ملف/قصّة الشيخ بوسليماني مع "الجيّا" وخفايا 53 يوما من الإختطاف
21-02-2016, 09:14 PM
زهيرة مجراب / حسناء بن سونة / وهيبة سليماني
أجمع وزراء وشخصيات سياسية ورؤساء أحزاب، وناشطون في حركات التيار الإسلامي، السبت، على أن الشيخ محمد بوسليماني، شخصية لا يمكن تجاوزها في الوقت الحاضر، لما لها من دور دبلوماسي ودعوي في مرحلة حساسة عاشتها الجزائر، سنوات التسعينيات، حيث ساهم في تقليص المأساة الوطنية بحنكته ونشره الوسطية الدينية، وأساليب الإقناع، ورفضه إمضاء فتوى إباحة دماء الجزائريين رغم التهديدات المتكررة من الجماعات الإرهابية.
شهد من حضر ذكرى استشهاد الرجل إلى جانب عائلته، بفندق السلطان بحسين داي، لهذا الداعية المعاصر، عدة مواقف شجاعة، يستحق لأجلها أن تبنى له زاوية وأن يؤسس له مجمع إسلامي لتحفيظ القرآن، وأن يتم الاعتراف من خلال دسترة المصالحة الوطنية، بالمحور الشرعي الذي لعبه الشهيد رفقة أمثاله من الدعاة والعلماء. ودعوا إلى البحث عن الفكرة التي أنجبت هذا الداعية الذي يتمتع بالوسطية في زمن كثرت فيه الفتاوى الارتجالية وانتشرت فيه فتن الحياة، والتعريف به للأجيال الصاعدة بتجاوز ثقافة النسيان.
عائلة بوسليماني:
المرحوم اشتم رائحة الموت لكنه أصر على البقاء لأجل الجزائر
كان يردد "إذا هربت لمن نترك البلاد"
ابنة أخته: خالي يملك قدرة عجيبة في الإقناع

تحدثت شقيقات وقريبات المصلح والداعية المعاصر، محمد بوسليماني، عن المرحوم بهالة من الاحترام والتقدير، حيث قالت شقيقته مينة، إن أخاها حقق لحد كبير ما تمناه، هدفه لم يكن ماديا بقدر ما كان روحيا وأخلاقيا، أصلح في رأيها مسار العائلة والأقارب ورعى مصالحها ورحيله بالنسبة لها، ترك فراغا كبيرا، حيث قالت "البيت هوى بعده".
وأكدت الشقيقة مينة، أن بوسليماني رفض أن يهرب ويهجر البلاد رغم انه اشتم رائحة الموت، كان يردد حسبها دائما "إذا هربنا لمن نترك البلاد"، وتضيف "لقد وصف نفسه بالسلحفاة التي لا تستطيع الاستغناء عن بيتها القشري الذي تحمله معها أينما تذهب".
من جهتها، اعتبرت شقيقته الصغرى فاطمة الزهراء، أن شقيقها خير داعية للعائلة وللجزائريين، كان كتوما عن عمله، لا يتحدث عنه في النقاشات الأسرية، ويظهر ما يحمله في قلبه من غضب وحزن في اجتماعه بأفراد عائلته.
وأضافت "أتذكر أياما قبل رحيله وأنا أرافقه إلى مطار هواري بومدين لنوصل أختي التي كانت مسافرة إلى فرنسا.. قال لنا "إنها تزنزن فوق راسي، ولم يضف كلمة أخرى"، تقول فاطمة الزهراء والتي أكدت أن شقيقته مينة نصحته بأن يغادر المنطقة، لكنه رفض وأصر على البقاء حبا في الجزائر.
وأضافت "لا مثيل لأخي.. لن نجد آخر يعوضنا عنه"، جملة رددتها مينة وفاطمة الزهراء عدة مرات، واللتان اعتزتا ان شقيقهما مات شهيدا لأجل كلمة الحق.
لقد رفض حسبهما، أن تباح دماء الجزائريين في وقت كثرت الفتن واختلط الحابل بالنابل، وهيمن الخوف والرعب حتى في نفوس من يعتبرون أنفسهم شجعانا.
ابنة أخته، اثنت على خالها وشهدت له مواقف تؤكد انه داعية لا يستعمل العنف في دعوته، يتمتع بروح الوسطية، ويملك قدرة الإقناع بطريقة عجيبة تقول، وتضيف "خالي الذي رباني لم يكن عنيفا.. أقنعني بارتداء الحجاب بطريقة ذكية.. أخذني معه للبقاع المقدسة، ووجدت نفسي مقتنعة بارتداء الحجاب، وعندما عدنا كان يمزح معي ويعيد على مسامعي قصصا طريفة حتى تمكن من أن أبقى متحجبة لحد الساعة".
وقالت إن خالها كان يعطيها هدايا عندما يعود من سفرياته للخارج، ويطلب منها أن توزعها على زملائها في المدرسة، حيث ترى أن المعاملة الحسنة وكسب ثقة الناس هي رأس ماله في الحياة.
محمد بوسلمياني لشقيقته قبل أسبوع من اختطافة:
إذا حدث لي مكروه فـ"الفيس" هو السّبب!
شقيقته: هل يعقل أن تعوض عائلة بوسلماني بـ9 ملايين سنتيم!

ترى فاطمة الزهراء بوسليماني أن شقيقها الشهيد محمد بوسليماني الذي كان منبرا لقول الحق وثابتا على موقفه الرافض للعنف وحرمة استباحة دماء الجزائريين ولم يُداهن حتىّ وسكين الغدر فوق رقبته، لايزال واحدا من بين الرجال الذين لم تنصفهم الجزائر.
تقول الحاجة فاطمة الزهراء بوسليماني في لقاء خصّت به الشروق إن عوامل كثيرة تحالفت في تكوين شخصية محمد بوسليماني المتزنة، إذ كان على قدر من المسؤولية منذ طفولته، تلقن حرفة البناء على يد والده سليمان وكان ساعده الأيمن ليعيل والدته وشقيقاته، كما تعلم أصول التجارة وصار يشتغل نهارا ويدرس ليلا لينتقل إلى ميدان التعليم والدعوة الإسلامية، كان يربت على اكتاف المساكين، سافر إلى البوسنة ونجا من الموت بأعجوبة اثر تفجير جسر كان متواجدا به رفقة أطفال يتّمتهم الحرب، وتعود بنا محدثة الشروق إلى تفاصيل الساعات الأخيرة للشهيد الذبيح محمد بوسليماني وتكشف أن شقيقها الذي كان مصلحا وداعية ومهموما لما آلت إليه حال البلاد إبان محنتها الدموية قد طاله الظلم في حياته وحتى بعد مماته، حيث سجن بهتانا ولاقى من العذاب في سراديب سجون حوش شنو في البليدة وبوفاريك سنة 1976.
وتروي محدثتنا قصة اعتقاله "كنا عائدين رفقة شقيقي محمد والوالدة التي قدمت من البقاع المقدسة، وعلىالطريق لفت انتباه أخي سيارة كانت تتبعنا من مطار الدار البيضاء بالعاصمة لتعترض سبيلنا ونحن على مشارف منزلنا العائلي بحي الدردارة في أعالي البليدة وهناك لاقى أخي من السب والمهانة، وغادر رفقتهم ومرت أشهر ولم نعثر له على أثر إلى أن بلغنا أنه محكوم عليه بالسجن "ثلاث سنوات رفقة مجموعة من الرافضين للميثاق الوطني لسنة 1976.. زرناه في سجن البرواقية فوجدنا جسمه صار نحيلا"، وهنا تستطرد أسماء ابنة شقيقته الكبرى وهي الفتاة التي رباها منذ كان عمرها ستة أيام إلى غاية اغياله وهي ابنة 18 سنة تقول "روى لنا والدي ما كان يلاقيه من عذاب بلا رحمة في أقبية حوش شنو، كان في زنزانة بدون مرحاض، وتعرض لأساليب التعذيب بالماء، كان يُحرم ورفاقه من النوم، ورغم القهر الذي ذاقه بالمعتقل لم يتمكن المشككون من سلبه وطنيته فظل مدافعا عن مبادئه، وداعية لتوحيد صفوف الجزائريين، نابذا الفرقة والفتنة والفكر الديني المتشدد، امتاز بأسلوب واقعي بسيط يخاطب الناس بما يفهمون وعلى قدر عقولهم والتوجيه الديني القائم على الوسطية والاعتدال فازدادت شعبيته، كان محبوبا بشدة يندهش لها الصغار والحيارى والكبار والعجائز الذين حببهم في الدين وترك البدع والخرافات بسلاسة وموعظة حسنة تستأنس لها، تضيف ابنته أسماء.
المؤامرة
م وحزن وضيق شديد حل بشقيقي يوم مقتل الرئيس محمد بوضياف رحمه الله -كنا يومها بليبيا عائدين من مكة- وتدهورت صحته وأصابه داء السكري، وعن أيامه الأواخر تقول الحاجة فاطمة الزهراء فقد بدا مشوشا وعلى غير عادته أجّل إقامة "عقيقة" مولودتين بالعائلة لأزيد من شهر، وهو الذي عرفناه حريصا على إحياء السنن فتيقنّا أن هناك خطبا ما يتكتم عليه وأنه قد يكون "مهددا" وحياته في خطر.. أسبوع قبل اختطافه، توجه الشيخ بوسليماني إلى المطار لتوديع شقيقته المقيمة بفرنسا، وفي الطريق أشارت عليه والدته وأخواته بمغادرة التراب الوطني بعد تصاعد وتيرة العنف والتقتيل، فقال بالحرف "والبلاد شكون يقعد فيها"، وأضاف "راهي تزنزن فوق راسي وإذا كاش ماصرالي الفيس بيّا".
حادثة الاختطاف
الجمعة 26 نوفمبر 1993، ساعة فجر ممطر، وبينما الشيخ يتلو قوله تعالى "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب" إذا بابن شقيقته مراد والذي تكفل بتربيته هو الآخر يصرخ "يا خالي راهم جاوليك"، يحتار الشيخ بوسليماني، يهرع إلى الهاتف فيجد الخط مقطوعا... لا يجد ملاذا، فالبيت محاصر وصوت رصاص القتلة يُلعلع في كل مكان ليرهب كل راغب في نجدة شيخهّ.

اقتحم الإرهابيون الديار المجاورة وغلّقوا عليهم الأبواب، بينما أحاط آخرون بمنزل الشيخ، ولما خرج الشيخ ليتوضأ كانت عين تترقبه من فوق شجرة تُطلّ على ساحة الدار، تقول أسماء، كسر أربعة ملثمين حاملين السلاح الباب وفتشوا المنزل فلم يعثروا عليه فدلّهم "خائن" يبدو أنه يعرف جنبات المنزل جيدا (ينحدر من حي الرمل ببوعرفة تقول أسماء)، إنهم لم يفتشوا المطبخ، وهنا وجدوه، فظل هادئا لم يرتعب.. توسلت زوجته، فرد أحد الإرهابيين "نحتاجه في أمر وسنعيده"، نظر الشيخ بوسليماني إلى أهله وقال "أخي مات شهيدا وسأموت شهيدا".. اصطحبه الإرهابيون على متن سيارته "أر 20" وأرغموه على القيادة، وبينما الشيخ يمر رفقة جلاديه، يراه جمع من المصلين خارجين من المسجد، يحييه أحدهم فيرد عليه التحية ويمضي دون أن يتفطنوا للمؤامرة التي تعرض لها إمامهم.
مرت ساعات الانتظار والرهبة القاتلة على أهله ومن عرفوه، وفي اليوم الموالي يتلقى أعضاء جمعية الإصلاح والإرشاد بالعاصمة اتصالا من مجهول "إنه الشيخ بوسليماني"، مدة المكالمة دقيقة ونصف يسأل عن حال أهله، ويقول "إنهم يبلغونكم إني عند الجماعة الإسلامية"، يستفسره رفاقه عن حاله فيجيب "الحمد لله يكون مع الشكر وأحيانا يكون مع الصبر".. وتنقطع المكالمة .
في فجر الاثنين تستيقظ الحاجة الزهرة والدة الشيخ بوسليماني مفزوعة من نومها وصدرها يدّر الحليب.. كيف ذلك وهي هي عجوز في الثمانين من العمر؟؟ استغربنا يومها، تقول ابنتها ولكنه "قلب الأم"، غصة غير عادية، انقباض وهاتف داخلي يهمس في أذنها فتبكي وحيدها بحرقة كما لم تبكه من قبل، وتصيح "محمد وليدي اليوم قتلوه وتقيم عزاءه"... وفي ذلك اليوم وجدت سيارته بجبل بابا موسى المقابل لبيته.
مرت 53 يوما تخبط فيها ذوو الشيخ ومقرّبوه في حيرة قاتله، ليتناهى إليهم خبر العثور على مقبرة جماعية بجبال العفرون غرب البليدة بها 20 جثة، وتوجه صهره وابن شقيقته ليتعرفا على الجثة، وفعلا كان من بينهم "مرتديا عباءته الزرقاء" التي اخترقتها رصاصة، ورأسه مفصول عن جسده بعد ما ذبحة "البوشي" من الوريد إلى الوريد، وكانت آثار التنكيل بادية على يديه ورجليه، تقول أسماء "عُذّب والدي بالمسامير، ورُبط بالسلك وتلقى ضربة قوية في رأسه وتورمت قدماه وسالت دماءه من المشي بين الأحراش الوعرة والجبال، دُفن تحت التراب ولم تتحلل جثته فتعرف عليه أقاربه، وحوّل نحو مستشفى عين النعجة العسكري، وفي جنازته بدت عليه لحية خفيفة زادت وجهه وقارا، كان فاغرا فاه لدرجة بانت أضراسه، إنها ابتسامة الشهيد" تقول ابنته.
تسترسل الحاجة فاطمة الزهراء في الحديث عن شقيقها الشهيد محمد بوسليماني من جديد وتتأسف على الظلم الذي لحقه حتى وهو ميت، وكيف للدولة أن تعوض عائلة رجل رفض المساومة، وفضل أن يُقتل على أن تصدر منه كلمة تبيح سفك دماء الجزائريين بتسعة ملايين سنتيم؟؟ وتضيف أرغب في مقابلة الرئيس بوتفليقة ومساءلته لماذا ظلم أخي المجاهد عدوانا سنة 1976، وعذّب في وطن ساهم في ثورة تحريره فقط، لأنه نادى بدولة ديمقراطية في إطار المبادئ الإسلامية.
رفيق بوسليماني الداعية بوجمعة أوراري:
حان الوقت لنبحث عن الفكرة التي أنتجت الرجل

يعتبر الداعية بوجمعة أوراري الشيخ محمد بوسليماني مؤسسا للحركة الإسلامية في الجزائر، وأحد رموز الوسطية في شمال إفريقيا، حيث خدمها بالشكل الكافي يضيف المتحدث. إن بوسليماني نموذج للقيادة الربانية في وقت تعيش فيه الجزائر أزمة "رجال".
وأكد بحكم مرافقته السابقة لبوسليماني، واحتكاكه به في العديد من المناسبات، أن الراحل كان يسعى إلى مشروع إسلامي كبير في الجزائر، ولم تكن الدنيا كما قال في قلبه بل في يده، فعلينا حسب أوراي أن نبحث عن الفكرة التي أنتجت محمد بوسليماني، وهي بيت القصيد في تأبينية الشهيد الذبيح.
وعرج المتحدث في سياق ذلك على جملة المشاكل التي تتخبط فيها الأمة الإسلامية، بينها الجزائر رافضا فكرة أن النفط يحدث أزمة وأن الأزمة حسبه، أزمة رجال وأخلاق.
عبد الحميد مداود
بوسليماني كان يقول إن الجهاد في الجزائر انتهى في 1962

كشف عبد الحميد مداود، أحد مؤسسي جمعية الإرشاد والإصلاح ورفيق درب الشهيد، أن الفقيد كان شهيدا، أستاذا، مجاهدا، أبا، شيخا، وقائد بحث عن الوحدة بين التيار الإسلامي والوطني، في بداية الثمانينات بادروا بتأسيس لجنة مشتركة بين الإرشاد والإصلاح وتنظيم الشرق بقيادة جاب الله والجزأرة، ووقعت احتكاكات بين الطلبة الساعين لفتح مساجد في الأحياء الجامعية والدعوة إلى الوحدة والتعايش، وقد كان مرافقا للفقيد في محاولاته لوضع حد للصراع وإيجاد مشروع وحدة وطنية وكان متيقنا بأن الجزائر تنتظر الكثير من هذا التيار الوطني والإسلامي وهذا الجانب الأول.
أما الثاني فلما تكونت رابطة الدعوة الإسلامية برئاسة أحمد سحنون تشمل التيار الإسلامي والشخصيات الوطنية لترشيد التيار الإسلامي والدعوة، لكن بوسليماني والحركة لم ييأسوا من الدعوة للوحدة وكان في ذلك الوقت المتحدث هو النائب الثاني ونادوا للتحالف الإسلامي الوطني لإيجاد مخرج للأزمة التي دخلت فيها الجزائر، واستجاب حوالي 8 أحزاب و360 جمعية ولائية وبلدية للتحالف تحت غطاء الإرشاد والإصلاح، فالبلاد كانت تحترق حينها، وواصل عبد الحميد مداود تصريحاته، خلال تلك الفترة سافر مع الشهيد الذبيح إلى فرنسا، بريطانيا، بلغراد قبل أزمة البوسنة والهرسك، تركيا، ليبيا، كان سفيرا فوق العادة لتوضيح وشرح ما يحدث في الجزائر ولتحصين أبناء الوطن، فما يقع في الجزائر ووفقا للمرجعية الإسلامية مرفوض، لا يمكن أن يسيل الدم، فالجهاد انتهى في 1962 ولا جهاد إلا لتحرير الأوطان، والوحدة الإسلامية لا تتم إلا إذا توحدت على القضية الفلسطينية التي كان يحمل حرقتها، لذا خصصوا اشتراكا لفلسطين، فكان يقول: ما يجمعنا بفلسطين هو العقيدة والدين وليس الطين في إشارة للحدود، وكان يقول أيضا القضية هي قضية وجود وليست قضية حدود. وفصل المتحدث بأن الفقيد سافر إلى أفغانستان، البوسنة والهرسك. لقد كان شخصا أحب الجزائر، الإسلام، العربية، الوحدة الوطنية، ودافع عنها، كان شفافا روحانيا، ربانيا صنعته يد الله لكي يكون شعلة متقدة في خدمة الجزائر والشعب الجزائري والإسلام، كان رجلا عظيما يضيف المتحدث، وختم حياته بالشهادة رفضا للاقتتال أو إصدار فتوى تبيح قتل أبناء الوطن الواحد، لذا آمن بالحوار ونادى إليه، وطالب بوضع السلاح، ولأنه لم يكن ينجب، كان يطلق على جميع أبناء الحركة وبناتها اسم أبنائي وبناتي، فهو ينتمي إلى مدرسة الإصلاح وجمعية العلماء المسلمين ومرجعيته بيان أول نوفمبر.
زوجة بوسليماني للشروق:
زوجي كان يتلقى تهديدات ومختطفوه توعّدوا الشّيخ نحناح

سردت زوجة الشهيد الذبيح بوسليماني، تفاصيل مداهمة الإرهابيين لمنزل عائلة زوجها، معتبرة أن الجماعة التي اختطفته كانت تعرف تفاصيل تحركاته جيدا، وأن الشخص الذي أخرج زوجها يومها من المنزل بطريقة عنيفة وساقه إلى الخارج أين كان اثنان منهم يراقبان الحركة خارجا، كان قوي البنية بلحية متدلية ويرتدي جلابة، تلفظ بكلمة عن الشيخ نحناح، وقال إنه طاغوت ويجب أن يقتل كل من معه.
"زوجي في الأيام الأخيرة قبل أن تأخذه الجماعات الإرهابية، كان يردد على مسامعي كلما ركن سيارته في المرآب: "إذا غبت من يحميك بعدي"، والغريب انه في الليلة الأخيرة قبل أن يختطف نسي أن يقول لي ذلك، فخرج من البيت وعاد مرة ثانية وقال لي نفس الجملة".
وأكدت زوجة الشهيد، أن طريقة اختطافه من المنزل العائلي كان مخططا لها بطريقة محكمة، وأن الشّخصين اللذين دخلا المنزل بعد أن قفزا فوق الباب الخارجي للفيلا وكسرا الباب الداخلي الذي كان من الحطب، كانا لا يعرفان ملامح بوسليماني على حسب ما بدا لها في الأخير، لأنهما عندما لم يعثرا عليه في غرفته، أخذا ابن شقيقته مينة، وهو شاب متزوج حينها، وعلما من الشخصين المتواجدين في الخارج أنه ليس المعني بالأمر فعادا ثانية، وقاما بتفتيش مطبخ والدته أين عثرا عليه.
وقالت رفيقة درب بوسليماني، إن الذين أخذوا زوجها وعدوها بأن يطلق سراحه، حيث تيقنت فيما بعد ان زوجها رفض الإمضاء على فتوى القتل باسم ما كانوا يعتقدون "جهادا"، مضيفة أن أخبارا وصلت للعائلة تفيد ان الجماعات المتواجدة في الجبال اختلفت على أمر قتل زوجها.
وقالت "زوجي صلى يومها الفجر معي ودعا للأمة الإسلامية والجزائر بالخير، وكأنه كان يتوقع اقتراب نهاية حياته، لقد كان يتلقى تهديدات مباشرة وأخرى عبر الهاتف.. ترك المصحف مفتوحا ولم يكمل قراءة القرآن الكريم ليفاجأ باقتحام البيت وقطع خيط الهاتف".
الوزير السابق أبو جرة سلطاني:
رفض بوسلماني لإباحة دماء الجزائريين قلّص عمر المأساة

قال رئيس حركة مجتمع السلم سابقا، أبو جرة سلطاني، إنه لولا أمثال الشيخ بوسليماني لامتدت المأساة الوطنية قليلا إذ بأمثال هؤلاء تم تقليصها ومحاصرتها. ودعا إلى الإشارة إلى الجانب الشرعي للمصالحة الوطنية في الدستور الجديد معترفا بأنّ الشّهيد الذبيح ساهم فيها بنسبة 20 بالمائة من خلال دبلوماسيته في الخارج، وفهمه العميق لتعاليم الإسلام.
"ليعلم الشباب الذين ولدوا بعد التسعينيات أن رجالا جاهدوا وماتوا من أجلهم.. بوسليماني واحد من هؤلاء" يقول الوزير السابق أبو جرة السلطاني، مضيفا أنه من الواجب والضروري تجاوز ثقافة النسيان وأن نضع كل واحد في مكانه، مع الاعتراف حسبه بأن المصالحة الوطنية في الجزائر بعد الأزمة الأمنية تم حصرها في المحور السياسي والأمني في حين إنها نجحت في رأي سلطاني من خلال 5 محاور.
ويوضح أن هذه المحاور تتعلق بالجانب السياسي والأمني والإعلامي، وأن هناك محورين مهمين وهما المحور الدبلوماسي من خلال إقناع الغرب أن ما يحدث في الجزائر ليس حربا أهلية، والمحور الشرعي حيث ما حدث في العشرية السوداء أخذ طابعا سياسيا وبالمضمون الشرعي بمعنى "الجهاد".
وأكد سلطاني أنه ليس من السهل أن تقنع حملة السلاح أن هذا ليس جهادا، أن في 19 مارس 1962 انتهى الجهاد، وأن أمثال الشيخ بوسليماني استطاعوا أن يقنعوا فئة واسعة من الجزائريين، أن ما تقوم به الجماعات المسلحة في الجبال ليس جهادا وإنما فتنة زرعها الذين يختفون تحت الغطاء الشرعي.
لقد لعب الشيخ الداعية بوسليماني حسب أبو جرة سلطاني، مع العلماء والدعاة دورا في توقيف آلة القتل بسحب الغطاء السياسي والشرعي عن المسلحين.
وقال بوجرة: "ما زلت أتذكر المحاضرة التي ألقاها بوسليماني في باريس وهي مسجلة.. إنها تعكس شجاعة الرجل" يقول سلطاني، مضيفا أنه من الطبيعي أن يتلقى هذا الدبلوماسي حينها الشتائم والاعتداءات ما لم يتلقه أي سفير جزائري. إنه من السفراء فوق العادة حسب سلطاني، معتبرا إياه الداعية الذي لعب خلال الأزمة الأمنية في الجزائر دور الدبلوماسية الدعوية لإقناع بعض الجهاديين الذين يجمعون الأموال في الخارج لدعم الجماعات الإرهابية في الجزائر، وأن ما يحدث ليس في سبيل الله.
وأكد الوزير السابق أبو جرة السلطاني، أن ما حدث لبوسليماني كان نتيجة مواقفه العادلة وكلمة الحق ومحاولته سحب الغطاء عن هؤلاء في الوقت الذي رفض قادة سحب الغطاء السياسي، ورفضه أن يمضي فتوى تبيح قتل الجزائريين.
وتنهد سلطاني قائلا: إنني لا أزال أتذكر حادثة مقتل بوسليماني، صورة الذبيح لا تزال في بيتي، أحتفظ بها كذكرى سوداء للأسف، يقول. ويضيف: "لقد طالبت حينها هؤلاء بإصدار بيان ينفي مقتل بوسليماني من طرف الجماعات المسلحة في الجبال لكن رفضوا مبررين ذلك بأنهم ليسوا مضطرين إلى التوضيح.
جمال ولد عباس:
عرفت الشهيد الذبيح بعد حرب العراق وفي البوسنة وكان نعم الصّديق

ثمن نائب رئيس مجلس الأمة، الدكتور جمال ولد عباس، تكريم الشروق للشهيد الذبيح محمد بوسليماني في الوقت الذي تعودنا فيه منذ سنوات على ثقافة النسيان، مؤكدا على أن علاقة صداقة كانت تجمعه بالشهيد بفضل الشيخ محفوظ نحناح وذلك منذ الثمانينات وأول لقاء بينهما كان في حرب العراق، عندما كان الوزير السابق لقطاعي الصحة والتضامن طبيبا وسافر رفقة 130 طبيب، وبعد عودته التقى بالشهيد وكان أنذاك يشغل منصب رئيس لإتحاد الأطباء الجزائريين وبقيت علاقات وطيدة تجمع الإتحاد مع جمعية الإرشاد والإصلاح.
وعلى الصعيد الشخصي أيضا وفي سنة 1993 خلال حرب البوسنة والهرسك ذهب ولد عباس إلى زغرب رفقة إتحاد الأطباء العرب وعقدوا اجتماعا، ثم ذهبوا إلى سراييفو في مارس 1993 وجلبوا معهم 79 جريحا ومصابا ليتلقوا علاجا لمدة سنة في الجزائر، وخلال حديثه للتلفزيون الجزائري، كشف المتحدث عن منظمة "كركاس" المسيحية والتي كانت تهرب الأطفال اليتامى إلى السويد وألمانيا لتجديد مجتمعاتها بعد أن تراجعت نسبة الولادات بشكل كبير، وفي اليوم الموالي من تصريحه اتصل به الشهيد بوسليماني وأخبره بأنه فجر قنبلة، وتبين أن كل ما قاله عن المنظمة السابقة "كراكاس" صحيح.
ووصف نائب رئيس مجلس الأمة الشهيد بكل تواضع وبدون مزايدات بأنه كان رجل حوار، متسامحا والحادث المؤلم الذي عاشه عند اختطافه واحتجازه على يد الإرهابيين ورفضه للتوقيع على الفتوى التي طلبت منه مفضلا التضحية بحياته جعلته أحد شهداء الجزائر، فلا يجب الاكتفاء بإطلاق اسمه على الشوارع فقط، بل يستحق بناء "قبة" و"زاوية" يطلق عليها زاوية سيدي بوسليماني، وأردف الوزير السابق أنه جاء اليوم ليتقاسم هذا الإحساس الجميل، ففي كل مرة يتذكر فيها الفقيد يردد عبارة ما شاء الله.
عبد الرحمان سعيدي أحد تلامذة الشيخ
القامات تغتال لتعيش الأقزام

عاد عبد الرحمان سعيدي إلى بداية تعرفه على الشيخ محمد بوسليماني، وقال تعرفت على الشيخ لما كان يصلي بنا في مساجد ولاية البليدة أين ذاع صيته من خلال اعتداله ووسطيته وإبرازه للقضايا العادلة، وعمله على إرجاع الشباب نحو المرجعية الوطنية بعد أن حاول المستعمر طمسها.
وأضاف المتحدث قائلا "أن الشيخ بوسليماني هو عصارة الحركة الإصلاحية في الجزائر"، مذكرا أن المرحوم واصل نضاله بعد الاستقلال لتحقيق أبعاد الاستقلال من خلال رفض التدخل الأجنبي في الشؤون الجزائرية، إضافة إلى تحقيق أبعاد الإصلاح من خلال تحقيق ثوابت الأمة كنشر اللغة العربية.
وفي السياق، أكد سعيدي أن الشيخ بوسليماني عاش للجزائر وكان همه إصلاح أحوال المجتمع، وقال المتحدث انه كان يرافقه في الكثير من الأحيان لقضاء مصالح عادية تتطلب 5 دقائق من الوقت، إلا أن المرحوم كان يقضيها في ساعات لمروره على قضاء مصالح الناس ومساعدتهم، وهي صفات حسبه قلّما تجتمع في شخص واحد.
وفي السياق ذاته، أكد عضو مجلس الشورى ان بوسليماني كان صاحب مبادئ لا يعرف عنه الخنوع حتى انه فقد حياته ولم يتنازل للقتلة الذين أرادوا إضفاء الشرعية على أعمالهم الإجرامية على حسابه، لكنه رفض وتحداهم حتى انه أقام نشاطا بعنوانه والصلح خير وذلك في سنة 1993 قائلا مقولته الشهيرة "أنا لا أملك إلا 5 لترات من الدم خذوها فلن أسلمكم دم الجزائر".
صالح عوض
بوسليماني تواعد مع الشيخ نحناح على تحرير فلسطين

ذكر المفكر الفلسطيني الدكتور صالح عوض أن الشيخ الشهيد محمد بوسليماني كان مهووسا بتحرير القدس، مؤكدا انه التقاه في احد الأيام رفقة المرحوم محفوظ نحناح في احدى المرات اين قام بسؤاله عن أحوال فلسطين، ثم غلبته الدموع حزنا على الأوضاع التي كانت تعيشها القضية الفلسطينية وهي الحالة التي قال عنها المفكر عوض جاءت نتيجة تأثر بوسليماني بالقضايا العربية والإسلامية وغيرته المفرطة على القدس والقضية الفلسطينية.
أحمد الدوري ابن أخت الشهيد بوسليماني
الفقيد قدم روحه من أجل أن تبقى الجزائر واقفة

أكد احمد الدوري ابن أخت الشيخ بوسليماني وإطار بوزارة الشؤون الدينية أن اغتيال المرحوم محمد بوسليماني كان المنعرج الذي خسرت فيه الجماعة الإرهابية التي قامت باغتيال الشيخ الذبيح بوسليماني، وقال أن أحد الذين قاموا باغتياله قال له أن الجماعات المسماة في ذلك الوقت بالإسلامية أرادت إضفاء الشرعية على أعمالها الإجرامية فطلبت منه فتوى تضفي الشرعية على أعمالهم إلا انه رفض ذلك الأمر الذي أدى بتلك الجماعات أن تقوم باغتياله، حيث فقدت باغتيالها الشيخ التعاطف سواء المحلي أو حتى أفراد الجالية الجزائرية بالخارج، إضافة إلى تمرد مئات الإرهابيين، أين عرف الجميع أن من كان يدعي الجهاد غير صحيح.
وأضاف المتحدث أن عائلة بوسليماني قبل أن تأخذ على عاتقها رفع لواء الحركة الإسلامية في الجزائر، كانت حاضنة للمجاهدين على غرار مجموعة 22، والرئيس السابق محمد بوضياف الذي مكث أكثر من سنتين في بيت عائلة بوسليماني ومن ثم التنقل إلى المنزل الواقع في المدنية أين تم الإعلان عن تفجير الثورة.
وفي السياق ذاته، ذكر الدوري ان خاله كان صاحب رأي سديد ويستمع للجميع، حيث قال المتحدث أن خاله دائما يشجع الاختلاف في الآراء ويقول نحن لا نشبه أنابيب الغاز حتى تكون نظرتنا متشابهة في جميع الأمور، حيث كان يشجع الجميع في إبداء آرائهم.
رشيد ولد بوسيافة ممثل الشروق:
مبادرة الشروق رد الاعتبار للشيخ بوسليماني

أكد رشيد ولد بوسيافة رئيس تحرير جريدة الشروق أن مجمع الشروق للنشر والإعلام ماض في سياسته الرامية في إبراز علماء الجزائر ومختلف الشخصيات الوطنية ودورهم الكبير في جميع المجالات التى تنير طريق الأجيال الحالية. وقال الأستاذ بوسيافة إن التكريم الذي خصه مجمع الشروق للنشر والإعلام للشيخ محمد بوسليماني جاء لرد الاعتبار للشيخ الذبيح وإبراز إسهاماته الجليلة التي قدمها للجزائر في وقت كان قول كلمة الحق في ذلك الوقت يعني الموت.
وذكر بوسيافة أن اليوم المشؤوم الذي اغتيل فيه المرحوم صادف يوم الامتحانات في الجامعة، أين قام اغلب الطلاب بالذهاب للجنازة دون اتفاق مسبق، الأمر الذي جعل الجامعة خاوية على عروشها مما أدى بالأساتذة إلى إعادة الامتحان في وقت لاحق، وهو الأمر الذي يدل على المكانة التي كان يحظى بها العلامة بوسليماني في أوساط المجتمع الجزائري لما تميز به من اعتدال وقول كلمة الحق جعلته يفقد حياته من اجل بقاء الدولة الجزائرية قائمة.
اختير منزل عائلة الشهيد مقرا له
الإعلان عن المجمع الإسلامي للقرآن الكريم لبوسليماني

أعلن الأستاذ رضوان بن عطاء الله، صهر المرحوم محمد بوسليماني، عن بناء المجمع الإسلامي لتحفيظ القرآن الكريم، تحت اسم "سيدي بوسليماني"، حيث دعا أصحاب المال للمساهمة في بنائه، على أن يكون هذا المجمع في بيت عائلة المرحوم والذي عاش وترعرع فيه في حي الدردارة بالبليدة. وقال المتحدث خلال تأبينية الشيخ والداعية بوسليماني رحمة الله عليه، إن مثل هذا البيت يستحق أن يحول لمعلم إسلامي بعد أن أوى خلال الثورة التحريرية المجاهدين مع شقيقه الشهيد احمد بوسليماني.
وصف الأستاذ رضوان السيخ بوسليماني، بمربي الأجيال، حيث أبدى حسبه خلال سنتي 1981 و1982 اهتماما واسعا بتنظيم المخيمات للدعوة الاسلامية ضم اطفال تحت الـ14سنة، لقد كان يضيف الأستاذ رضوان، في تربية الأجيال للتحضير لما بعد الـ20سنة، يحثهم على العمل في إطار الدعوة.
أوضح ان بوسليماني، فكر في مواصلة عمل الشهداء والمجاهدين بعد الاستقلال وخدم الدعوة الإسلامية والوقوف إلى جانب الفلسطينيين.
بوسليماني حسب رضوان، كان أستاذ ثانوي يدقق في تفاصيل الأمور، كان يشترط مع الدراسة التثقيف والاهتمام بشتى الأمور المرتبطة بالحياة اليومية للشخص، يرفض ان يقول الطالب كلمة "أنا" او "لو أني" و"لي" و"عندي"، ويفضل أن يتحدث بلغة الجمع "نحن" لتخليص الطلاب من الأنانية وزرع في نفوسهم حب التعاون و الاتحاد.
منصورين مصطفى
الشهيد الذبيح من أسرة ثورية ومنزلهم العائلي كان مقرا للمجاهدين

صرح منصورين مصطفى، زميل الشهيد الذبيح بالبليدة، أن الفقيد محمد بوسليماني كان من أسرة ثورية.. فشقيقه أحمد كان شهيدا ومنزل عائلته كان مقرا للمجاهدين. فكان شخصا مقداما لا يحب الرجوع إلى الخلف، عرفه في سنة 1971 مع الشيخ المرحوم محفوظ نحناح في وقت كان الناس يعتقدون أن الدولة الإسلامية أمر سهل غير أن الفقيد ورفقاءه تعبوا عليها.
وأكمل المتحدث أن هناك أقاويل وإشاعات كانت تتردد بأن الفقيد بوسليماني كان ضد بومدين، غير أنه لم يكن ضد بومدين بل ضد نظامه وضد الاشتراكية، وقد نشأوا معه على قول كلمة الحق وكان مؤسسا لكل شيء حتى اللباس الإسلامي ذهبوا لشراء الآلات من محل قرب مسجد الأرقم في جويلية 1979، وسافر معه إلى مسجد ستالينغراد في باريس حيث دعاهم الشيخ حيماني والشاذلي مكي الذين سافروا بطريقة رسمية أما هم فذهبوا بطريقة غير رسمية، حتى إن الشهيد بوسليماني لم يكن يحوز جواز سفر بعد خروجه من السجن فاستعانوا بأحد معارفهم في الدائرة الإدارية الذي سلمه جوازا لمدة شهر واحد، وهناك ألقى خطابه التاريخي في المسجد وكانت لجنة المسجد آنذاك يترأسها حسين من صالومبي، وختم المتحدث قوله بأن هناك أشياء كثيرة تحدثوا عنها وهناك أشياء أخرى لا يمكن قولها لأنهم رحلوا بسرهم وعليهم حفظ السر.
حملاوي عكوشي
عندما أسسنا تكتل الجزائر الخضراء شعرنا بأننا نجسد أفكار الشيخ بوسليماني

أعرب القيادي في حركة الإصلاح، حملاوي عكوشي، عن تأثره الشديد والبالغ بسلوك مجمع "الشروق" الذي يهدف إلى تكريم فطاحل وأبطال الجزائر وهو ما لم تبادر للقيام به أي مؤسسة أخرى. فالشيخ بوسليماني يذكره بأبطال لا يستقرون على حال من القلق يتحركون كثيرا كفضيل الورتلاني الذي مات في مثل عمره، ويذكرنا بالثعالبي الذي نفي إلى الشرق واستفادوا من علمه هناك حتى عاد عام 1944، وأستاذه راشد الغنوشي الذي أبعد من تونس وعاش في بريطانيا فلم يعش لتونس فقط بل عاش للعالم الإسلامي وتعلمت منه أجيال كثيرة، فهذا هو بوسليماني الذي يصنف مع هؤلاء. وقص المتحدث حكاية عن أحد الشخصيات الذي كان بخيلا بالألقاب على غيره فلم يكن بخيلا على الشيخ الذبيح بوسليماني، وعندما كانوا يجتمعون في مقر الرابطة ولا يجدون من يدعوهم أو يضيفهم فكان الشيخ يتولى مسؤولية ذلك ويخفض لهم الجناح وهو ما وقر في قلبه فقد أسره وهو عادة لا يأسر وحمل فكرة رائعة عنه، حتى إنه يشعر أنه عندما أسس تكتل الجزائر الخضراء رفقة الشيخ أبو جرة سلطاني كانا يجسدان أفكار وطموح الشيخ محمد بوسليماني وناضلوا نضاله.








