الشعب الجزائري: هل له قابلية للاستعمار؟؟
08-10-2008, 06:10 PM
الشعب الجزائري: هل له قابلية للاستعمار؟؟
القابلية للاستعمار مصطلح كثيرا ما وظفه العالم الجزائري مالك نبي رحمه الله في دراساته الحضارية ضمن شروط النهضة. وقد شيد على أساسه نظرية يصعب ردها، إذ دعمها بأفكار يستحيل إنكارها. غير أن الذي استعصى فهمه على الكثير من الدارسين، أن هذه القابلية ليست حتمية يستحيل التخلص منها، بدليل أنه ينفيها عن نفسه. فعندما أقر أن الشعوب الإفريقية الأسيوية لها قابلية للاستعمار، كان يشير إلى ما توفر لديها من استعدادات نفسية ودينية هيأتها لذلك، وأطمعت المستعمر الذي عمل على تكريسها فيها لتسهيل عملية الاحتلال والسيطرة.
فكما أن الاستعمار خاصية عند الإنسان عند شعوره بالقوة، فالقابلية للاستعمار ظاهرة ثابتة فيه في مرحلة الضعف. فهي تتراوح بين القوة والضعف بحسب الظروف النفسية والاجتماعية والدينية وحتى السياسة لأي مجموعة بشرية. فكلما قويت وتوفرت لها الشروط عند قوم، كلما تمكن الآخر من الاستحواذ عليه. وبما أن الرغبة في عمارة الأرض فطرية في الإنسان، اقتضت الضرورة أن يبحث على الأساليب التي تساعده على تحقيق هذا الهدف. إلى جانب هذه الخاصية الفطرية، ينمو حب السيطرة على الآخر عند الآخر للاستحواذ على الأرض. والمجتمع الجزائري مثل غيره، لم ينج من هذا الداء الحضاري. فقد أبدى على امتداد التاريخ، استعدادا لتمكين الآخرين من نفسه، فكان أن استعمر لفترات طويلة لم يتوقف خلالها عن ممانعة ومغالبة المستعمر الذي سرعان ما يغير من سلوكه بعد احتلاله للأرض.
فمالك بن نبي يرى إن القابلية للاستعمار مسبوقة بعدة عوامل جعلن الأفراد تسودهم مشاعر السلبية والاستسلام والخضوع لمفاهيم جعلته يميل إلى السهولة في التعامل مع القضايا واستحالة النظر إلى حلولها. في هذه المرحلة لا يتعذر التدين في المجتمع ولكن تدينهم فردي، مما يجعلهم يفتقدون التماسك الاجتماعي مكونين بذلك أرضاً خصبة تشجع المستعمر وتغريه. فهذه القابلية للاستعمار هي التي تستدعيه وتمكن له. "فالتدهور والفساد الروحي، هو الذي يجلب على نفسه عوامل الانهيار التي يجلبها عليه غزو خارجي تماماً كالمنتحر الذي اعتدى عليه خصم له، عقب شروعه في الانتحار، فجاءت وفاته نتيجة ما أصاب به نفسه لا ما أصابه من خصمه، إن أقصى ما يفعله الغزو الخارجي هو توجيه ضربة قاضية إلى مجتمع يلفظ أنفاسه الأخيرة"، كما أوضح ذلك أحد الدارسين.
لقد جاء في كتاب "العبودية المختارة" للكاتب "إتيين دي لا بواسيه" عام 1562، إن أثينا أرسلت رسولين إلى فارس، فلما دخلوا الحدود، استقبلهم الوالي هناك فأطعمهم وأكرمهم، ثم قال لهم: لماذا لا تتحولون إلى عبيد سيدي الشاهنشاه. فنظر الرجلان بتعجب لعرض الفارسي الذي قدمه بكل حرص وسخاء. وقالا له: إنك لم تذق طعم الحرية بعد. ولو ذقتها لقاتلت عنها بأظافرك وأسنانك. وكل شرح لشيء لم تذقه لا يقربك من المسألة إلا بعدا عنه.
وهذه اللقطة، إنما توضح سيكولوجيا الاستعمار والمستعمر معا. وهي تشرح لنا استعباد طاغية بغداد لأهل بغداد وإذلال أهل المغرب للمغاربة وهلم جر. هؤلاء يسميهم مالك بن نبي "أناس ما بعد الموحدين"، أي ما بعد الانحطاط. والقابلية للاستعمار ينعتها الباحثون بمرض عام يتخلل كل المستويات والطبقات الاجتماعية والجنس والعمر. وهنا يحضرني شرح بارع لهذه الظاهرة: "يظهر ذلك بين الموظف ورئيسه، والمرأة والرجل، والطفل والأستاذ. ومنظر الشرطي وهو يصفّر لقائد السيارة وكيفية اقترابه منه في مشية "الغوريلا" مباعداً بين رجليه رافعاً بطنه للأمام ورقبته للخلف وقائد السيارة المضطرب الممتقع الذي يتزلف بالكلمات والرشوة والحلف بأغلظ الأيمان يفتح عيوننا على الواقع الاستعماري اليومي."
القابلية للاستعمار عند الشعوب كما سبق لي أن قلت ليست حتمية. فهي تشبه القابلية للانكسار في الزجاج. لقد رسخ في عقول البشر أن الزجاج من خصائصه الانكسار ولكن صناعيا، أمكن تصنيع زجاج غير قابل للكسر بتغيير مواده الأساسية بطرق صناعية. فكذلك المجتمع، قد يكون قابلا للاستعمار ويمكن، عن طريق التربية، أن نوفر فيه ما به يرفض الاستعمار. ومما لا بد منه في هذا السياق العمل على تحرير الوعي وإرجاع الإنسان من الموت إلى الحياة. جاء في القرآن الكريم: « أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها".
مما يحكى عن حسني الزعيم أحد الشخصيات الانقلابية في سوريا، إن وفدا من أعيان دمشق أراد زيارته للتحاور معه في بعض الشؤون السياسية، فدخلوا عليه وهو يصيح في التلفون: "إذا لم يمتثل للأمر فقوموا بإعدامه فورا. ثم التفت إليهم وقد ابيضت وجوههم من الخوف. وقال: أهلا وسهلا وألف ألف مرحبا، ماذا أستطيع أن أفعل لكم؟ قالوا: عفوا، نحن جئنا لنبارك لك العهد الميمون ونتشرف بلقاء شخصك العظيم. قال لهم: شكرا لكم ارجعوا إلى قومكم موفقين. ثم التفت لمن حوله بعد انصرافهم وهو يضحك ملء شدقيه: "شعب مثل هذا يناسبه حاكم مثلي".
مما سبق يتبين أن ظاهرة القابلية للاستعمار موجودة في الإنسان وهي شرط أساسي في عملية الاحتلال. من علاماتها ما عندنا من مشاعر الانهزامية والتبعية ولغة التخاذل التي أصبحت تتخلل خطابنا على العموم.
وهنا نطرح سؤالا: لماذا فشل أو - بالأحرى- تأخر الفيلسوف مالك بن نبي في الإفهام والإقناع وإيجاد المناصرين لفكرته في أوساط المسلمين: والجواب إنه طرح الفكرة متقدما على زمانه لتخلف المجتمعات الإسلامية ثم لأنه كان يخاطب الناس بلغة غير لغتهم، إذ ترجمت أفكاره خطأ. يضاف إلى كل ذلك أن المسلمين لا يقرؤون في العصر الحديث.
العيد دوان
فكما أن الاستعمار خاصية عند الإنسان عند شعوره بالقوة، فالقابلية للاستعمار ظاهرة ثابتة فيه في مرحلة الضعف. فهي تتراوح بين القوة والضعف بحسب الظروف النفسية والاجتماعية والدينية وحتى السياسة لأي مجموعة بشرية. فكلما قويت وتوفرت لها الشروط عند قوم، كلما تمكن الآخر من الاستحواذ عليه. وبما أن الرغبة في عمارة الأرض فطرية في الإنسان، اقتضت الضرورة أن يبحث على الأساليب التي تساعده على تحقيق هذا الهدف. إلى جانب هذه الخاصية الفطرية، ينمو حب السيطرة على الآخر عند الآخر للاستحواذ على الأرض. والمجتمع الجزائري مثل غيره، لم ينج من هذا الداء الحضاري. فقد أبدى على امتداد التاريخ، استعدادا لتمكين الآخرين من نفسه، فكان أن استعمر لفترات طويلة لم يتوقف خلالها عن ممانعة ومغالبة المستعمر الذي سرعان ما يغير من سلوكه بعد احتلاله للأرض.
فمالك بن نبي يرى إن القابلية للاستعمار مسبوقة بعدة عوامل جعلن الأفراد تسودهم مشاعر السلبية والاستسلام والخضوع لمفاهيم جعلته يميل إلى السهولة في التعامل مع القضايا واستحالة النظر إلى حلولها. في هذه المرحلة لا يتعذر التدين في المجتمع ولكن تدينهم فردي، مما يجعلهم يفتقدون التماسك الاجتماعي مكونين بذلك أرضاً خصبة تشجع المستعمر وتغريه. فهذه القابلية للاستعمار هي التي تستدعيه وتمكن له. "فالتدهور والفساد الروحي، هو الذي يجلب على نفسه عوامل الانهيار التي يجلبها عليه غزو خارجي تماماً كالمنتحر الذي اعتدى عليه خصم له، عقب شروعه في الانتحار، فجاءت وفاته نتيجة ما أصاب به نفسه لا ما أصابه من خصمه، إن أقصى ما يفعله الغزو الخارجي هو توجيه ضربة قاضية إلى مجتمع يلفظ أنفاسه الأخيرة"، كما أوضح ذلك أحد الدارسين.
لقد جاء في كتاب "العبودية المختارة" للكاتب "إتيين دي لا بواسيه" عام 1562، إن أثينا أرسلت رسولين إلى فارس، فلما دخلوا الحدود، استقبلهم الوالي هناك فأطعمهم وأكرمهم، ثم قال لهم: لماذا لا تتحولون إلى عبيد سيدي الشاهنشاه. فنظر الرجلان بتعجب لعرض الفارسي الذي قدمه بكل حرص وسخاء. وقالا له: إنك لم تذق طعم الحرية بعد. ولو ذقتها لقاتلت عنها بأظافرك وأسنانك. وكل شرح لشيء لم تذقه لا يقربك من المسألة إلا بعدا عنه.
وهذه اللقطة، إنما توضح سيكولوجيا الاستعمار والمستعمر معا. وهي تشرح لنا استعباد طاغية بغداد لأهل بغداد وإذلال أهل المغرب للمغاربة وهلم جر. هؤلاء يسميهم مالك بن نبي "أناس ما بعد الموحدين"، أي ما بعد الانحطاط. والقابلية للاستعمار ينعتها الباحثون بمرض عام يتخلل كل المستويات والطبقات الاجتماعية والجنس والعمر. وهنا يحضرني شرح بارع لهذه الظاهرة: "يظهر ذلك بين الموظف ورئيسه، والمرأة والرجل، والطفل والأستاذ. ومنظر الشرطي وهو يصفّر لقائد السيارة وكيفية اقترابه منه في مشية "الغوريلا" مباعداً بين رجليه رافعاً بطنه للأمام ورقبته للخلف وقائد السيارة المضطرب الممتقع الذي يتزلف بالكلمات والرشوة والحلف بأغلظ الأيمان يفتح عيوننا على الواقع الاستعماري اليومي."
القابلية للاستعمار عند الشعوب كما سبق لي أن قلت ليست حتمية. فهي تشبه القابلية للانكسار في الزجاج. لقد رسخ في عقول البشر أن الزجاج من خصائصه الانكسار ولكن صناعيا، أمكن تصنيع زجاج غير قابل للكسر بتغيير مواده الأساسية بطرق صناعية. فكذلك المجتمع، قد يكون قابلا للاستعمار ويمكن، عن طريق التربية، أن نوفر فيه ما به يرفض الاستعمار. ومما لا بد منه في هذا السياق العمل على تحرير الوعي وإرجاع الإنسان من الموت إلى الحياة. جاء في القرآن الكريم: « أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها".
مما يحكى عن حسني الزعيم أحد الشخصيات الانقلابية في سوريا، إن وفدا من أعيان دمشق أراد زيارته للتحاور معه في بعض الشؤون السياسية، فدخلوا عليه وهو يصيح في التلفون: "إذا لم يمتثل للأمر فقوموا بإعدامه فورا. ثم التفت إليهم وقد ابيضت وجوههم من الخوف. وقال: أهلا وسهلا وألف ألف مرحبا، ماذا أستطيع أن أفعل لكم؟ قالوا: عفوا، نحن جئنا لنبارك لك العهد الميمون ونتشرف بلقاء شخصك العظيم. قال لهم: شكرا لكم ارجعوا إلى قومكم موفقين. ثم التفت لمن حوله بعد انصرافهم وهو يضحك ملء شدقيه: "شعب مثل هذا يناسبه حاكم مثلي".
مما سبق يتبين أن ظاهرة القابلية للاستعمار موجودة في الإنسان وهي شرط أساسي في عملية الاحتلال. من علاماتها ما عندنا من مشاعر الانهزامية والتبعية ولغة التخاذل التي أصبحت تتخلل خطابنا على العموم.
وهنا نطرح سؤالا: لماذا فشل أو - بالأحرى- تأخر الفيلسوف مالك بن نبي في الإفهام والإقناع وإيجاد المناصرين لفكرته في أوساط المسلمين: والجواب إنه طرح الفكرة متقدما على زمانه لتخلف المجتمعات الإسلامية ثم لأنه كان يخاطب الناس بلغة غير لغتهم، إذ ترجمت أفكاره خطأ. يضاف إلى كل ذلك أن المسلمين لا يقرؤون في العصر الحديث.
العيد دوان
من مواضيعي
0 التغذية: نصائح وحيل حول الأكل الصحي اهمالها قد يسبب لنا مشاكل صحية لا نعرف اين سببها؟
0 فوضى سينوفاك الصينية.. لقاح واحد و3 نتائج متضاربة
0 "نوع آخر مثير للقلق".. سلالات كورونا المتحورة تنتشر في 50 بلدا
0 إجراء تغييرات إيجابية: نصائح وحيل للتغذية السليمة ولتقوية الاعصاب
0 هل لديك وزن زائد؟ نستطيع مساعدتك
0 يؤثر نظامك الغذائي على صحتك: كيفية الحفاظ على التغذية الجيدة
0 فوضى سينوفاك الصينية.. لقاح واحد و3 نتائج متضاربة
0 "نوع آخر مثير للقلق".. سلالات كورونا المتحورة تنتشر في 50 بلدا
0 إجراء تغييرات إيجابية: نصائح وحيل للتغذية السليمة ولتقوية الاعصاب
0 هل لديك وزن زائد؟ نستطيع مساعدتك
0 يؤثر نظامك الغذائي على صحتك: كيفية الحفاظ على التغذية الجيدة
التعديل الأخير تم بواسطة العيد دوان ; 13-10-2008 الساعة 12:39 PM