إياك ودعوة المظلوم (قصة الحجلة للعبرة)
02-06-2013, 07:35 PM
حدّث أبو علي التنوخي قال :
كان الوزير أبو محمد المهلبي (متوفى سنة 352ه,) يُكثر الحديث على طعامه وكان طيّب الحديث ، وأكثره مذاكرةٌ بالأدب وضروب الحديث على المائدة ، لكثرة من يجمعهم عليها من العمال والكتاب والندماء ، وكنتُ كثيراً ما أحضر .
فقُدِّم إليه في بعض الأيام حَجَلٌ فقال لي :
أذْكرني هذا حديثاً طريفاً ، وهو ما أخبرني به بعض من كان يعاشر الراسبي الأمير ، قال :
كنتُ آكل معه (مع الراسبي) يوماً وعلى المائدة خلقٌ عظيمٌ فيهم رجلٌ من رؤساء الأكراد المُجاورين لعمله ، وكان ممن يقطع الطريق ، ثم استأمن إليه فآمنه واختصّه .
وطالت أيامه معه ، وكان في ذلك اليوم على مائدته ، إذ قُدِّم حجلٌ ، فألقى الراسبي منه واحدة إلى الكردي ، كما تُلاطف الرؤساء مؤاكليهم ، فأخذها الكردي فجعل يضحك ، فتعجب الراسبي من ذلك وقال : ما سبب هذا الضحك وما جرى ما يوجبه ؟ فقال : خبرٌ كان لي ، فقال : أخبرني به ، فقال : شيءٌ ظريفٌ ذكرتُه لما رأيت هذه . قال : فما هو ؟
قال (الكردي) :
كنتُ أيام قطع الطريق قد اجتزتُ في المَحجّة الفلانية في الجبل الفلاني وأنا وحدي في طلب من آخذ ثيابه ، فاستقبلني رجلٌ وحده ، فاعترضته وصحتُ عليه فاستسلم إليّ ووقف ، فأخذتُ ما كان معه ، وطالبته أن يتعرّى ففعل ومضى لينصرف ، فخِفتُ أن يلقاه في الطريق من يستفزّه عليّ فأُطلبَ وأنا وحدي فأُوخذ ، فقبضت عليه ، وعلوته بالسيف لأقتله .
فقال : يا هذا ، أيُّ شيءٍ بيني وبينك ؟ أخذتَ ثيابي ولا فائدة لك في قتلي .
فكتفته ولم ألتفتْ إلى قوله ، وأقبلتُ أُقنِّعه بالسيف ، فالتفتَ كأنه يطلب شيئاً فرأى حجلة قائمة على الجبل فصاح : يا حجلة اشهدي لي عند الله تعالى أني أُقتل مظلوماً . فما زلتُ أضربه حتى قتلتُه ، وسرتُ فما ذكرتُ هذا الحديث حتى رأيت هذه الحجلة ، فذكرْتُ حماقة هذا الرجل فضحكتُ .
فانقلب عليه الراسبي في رأسه حَرَدٌ وقال :
لا جرم والله ، إن شهادة الحجلة عليك لا تضيع اليوم في الدنيا قبل الآخرة ، وما آمنتُُك إلا على ما كان منك من إفساد السبيل ، فأما الدماء فمعاذ الله أن أُسقطها عنك يا ابن الفاعلة بالأمان ، وقد أجرى الله على لسانك الإقرار عندي . يا غلمان اضربوا عنقه ، قال : فبادر الغلمان إليه بسيوفهم يخبطونه حتى تدحرج رأسه بين أيديهم على المائدة وجُرّتْ جثته ، ومضى الراسبي حتى أتمّ غداءه .
حقاً وصدقاً .. إن في قصصهم عبرة
كان الوزير أبو محمد المهلبي (متوفى سنة 352ه,) يُكثر الحديث على طعامه وكان طيّب الحديث ، وأكثره مذاكرةٌ بالأدب وضروب الحديث على المائدة ، لكثرة من يجمعهم عليها من العمال والكتاب والندماء ، وكنتُ كثيراً ما أحضر .
فقُدِّم إليه في بعض الأيام حَجَلٌ فقال لي :
أذْكرني هذا حديثاً طريفاً ، وهو ما أخبرني به بعض من كان يعاشر الراسبي الأمير ، قال :
كنتُ آكل معه (مع الراسبي) يوماً وعلى المائدة خلقٌ عظيمٌ فيهم رجلٌ من رؤساء الأكراد المُجاورين لعمله ، وكان ممن يقطع الطريق ، ثم استأمن إليه فآمنه واختصّه .
وطالت أيامه معه ، وكان في ذلك اليوم على مائدته ، إذ قُدِّم حجلٌ ، فألقى الراسبي منه واحدة إلى الكردي ، كما تُلاطف الرؤساء مؤاكليهم ، فأخذها الكردي فجعل يضحك ، فتعجب الراسبي من ذلك وقال : ما سبب هذا الضحك وما جرى ما يوجبه ؟ فقال : خبرٌ كان لي ، فقال : أخبرني به ، فقال : شيءٌ ظريفٌ ذكرتُه لما رأيت هذه . قال : فما هو ؟
قال (الكردي) :
كنتُ أيام قطع الطريق قد اجتزتُ في المَحجّة الفلانية في الجبل الفلاني وأنا وحدي في طلب من آخذ ثيابه ، فاستقبلني رجلٌ وحده ، فاعترضته وصحتُ عليه فاستسلم إليّ ووقف ، فأخذتُ ما كان معه ، وطالبته أن يتعرّى ففعل ومضى لينصرف ، فخِفتُ أن يلقاه في الطريق من يستفزّه عليّ فأُطلبَ وأنا وحدي فأُوخذ ، فقبضت عليه ، وعلوته بالسيف لأقتله .
فقال : يا هذا ، أيُّ شيءٍ بيني وبينك ؟ أخذتَ ثيابي ولا فائدة لك في قتلي .
فكتفته ولم ألتفتْ إلى قوله ، وأقبلتُ أُقنِّعه بالسيف ، فالتفتَ كأنه يطلب شيئاً فرأى حجلة قائمة على الجبل فصاح : يا حجلة اشهدي لي عند الله تعالى أني أُقتل مظلوماً . فما زلتُ أضربه حتى قتلتُه ، وسرتُ فما ذكرتُ هذا الحديث حتى رأيت هذه الحجلة ، فذكرْتُ حماقة هذا الرجل فضحكتُ .
فانقلب عليه الراسبي في رأسه حَرَدٌ وقال :
لا جرم والله ، إن شهادة الحجلة عليك لا تضيع اليوم في الدنيا قبل الآخرة ، وما آمنتُُك إلا على ما كان منك من إفساد السبيل ، فأما الدماء فمعاذ الله أن أُسقطها عنك يا ابن الفاعلة بالأمان ، وقد أجرى الله على لسانك الإقرار عندي . يا غلمان اضربوا عنقه ، قال : فبادر الغلمان إليه بسيوفهم يخبطونه حتى تدحرج رأسه بين أيديهم على المائدة وجُرّتْ جثته ، ومضى الراسبي حتى أتمّ غداءه .
حقاً وصدقاً .. إن في قصصهم عبرة
وعند الله تجتمع الخصوم ... [ وداعا ]
سيرة الشيخ ابن باديس كأنك لم تقرأها من قبل www.ferkous.com/site/rep/Ia.php







