حدثني المزفانقي عن شيخ الغبرة قال:
لقد ابتليت الجزائر والعياذ بالله بانقسام طائفي عجيب لم تشهده منذ دخول الإسلام إليها. وأخطر الطوائف هم طائفة لا حظ لهم من العلم سوى مطويات كاسكروت وشروح على حواش على هوامش على......، حتى غطت المتن، فابتعدوا عن الأصول واهتموا بالقشور. رجعوا بنا إلى نصرانية: فما لقيصر لقيصر وما لله لله، يسحلون دماء المسلمين الضعفاء بالشبهات، فالتكفير عندهم أسهل من شرب الماء. ونصبوا أنفسهم كقساوسة الكنيسة في العصور الوسطى: يمنحون صكوك الغفران والرحمة ويخرجون من الرحمة.
هم كقساوسة العصور الوسطى: يرهبون الفقير والضعيف بعذاب جهنم وبئس المصير، ويختلقون الأعذار والفتاوى للأقوياء والأغنياء. فهم كالمطارنة الذين يذكرهم جبران خليل جبران في الأرواح المتمردة: هم صمام أمان ودرع وقاية لاستمرار الأغنياء في بطشهم وضمان ولائهم..
قال المزفانقي: كيف نشأت هذه الطائفة؟
قال شيخ الغبرة: في ما مضى من الزمان، بدؤوا بعد أن أقدم أحد العربان الذي لم يصح نسبه عند العرب وتحالف مع أحد المشايخ. بعد أن أدعوا أن أهل الجزيرة عادوا إلى عبادة الأوثان، وهذا غير صحيح بنص قول النبي بأن الشيطان قد يئس أن يعبد في تلك الأرض. فجمعوا العربان وسفكوا دماء من وقف في طريقهم، وشقوا عصا طاعة الخلافة الإسلامية في تلك الزمن، حيث لم يبتكروا بعد فتوى عدم الخروج عن الحاكم بعد إلا بعد أن استتب لهم الأمر..، وتحالفوا مع الإنجليز الكفرة ضد إخوان الدين...
ثم ما لبثوا أن نسبو أرض الحجاز إلى اسم عائاتلهم المطعون في نسبها، فمن عادة الأسر أن تنسب إلى البلدان وليس أن تنسب الأسر إلى البلدان. كل هذا والقساوسة والرهبان المحدثون يبررون بالفتاوى ويمنحون الصكوك ويحرمون المعارضين من الرحمة...
قال المزفانقي: إلى أي مذهب ينتمون؟
قال شيخ الغبرة: يدعون أن لا مذهب لهم، وأنهم ضد المذهبية، فاتبعوا فقهاء الحنابلة المتأخرين المتنطعين، وجعلوا من بن تيمية إمام مذهبهم. واختاروا عقيدة التجسيم، وقالوا: أن الله يجلس الرسول صلى الله عليه وسلم على العرش بمقدار أربعة أصابع -تعالى عما يفترون-، بل ويفاضلون بين القراءات المختلفة للقرآن، فيأخذون بقراءة حفص ويهملون البقية..
قال المزفانقي: ومن أتباعهم؟
قال شيخ الغبرة: إن أتباعهم اليوم هم من السذج وضعاف العقول، أغلب لم ينل من العلم شيئا، أو أنه لا يستطيع حل مسألة حسابية بسيطة ويدعي الإلمام بمسائل فقهية وعقائدية عظمى أهلكت العلماء قبلا. فهم يطيعون قساوستهم طاعة عمياء، فلا يحق أن يسألوا إلا في الجزئيات أما الكليات فهي من اختصاص قساوستهم لا غير..
قال المزفانقي: وما هي فرقهم؟
قال شيخ الغبرة: نعم فقد انقسموا فرقا وشيعا، لكن دون أن يختلفوا في حبرهم الأعظم، فقد حدث لهم ما حدث للكنيسة في القرون الوسطى: الرهبان البينيديكت وارهبان الدومينيكان و...، لكن كلهم يخضعون للفاتيكان. فنجد اليوم أتباع ربيع وأتباع الجربيع..
أنصحك يا ابني المزفانقي بقراءة رواية لأمبيتو إيكو بعنوان اسم الوردة، ستساعد في فهم هذه الطائفة، التي تدعي احتكار الحقيقة والباطل دون غيرها
قال المزفانقي: شكرت شيخ الغبرة، وضربت له موعدا لاحقا وعدت أدراجي...
انتهى حوار المزفانقي وشيخ الغبرة