس وسيطرتها على غزة , وهو ما تناقلته أجهزة إعلام عربية – ليست بريئة القصد والتوجه. صارت تروج له , حتى وصل الأمر ببعض القيادات التي تشعر باحتقان من ضعف الموقف الرسمي العربي , لترديد ذات الأمر الذي يصب في المصلحة الصهيونية .. تماما في تلك اللحظة.
الأهداف الصهيونية
في التعرف على ماهية و اتجاهات أهداف الخطة الصهيونية , فنحن أمام سلسلة متنوعة من الأهداف منها المباشر و القريب ومنها البعيد ومنها الضمني ومنها الصريح . و بصفة عامة – ولعدم الإطالة – يمكن تلخيص الأهداف الصهيونية كما يلى :

1- رسم مسارات الأحداث في داخل الأرض المحتلة عام 67 , بإضعاف كلا المتصارعين , إذ استهدفت توجيه ضربة " مجهضة " لحماس و قوتها وسيطرتها على غزة , و لفكرة المقاومة و جدواها وقدرتها , كما هي استهدفت جعل السلطة الفلسطينية موحدة تحت قيادة عباس , الذي يصبح في حال إطاحة حماس ( قوة وقدرة ) , أشد ولاء وارتباطا بالكيان الصهيوني هو و السلطة ذاتها , باعتبار إن الكيان الصهيوني يصبح في تلك الحالة صاحب الفضل على تلك السلطة في استعادة سيطرتها على غزة .

2- ترميم ما أصاب قوة ردع الجيش الصهيوني من عطب في فلسطين و لبنان وفي مواجهة غزة و في المنطقة كلها , إذ لم يتمكن هذا الجيش منذ سنوات طوال من تحقيق اى انتصار , بما اضعف قوته وسطوته داخل المجتمع الصهيوني وجعله في حالة تراجع , بنفس القدر الذي فقد هيبته وسطوته في المنطقة .

3- إعادة التماسك النفسي للمجتمع الصهيوني الذي تعرض منذ اندلاع الانتفاضة وحتى الآن إلى حالة من التفكك و الانقسام و الاضطراب , أصبحت تهدد ببقاء الكيان الصهيوني , بعدما تبدت ظواهر جديدة , أهمها جاملوا الحقائب الجدد - كما يسمون في الكيان الصهيوني - وهم صهاينة حصلوا على جنسيات في دول غربية بعد إيداع أموالهم هناك وصاروا جاهزون للمغادرة إذا تدهورت الأوضاع في داخل الكيان أكثر من ذلك , وظاهرة تراجع الهجرة إلى فلسطين المحتلة وتنامي الهجرة العكسية , إضافة إلى فقد ثقة الصهاينة في حكوماتهم و مؤسسات الدولة .. الخ .

4- لكن الهدف الأهم و الأبعد , أو لنقل الهدف الاستراتيجي للصهاينة من مجزرة غزة , قد تمثل في الوصول بالأوضاع في غزة إلى درجة من التفجير الكبير والخطير , لتنتهي إلى ما انتهت إليه أوضاع الصراع ضد لبنان في حرب يوليو 2006 , بوضع قوات دولية داخل الحدود اللبنانية . الصهاينة يستهدفون في نهاية مطاف تطورات هذا العدوان , و جراء ارتكاب تلك المجزرة , تحريك الوضع الدولى – و لذلك جرى الاهتمام قبل العدوان بالتقدم بطلبات حماية إسرائيل من صواريخ حماس – باتجاه إرسال قوات دولية , تنهي الارتباط بين الكيان الصهيوني وغزة بصفة شاملة , وتدفعها نحو مصر و تبعد غزة عن المساهمة الجهادية في تحرير فلسطين , بعد ما وصلت القيادة الصهيونية إلى خطا خطة فك الارتباط مع غزة من طرف واحد , التي جعلت غزة في صراع متواصل مع الكيان الصهيوني , وتسببت في تكثيف الضغوط على القيادة الصهيونية المسئولة عن كل مجريات الحياة في غزة .

5- ومن بعد , ووفق قراءة الموقف الصهيوني , فإذا نجحت الخطة يكون الكيان الصهيوني قد ضمن السيطرة على الضفة , بصفة شاملة وصار الطريق مفتوحا أمامه لإنفاذ خطة طرد الفلسطينيين من عرب 48 باتجاه الضفة , بعد صياغة شكلية لدولة فلسطين هي اقرب لحظيرة خلفية للكيان الصهيوني , تؤدى دورها الوظيفي المحدد لها , في السيطرة على الشعب الفلسطيني وإجهاض حركة المقاومة , واستقبال عرب 48 , لتحقيق " نقاء " الدولة الصهيونية كدولة " يهودية " , ولذلك صرحت وزيرة الخارجية الصهيونية – قبل المجزرة - بان إعلان الدولة الفلسطينية سيحقق الطموحات الوطنية للعرب في داخل "إسرائيل".
إدارة المعركة.. والانتصار
في الإدارة الصهيونية للمعركة , رأينا البداية بالغة القسوة في القصف الأولى , كما شهدنا تركيزا صهيونيا في النشاط والدعاية على فكرة استهدافها لحماس و مقراتها و بنيتها التحتية , كذلك جرت محاولات حقيقة لنقل المعركة إلى الطرف العربي , من خلال التركيز على الدور المصري في محاصرة غزة , وعلى زيارة ليفنى وتصريحاتها في القاهرة , وهو ما أتاح الفرصة لإيران و مولوها للضرب على ذات الوتر , لحرف المعركة عن الوجهة بالأساس مع العدو المجرم القاتل .
أكن الأهم هنا هو إدارة المعركة الفلسطينية . وفي نمط و طريقة الإدارة الإستراتيجية للمعركة على الطرف الفلسطيني و العربي والاسلامى , يبدو الأمر مرتبطا بطبيعة الأوضاع الراهنة و بالأهداف المحددة من خوض تلك المعركة , وهو ما سيترتب عليه تحديد طبيعة الانتصار فيها , إذ ليس هناك " انتصار عام " في مثل تلك المعارك بل " انتصار محدد " .
وفي طبيعة الأوضاع فلدينا إشكالية انعزال غزة على المستوى العسكري و الاقتصادي وعلى صعيد الحيز الجغرافي للمعركة , كما لدينا المشكلة العامة التي تتمثل في تفوق العدو عددا وعدة وعلى نحو لا يوجد فيه وجه للمقارنة على المستوى العسكري .. الخ .
ولذلك فان الأهداف المحددة لخوض تلك المعركة من الطرف الفلسطيني, هي في تحقيق الصمود وعدم تمكين العدو من إنفاذ أهدافه (قراءة أهداف العدو وإفشالها) , وفي كسر الحصار المفروض على غزة , ويشمل ذلك بطبيعة الحال , أعلى قدر من المحافظة على عوامل القوة للمقاومة (أفراد أو قيادة) , كما يمكن القول أن النصر في تلك المواجهة يتحقق أيضا بإنهاء حالة التفاوض بين سلطة رام الله و الصهاينة وإفشال مشروع السيطرة على الضفة .
وفي إدارة المعركة فان الأمر يقوم على " الاقتصاد في استخدام قوة المقاومة – ليتحقق الصمود الطويل – وعدم الوقوع في فخ القتال حتى نفاذ القوة والقدرة , كما يقوم على تحريك الضفة نحو حالة تصعيديه ضد الكيان الصهيوني – على أن تكون في ذات الوقت ضاغطة على السلطة – ليتحقق هدف إشغال العدو لمنعه من التركيز على الضفة , وكذا تحريك الجماهير العربية ضد العدو الصهيوني لا ضد النظام الرسمي العربي أو دولة من دوله كما هو الحادث ضد مصر – مع توعية الحركة الجماهيرية بمخاطرة فكرة وصول قوات دولية , و العمل لفتح المعاير بكل الوسائل و الطرق الممكنة , وتوسيع رقعة المواجهة لتشمل الولايات المتحدة , التي سيكون الضغط عليها فاعلا في هذا التوقيت بالذات.