السعيد سعدي: الكتاب الفتنة!
11-07-2010, 07:34 PM
السعيد سعدي: الكتاب الفتنة!
[CENTER]"الفتنة نائمة لعن الله من أيقضها"! هذا أول ما خطر ببالي وأنا أضع كتاب السعيد سعدي جانبا بعد قراءته للمرة الثانية. حينها انتابني الخوف من عواقب الطيش الذي ورد فيه وكنت أفكر خاصة في مسألة الشعوبية. كنت أتتبع كل ما يقال حول مضمون الكتاب وعن صاحبه وما يتعلق بحياته ويا للعجب، كان الاهتمام منصبا على شخصية صاحب الكتاب أكثر من الشخصية التي تدور حولها الأفكار. وبعد الاطلاع على مختلف الردود تيقنت أن لا خوف على الجزائر بما أن الكاتب هو السعيد سعدي! بدا لي الكتاب كضربة سيف في ماء آسن أو كما قال صديق لي، ولا حرج في تكرار ما قال، على غرار ما كتبه سعدي: "إنه كالذي يبول في الرمل". يبدو أن الفتنة لا تزال نائمة وأمامها وقت طويل كي تفتح عينيها؛ ذلك أنها تفتقر إلى وازع قوي وأن الذي حاول إيقاضها اسمه سعدي! فأنى للسعيد أن يصل إلى نفوس أصحاب الهمة؟ قرأت الكتاب مرتين وسحرتني مقدمته حتى خيل إليّ أن الرجل قد تغير تغييرا جذريا بفعل السنين. في ختام قراءتي، والفرنسية لا تفزعني، أدركت أن العنوان أصغر بكثير مما تضمنه الكتاب.السعيد سعدي سياسي ماكر يتقن فن الكذب ولا يتعب في السعي إلى التأثير على عواطف الناس ولو أن الواقع على خلاف أقرانه يؤكد أن كل مساعيه لا يكتب لها الدوام. فلا يبقى حوله إلا السذج والمراهقون والطامعون. أما غيرهم فسرعان ما يتراجعون ويغيّرون مسارهم. والرجل كاتب جرئ إلى حد التهور، يجيد فن إثارة الفتنة ويوظفها في سبيل تحقيق غاياته. فطموحاته أكبر منه لذلك لا يتوانى على ركوب الخطوب لتحقيقها. أما ما يعرف عند القبائل من الأنفة والرجولة والكرامة فهي عنده في خدمة الغد الأفضل ومن أجل تحقيق المآرب الآنية. كتابه عبارة عن كبّة من المتفجرات الموقوتة. لحسن الحظ أنه مكتوب بلغة أكل عليها الدهر وباتت من الغابرين. تناول فيه حياة شخصية ذات ثقل تاريخي جديرة باحترام جميع الجزائريين، ولكن طريقة معالجته لحياة العقيد أساءت إليه إذ قلص من بعده الوطني حتى بدا للقارئ أنه يكافح في سبيل فكرة كان هو نفسه يمقتها؛ المسألة البربرية! أمر ما كان ليقبله الشهيد عميروش نفسه، فاسالوا الذين جاهدوا في صفوفه.
لا أدري إن كان زعيم الأرسيدي متعمدا في مساعيه، ما أمكره! بل أتساءل هل كان يعي ما يكتبه وما قد يثيره كلامه من شكوك في حق الشهيد؟ يبدو أن هذا ليس مهما بالمقارنة مع ما يصبو إليه في إطار الصراع الأبدي للاستحواذ على عطف القبائل ولو إلى حين. الغريب في الأمر أن الرجل كان قبل اليوم لا يعير أي اهتمام بشخص عميروش على غرار كثير من أنصاف المثقفين القبائل من الذين كانوا يحسبون أنفسهم تقدميين. كانوا يتحدثون عنه أيام الاستبداد "السعداوي" بجامعة تيزي وزو بكثير من الاحتقار وينعتونه بالإسلاماي الدموي الذي يمقت المثقفين؛ أتذكر أني تشاجرت مع بعضهم عدة مرات حول هذا الموضوع. ولكي يبرئ ذمة أصحابه الذين أشاعوا هذه الأقاويل، راح يلصقها بغيره في سياق التهجم على بومدين ومن يراهم في سوقه فقال مدافعا: "وكامتداد لمهمة الاستعمار بعد الاستقلال، واصل الجيش الجزائري، جيش الحدود، وبشكل أدق، الأمن العسكري – أي بومدين ومن حوله – وهو الذي بنى حكمه على الاغتيالات والرقابة وتزوير الانتخابات والفساد مسخرا كافة الوسائل المتوفرة لديه للتضليل الإعلامي في سبيل تأليف الأسطورة المضادة للعقيد عميروش باعتماد الإشاعة وزرع الأقاويل؛ إسلاماوي قبل الأوان ومهوس متعطش إلى الدماء وعدو المثقفين ومتغطرس جبار؛ لم ينج قائد الولاية الثالثة من أية صفة دنيئة إلا ونعت بها."(ص17). كأني به يريد أن يطمس حقيقة كنا نألم منها.
لم يكتف سعدي بهذا التقزيم لرجل وهب حياته وكل ما لديه من أجل الوطن، بل صوره مقاتلا من أجل مسألة ضيقة وجعل منه رجلا استبداديا وفوضاويا لا يعير أي اهتمام للقيادة المحلية. ففي سياق الحديث عن نشاطه في الولاية الثالثة، أظهره على أنه القائد الذي يتصرف كما يحلو له ويتحرك في جميع أرجاء الجزائر الفسيحة ويسافر إلى تونس ويفرض رأيه على أقرانه دون الرجوع إلى قائده الأول العقيد محمدي السعيد الذي لم يذكر اسمه إلا مرة أو مرتين بأسلوب السخرية والتهكم. وبذلك قزم من الثورة نفسها جاعلا أياها لعبة ومخاطرة. أما الاستخفاف من صانعي الحرية التي ننعم بها الآن فلا تخفى في ثنايا هذا الكتاب الفتنة. لنقرأ معا بتمعن ما يقرره سعدي بخصوص هذه المسألة الخطرة: "إن المهام التي تحملها عميروش في الأوراس وتونس والنجاعة العسكرية ونوعية التنظيم السياسي الذي حققة في منطقة القبائل ثم التوجيهات والمساعدة التي كان يخصصها للولايات الداخلية ثم التوصيات التي كان يرسلها إلى الخارج والتحفظات التي كان يبديها لجيش الحدود وتواصله العصري الذي يحسده عليه ساسيو اليوم، وتنبؤاته عما بعد الحرب، خاصة من خلال تكوين الإطارات، كل هذا جعل منه قائدا أكثر تطبيقا للوائح مؤتمر الصومام."
من خلال هذا التعليق الذي يسيء إلى الشهيد، نستنتج أن السعيد سعدي يريد أن يؤكد الادعاء أن العقيد عميروش قد قتل بسبب طموحاته الشخصية وهذا قذف مشين. أما الذين كانوا وراء استشهاده، رغم أن الحكاية معروفة، فهم خصومه الداخليون. وهنا لا بد أن أنقل ما قاله عن الرئيس بن بلة وعلي كافي في هذا السياق: "الرجلان، أحدهما كان يلعب دور المخبر لدى مصلحة استخباراتية أجنبية أثناء الحرب والآخر يؤدي دور جندي أوربي. كلاهما شاركا في تعيين مواطنين قصد إعدامهم."(ص23)
ولم يكتف سعدي بالقذف وبث الإشاعات بما يخدم الذين مسخونا وطمسوا هويتنا بل راح يعيب على الذين يطالبون فرنسا بالاعتراف بجرائمها:"وأمام عجزنا على تحمل أفعالنا، نتستر بالتدخل الخارجي ونطالب بالاعتذار وتعويض الخسائر كما هو الحال في الأيام الأخيرة مع آخر شعار رفعه النظام، مطالبا القوة الاستعمارية القديمة بالاعتذار وإعلان التوبة كشرط أساس لإقامة علاقات سليمة وهادئة بين الجزائر وفرنسا."(ص23). كأني به يوجه رسالة واضحة إلى أعداء الأمس يطمئنهم أن كل الجزائريين ليسوا ضدهم. إنه كما نرى حق أراد به سعدي باطلا. فالمطالبة بالاعتذار في رأيه لا يعدو أن يكون "مناورة تعالج مسألة تاريخية جوهرية تكتسي هنا طابع لعبة سياسوية إذ إن توبة باريس قضية فرنسية فرنسية." فكل ما يفعله غيره في هذه البلاد مناورة وتمويه إلا ما يفعله سعدي وأشباهه فهو الحق وهو عين الصواب!
والمغالطة الكبرى في الكتاب تكمن في الادعاء أن صاحبه استغرق أربعين سنة في البحث للتعرف على الشهيد عميروش: "فمنذ أربعين عاما وأنا أستمع إلى جميع الشهود وأختزن أية وثيقة تمكنني من تسليط الضوء على حياة هذا الرجل العصامي والقائد العجيب". كدت أصدق هذا الادعاء وأبهرني لأول وهلة وزدت تشوقا إلى قراءة الكتاب قائلا في نفسي إني وجدت ضالتي؛ نسيت كل ما اعرفه عن سعدي. ويا للأسف لما اكتشفت أن الرجل قام بعملية اللصق وسوق الشواهد التي باتت تدور على الألسنة! فلم يأت بجديد إلا ما كان على سبيل إثارة الفتنة التي يرجو وراءها ما كان يرجوه حاملو قميص عثمان وهم يتنقلون في الأمصار بين القبائل طمعا في نصرتهم لغايات في أنفسهم. لقد نزل بكتابه هذا إلى سوق النخاسة والفولكلور وتلاعب بأغلى شيء ما زال يحيي هذا البلد، ألا وهو وحدة الأمة والرض!
يبدو أن الرجل أصيب بالحسرة جراء انخداعه بعد أن تأكد أنه لن يصل إلى الحكم مهما طال الزمن. ها هو يؤكد ذلك بنفسه من خلال فلتة قلمية تعكس ما كان مدفونا في لاشعور المتحسر جراء انفلات الزمام من أيديه في وقت الغفلة وفي عهد الطمع والطامعين: "سنحت لي الفرصة لأقول إن الجزائر المستقلة والتي تعج برجال السلطة، باستثناء مرحلة بوضياف، كانت معدومة من رجال الدولة". مات بوضياف إذن وماتت معه آمال. ذلك أن بوضياف فتح شهيته لاعتلاء كرسي العمالة ولكن القدر حرمهما معا فقضى نحبه وما زال سعدي يلهث وراء السراب.
ختاما، أدعو كل الذين يقرؤون كتاب السعيد سعدي أن يتوخو الحذر لأن ظاهره رحمة وباطنه عذاب؛ يحمل حقائق مغرية ويبطن قذائف لا تبقي ولا تذر في حال انفجارها والفتنة أشد من القتل. أما ما يصبو إليه السعيد سعدي من خلال كتابه الفتنة فهيهات هيهات أن يتحقق وذلك قسما بالنازلات الماحقات والدماء الزاكيات الطاهرات!
العيد دوان
http://laid-hizer-net.blogs.nouvelobs.com/[/CENTER]
من مواضيعي
0 التغذية: نصائح وحيل حول الأكل الصحي اهمالها قد يسبب لنا مشاكل صحية لا نعرف اين سببها؟
0 فوضى سينوفاك الصينية.. لقاح واحد و3 نتائج متضاربة
0 "نوع آخر مثير للقلق".. سلالات كورونا المتحورة تنتشر في 50 بلدا
0 إجراء تغييرات إيجابية: نصائح وحيل للتغذية السليمة ولتقوية الاعصاب
0 هل لديك وزن زائد؟ نستطيع مساعدتك
0 يؤثر نظامك الغذائي على صحتك: كيفية الحفاظ على التغذية الجيدة
0 فوضى سينوفاك الصينية.. لقاح واحد و3 نتائج متضاربة
0 "نوع آخر مثير للقلق".. سلالات كورونا المتحورة تنتشر في 50 بلدا
0 إجراء تغييرات إيجابية: نصائح وحيل للتغذية السليمة ولتقوية الاعصاب
0 هل لديك وزن زائد؟ نستطيع مساعدتك
0 يؤثر نظامك الغذائي على صحتك: كيفية الحفاظ على التغذية الجيدة
التعديل الأخير تم بواسطة العيد دوان ; 11-07-2010 الساعة 09:57 PM










