الصراع بين السلفيين في الجزائر
03-05-2015, 06:04 PM
كشف أسباب بغي سلفية الإصلاح في الجزائر على إخوانهم
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين, والصّلاة والسّلام على النبيّ الأمين, وعلى آله وصحبه والتّابعين
أما بعد:
قال تعالى: ﴿ ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به أغرينا بينهم العداوة والبغضاء﴾ [المائدة:14]-: قال شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله : ((فأخبر أن نسيانهم حظا مما ذكروا به – وهو ترك العمل ببعض ما أمروا به – كان سببا لإغراء العداوة والبغضاء بينهم وهكذا هو الواقع في أهل ملتنا)). وقد أخبر النبيّ صلى الله عليه وسلّم: في الحديث الذي رواه الشيخان عن أبي سعيد الخدري رضى الله عنه قال: ((رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب خرب لدخلتموه" من هؤلاء القوم، وما يجب أن يكون موقف المسلم تجاههم؟ وما معنى حذو القذة بالقذة؟)).
وقد قدّر الله أن يكثر الخلاف بين السلفيّين في سائر البلاد الإسلامية عموما, وفي الجزائر على وجه الخصوص, لا سيما في هذه الأيّام, وسبب ذلك بغي جماعة الإصلاح على إخوانهم من أمثال الشيخ بن حنيفية عابدين, وأبي سعيد وغيرهم.
ولا شكّ أنّ بغي أهل الحق بعضهم على بعض, سنّة كونيّة, لا يمنع من وقوعها, ذلك الاتفاق حول المرجعيّة, ولا يخفّف من حدّته وحدة أطرهم الفكرية.
ومن ذلك؛ بغي جماعة * الإصلاح * في الجزائر على إخوانهم السلفيين ممّن أطلقنا عليهم مصطلح *جماعة الجمعيّة *, وهو البغي الذي يُستدلُّ لتبريره بتأويلات كثيرة, لا تكاد تخرج عن التأويلات التي ذكرها ابن تيمية بقوله:(( وأنت إذا تأملت ما يقع من الاختلاف بين هذه الأمة الأمة علمائها وعبادها وأمرائها ورؤسائها وجدت أكثره من هذا الضرب اللذي هو البغي بتأويل أو بغير تأويل)).
ولا شكّ أنّ بغي هذه الجماعة كان وليد تراكمات كثيرة فجّرها, انضمام بعض السلفيين إلى جمعية العلماء المسلمين الجزائريين, وانضوائهم تحت رايتها.
وكثيرا ما ينخدع النّاظر الذي لا يفقه مكامن النفوس, وحقائق الأشياء, من أصحاب العقول الساذجة, فيظنّ أن هذا الخلاف, خلاف عقديّ منهجيّ, مجرّدٌ من كلّ نزعة إنسانية, أو هوى نفساني.
ولا بأس بتذكير أمثال هؤلاء بكلام شيخ الإسلام ابن تيميّة –رحمه الله- حيث ذكر أسباب البغي الواقع بين علماء وأمراء الأمة فقال: ((حب الرياسة هو أصل البغي والظلم)), وقال في وضع آخر:(( الفتنة سببها عدم تمحيص التقوى والطاعة بين الطرفين, واختلاطهما بنوع من الهوى والمعصية في الطرفين, وكل منهما متأول أنه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر, وأنه مع الحق والعدل)) .
وأصحاب هذا التصور البريء معذورون لعدم مخالطتهم رموز طرفي الصراع, فهم يحكمون انطلاقا من ثقتهم الزائدة, بخلاف من خالط المشايخ, وجالس رموز طرفي الصراع, فإنه سينظر إلى هذا الخلاف, وقد استحضر كل حيثياته الدّافعة إليه والمسعّرة لناره.
إنّ الصّراع الخفي القائم -اليوم - بين هاذين الاتجاهين, والذي بدأ يطفوا على العلن, له أسباب حقيقية غير معلنة, تتستّر وراء أسباب مختلقة, أو بالأحرى هو صراع نفوذ وهيمنة وكسب للولاء, لكنّه يختفي خلف شعار » حماية الدّعوة السلفيّة –كدأب الأنا المتستّر بعباءة ((إني أخاف أن يبدّل دينكم وأن يظهر في الأرض الفساد)).
لذلك سنحاول الوقوف عند أهم الأسباب المعلنة التي يُظنّ أنها هي أيقونة هذا البغي:
أوّلا- مخالفة جماعة*الجمعية* لقاعدة وسائل الدّعوة توقيفيّة:
ترى جماعة الإصلاح أنّ وسائل الدّعوة توقيفيّة, ولأجل ذلك قالوا ببدعيّة كثير من الوسائل التي اتّبعها أبناء تيار الصّحوة الإسلامية, كالأحزاب السياسية والمظاهرات والإضرابات, وغيرها, ومن ذلك قولهم ببدعيّة المشاركة في العمل الجمعوي عموما, قبل أن يتراجعوا ويقولوا بجوازه إذا كان القائمون على الجمعيّة سلفيّين .
ولا شكّ أنّ مسألة: هل وسائل الدّعوة توقيفيّة أم هي اجتهاديّة, تحتاج إلى تفصيل في محلّ النّزاع, وشرح لمرادهم من لفظة » وسائل « .
تعريف الوسيلة : تطلق الوسيلة ويراد بها الشيء الذي يتوصل به إلى غيره, وقد وردت في القرآن الكريم بهذا المعنى, عند قوله تعالى: ((أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا )). وهي تشبه لفظة الذريعة في المعنى, بينما تخالفها في شيوع الاستعمال, فالذريعة تستعمل غالبا فيما يفضي إلى مفسدة أو شر , لذلك استعمل لفظ الذريعة في قاعدة: سدّ الذرائــــع, بينما تستعمل الوسائل فيما يفضي إلى خير أو الغاية المطلوبة أو المصلحة الراجحة .
فأحكام الشريعة جاءت لتحقيق الغايات الحميدة, والتنويه بالوسائل المفضية إليها, والتحذير من الغايات الفاسدة, والوسائل المساهمة في تحققها قال القرافي: (وموارد الأحكام على قسمين: مقاصد وهي المتضمنة للمصالح والمفاسد في أنفسها، ووسائل، وهي: الطرق المفضية إليها).
والوسائل هي أحد قسمي موارد الأحكام, وتكون إما وسائل مفضية إلى مصالح أو وسائل مفضية إلى مفاسد .
وباستقراء أنواع الوسائل نجد أنها لا تخرج عن هذه القسمة الثلاثية:
1- وسائل اعتبرها الإسلام ونصّ عليها:وهي وسائل وغايات في نفس الوقت, كالجهاد لأجل إعلاء كلمة الله, فهي وسيلة وغاية في نفس الوقت. وكالوضوء للصلاة, والآذان لإعلان دخول الوقت.
2- وسائل ألغاها الشارع وحذّر منها: فلا شكّ في وجوب تركها, وعدم اعتبارها, وهدر تلك المصلحة المظنونة أمام المفسدة المتيقنة المترتبة على ارتكابها, كمسألة:سب آلهة المشركين لإغاضتهم, إذا ترتب عنها سبّ المشركين للذات الإلاهية. وكمسألة التغلب فإنّه مذموم شرعا, ولا يبرر جوازه محالفة الحظّ لبعض المتغلّبين, وتحقق بعض المصالح بسبب هذا التغلب.
وهاذين القسمين؛ الأوّل والثاني, هما توقيفيين, ومعنى ذلك ورود النصّ بإعتبار الأول, وبإلغاء الثاني.
3- وسائل مرسلة: وهي التي لم ينصّ عليها الشارع الحكيم, ولم يحذّر منها, وهذا الصّنف لا شكّ أنّه اجتهادي, يتوقف على نسبة المصالح والمفاسد, وارتكاب أهون الشرّين لتحقيق أفضل المصلحتين, ومن ذلك: قيام الصحابة رضي الله عنهم بجمع المصحف الكريم, في عهدي أبي بكر الصديق وعثمان بن عفان, وبناء السجون, وكتابة الحديث , وغيرها من الوسائل التي لم تكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلّم, وإنما قام بها الصّحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم , تغليبا للمصالح المترتّبة على ذلك.
ومثل هذه الوسائل قد لاتكون متعيّنة ؛ إذ أنّ المقصد يتحقّق بها أو بغيرها من الوسائل، فهذه الوسيلة أشبهت الواجب المخير، أو المطلق والفرض الكفائي، وذلك من جهة تعدد الوسائل وتخيّر المكلف ما شاء منها.
وهذا القسم الاجتهادي هو الذي يلبّس به كثير من المداخلة و أتباعهم من جماعة الإصلاح؛ بحيث أنّهم يجعلونه غير اجتهادي.
فالخلاف الواقع اليوم بين السلفيين حول مسائل: دخول البرلمانات والمجالس النيابيّة, والمشاركة في الانتخابات, وتنظيم المظاهرات والإضرابات, ومناصحة ولاة الأمور عبر وسائل الإعلام, والظّهور عبر القنوات الليبرالية, وغيرها من الوسائل, هو خلاف حول وسائل اجتهاديّة , والمداخلة يحجّرون في مثل هذه المسائل, ويحاولون فرض وجهة نظرهم , مستأسدين على مخالفيهم بقاعدة : "وسائل الدعوة توقيفية", وجماعة الإصلاح تتبنّى هذا الطّرح المدخلي, ولا تعترض عليه.
ومخالفيهم يجعلون مثل هذه الوسائل اجتهاديّة, يسوغ فيها الخلاف. مستأنسين بقاعدة: يغتفر في الوسائل ما لا يغتفر في المقاصد.
و يلاحظ أنّ جماعة الإصلاح لم تعتمد في بغيها على جماعة *الجمعية * وتحذيرها منهم بعد انخراطهم في جمعيّة العلماء المسلمين الجزائريين, على الفهم المدخلي لقاعدة: وسائل الدعوة توقيفية, لأنّهم متأكّدون أنّ استدلالهم بهذا الفهم دونه مفاوز وقفار تنقطع فيها أعناق المطي, كما أنّ النّبش في مثل هذه الجزئية, سيحرّك العقول ويكشف اللثام عن كثير من المسائل, التي بنى عليها المداخلة وأنصارهم منظومتهم المنهجية. لذلك اعتمدت جماعة الإصلاح على أدلّة ثانويّة دون هذا الدّليل الذي هو قطب رحى خلافهم مع مخالفيهم, ومن الأدّلة الثّانوية التي احتجّوا بها:
أ‌- الجمعية ذريعة للتحزب:
أي أن جماعة الإصلاح تحكم على الأمور بما تخمنه من مآلاتها, وهو أمر لا شكّ في خطورته في إصدار الأحكام, فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يؤمر بهدم مسجد ضرار إلا حين صار مسجدا ضرارا, والقاضي لا يجوز له أن يتّهم النّاس بالظنّة, فالحكم يكون فرع عن التصور, والتصوّر يولد مع حصول الشيء ووقوعه لا مع تخمينه وتوقعه.
ثمّ هل التحزّب كلّه مذموم, أم أنّ المذموم منه هو التحزّب للباطل, ومن ثم هل يوجد حرج في أن يتحزّب السلفيّون للحق...؟ كما قال تعالى: ﴿ لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾.
فالتحزّب ليس بالضرورة قرع لصناديق الانتخابات, أو سعي وراء كراسي البرلمانات, بل التحزب هو التكتل, وقد يكون لنصرة حق أو للدفاع عن باطل, و لا شكّ أنّ التحزّب قصد الدّعوة إلى الله واجب شرعي, وهو وظيفة عظيمة, وما لا يتمّ هذا الواجب إلا به فهو واجب, ولاشكّ أنّنا في عصر هزُلت فيه دولة الإسلام, وتركت الأنظمة التي تحكم بلاد المسلمين تطبيق الكثير من ضروريات الشرع, وأغفلت قضية ترسيخ القيم التي تصنع مجتمعا إسلاميا واعدا, وصار للباطل صولة وجولة, وكثرت المفاسد, وتعطلت المصالح, كلّ هذا وقوى الباطل مجتمعة لنصرة باطلها, كيوم اجتماع الأحزاب, والسلفيّون متفرّقون تفرّق أيدي سبأ, والذئب يأكل من الشاة القاصية, ويد الله مع الجماعة, فصار المفسدون, وخصوم الإسلام يستغلون كلّ مكان لنشر باطلهم, وبثّ سمومهم, فأخذوا مساحات كبيرة, واستقطبوا جمهورا عريضا, بينما أراد المداخلة وأتباعهم من جماعة الإصلاح الاكتفاء باعتلاء المنابر, والتي أضحى بعضها مقابر للدعوة السلفية, بعد انشغال خطبائها بالطّعن في العلماء, وانتهاك حرماتهم, وممالأة الظّلمة والوقوف في صفّهم.
ولا شكّ أن بُعد المداخلة وأتباعهم في كلّ مكان وزمان عن ميادين الدّعوة, واشتغالهم بأعراض النّاس, هو الذي جعلهم يتوهمون خطر إخوانهم, ويغفلون عن الأخطار المحدقة بالهوية الإسلامية, تلك الأخطار التي يعجز السلفيون أن يواجهوها لوحدهم, فلا بدّ لهم من الاستعانة بمن لا يتم ردّ عدوان أهل الباطل إلا بهم , سواء كانوا مسؤولين نافذين, أو جهات أمنية, أو مؤسسات دينية, أو حتى شخصيات سياسية منصفة, إذا كانت هذه الاستعانة ستترتب عليها مصالح أكثر من المفاسد المترتبة من عدم الاستعانة بهم, والاكتفاء بالوثوق المفرط بالنفس.
إذن فالتحزب إن كان في الحق ولأجل نصرة الحق فهو تحزّب مطلوب.
ب- دعوى فساد منهج جماعة *الجمعيّة*:
من الواضح أنّ غياب ثقة جماعة الإصلاح, وعلى رأسهم الشيخ محمد علي فركوس, في صحة منهج جماعة * الجمعية* وسلامته, أو بالأحرى دعوى جماعة الإصلاح أنّ جماعة الجمعية أصحاب منهج فاسد, وأنهم يتسترون خلف السلفية للتلبيس على الناس , وأنّ منهجهم قائم على موالاة أهل البدع, والمنافحة عنهم .
وهم يقصدون بأهل البدع, أعضاء المكتب الوطني لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين, أو بعض الشخصيات الإسلامية العاملة في حقل الدعوة, والتي لم تبايع ربيع المدخلي, ولم تتكفف منه تزكية في يوم من الأيام, إما لعدم خطور ربيع المدخلي ببالها, كونه نكرة عندهم, أو عدم ثقتهم في علمه وأهليته لأن يكون وصيا على السلفيّة وحاجبا أمينا لها.
ولعل الوقت لا يسع لمناقشة بعض الجزئيات, كمسألة إخراج الناس من السلفية بالظنّ السيء وعدم الاعتداد بالظاهر, رغم احتكام الكثير منهم إليه في مسألة العذر بالجهل, وكمسألة التعامل مع أهل البدع هل يحرم مطلقا أم أنّ اطلاقه قد قيّدته قاعدة جلب المصالح ودرء المفاسد, وارتكاب أهون الشرين.
لا شكّ أنّ جماعة الإصلاح عاجزة عن الجزم بأنّ مثل هذه المسائل هي مسائل متّفق عليها, كيف ومخالفوهم يملكون من الأدلّة الشرعية, والوقائع التاريخية, ما يخرج مثل هذه المسائل من دائرة المجمع عليه إلى دائرة ما يقبل الاجتهاد المنوط بمسألة تقدير المصالح والمفاسد.
إلى هنا يمكن أن نكون قد لخّصنا أهم الأسباب التي تتستر من وراءها مجموعة الإصلاح.
وهي أسباب غير مسلّم بها, وحتى أصحابها لا يمكنهم الدفاع عنها, وحجّتهم غير قويّة في جعلها أسبابا شرعيّة تبرّر موقفهم من جماعة *الجمعيّة*وقد اكتشفت ذلك أثناء سؤالي للشيخ محمد علي فركوس حول مسألة الانضمام إلى جمعية العلماء المسلمين الجزائريين, ففوجئت بقصور تصوره لمسألة الجمعية والعمل الجمعوي, الأمر الذي يجعل صحة حكمه على المحك, فالشيخ قد بنى تصوره على حسب ما نقل إليه. وإليك مقتطف من ذلك الحوار الذي لا زلت أحفظ الكثير من تفاصيله.
أمين : فضيلة الشيخ أنا من وهران, ورئيس ج.ع.م.ج ببلديّة سيدي الشحمي, وقد وجدنا مضايقات في المساجد, وأوصدت أمامنا أبواب الدعوة إلى الله, ووجدنا منبر الجمعية, والتي نظن أنّنا بعد استغلالها, صرنا أكثر دعوة, ولم نجد أنفسنا قد تلوثنا ببدعة ظاهرة أو باطنة عقب دخولنا في الجمعية, غير أنّ إخواننا نصحونا بأن نسأل مشايخنا السلفيين -وعلى رأسهم أنت- عن حكم هذا العمل, وفق ما ذكرنا لكم.
الشيخ محمد علي فركوس: أمّا كوني على رأس السلفيين فهذا ممّا يذاع إعلاميا, وإلا فأنا واحد منهم, أما قضية الجمعية, فلا شك أن فتح جمعية دينية أمر جائز, أمّا جمعية العلماء المسلمين الجزائريين فلا, لأنّه يشرف عليها إخوان الجزأرة, وهي ليست إمتدادا لجمعية العلماء الأم, بل هي جمعية ولدت عقب صفقة بين النظام وبين الإخوان الجزأرة. وشعارها هو الأشعرية مذهبنا , ولذلك سأوجه إليك هذا السؤال. هل يجوز التعامل مع جمعية رئيسها هو عبد الرزاق قسوم الفيلسوف, وأحد أعضائها عمار طالبي...؟
أمين: فضيلة الشيخ, في القرآن الكريم يوجد آية جامعة مانعة: وهي قوله تعالى: ﴿ وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان﴾ . فهذه الآية تأمرنا بذلك, فالذي يجمعنا بعبد الرزاق قسوم وغيره من أعضاء المكتب الوطني هو التعاون على البرّ, لتحقيق القدر المتّفق عليه .
الشيخ: قل لي... ! ما حكم الانضواء تحت جمعية يرأسها عبد الرزاق قسوم...؟
أمين: فضيلة الشيخ, أظنّ أنّه نفس الجواب حول ممارسة السلفيين لوظيفة الإمامة تحت مظلة وزارة الأوقاف التي تتبنى العقيدة الأشعرية والسلوك الصوفي.
الشيخ: هناك فالدخول في الجمعية عمل تطوعي, والإمامة وظيفة.
أمين: ولكن يا شيخ الأئمة السلفيين هم أكثر من يلام على ذلك لأنّهم يتحصلون على وظيفة, بخلافنا نحن, لأننا متوعون ووقت ما رأينا الشر, انسحبنا من تلقاء أنفسنا, دون الخوف على فقد الوظيفة, وزوال الراتب الشهري.
الشيخ: أنت جئت لتناقش لا لتسأل, وليس عندي مجال الآن لمناقشتك, يمكن أن نتناقش في مكان الآخر, ولكن الآن أنت سألت وأنا أجيب... الآن صار إخواننا هم الذين يعينون إخوان الجزأرة, يدافعون عنهم, ويشاركون في المولد النبوي و غيره, وهم الذين ينكرون علينا كلامنا في إخوان الجزأرة, أولئك الذين ظلمونا, ويكرهوننا, ومنعونا من ارتياد المساجد, ...ثمّ ذكر أسماء مشايخ سلفيين بأسمائهم, من جماعة الجمعية, ...وفي الأخير قال : هذا هو جوابي من اقتنع فبها ونعمت, ومن لا فلست مكلفا بفرض رأيي عليه....انته
بعد هذا اللقاء تأكّد لي أنّ الشيخ فركوس لا يعلم كثيرا من أمور مكتب جمعية العلماء المسلمين, وأنّ أحكامه بناها على معلومات قديمة أو مواقف شخصية أو معلومات نقلها إليه كذبة أو جهلة أو محدّثين بكلّ ما سمعوا... !
وبعد أن سردت عليكم هذه القصة التي تكررت مثيلاتها مع إخوان لي جرّبوا حنكتهم, ودهاءهم لإقناع الشيخ فركوس بتغيير موقفه من الانضمام إلى الجمعية, أو على الأقل بالكف عن لمز إخوانه الذين أداهم اجتهادهم إلى العمل الدعوي المنظم, تحت مظلة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين, مادام الأمر لا يعود على الدعوة السلفية بأي مفسدة, بل سيخرجها من سباتها, وانطوائها على نفسها, وتقوقعها تقوقعا مميتا لا زلنا نشهد بعض آثاره. سألقي على مسامعكم الأسباب الحقيقة لهذا الصّراع.
السبب الحقيقي لبغي جماعة الإصلاح على جماعة*الجمعية*:
إنّ الأسباب الحقيقيّة والتي لا يعرفها إلا من خبر القوم, واحتك برموز طرفي الصراع, وكان ذا رؤية واضحة تستمد وضوحها من العلم بعيوب النفس الإنسانية, وضوحا مصقولا بالملكة المكتسبة من مراجعة قضية اختلاف أهل السنة قديما بحسب ما تقدّمه إلينا كتب التاريخ والطبقات والتراجم, سيجزم أن هذا الصراع هو صراع على الرياسة وكسب الأتباع, وبسط النفوذ, من طرف جماعة الإصلاح الذين بدل أن ينظروا إلى جماعة *الجمعية* على أنّهم إخوان في المنهج, وشركاء في المشروع الإصلاحي, فإنهم ينظرون إليهم كمنافسين في النفوذ والريادة, وطامحين إلى تقليص نفوذهم, وبسط هيمنتهم, لا سيما وأنّ اللّذين يقودان جماعة * الإصلاح* ليسوا من أهل العلم, ولا يمتون إلى العلم بصلة, وإنما هم سلفيون عاديون, رفعتهم تزكية ربيع المدخلي, وجعلتهم أوصياء على المنهج السلفي في الجزائر, وأعطتهم سلطة التزكية والإقصاء, فالسلفي من عدّلوه والمبتدع, من بدّعوه وأقصد بهما الشيخ لزهر سنيقرة والشيخ عبد الغني عويسات .
فأمثال هؤلاء إن تركوا المجال لجماعة *الجمعية*وهم من هم في العلم والأخلاق و الدعوة, والفقه. بان للناس جهلهم, وانفضح أمرهم, فانصرف الناس عنهم.لذلك سارعوا إلى تبديع مثل هؤلاء, وسعوا إلى صرف أعين الناس عنهم, والطعن في نياتهم.
وحين انخدع كثير من طلبة العلم بكلامهم, وتركوا مجالسة بعض المشايخ الأفاضل, وجدوا أنفسهم قد حرموا كثيرا من العلم, والفقهه والفهم وحتى الأخلاق, فصاروا يشترون الأقراص العلمية لأمثال الشيخ عبد الحليم توميات سرا, ويسمعها طلبة العلم تقية, وكثيرا ما كان بعض طلبة العلم المخدوعين يطلبون مني دروس الشيخ بن حنيفية عابدين, ومطويات الشيخ محمد حاج عيسى, وكتب الشيخ أبي سعيد. لأنهم لم يجدوا العلم الرصين عند كثير من مشايخ جماعة الإصلاح, والذين دفعهم الخوف من عبد الغني عويسات ولزهر سنيقرة إلى الانصياع وراء مقرراتهم, ولزوم طريقتهم, ولو بالسكوت عنهم, وعدم إبداء تحفظات من مسلكهم.
بل وصل الأمر بالشيخ محمد علي فركوس إلى ممالأة لزهر سنيقرة وعبد الغني عويسات, والسير على منوالهما, فبغى على إخوانه من جماعة الجمعية, إما خوفا من أن يناله جام غضبهم , أو أنه تأثّر بكثرة ملازمتهم, ومجالستهم, فاختلط علمه بجهلهم, وحلمه بطيشهم, فصار منهم ويقول بقولهم, ويعمل بعملهم.
وما أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد
لذلك أرى أنه على كل سلفي عاقل أن يسمي الأمور بمسمياتها, فلزهر سنيقرة وعبد الغني عويسات ليسوا إلا عالة على أهل العلم فلا نسميهم علماء, ولا مشايخ.
ولنكن على ثقة أن جماعة الإصلاح لا يقودهم الأعلم والأحلم , بل يقودهم مداخلة ليسوا في العلم, لا في العير ولا في النفير, بضاعتهم سبّ إخوانهم, وغايتهم صرف الوجوه إليهم, و إخماد أصوات أهل العلم الذين يفوقونهم علما وفقها.
ونرى أن الشيخ محمد على فركوس وعز الدين رمضاني وغيرهم من أهل العلم صاروا ضحية فكر جماعة تمارس الإرهاب الفكري, والتي نتمنى أن يتخلص من سطوتها, ويرجع إلى ما كان عليه من العدل والإنصاف. وقتها ستعود المياه إلى مجاريها, والقلوب إلى ودّها وتصافيها.
اللهم إنا نسألك أن توحد صفنا على الحق, وتختم لنا بالحسنى, وتجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كتبه أخوكم أمين كرطالي