
النكبة كل يوم بقلم نور صدوق
يبدأ ألبوم صور النكبة في رأسي بقصة كانت ولا زالت تستفز مشاعري بطريقة تعذب فيها صمتي وتنعى عروبتي ! تبدأ بقصة “حمدة النصار” كما أسمتها جدتي “حمدة” هي امرأة فلسطينية مثلوا قصتها في المسلسلات، حمدة هي تلك المرأة التي يوم هجم العسكر حملت ابنها الرضيع مسرعة كي تفر من بطشهم لتتفاجأ حين تصل قرية جدتي التي مثلت البر الآمنلها حينها اكتشفت حمدة أنها تركت ابنها في الدار التي هدمت وأنها ما حملت سوى وسادة طوال جريها !! يقول البعض أن هذه القصة ليست احدى روايات النكبة بل من قصص دير ياسين !! في الحقيقة لا يهم لأني مقتنعة تماما أن النكبة ما بدأت يوم الخامس عشر من أيار وأنها بدأت مذ اعتمدت القوات الصهيونية سياسة الترهيب والغصب كما في مجزرة دير ياسين مثلا
من هنا أفتتح ألبوم النكبة ! من هننا تتدافع في مخيلتي الآهات و تتسابق القصص الى ذهني مما سمعته وقرأته وأعرض عنها جميعا وأقرر كتابة ما بعد النكبة ! أكتب اللاجئ بخيمته المرقعة و كرت المعونة !سأكتب المخيم بمشاعره ..
منذ عام تقريبا تشرفت بزيارتي الأولى لأحد المخيمات ولا اخفي حقبقة ذهولي أمام هول ما رأيت !! سأستنكر حتما على مجتمع كامل تعامله مع كلمة” مخيم وابن مخيم ” وأصر وبشدة أن المخيم وناسه لا يخضعون لأحكام وضعية ولا يحق لأحد الحكم عليهم ، لا أريد الوقوف في حرم الدفاع عنهم لأني لم أكن يوما مكانهم لكني أعرف أنهم مثلي تماما استثناء لأن فقدان الوطن استثناء وكلانا يتشارك هما واحدا هو خوفنا على مفتاحنا من الصدأ !!
أظن أن الخيام كانت مزعجة في الليلة الأولى والسنة الأولى لكنها مع الزمن وكثرة الوعود العربية والعالمية باتت لطيفة متآلفة كفرد من العائلة الى حين وقع في غرامها لاجئونا ! فرحوا بالبداية بإقامة مركز صحي ومدرسة ابتدائية ! ثم تورطوا بطلب بيوت بسيطة وخدمات أساسية ،كهرباء وماء ! بنظري بدؤوا التعايش وقبلوا بمقبرة خارج الوطن واختصروا عمرا من النضال المنتظر ! يومها تعروا من جموح الرفض وتركوا غضبهم في الخيام !
تدربوا جيدا على الصبر وعلموا أبناءهم ابتلاع المرارة قبل ابتلاع اللقمة .. لكنهم يوما ما نسوا أنهم أبناء هناك وحملوا ذكرياتهم جيلا بعد جيل .. لأبنائهم وأحفادهم .. حفروا في مخيلتهم الوطن كما كان وكما يجب أن يكون !
يعرف أبناء النكبة – والشعب الفلسطيني بأكمله أيا كان تصنيفه- أنهم مصدر رزق للكثير من السياسين وأنهم تجارة يزاود عليها في الاجتماعات الدولية ! وانهم من نافذة أخرى واجهة اعلامية و مركز سياحي لسفراء النوايا الحسنة ! وهم بنفس الوقت وسيلة عظيمة للتقرب إلى الله يتفقدهم الناس في رمضان !
غير أن الخيام بأصحابها منذ أن كانت خيام إلى أن صارت بيوتا بلا سقوف تمثل مادة تصويرية هائلة ،صورة أطفال أنهكهم الجوع تتصدر احدى صفحات الجرائد ،أ وصورة امراة حامل تفترش الأرض في ظل شجرة تفوز بجائزة دولية !
تعلموا في المخيم لغات جديدة، ومشاعر جديدة، وصارت لهم علاقة ملتبسة مع المنفى، في لحظة ماكرة قد يشعر البعض أن المنفى يحوي ما يكفي ليكون وطن .. لكنهم سرعان ما ينتبهون : أن الأشجار هنا لا تخضرّ كما يجب، والسكر ليس حلوا والذين ماتوا لن يغفروا لهم، فتبقى عيونهم معلقة بالخلف !
تتقدم الأجيال الشابة لتحمل الحلم الذي أنقض ظهور الآباء وتستمر في المضي بين سحاب الامل .. رغم انهم فقدوا كل مقومات الحياة يوما ، ما يهم أنهم لم يكونوا في رحلة للبحث عن هوية !
قد أعتبر أن الخطأ الوحيد الذي ارتكبوه كان حين قالوا أن الخيمة ضيقة وأنهم بحاجة لأخرى إضافية .. لكني لا يحق لي أن أذنبهم فهم عاشوا ما لا أستطيع أن أشعره أبدا مهما حاولت لأنهم بنظري عاشوا النكبة في كل يوم على مدار 64 عام !