الضابط السابق أنور مالك ينفي مسؤولية الجيش لمجزرة تبحرين ويكذب الجنرال الفرنسي
07-07-2009, 12:23 PM
نشر الكاتب والضابط السابق أنور مالك مقالا تحت عنوان: لله ثم للتاريخ: شهادتي في مجزرة رهبان تبحرين بالجزائر. وهذا مقطع من المقال الطويل:


أعود إلى قضية مذبحة تبحرين في أعالي ولاية المدية التي حدثت عام 1996 ولا تزال تثير الجدل، والتي عادت للواجهة بطريقة مثيرة للغاية وتحيط الشكوك بها من كل جانب، فإن شهادتي تنطلق من محورين هامين:

المحور الأول:
------------
لقد كنت خلال عام 1996 لما وقعت المذبحة أعمل في وحدة تابعة للمجموعة 14 للوسائل المضادة للطيران، وقد كان فيها مركز عملياتي ببوزريعة يرتبط مباشرة بالمركز الأم للقطاع العسكري في بني مسوس "الجزائر العاصمة"، الذي تخصص في مجال محاربة الجماعات المسلحة، وكانت لنا كتيبة تعمل في أعالي العاصمة ويمتد نشاطها من منطقة بولوغين مرورا بالسيلاست وبزريعة إلى غاية غابة بينام الساخنة، وقد كنت أتابع في مركز العمليات ما يتردد عبر اللاسلكي بين كتائب الجيش في المدية والبليدة، وكنت أسمع من خلال الشفرات التي بحوزتي ما مفاده، أن القيادة تدعو وتحرص على حياة الرهبان بأي تكلفة كانت، كما وزعت علينا صور الرهبان وكنت أقوم شخصيا بتعريف كل عناصر الكتائب التي تعمل في مجال مكافحة الإرهاب على هؤلاء المختطفين، وهذه بصفتي كنت المحافظ السياسي للوحدة، وكنت أنقل لهم ما يأتينا من أوامر عليا، على أن القيادة العسكرية والجنرال محمد العماري شخصيا تحرص على حياة المختطفين، كما يطلب من جميع قوات مكافحة الإرهاب وفي حالة شك بوجود احد الرهائن مع عناصر تابعة للجماعات المسلحة فإنه يمنع منعا إطلاق النار عليهم، ولو كان العسكر ضحية لهجوم من طرفهم ، بل يجب توخّي الحذر في إصابة أي عنصر ممن يحتمل أنه أحد الرهبان المختطفين.
وقد زارنا خلال فترة الإختطاف الجنرال العودي عاشور وهو قائد قوات الدفاع الجوي عن الإقليم في تلك الأثناء، وكان برفقته عدة قادة عسكريين سامين، وما تحدث فيه معنا اللواء عاشور هو ضرورة الحرص على عدم التعرض للمدنيين، لأن الجزائر ستكون في فوهة بركان وخاصة من الطرف الفرنسي، وأذكر أنني سألته شخصيا عن قضية الرهبان المختطفين، فرد بالحرف الواحد: لو حدث مكروه لهم ستدفع الجزائر الثمن غاليا، وسنتهم نحن بالوقوف وراء قتلهم ولو كانوا الآن مع "الجيا"، وسنعمل على إسترجاعهم أحياء ليكشفوا للعالم ولفرنسا التي تأوي بعض المتطرفين على ترابها، حقيقة هذه الفصائل الإرهابية.
والتفسير الذي يمكن أن نخرج به أن قيادة المؤسسة العسكرية كانت حريصة جدا على حياة الرهبان، ومن يزعم أن السلطات كانت تريد قتلهم فهو مخطئ، بل كنا نتلقى الأوامر على أن نحافظ على حياة الرهائن لأنهم الوحيدون الذين بإمكانهم كشف تفاصيل التنظيمات الإرهابية من الداخل، وخاصة لما يكونوا أجانبا، لأن النظام كان منزعجا الى أبعد الحدود من تواجد أنصار جيهة الإنقاذ في الدول الأوروبية ويتمتعون باللجوء السياسي، وهم من يوفرون لهم الدعم والترويج الإعلامي والديني.
أمر آخر يمكن أن أضيفه أنه بعد عملية الإغتيال ذبحا وصدور بيان "الجيا" الذي تبنى العملية ووقعه جمال زيتوني، فقد حضرت محاضرة ألقاها الجنرال عبدالسلام بوشارب الذي شغل منصب مدير الإيصال والإعلام والتوجيه في وزارة الدفاع الوطني، التي كانت من قبل تعرف بالمحافظة السياسية، وقد كان ذلك بالمدرسة العليا للدفاع الجوي عن الإقليم "الرغاية"، وقد كشف لنا تفاصيل القضية حيث أكد في مجمل حديثه أن "الجيا" تراهن على أزمة ما بين فرنسا والجزائر من خلال ذبحهم للرهبان، وأن الجزائر خسرت كثيرا عندما لم تتمكن من فك أسر الرهبان الذين لهم مصداقية عالمية لدى وسائل الإعلام الغربية أو حتى لدى السلطات الأوروبية، بل أكد على أن الجيش كان مستعدا لدفع الملايير من أجل إطلاق سراحهم أحياء، ومما قاله أيضا وبتهكم: لو انه تم إطلاق سراحهم لقالوا أن الجيش هو من إختطفهم من أجل تشويه سمعة الإرهابيين !!.
أمر آخر مهم فقد كنت صيف 1997 بسجن البليدة العسكري حيث قضيت مدة نصف سنة تقريبا، وإلتقيت حينها بعسكريين من مختلف النواحي والكتائب، وقد أكد لي أحدهم وإسمه مراد – لا أذكر لقبه العائلي - وكان من القوات الخاصة ويتحدر من ولاية سوق أهراس، حيث شارك في عمليات التمشيط في جبال المدية بحثا عن الجماعة المسلحة التي تختطف الرهبان، وقد سجن بسبب رميه لقنبلة على حركة أحسها بين الأحراش ولحسن حظه أن الذي كان يتحرك هو خنزير وليس مسلحا، وقد عاقبه القائد لأن التعليمات التي وجهت لهم، أنه يجب الحفاظ على حياة الرهبان مهما كان الأمر، وان أي مقاتل قد يتورط في إطلاق النار أو يتسرع ويتسبب في إصابة أي أحد من المختطفين سيدفع الثمن غاليا، ولما سألته: وكيف يمكن أن تحرروهم وهم مع جماعة مسلحة ولديه الذخيرة؟ فأجابني: أن القيادة أمرتنا إن تم إكتشاف مكان تواجدهم فعليهم بمحاصرهم فقط وسيتم التفاوض معهم من أجل إطلاق سراح الرهبان ومقابل أي شرط يطلبونه.
ومما تقدم والذي أوردته بإختصار جد شديد، وليس دفاعا عن الجيش ولا عن أي طرف، إنما دفاعا عن الحقيقة والتاريخ ودم الرهبان الأبرياء، فقد تأكد أن المؤسسة العسكرية حرصت على حياة الرهبان كثيرا، وانهم كانوا يعتبرون طوق نجاة مهم في حربهم على الجماعات المسلحة.

المحور الثاني:
-------------
أثناء فترة سجني عام 2005 حتى إلى 2006 في جناح الإسلاميين بسجن الحراش، إلتقيت بكثير من قدماء الجماعة الإسلامية المسلحة "الجيا" وحتى أمراء فيها، وكان أشهر من عايشتهم وتحدثت إليهم هو محمد شامة والمكنى "القعقاع" والذي كان الذراع الأيمن لعنتر زوابري أبرز الأمراء الدمويين، وهو يتحدر من منطقة بوقرة ولاية المدية، وقد إلتحق بالعمل المسلح عام 1993 وعايش أغلب أمراء "الجيا". وتحدث لي هذا السجين المحكوم عليه بالمؤبد بتاريخ 21 مارس/آذار 2007، والذي سلم نفسه لمصالح الأمن في أكتوبر/تشرين الأول 2004 بعد عجزه التام، وإن كان هو يزعم أن مصالح الأمن قبضت عليه في سوق الحراش غدرا، وطبعا تفاديا لضغوطات وعقوبات كثيرة وسط المساجين الإسلاميين الذين يعزرون كل من ثبت عليه ذلك.
فقد قال لي القعقاع أنه التقى بالرهبان خلال فترة اختطافهم في جبال ما بين البليدة والمدية، وكانوا في ظروف سيئة للغاية فقد تعرضوا للتعذيب المبرح، لأنهم ظلوا يجبرون على نطق الشهادتين والصلاة بالإكراه كما يرغمون على التغوّط على الصلبان التي كانت معهم. وأخبرني أن جمال زيتوني ظل مصمما على قتلهم حتى ولو استجابت السلطات الفرنسية لمطالبهم، لأنه يراهم كفارا ويدعون للضلال في أرض الإسلام حسب زعمهم، كما انه لمس حرص "الطاغوت" – حسبه - على حياتهم، وأضاف لي على أن الأماكن التي تواجدوا بها لا يمكن أن تصل إليهم قوات الجيش أبدا، فقد كانوا في كهوف تحت الأرض وكل المنطقة محصنة بالألغام، وهذا الكهوف الحجرية لا تدمرها حتى القنابل النووية.
وحتى لا أعيد كل ما قاله لي القعقاع، فقد أكد على أن جمال زيتوني ذبح منهم ثلاثة رهائن وبيديه، وواحد ذبحه نورالدين بوضيافي وهو آخر أمراء "الجيا" ومن مواليد 14/06/1969 بالعامرية "ولاية المدية"، أما الآخرون فقد تداول عليهم بقية الأمراء، ولم يسمح للجند بالمشاركة في العملية التي كانت تعد تاريخية ولا ينال "الشرف" إلا الأمراء والقادة !!. ونقل القعقاع على لسان زوابري قوله في أحد المرات وهو يتحدث عن جمال زيتوني وقصته مع الرهبان، أنه إقترح على جمال زيتوني قتل واحد والتهديد بقتل الآخرين وكل مرة لا تستجيب فرنسا يذبحون راهبا ويوزعون الصور، وأكيد بعد قتل ثلاثة ستخضع فرنسا لمطالبهم وتضغط على الجزائر كثيرا، ويكون للقضية تأثير وصدى دولي أكبر من نحرهم دفعة واحدة، غير أن زيتوني – حسب زوابري – رفض ذلك، وتحجج بأنه سيخطف حتى السفير الفرنسي وأن النصر حليفهم قريبا.
وقد سألته عن ما يقال لدور ما للمخابرات في ذبح الرهبان، فقد نفى ذلك نفيا قاطعا وقال لي بالحرف الواحد: لو لم يقتلهم زيتوني وبقوا على قيد الحياة ما إستطاعت المخابرات ولا الجن الأزرق أن يصل إليهم !!.
أما عبدالقادر الروجي واسمه الحقيقي محمد صدوقي فقد كان ضمن كتيبة تنشط في منطقة الأربعاء بالبليدة، والذي إصتفاد من عفو ميثاق السم والمصالحة شهر مارس/آذار 2006 ولكنه عاد للعمل المسلح وقضت عليه مصالح الأمن لاحقا، فقد أكد لي أن جمال زيتوني هو من قام بذبحهم، وإن إختلف مع القعقاع حول عدد الرهبان الذين ذبحهم زيتوني بيده، فقد أصرّ الروجي على ذبح أربعة من طرف الأمير الوطني لـ "الجيا". وهذا الذي سمعته أيضا من عند عوار محمد وعزوق مقران المحكوم عليهما بالإعدام، وهم من آخر عناصر تنظيم "الجيا" الذين قبض عليهم.
وهذه شهادات أخرى من وسط التنظيم المثير للجدل "الجيا"، والتي تؤكد على أن أمير الجماعة جمال زيتوني هو من قام بذبح الرهبان، وليس كما صار يروج سواء عن طريق وسائل الإعلام الفرنسية أو بعض ممن يبحثون عن الأضواء وللأسف بينهم من أبناء الجزائر.
إنطلاقا مما تقدم فقد تأكد لدينا أن المؤسسة العسكرية الجزائرية كانت تحرص على تحرير الرهبان ومهما كان الثمن، لإعتبارات عديدة اشرنا لبعضها، وأيضا أن هؤلاء كانوا في نظر الجماعة المسلحة "الجيا" كفارا يمارسون نشاطا من أجل توريط الجزائريين في الردة، فضلا من كل ذلك أن إثارة الحرب مع فرنسا سيجعل الجزائريين الناقمين من الإستعمار يتعاطف معهم ويدعمهم، وهي من أبرز دوافع تصفيتهم وبطريقة قذرة من طرف جمال زيتوني.
هذه بعض النقاط التي أردت توضيحها على عجالة، ونحن تحت تأثير هذا الملف الذي فتحته فرنسا مجددا وباركه ساركوزي وحفز عليه، ولست أريد تبرئة الجيش أو أي طرف من الدماء التي سالت كما قد يخيل للبعض، أو أنني أشتري ود النظام القائم، فالموضوع الذي تحدثت فيه يتعلق بأولئك الرهبان المسالمين الذين قتلوا ظلما وعدوانا وسيظل دمهم لعنة تطارد الجميع في الجزائر، إن لم يتم فك طلاسم تلك الحرب التي أهلكت الحرث والنسل... قد يهب البعض لإطلاق النار علي بزعم تبرئتي للجيش من تلك الحادثة القذرة والدموية وخدمتي المجانية له، ولكن هذه هي الحقيقة التي أعرفها وعايشتها، وضميري وأخلاقي تفرض علي أن اصدح بها ولو كانت في صالح النظام الجزائري، لأن نضالنا من أجل الحقيقة ولا تهمنا في صالح من ستكون، ولنا عودة لملفات أخرى برؤية أعمق وأوسع وأصدق إن شاء الله.

نقلا عن الجزائر تايمز