الأندلس تسقط و الفقهاء يتجادلون-نموذج لا يزال يتكرّر-
07-05-2015, 04:37 PM
حين كانت دولة الإسلام في الأندلس في طريقها إلى السّقوط, تئنّ تحت تحت ضربات القوى النّصرانيّة الحاقدة, كان فقهاء المغرب والأندلس يسبحون في فلك آخر, لم تكن مواقفهم ولا ردود أفعالهم منسجمة مع ما يقتضيه الواقع, و لا مع ما تحتّمه الظّروف, بل إنّ هؤلاء الفقهاء كانوا لا يزالون يكثرون الجدال والنّقاش في قضايا فرعيّة, لا تستحقّ الحيّز الذي أخذته, ولا الصّخب الذي أثارته, فأثيرت مسألة الكتابة على الكاغد الرّومي, والتي طال حولها الجدال, وأطال النّفس في تقريرها ابن مرزوق, وكتب فتواه الموسومة ب "تقرير الدّليل الواضح المعلوم على جواز النّسخ في كاغد الرّوم" كما أثيرت في الأندلس مسألة حول طريق الصوفيّة هل يصحّ سلوكه بكتب الهداية الوافية كالإحياء والرّعاية, أم لا بدّ من شيخ عارف يبيّن دلائل الطّريق, ويحذر غوائله, وهي المناظرة التي قال ابن خلدون أنه :((طال فيها الجدال, وجلب للاحتجاج العلماء و الأبدال, وذهبت النّصفة بينهم والاعتدال)), وهو وصف يرسم صورة حقيقيّة عن ضيق الأفق, وقلّة الإلمام بفقه الأولويات . ومن المسائل التي أثيرت مسألة السلطان المريني أبي الحسن الذي سأل الفقهاء عن اتّخاذ الرّكاب من الذّهب, و بعث بسؤاله إلى فقهاء المغرب الأوسط والأقصى بتلمسان ومراكش وفاس . لم يقتصر الخلاف حول المسائل الدينيّة, بل كان هناك صراع آخر يحرّكه طلب الرياسة, حيث قال المقرّي واصفا حال قضاة الأندلس في هذه الفترة العصيبة:((...وكذلك من اختلاف رؤسائه وكبرائه, ومقدّميه وقضاته.))
و يوجد في طيّات كتب نوازل القرن التّاسع الهجري الكمّ الهائل من أمثال هذه المسائل التي شغلت أصحاب المحابر وفرسان المنابر عن قضيّة الجهاد ضدّ نصارى الأندلس. في الوقت الذي كان أساقفة طليطلة وصقليّة وبابوات روما يقودون أباطرتهم إلى تحقيق نصر ساحق على الأمّة الإسلاميّة في بلاد المغرب والأندلس.
ولا يجد الباحث ما يخفّف من حدّة هذا الحكم عدا مواقف فقهاء آخرين, طرحوا بعض القضايا المتوافقة مع متطلّبات عصرهم, كمسألة الصّلح مع النّصارى, و مسألة أيّ العبادتين أفضل بالنّسبة لأهالي الأندلس هل هو الحجّ أم الجهاد؛ حيث قال عدد من الفقهاء بسقوط الحجّ, وأفضليّة الجهاد .
ومن المواقف التي تُحسب لفقهاء تلك الفترة مساعي البعض منهم لرأب الصّدع بين ولاة الأندلس, وتوحيد الجهود لمواجهة النّصارى, يقول المقري:(( لما تقلَّص الإسلامُ بالجزيرة واستردّ الكفار أكثر أمصارها وقراها على وجه العنوة والصّلح والاستسلام لم يزل العلماء والكتاب والوزراء يحرّكون حميات ذوي البصائر والأبصار, ويستنهضون عزماﺗﻬم في كل الأمصار)) , ومن هؤلاء الفقهاء نجدُ أبا يحيى بن عاصم الذي قال عنه أبو عبد اله, الوادي آشي:(( على أنّ الدّولة النّصريّة في زمانه وهت منها المباني, ومع ذلك فكان - رحمه الله- يجبر صدع الواقع, ثمّ اتّسع بعده الخرق على الرّاقع)) , ومن ذلك؛ مساعيه في الصّلح بين السّلطان أبي الحجّاج والسّلطان الغالب باللّه, وهي المساعي التي جلبت له نقمة أرباب الدّولة الذين أغروا به العامّة, حتّى لحقه بسبب ذلك خوف كبير . وقد ترك ابن عاصم كتابا يحمل عنوان"جنّة الرّضا في التّسليم لما قدّر الله وقضى", يقول المقرّي عن سبب تأليفه:((عندما رأى اختلال أمر الجزيرة, وأخذ النّصارى لمعظمها, ولم يبق إذ ذاك بيد المسلمين إلّا غرناطة وما يقرب منها, مع وقوع فتن بين ملوك بني نصر حينئذ, ثمّ أفضى الملك إلى بعضهم بعد تمحيص وأمور يطول بيانها, ألّف كتابه جنّة الرّضا في التّسليم لما قدّر الله وقضى )) . ورغم جهود ابن عاصم فإنّها لم تشفع له أمام قساوة السّياسة, ليذهب ضحيّة المؤامرات والدّسائس, فيقتل ذبيحا سنة858هـ, ويلقى نفس مصير ابن الخطيب .
و يوجد في طيّات كتب نوازل القرن التّاسع الهجري الكمّ الهائل من أمثال هذه المسائل التي شغلت أصحاب المحابر وفرسان المنابر عن قضيّة الجهاد ضدّ نصارى الأندلس. في الوقت الذي كان أساقفة طليطلة وصقليّة وبابوات روما يقودون أباطرتهم إلى تحقيق نصر ساحق على الأمّة الإسلاميّة في بلاد المغرب والأندلس.
ولا يجد الباحث ما يخفّف من حدّة هذا الحكم عدا مواقف فقهاء آخرين, طرحوا بعض القضايا المتوافقة مع متطلّبات عصرهم, كمسألة الصّلح مع النّصارى, و مسألة أيّ العبادتين أفضل بالنّسبة لأهالي الأندلس هل هو الحجّ أم الجهاد؛ حيث قال عدد من الفقهاء بسقوط الحجّ, وأفضليّة الجهاد .
ومن المواقف التي تُحسب لفقهاء تلك الفترة مساعي البعض منهم لرأب الصّدع بين ولاة الأندلس, وتوحيد الجهود لمواجهة النّصارى, يقول المقري:(( لما تقلَّص الإسلامُ بالجزيرة واستردّ الكفار أكثر أمصارها وقراها على وجه العنوة والصّلح والاستسلام لم يزل العلماء والكتاب والوزراء يحرّكون حميات ذوي البصائر والأبصار, ويستنهضون عزماﺗﻬم في كل الأمصار)) , ومن هؤلاء الفقهاء نجدُ أبا يحيى بن عاصم الذي قال عنه أبو عبد اله, الوادي آشي:(( على أنّ الدّولة النّصريّة في زمانه وهت منها المباني, ومع ذلك فكان - رحمه الله- يجبر صدع الواقع, ثمّ اتّسع بعده الخرق على الرّاقع)) , ومن ذلك؛ مساعيه في الصّلح بين السّلطان أبي الحجّاج والسّلطان الغالب باللّه, وهي المساعي التي جلبت له نقمة أرباب الدّولة الذين أغروا به العامّة, حتّى لحقه بسبب ذلك خوف كبير . وقد ترك ابن عاصم كتابا يحمل عنوان"جنّة الرّضا في التّسليم لما قدّر الله وقضى", يقول المقرّي عن سبب تأليفه:((عندما رأى اختلال أمر الجزيرة, وأخذ النّصارى لمعظمها, ولم يبق إذ ذاك بيد المسلمين إلّا غرناطة وما يقرب منها, مع وقوع فتن بين ملوك بني نصر حينئذ, ثمّ أفضى الملك إلى بعضهم بعد تمحيص وأمور يطول بيانها, ألّف كتابه جنّة الرّضا في التّسليم لما قدّر الله وقضى )) . ورغم جهود ابن عاصم فإنّها لم تشفع له أمام قساوة السّياسة, ليذهب ضحيّة المؤامرات والدّسائس, فيقتل ذبيحا سنة858هـ, ويلقى نفس مصير ابن الخطيب .