البرلمان الجديد:شرعية في خبر كان.. والتقدير لنعيمة وحنان
24-06-2007, 05:56 PM
بقلم الأستاذ: عميروش .ر
باحث في العلوم ا لسياسية
. جامعة الجزائر
[email protected]

البرلمان الجديد :
شرعية في خبر كان.. والتقدير لنعيمة وحنان

لا شك وان البرلمان الجديد يعتبر البرلمان الأغرب في تاريخ العمل السياسي الجزائري التعددي وغير التعددي لاعتبارات عدة جعلته يحظى وبامتياز كبير بصفة الغرابة التي لا يوجد مثيل لها سوى في قواميس السياسة الجزائرية التي لم تعد تفرق حسب نظري بين شيخ عجوز طاعن في السن يعيش ربما سويعات الهطرفة السياسية الأخيرة وبين شباب في مقتبل العمر لهم من الكفاءات والقدرات ما يمكنهم من المساهمة الفعالة في قيادة القاطرة الجزائرية العصية الى بر الأمان والاطمئنان على حد وصف المعلق التونسي في قناة ال..آرتي الذي اندهش للمستوى الكبير لجمهور ملعب الثامن ماي 45 الذي وصفه بانه ملعب النار والانتصار ومصطلح النار هنا لا يدل على ثورات وشغب واعتصامات ومناوشات لإجبار الخصم على الاستسلام كما اراد اشقائنا في المشرق الترويج له بغية التغطية على إخفاقاتهم المتكررة أمام مارد الهضاب العليا وإنما هو علامة على الألوان الزاهية التي تصدر عن الألعاب النارية فتضفي على الأجواء نوعا من التشويق والحماسة تزيد من حلاوة المباريات التي كانت آخرها مسكا وبردا وسلاما على الجمهور الجزائري الذي لم يخرج للانتخاب يوم السابع عشر من شهر ماي لحاجة في نفسه وفضل على العكس من ذلك الخروج عن بكرة ابيه للاحتفال بتتويج الوفاق في أعراس أربكت وأحرجت منظمي العملية الانتخابية الذين وجدوا أنفسهم في وضعية تسلل واضحة سواء قبل أثناء او بعد صافرة الحكم المصري معلنا انتهاء اللقاء، فمكاتب الانتخاب والفرز كانت شبه خالية في اشارة واضحة الى ان الشعب الجزائري قد فصل في الأمر وانتخب بقوة على الشرعية الرياضية التي نالها ابناء سطيف بالعزم والإصرار وبأنهار من العرق خارج الديار ،وادار ظهره في سابقة فريدة للشرعية الانتخابية التي لفظها ولم يمنحها لأي حزب مهما اختلفت المسميات مؤكدا على تمسكه بخيار المقاطعة رافعا البطاقة الحمراء في وجه الجميع سلطة وأحزابا.
وإن كان من قراءة يمكن استعمالها لفهم أسباب هذه المقاطعة وهذا العزوف الكبير عن الانتخاب فهي بالتأكيد القراءة الواقعية المتمعنة المتفحصة سواء للقوائم الانتخابية أو لأداء الأحزاب السياسية طيلة الفترة الماضية التي شهدت العديد من الأحداث سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي.
فالبرلمان المنتهية عهدته المطبوعة باغلبية ساحقة لحزب جبهة التحرير الوطني لم تتمكن من تحويلها الى ممارسة ناجحة على ارض الواقع لتبقى بذلك مجرد أغلبية على الورق وفقط وتبقى الجبهة ككل مرة مجرد جهاز يملك ولا يحكم ليطرح التساؤل عن جدوى الحصول على الاغلبية النيابية ثم التخلي عنها في الممارسة سواء داخل جلسات البرلمان او على مقاعد الحكومة التي يحوز الحزب العتيد بدوره على أغلبية حقائبها.
فبالقيام بعملية جرد سريعة وفقط نلاحظ أن نواب الأغلبية ومن سار في فلكهم من نواب ما يعرف بالتحالف الرئاسي لم يستطيعوا تمرير أي قانون عليه الكلام كما يقول المثل الجزائري واكتفوا بترك اليد الطولى لرئيس الجمهورية للتشريع بأوامر فيما يخص جميع القضايا الحساسة على المستوى المحلي وحتى القضايا الغير حساسة بدليل أن عدد القوانين الصادرة بأوامر أصبحت تعد بالعشرات بداية بقانون الأسرة الى قوانين المحروقات وحتى قوانين المالية مرر العديد منها على هذه الشاكلة وهنا يطرح التساؤل عن جدوى وجود اغلبية برلمانية او جدوى وجود برلمان اساسا ما دام لرئيس الجمهورية الحق الدستوري في التشريع.وبالتالي من يتحمل المسؤولية امام الشعب هل هو رئيس الجمهورية ام الحكومة المنبثقة عن حزب الاغلبية البرلمانية ام الاحزاب السائرة في فلكهما مادامت هي ايضا ترفع شعار برنامج الرئيس
ان هده الضبابية وهدا التداخل الكبير قد ساهم بقسط وفير في تمييع اهم مبدا تقوم عليه الديمقراطيات الحديثة الا وهو مبدا الرقابة على السلطات المنتخبة تنفيدية كانت او تشريعية وهو ما وقع بالفعل في الحكومتين السابقتين لما امتنعتا في سابقة هي الأولى في المسار التعددي الجزائري عن تقديم حصيلة نشاطهما للمحاسبة والتقييم أمام البرلمان تحت ذرائع مختلفة ضاربين بدلك عرض الحائط الرقابة الشعبية ممثلة في البرلمان رغم أن هدا الأخير قد تنازل عن معظم صلاحياته مكتفيا برفع الأيدي وإعطاء البطاقات الخضراء لكل المشاريع التي تعرض امامه بل المتتبعون لجلسات البرلمان قد لاحظوا في العديد من المرات ان الجلسات كانت تجري بكراسي شبه شاغرة تعكس ربما تدمر وامتعاض نواب الامة من كثرة مشاريع القوانين المعروضة أمامهم وبالتالي كثرة تكسار الراس خصوصا وان العديد منهم لا يستطيعون التدخل في المناقشات سواء بتقديم إضافات أو طلب توضيحات وتفسيرات خاصة ادا ما كانت الجلسات منقولة على المباشر وهو ما يعني زيادة الطين بلة وهو ما يفسر ارتياح البعض من قرار التلفزيون الامتناع عن النقل المباشر قبل ان يتراجع عن ذلك تحت ضغوطات أطراف ربما هي المستفيد الأكبر من هذا التدهور.
كما تجدر الاشارة الى نقطة هامة ينبغي الوقوف عندها بتمعن ألا وهي تعويض البرامج والشعارات الانتخابية رغم ان معظمها لا يعدوا الا ان يكون من النوع المعسول الذي سرعان ما يذوب بمجرد طلوع الشمس، بصور عالية الاتقان والاخراج كما حدث بولاية سطيف أين حصدت احدى المترشحات ثلاث مقاعد كاملة متجاوزة بذلك اعرق الأحزاب السياسية في الولاية لمجرد تعليق تلك الصور التي لا تحمل ولا عنوان سوى صورة المترشحة التي تظهر في كامل الحسن والجمال الذي اختاره الناخب السطايفي وتوجها بثلاثية نظيفة على شاكلة البطولة والكاس العربية.
إن التداخل الكبير في الصلاحيات بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية قد أصاب النظام السياسي الجزائري بنوع من الضبابية والميوعة بحيث يصعب تحميل طرف على حساب آخر المسؤولية عما يمكن ان ينجر من اخفاقات في الممارسة السياسية سواء من خلال العمل التنفيذي او التشريعي وحتى القضائي وهو ما يدعوا الى ضرورة الاسراع في تعديل الدستور وتحديد نوعية النظام السياسي المراد إنشاؤه في الجزائر أهو نظام رئاسي مركز كما هو عليه الشان في الولايات المتحدة الامريكية ،ام نظام برلماني كما في بريطانيا أم ان المشرع الدستوري سيتمسك بالنظام الشبه رئاسي كما هو عليه الشان في فرنسا .
ولا اعتقد ان المواطن الجزائري أصبح يهمه نوعية النظام السياسي ولا حتى نوعية البرامج المعروضة في كل مناسبة انتخابية ولا حتى هوية هذا المرشح او ذاك لعلمه المسبق ان الجميع سوف يسلك طريقا باتجاه واحد الى قبة البرلمان الجديد و ان العودة لاخذ انشغالاته لن تتم في احسن الاحوال قبل الخمس سنوات القادمة تاريخ انتهاء العهدة ولا عزاء له في هته الاحوال إلا المثل الشعبي القائل :مالفين بربي يخلف .
هذا ما جنته الممارسة السياسية في بلادنا طيلة العشريات المتلاحقة بداية من فقدان الكفاءة اللازمة لتمثيل نوعي للمواطن مرورا بفقدان شهية هذا الاخير لغزو صناديق الاقتراع وصولا إلى حالة من التيه السياسي يصعب الخروج منها ما دام أن الكل في جزائر الالفية الثالثة يرفع شعار : أنا ما نقولك..وانت ما يخفى عليك.
فكيف سيكون مصير برلمان الخمس والثلاثون بالمئة ..لست ادري لكن امنية العديد منا أن لا تتعدى عهدته الخمس وثلاثون اسبوعا أي ما يعادل بالتقريب حوالي العام الواحد وكل برلمان وانتم بخير.