مقران آيت العربي: حول المشروع التمهيدي لقانون المحاماة
30-03-2009, 06:31 PM
حول المشروع التمهيدي لقانون المحاماة
كثر الحديث في بداية هذه السنة في أوساط مهنة المحاماة حول ''المشروع التمهيدي للقانون المتضمن تنظيم مهنة المحاماة''، وعقدت بعض الاجتماعات لمناقشته· ولكن هذه المناقشات لم تسفر عن أية نتيجة ملموسة، وقد يعود السبب في ذلك إلى عدم تسليم المشروع للمحامين من طرف منظماتهم قصد تمكينهم من إبداء الرأي عن دراية·
إن الوثيقة الأولى لتعديل القانون المعمول به والصادر عام 1991 تعود على الأقل إلى الفترة التي كان فيها الوزير الأول الحالي وزيرا للعدل· وظل المشروع في الأدراج لأسباب مجهولة لدى أغلبية المحامين، ولكن مسؤولية التأخير تعود إلى الوزارة ونقابات المحامين· فالوزارة تريد قانونا يسمح بوضع المهنة تحت الوصاية، والنقباء لا يريدون تحديد عدد العهدات· وها هو المشروع يسلم من جديد من طرف وزارة العدل إلى منظمات المحامين ولكن هذه الأخيرة لم تتول تسليم نسخة لكل محام قصد تمكين الجميع من إبداء الرأي في مسألة جوهرية تتعلق بمستقبل المهنة وحقوق الدفاع·
إن اتحاد منظمات المحامين لم يتوصل إلى فرض موقف موحد على الوزارة حول المسائل العالقة· وبعد تصريحات غير مركزة وغير منسقة، خيم السكون من جديد حول هذا المشروع· وفجأة نشرت يومية Le soir d'Algérie خبرا يفيد أن المشروع مسجل في جدول أعمال المجلس الوطني للدورة الحالية· وبدلا من اتخاذ موقف صريح وواضح وجدي من المواد التي يراها أغلبية المحامين ستؤدي إلى إضعاف المهنة، فضل البعض تبادل التهم والشتائم على صفحات الجرائد لأسباب تافهة بالمقارنة مع مستقبل المهنة·
إن هذا المشروع لا يعني المحامي فحسب· فضمان حقوق الدفاع لا تتعلق بشخصه، ولكن بجميع المتقاضين لكون المحاماة حسب القانون المعمول به وحسب هذا المشروع ''مهنة حرة ومستقلة تعمل على احترام حفظ حقوق الدفاع وتساهم في تحقيق العدالة وتعمل على احترام مبدأ سيادة القانون وضمان الدفاع عن حقوق المواطن وحرياته''· مما يستلزم نقاشا علنيا واسعا يشارك فيه المحامون بطبيعة الحال، والقضاة والجامعيون وجميع المهتمين بحقوق الدفاع باعتبارها جزءا لا يتجزأ من حقوق الإنسان المعترف بها دوليا·
لا أريد بهذه المساهمة السريعة التطرق لكل مواد المشروع البالغة 431 مادة، لكون المسائل التقنية تهم المهنة، وينبغي أن تناقش مادة بعد مادة من طرف منظمات المحامين أو أفواج عمل داخل هذه المنظمات· وبالتالي سأكتفي بمحاولة الجواب عن سؤال أراه جوهريا وهو: هل يرمي هذا المشروع إلى تحسين المهنة وتقوية حقوق الدفاع ومكانة المحامي في المجتمع، أم إلى إيجاد ميكانيزمات قانونية تستهدف وضع المحامي تحت الوصاية وجعله يمارس الرقابة الذاتية في مرافعاته وكتاباته وخاصة في القضايا الحساسة تحسبا للمتابعات؟
1 ـ من حيث تقنيات تحسين المهنة: يحتوي المشروع على عدة إيجابيات تتمثل في وضع مقاييس وضوابط صارمة لتحضير شهادة الكفاءة المهنية والتربص واشتراط تجربة للمرافعة أمام بعض الجهات القضائية كمحكمة الجنايات، وتحديد عدد عهدات النقباء (بالمناسبة هناك نقيب يمارس هذه الوظيفة منذ 20 سنة)، وعدم تصويت المتربصين في انتخابات المجالس، والتنافي مع عهدة برلمانية· وقد تؤدي هذه الميكانيزمات إلى وضع حد لمهزلة تتمثل في تسجيل مئات المتربصين بغرض جمع المال (رسوم التسجيل 000·50 دج) وتجديد عهدة النقباء باعتبار هؤلاء المتربصين لا يعرفون إلا النقيب وأعضاء المجلس· ناهيك عن مهزلة أخرى تتمثل في تعدد ''القوائم'' في قائمة المترشحين لمجالس المنظمات· وقد بلغت المهزلة حدّ الحديث عن أغلبية ومعارضة، كأننا في مجلس بلدي وليس في نقابة تشرف على مهنة منظمة لها أصول وتقاليد وأعراف حافظت عليها الأجيال منذ عهد زميلنا سيسرون·
2 ـ من حيث محاولة وضع المهنة تحت الوصاية: إن هذا المشروع، رغم اهتمامه ببعض الجوانب التقنية التي لخصناها أعلاه، لا يستهدف تقوية مكانة المحامي في المجتمع، وتدعيم حقوق الدفاع وفقا للمقاييس الدولية، وممارسة المهنة بكل حرية، بل يرمي في نظري إلى وضع المهنة تحت الوصاية، مما سيؤدي إلى ضعفها· وقد تصبح مهنة المحاماة مجرد منظمة جماهيرية، إذا اجتمعت أحكام المواد 10, 14 و24 من المشروع وطريقة انتخاب مجالس المنظمات المعمول بها حاليا·
فالمادة 10 من المشروع تنص في فقرتها الثانية: ''كل امتناع عن ممارسة المحامي لنشاطه المهني يؤدي إلى المساس بمصالح وكيله وإلى عرقلة السير الحسن للعدالة، يشكل خطأ مهنيا جسيما''·
إن هذه الفقرة لا يمكن السكوت عنها على الإطلاق، فهي تعني منع مقاطعة الجلسات من طرف محام كقرار فردي أو مجموعة من المحامين كقرار جماعي احتجاجا عما يمكن أن يصدر من تعسف من طرف بعض الجهات القضائية· كما يعني أن الانسحاب أو المقاطعة أو أي عمل من هذا النوع باعتباره ''يشكل خطا مهنيا جسيما'' قد يؤدي إلى تطبيق المادة 24 من نفس المشروع والتي سنتطرق إليها لاحقا· إنه لا يجوز للمحامي بطبيعة الحال أن يقاطع الجلسات لأتفه سبب، ولكن هناك حالات تجعل الانسحاب والمقاطعة واجبا مهنيا لأن السكوت عن بعض التصرفات قد يؤدي إلى التخاذل في الدفاع عن الحقوق والحريات·
والمادة 14 من المشروع تنص ''يلزم المحامي بالحفاظ على سرية التحقيق تحت طائلة العقوبات المنصوص عليها في التشريع الساري المفعول''· والمقصود بذلك هو العقوبات الجزائية وليس التأديبية· مما يجعل أية معلومة حول التحقيق يتم تسريبها إلى الصحافة من طرف أي شخص قد يؤدي إلى توجيه أصابع الاتهام إلى المحامي· إن هذه التدابير تشير إلى تطبيق المادة 301 من قانون العقوبات على المحامي· ولما كان لإفشاء الأسرار علاقة بممارسة المهنة، فينبغي أن يصنف ذلك ضمن الأخطاء التأديبية التي تخضع إلى مجلس التأديب وليس للمحاكم الجزائية، مع وضع تدابير خاصة لإخطار مجلس التأديب·
وتأتي المادة 24 من المشروع بتدابير خطيرة جدا على حرية ممارسة المهنة إذ تنص ''يمكن متابعة محام بسبب أفعاله وتصريحاته ومحرراته في إطار المناقشة والمرافعة في الجلسة''· وأنه ''يمنع على المحامي الترافع من تاريخ الحادثة إلى تاريخ الفصل النهائي في الدعوى التأديبية''·
إن تطبيق هذه المادة يؤدي إلى وقف المحامي عن ممارسة المهنة بمقتضى القانون بمجرد إخطار نقيب المحامين من طرف نائب عام بأن ''المحامي قد أخل بالتزاماته المهنية''· وقد تصل مدة حرمان المحامي من الممارسة، قبل الفصل في الدعوى التأديبية، إلى 5 أشهر ولو كانت أسباب إخطار النقيب لا تتعدى حالة نفسية ومزاج القاضي الذي قد يستخلص من مرافعة جريئة دفاعا عن الحقوق والحريات ''الإخلال بالالتزامات المهنية''· إن السكوت على مضمون هذه المواد على الخصوص وتمريرها سيؤدي لا محالة إلى وضع المحامي تحت سلطة الجهة القضائية التي يرافع أمامها والتي تقرر أن تصرفات أو أفعالا أو محررات قد ''أخلت بالالتزامات المهنية''· أما إهانة المحكمة فينبغي أن تبقى خاضعة لتدابير المادة 31 من قانون الإجراءات المدنية والمتمثلة في إعداد محضر من طرف الهيئة القضائية المعنية وإخطار المحامي المعني بذلك· وعلى هذا الأخير أن ينسحب فورا من الجلسة وألا يرافع أمام هذه الهيئة إلا بعد صدور قرار اللجنة· وهذه التدابير منصوص عليها أيضا في المادة 91 من قانون 1991 المراد ''إصلاحه'' والتي ورد فيها على الخصوص ''لا يمكن متابعة محام في الجلسة لأفعاله وتصريحاته ومحرراته في إطار المناقشة والمرافعة وفي حالة حادث مع قاض تطبق المادة 31 من قانون الإجراءات المدنية''·
3 ـ اقتراحات: قصد ضمان الممارسة الحرة لمهنة المحاماة ووضع حد للفوضى السائدة في بعض المنظمات الجهوية والصرامة في العمل وفقا للأصول، أعرض الاقتراحات التالية للنقاش:
1-3 رفع مدة العهدة إلى 4 سنوات مع تجديد نصف عدد الأعضاء كل سنتين، وجعل عهدة النقيب واحدة حتى يفكر بالدرجة الأولى في الدفاع عن المهنة وليس في البحث عن أصوات العهدة اللاحقة، مع اشتراط ممارسة المهنة لمدة 20 سنة بالنسبة للنقيب و10 سنوات بالنسبة للأعضاء·
2-3 جعل كل ما ينجم عن محام من إخلال بواجباته المهنية من صلاحيات لجنة التأديب مع وضع ميكانيزمات لوضع حد للتساهلية التي تتفشى يوما بعد يوم، والتي تضر بالمهنة، على أن تبقى المتابعة من صلاحيات النقيب وأن تكون لجنة التأديب برئاسة من تنتخبه الجمعية العامة لهذا الغرض·
3-3 بالنسبة لجرائم القانون العام التي قد يرتكبها المحامي، ينبغي أن تكون متابعته ومحاكمته خارج الإطار الإقليمي للمنظمة الجهوية التي ينتمي إليها، مع منعه من المرافعة في حدود اختصاص المجلس القضائي الذي يتم فيه التحقيق والمحاكمة وذلك تفاديا لبعض المشاهد التي تمس بوقار القضاء وأصول المهنة كوقوف محام أمام محكمة الجنح كمتهم وبمجرد وضع قضيته في المداولة يرتدي ثوب المحامي ويرافع أمام نفس الجهة القضائية التي حاكمته قبل دقائق·
4-3 إعادة النظر في شروط الاعتماد أمام المحكمة العليا ومجلس الدولة، وعدم الاكتفاء بالأقدمية مهما كانت· ويمكن التفكير في هيئة خاصة للمحامين المعتمدين أمام المحكمة العليا ومجلس الدولة، ويكون الاعتماد بناء على أقدمية معينة في المحاماة وسلك القضاء والتدريس بالجامعة زائد شهادات معينة وأبحاث علمية، وأن يكون الاعتماد من طرف هيئة مختلطة وليس بقرار وزاري·
5-3 تشجيع الأساتذة الجامعيين على ممارسة مهنة المحاماة وتشجيع المحامين المؤهلين على التدريس في الجامعات للتواصل بين النظري والتطبيق·
6-3 كنت أميل إلى الجمع بين ممارسة المهنة ووظيفة برلمانية معتمدا على واجب التحفظ، إذ ينبغي على المحامي عضو البرلمان أن يمتنع عن المرافعة في بعض القضايا كالمخدرات والأعمال الإرهابية وتبييض الأموال وقضايا الفساد بصفة عامة، وأن تكون أتعابه معقولة جدا وفي متناول المتقاضين الضعفاء· وقد راعيتُ هذه المقاييس عندما كنت عضوا في مجلس الأمة ورافعت مجانا وفي أحسن الحالات طالبت بمصاريف التنقل· وكانت القضايا التي رافعت فيها لا تتعدى 6 خلال 3 سنوات· أما المسائل المدنية فأوكلتها لزميلة وطلبت منها أن تتقيد بمقابل الأتعاب المعمول به قبل العهدة، وكانت متواضعة· وألزمت نفسي بعدم الدخول إلى مكاتب القضاة تجنبا لأي إحراج أو حرج· ولكن عندما تأكدت من بعض التصرفات، والتي لا يتسع المقام لاستعراضها، صرت ضد الجمع بين المحاماة والعهدة البرلمانية·
إن احترام حقوق الدفاع وتدعيمها لا يكمن في مجرد سرد المبادئ العامة أو الإشارة إلى المواثيق الدولية، بل يكمن في تدابير قانونية واضحة تجعل المحامي يمارس مهنته بكل حرية ومسؤولية دفاعا عن الحقوق والحريات وشرف واعتبار الأشخاص وفقا للمعاهدات والمواثيق الدولية التي صادقت عليها الجزائر·
من مواضيعي
0 التغذية: نصائح وحيل حول الأكل الصحي اهمالها قد يسبب لنا مشاكل صحية لا نعرف اين سببها؟
0 فوضى سينوفاك الصينية.. لقاح واحد و3 نتائج متضاربة
0 "نوع آخر مثير للقلق".. سلالات كورونا المتحورة تنتشر في 50 بلدا
0 إجراء تغييرات إيجابية: نصائح وحيل للتغذية السليمة ولتقوية الاعصاب
0 هل لديك وزن زائد؟ نستطيع مساعدتك
0 يؤثر نظامك الغذائي على صحتك: كيفية الحفاظ على التغذية الجيدة
0 فوضى سينوفاك الصينية.. لقاح واحد و3 نتائج متضاربة
0 "نوع آخر مثير للقلق".. سلالات كورونا المتحورة تنتشر في 50 بلدا
0 إجراء تغييرات إيجابية: نصائح وحيل للتغذية السليمة ولتقوية الاعصاب
0 هل لديك وزن زائد؟ نستطيع مساعدتك
0 يؤثر نظامك الغذائي على صحتك: كيفية الحفاظ على التغذية الجيدة










