في العمق: الجزائر، علمانية أم حرب مصالح ؟
12-03-2015, 04:38 PM
في العمق: الجزائر، علمانية أم حرب مصالح ؟

في العمق: الجزائر، علمانية أم حرب مصالح ؟





ربما يسخر منا القراء حين نقول بقوة التيار العلماني في الجزائر لأننا نعلم أن العلمانية قائمة على نظريات وعلوم ولها منظرون ومفكرون وخبراء وكل ذلك غير مؤسس في الجزائر على الإطلاق،وليته كان لنعرف كيف نحاور قوما ذوي برامج وخلفيات فكرية ومنهجية.



وحتى مصطلح الاستئصال إنما هو في الأصل انقلاب وحكم العسكر حيث طغت الارتجالية والمزاجية والاعتقال بلا محاكمة ودهم البيوت بلا إذن من محكمة ووتوسعت دائرة التصفيات في ظروف غامضة وازدادت حدة التوترات والمخاوف في ظل عمليات تغيير تجري بالمنطقة وسط شلال من الدم قل أن يحدث مثله في جهة من الجهات.


لكن المصطلح الصحيح الذي يصلح أن نطلقه على الواقع الجزائري منذ الاستقلال وإلى يومنا هذا إنما هو حرب المصالح والمواقع ومعركة الزعامات ثم تطور ليصبح بفعل الفساد المالي وعوامل التوريط والمؤامرات واقتسام الريع والنهب إلى حرب ملفات تحمل بين صفحاتها فضائح كبار المسؤولين وصناع القرار في البلد ليصبح مجرد تحريك والي ولاية أو مدير تنفيذي ليس خاضعا للقانون وإنما تتحكم فيه عوامل الولاء والانتماء والبعد الجهوي والتوازنات وقانون العصب.


ثم تحول الصراع بين جيلين على الأقل جيل يتحدث باسم الشرعية الثورية المزعومة وجيل استقلال يرى نفسه غائبا أو مغيبا عن الأحداث


كانت الحرب دائرة بين الجهات النافذة الشرق الشاوي والغرب التلمساني الوجدوي ومنطقة القبائل والصراع محتدم تحكمه التوازنات والجهوية.


وحين برز المشروع الاسلامي كتيار غالب احتضنته الجماهير عمل هذا التيار المصلحي الجهوي العلماني على نسيان الخلافات و التوحد للحيلولة دون وصول الإسلاميين إلى القرار وهو يعمل على بعدين مهمين


1. احتواء التيار الإسلامي الفاعل بإشراكه في بعض زوايا الحكم وتكبيله بالجلوس على طاولة واحدة كانت مجرد ديكور وتزيين أطباق النظام الفاسد تحت عناوين الائتلاف والتحالف ووو … ثم إغراء عناصر هذا التيار وتشجيعهم على الانشقاق عن حركتهم الأم ليحدثوا فيها الانقسام فتضعف ولا تستمر في عطائها وقدرتها على مراقبة مصلحة الشعب والاهتمام بالتنمية بعد شغلها بمعركة إلهاء بخطة محكمة جدا.


2. العمل على استصدار منظومة قوانين تطيل عمر الفساد وتحمي المفسدين من خلال تقسيم الثروة وصناعة بارونات كبرى تتحكم في الاقتصاد والمال ومن ثم التأثير على القرار السياسي ليصبح مرتهنا بيد مجموعة أفراد من العائلة الحاكمة لا غير فأصبحت الثروة التي يمكنها أن تلبي حاجيات 200 مليون نسمة موزعة فقط على ما يقارب 7000 إلى 8000 عائلة ذات نفوذ في القرار تشارك في العمل السياسي فتغرقه بالرداءة والمال وتنتج برلمانا مزورا وهيئات انتخابية تفتقد القدرة على تسيير الشأن العام.


وتزداد نبرة هذا التيار الخطير في الجزائر حين يشرع في رفضه المطلق للتعدية أو المعارضة أو النقد واتهام كل من يفعل ذلك بالعمالة أو الخيانة تماما كما يحدث في التجربة التونسية أو المصرية أو سوريا وغيرها.


لابد أن يعرف أبناء التيار الإسلامي في الجزائر أنهم مرفوضون مهما كانت تصريحاتهم وكيفما كانت درجة قربهم من هذا النظام المتغول ودرجة التنازلات التي يقدمونها وقصائد المدح والثناء التي ينظمونها


فلو قبل هذا النظام بالاعتدال وحسن الكياسة فليس في الجزائر أفضل لهذا الدور كالشيخ الراحل محفوظ نحناح ورفيق دربه الشيخ محمد بوسليماني ومدرستها الرائدة


ولو قبل بالمعارضة لتمثيل الحياة السياسية التعددية فلن يمثلها أحد مثلما مثلها تيار الجبهة الاسلامية للإنقاذ بجماهيرية مدهشة لفتت أنظار العالم


فعلى الإسلاميين أن يعرفوا طبيعة المعركة ويحسنوا لها التدبير، وعلى التيار العلماني المصلحي الشخصاني أن يتعلم أن التيار الإسلامي ليس عدوا ولا متآمرا وأنه متعاون يغلب مصلحة الوطن عن كل شيئ، بالإضافة إلى أنه لن يسكت عما يقع له من تهميش وإقصاء متعمد ومقصود


فالجزائر وطننا وليس لنا وطن ثان، ولن نفكر إلا في دفء هذا الوطن ففيه نحيا وفيه نموت !


شاعر الحرية / محمد براح