تسجيل الدخول تسجيل جديد

تسجيل الدخول

إدارة الموقع
منتديات الشروق أونلاين
إعلانات
منتديات الشروق أونلاين
تغريدات تويتر
منتديات الشروق أونلاين > المنتدى العام > نقاش حر

> بدعة العصبية الوطنية والقومية .

مشاهدة نتائج الإستطلاع: ماذا تفهم بعد قراءتك لهذا الموضوع ؟.
أن السلفية مذهب وطني ؟ 0 0%
ان السلفية مذهب غير وطني ؟ 9 100.00%
المصوتون: 9. أنت لم تصوت في هذا الإستطلاع

 
أدوات الموضوع
  • ملف العضو
  • معلومات
حاليلوزيتش
زائر
  • المشاركات : n/a
حاليلوزيتش
زائر
بدعة العصبية الوطنية والقومية .
29-04-2014, 04:01 PM
بدعة العصبية الوطنية والقومية (عن شبكة أنا مسلم )



لا يمنع الإسلام من أن يحب المسلمُ بلدَه ووطنه الذي عاش فيه وتربى، لكن المنكَر هو عقد الولاء والبراء عليه، وجعل المحبة والبغض بسببه، فليس من ينتمي إلى بلدك وينتسب إليها بأقرب إليك من المسلم في بلادٍ أخرى، فلا ينبغي أن يكون سبب الموالاة والمعاداة هو الانتماء للوطن أو عدم الانتماء له، بل الولاء والبراء، والحب والبغض ميزانها جميعاً: الإسلام والتقوى.

فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يحب مكة لأنها أحب البلاد إلى الله، ولم يكن ليحب كفارها، بل قاتلهم لما حاربوا الدين وقاتلوا المسلمين، ولم يكن هو ولا أصحابه ليقدموا حبهم لمكة على شرع الله تعالى، فلما حرَّم الله تعالى على المهاجرين من مكة الرجوع إليها بعد هجرتهم منها إلا للمناسك وثلاثة أيام بعدها التزموا هذا ولم يمكثوا فيها أكثر من تلك المدة، فلم يكن حبهم لمكة ليجعلهم يعصون الله تعالى فضلاً عن وقوعهم فيما هو أشد من ذلك.

واليوم ترى العصبية للوطن قد بلغت مبلغاً عظيماً فتعظم المشاهد الشركية لأنها في وطنه، ويُعظم علَم الدولة لأنه يمثل البلد، فيقف له الناس وقفة تعظيم وإجلال لا تجدها عندهم في صلاتهم ولا بين يدي ربهم تبارك وتعالى.

http://fatwa.islamweb.net/fatwa/inde...twaId&Id=17943

وقال الشيخ ابن باز رحمه الله في القومية: "هذه دعوة جاهلية، لا يجوز الانتساب إليها، ولا تشجيع القائمين بها, بل يجب القضاء عليها؛ لأن الشريعة الإسلامية جاءت بمحاربتها والتنفير منها, وتفنيد شبههم ومزاعمهم والرد عليها بما يوضح الحقيقة لطالبها؛ لأن الإسلام وحده هو الذي يخلد العروبة لغة، وأدباً، وخلقاً, وأن التنكر لهذا الدين معناه القضاء الحقيقي على العروبة في لغتها، وأدبها، وخلقها, ولذلك يجب على الدعاة أن يستميتوا في إبراز الدعوة إلى الإسلام بقدر ما يستميت الاستعمار في إخفائه.

ومن المعلوم من دين الإسلام بالضرورة أن الدعوة إلى القومية العربية أو غيرها من القوميات دعوة باطلة، وخطأ عظيم، ومنكر ظاهر، وجاهلية نكراء، وكيد للإسلام وأهله, وذلك لوجوه قد أوضحناها في كتاب مستقل سميته: (نقد القومية العربية على ضوء الإسلام والواقع)".

فتاوى الشيخ ابن باز (4/173).

وقال أيضاً: "إن من أعظم الظلم، وأسفه السفه, أن يقارن بين الإسلام وبين القومية العربية, وهل للقومية المجردة من الإسلام من المزايا ما تستحق به أن تجعل في صف الإسلام, وأن يقارن بينها وبينه؟ لا شك أن هذا من أعظم الهضم للإسلام، والتنكر لمبادئه، وتعاليمه الرشيدة, وكيف يليق في عقل عاقل أن يقارن بين قومية لو كان أبو جهل, وعتبة بن ربيعة, وشيبة بن ربيعة وأضرابهم من أعداء الإسلام أحياء لكانوا هم صناديدها وأعظم دعاتها, وبين دين كريم صالح لكل زمان ومكان, دعاته وأنصاره هم: محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر الصديق, وعمر ابن الخطاب, وعثمان بن عفان, وعلي بن أبي طالب, وغيرهم من الصحابة، صناديد الإسلام، وحماته الأبطال, ومن سلك سبيلهم من الأخيار؟ لا يستسيغ المقارنة بين قومية هذا شأنها, وهؤلاء رجالها، وبين دين هذا شأنه، وهؤلاء أنصاره ودعاته, إلا مصاب في عقله, أو مقلد أعمى, أو عدو لدود للإسلام، ومن جاء به، وما مثل هؤلاء في هذه المقارنة إلا مثل من قارن بين البعر والدر, أو بين الرسل والشياطين, ومن تأمل هذا المقام من ذوي البصائر, وسبر الحقائق والنتائج: ظهر له أن المقارنة بين القومية والإسلام: أخطر على الإسلام من المقارنة بين ما ذكر آنفا، ثم كيف تصح المقارنة بين قومية غاية من مات عليها النار, وبين دين غاية من مات عليه الفوز بجوار الرب الكريم, في دار الكرامة والمقام الأمين؟ اللهم اهدنا وقومنا سواء السبيل , إنك على كل شيء قدير".

انظر: فتاوى الشيخ ابن باز (1/320،321).




  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية رحيل
رحيل
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 26-12-2006
  • الدولة : الجزائر...
  • المشاركات : 6,888

  • اجمل صورة وسام التحرير 

  • معدل تقييم المستوى :

    25

  • رحيل will become famous soon enoughرحيل will become famous soon enough
الصورة الرمزية رحيل
رحيل
شروقي
رد: بدعة العصبية الوطنية والقومية .
29-04-2014, 05:09 PM
مقال جميل بارك الله فيك
الذي فهمته من الموضوع هو ان السلفية منهج و ليس مذهب
منهج الرسول صلى الله عليه و سلم و صحابته الاخيار
لهذا فاستطلاعك غير موضوعي و تمويهي
سنلتقي يوم الحساب يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من اتى الله بقلب سليم

  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية ام زين الدين
ام زين الدين
مشرفة سابقة
  • تاريخ التسجيل : 09-11-2008
  • الدولة : ارض الله الواسعة
  • العمر : 52
  • المشاركات : 26,032

  • وسام مسابقة الخاطرة اللغز المرتبة 1 مسابقة الطبخ 

  • معدل تقييم المستوى :

    44

  • ام زين الدين has a spectacular aura aboutام زين الدين has a spectacular aura aboutام زين الدين has a spectacular aura about
الصورة الرمزية ام زين الدين
ام زين الدين
مشرفة سابقة
رد: بدعة العصبية الوطنية والقومية .
29-04-2014, 05:16 PM
دخلت للبراكة لان مواضيع حليلوزيتش كلها مسك مررت من هنا
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية naja
naja
عضو متميز
  • تاريخ التسجيل : 14-10-2009
  • الدولة : الجزائر
  • المشاركات : 1,448
  • معدل تقييم المستوى :

    16

  • naja will become famous soon enough
الصورة الرمزية naja
naja
عضو متميز
رد: بدعة العصبية الوطنية والقومية .
29-04-2014, 05:26 PM
اعترض على كل انواع التفرقة التي تحدث في كل مرة باسم الدين
ما اعرفه عن السلفيين هو الذي جعلني اختار انهم لا ينتمون لمذهب وطني،،،،،لتصويتي هنا لم يكن عن دراسة و بحث قمت به،،،،،،فالكثير من السلفيين يقدسون على سبيل المثال السعودية و يتمنونه لو كانوا أبناءها،،،،و كان من هم سعوديون مرفوع عنهم القلم،،،،،،على هذا النحو كان تصويتي
  • ملف العضو
  • معلومات
حاليلوزيتش
زائر
  • المشاركات : n/a
حاليلوزيتش
زائر
رد: بدعة العصبية الوطنية والقومية .
29-04-2014, 05:27 PM
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رحيل مشاهدة المشاركة
مقال جميل بارك الله فيك
الذي فهمته من الموضوع هو ان السلفية منهج و ليس مذهب
منهج الرسول صلى الله عليه و سلم و صحابته الاخيار
لهذا فاستطلاعك غير موضوعي و تمويهي

وبورك فيك الاخت رحيل ، ولن نختلف حول هل هو منهج او مذهب ، لكن يبقى السؤال هل هو منهج وطني ام لا ؟ ثم هل هذا الموضوع يأتي لينقض كلامنا السابق عن لاوطنية السلفيين ام يؤكده؟ ، فكما هو واضح (وخاصة ما لون بالاحمر ) فما ادعيناه عن السلفية سابقا لم يكن زورا وبهتانا كما زعم بعض الاخوة هنا ، بل هو كلام السلفية انفسهم ، فالسلفية هم من يرفض الولاء الوطني ، وهم من يجرم الوطنية ، و عليه فما نسبناه لهم من كلام لم يكن كلامنا ، بل كان كلام ا لسلفية انفسهم ..فهل بعد هذا الموضوع ظل هناك مجال للحديث

شكرا
  • ملف العضو
  • معلومات
حاليلوزيتش
زائر
  • المشاركات : n/a
حاليلوزيتش
زائر
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية رحيل
رحيل
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 26-12-2006
  • الدولة : الجزائر...
  • المشاركات : 6,888

  • اجمل صورة وسام التحرير 

  • معدل تقييم المستوى :

    25

  • رحيل will become famous soon enoughرحيل will become famous soon enough
الصورة الرمزية رحيل
رحيل
شروقي
رد: بدعة العصبية الوطنية والقومية .
29-04-2014, 06:11 PM
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة naja مشاهدة المشاركة
،،،،،لتصويتي هنا لم يكن عن دراسة و بحث قمت به،،،،،،فالكثير من السلفيين يقدسون على سبيل المثال السعودية و يتمنونه لو كانوا أبناءها،،،
شحال يعني؟؟؟اعطينا نسبة عدد او اي يشيء يبين مقدار هذا "الكثير"
سنلتقي يوم الحساب يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من اتى الله بقلب سليم

  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية naja
naja
عضو متميز
  • تاريخ التسجيل : 14-10-2009
  • الدولة : الجزائر
  • المشاركات : 1,448
  • معدل تقييم المستوى :

    16

  • naja will become famous soon enough
الصورة الرمزية naja
naja
عضو متميز
رد: بدعة العصبية الوطنية والقومية .
29-04-2014, 06:21 PM
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رحيل مشاهدة المشاركة
شحال يعني؟؟؟اعطينا نسبة عدد او اي يشيء يبين مقدار هذا "الكثير"
اعتقد انها نسبة مرتفعة،،،،،،،،،كافية ليكون تصويتي هكذا،،،،،،لأنني لاحظت انه ينتقدون جل الأنظمة ،،،،عدى السعودية الذي يبدو ان نظامها لا ينتقد،،،،،، وهذا ما لاحظته ليس فقط بهذا المنتدى،،،،،بل في كل موقع أزوره او أشخاص أصادفهم
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية مُسلِمة
مُسلِمة
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 04-09-2012
  • المشاركات : 4,418
  • معدل تقييم المستوى :

    17

  • مُسلِمة has a spectacular aura aboutمُسلِمة has a spectacular aura about
الصورة الرمزية مُسلِمة
مُسلِمة
شروقي
رد: بدعة العصبية الوطنية والقومية .
29-04-2014, 06:49 PM
السلام عليكم

من أجمل ما نقلت لنا أيها الأخ الكريم بارك الله فيك و رحم الله الشيخ ابن باز رحمة وكل علمائنا الأصوليون الذين لا يداهنون في الحق و لا يخشون فيه لومة لائم
كوننا بعيدين في الواقع عن هذه المفاهيم السامية لا يعني أنها خاطئة فهي من صلب الإسلام و لا يمكن تطويعها استجابة لما يمليه الواقع الذي يتغير عبر الزمن
و أدعوك أخي حليلوزيتش و الأخت رحيل و الأخت نجا أن تقرؤوا معي هذا المقال و سأنقله على متصفحك أخي الكريم لأهميته حتى ننفض الغبار على هذه المسألة و نجتمع على كلمة سواء
يمكنك أن تعتبرها مغالطة رجل القش أستعملها لدرء ما أراه مفسدة للوطن ووحدته و جعل الدين في صورته السلفية أنه ضد الوطن و الوطنية من خلال بعض المواضيع

أرجوا أن تقرؤوه و هو للشيخ مختار الطيباوي

إنَّ هذه الشُّبهة (ضعف الوطنيَّة) الَّتي تلاحق السَّلفيِّين بسبب مبالغة بعض النَّاس في التَّشهير بهم وذمِّهم،والطَّعن عليهم ، وبسبب موقف بعض السَّلفيَّين الشَّرعيِّ أو المبنيِّ على مقاربة شرعيَّة من بعض إشكالات الوطنيَّة بالمفهوم العلماني ،والَّذي لم يقدروا على إيصاله للنَّاس، و تبليغه بلاغا كافيا معتبرًا تقوم به الحجَّة ،ويظهر به عذرهم، يحتاج إلى توضيح شديد.

وقبل أن ندخل في التَّدليل على هذه القضيَّة الخطيرة نشرح معنى "الوطنيَّة"، و "الدَّولة"، و "القوميَّة"، فهذا المصطلح:" الوطنيَّة" ـــ بالمعنى السِّياسيِّ و الإداري ـــ مصطلح عصريٌّ جديد، وقع فيه كثير من الاضطراب ،فبعضهم نظر إلى بعض الأحكام الشَّرعيَّة، وبدأ ينادي بها ضاربًا صفحا عن كلِّ ما يعارضها من واجبات أعظم و أهمّ منها، ممَّا قد يُسبِب ضررًا بالغا لأوطان المسلمين ،فلا يُفرِّق بين حالة قوَّة وحالة ضعف وعجز،ولا يفرِّق بين حقائق تاريخيَّة و بين واقع جديد فَرض على البلاد الإسلاميَّة تحدِّيات خطيرة.

فلا يفرِّق بين واجب معجوز عنه فهو ساقط شرعًا،وبين واجب مقدور عليه تخلف عنه العلمُ بوجوبه،أو عارضته شبهةٌ ،وبين ما لا يتأتى فعله إلاَّ ببعض الأمور المنهي عنها،لا ينهى عنه إلاَّ جاهل بالسِّياسة الشَّرعيَّة الصَّحيحة،وغير ذلك.

و قد لا يفرِّق بين تطبيق أحكام الشَّريعة و بين اعتبار الإسلام دينا للدَّولة، و أنَّ تطبيق أحكام الشَّريعة يأتي بعد مرحلة تحديد مقاصدها الكبرى، أي مبادئها و أساسيتها، و الَّذي يتضمن رفع مستوى النَّاس الدِّينيِّ وثقافتهم الشَّرعيَّة، وتصحيح عقيدتهم الَّتي تحمل الشُّعور بالحاجة الإيمانيَّة إلى تحكيم الشَّريعة، و إيجاد البديل الإسلاميِّ للنماذج الغربيَّة مفصَّلا، وقائما معرفيا بحدِّ ذاته، وليس المطالبة بعمومات مجرَّدة عن تفصيل تطبيقي عمليٍّ، وتنقية المنظومة القانونيَّة من النُّصوص الَّتي تخالف الشَّريعة بعد تحديدها، وليس الكلام بالمجملات.

وباختصار شديد : تجديد الدِّين و إيجاد القاعدة الصَّلبة لأحكامه الشَّرعيَّة الَّتي هي عقيدة التَّوحيد الصَّافية و منظومته الأخلاقيَّة الإيمانيَّة.

وعندما تعتبر الدَّولة أنَّ دينها الإسلام فيجب أن نقر أنَّ الدِّين هو الشَّريعة، و الأحكام الشَّرعيَّة جزء من الدِّين الَّذي يتضمن العقيدة و الأحكام و المعاملات و الأخلاق، فالعقيدة موجودة(مع النَّقص)، و كذلك الأخلاق(مع النَّقص)، وكثير من المعاملات موجودة إذ أكثر النَّاس يتحاشى الصُّور المحرَّمة في التِّجارة و المعاملات .

أمَّا الأحكام فبعضها موجود معمول به في قضايا الأحوال الشَّخصيَّة،و مغيَّبة في أمور أخرى.

وإذا كان السَّعي إلى الشَّريعة الكاملة في جميع مظاهرها واجبًا يجب السَّعي له سعيا حثيثا فيجب اوَّلا تعليم النَّاس أهمية الشَّريعة، وضرورة أن يحي المسلم وفقا لأحكامها لكن من غير فتنة مضلَّة تعصف بكلِّ شيء ،أو بحرق الأشواط و القفز طفرةً .

وكذلك يجب أن نعرف أن ترقية المسلم بتعليمه، وتحسين ظروف معيشته وثقافته الدِّينيَّة و الدُّنيويَّة، وصحَّته، وبيئته،و إيصال حقوقه إليه ،و بثِّ العدل بين المجتمع هو من الشَّريعة كذلك حتَّى لا يقال: إنَّنا نحرص على جزء من الشَّريعة يتعلَّق بالحدود، ونهمل أحكامها الأخرى.

بعض النَّاس نظر لظروف الأوطان الصَّعبة ،و عجز المسلمين في كثير من الميادين جعل الوطنيَّة في تصوُّره صنما ووثنيَّة جديدة تضعف طاعته لله ورسوله،فإن أدَّى حقَّ الحكَّام (الأئمَّة) و الوطن أضاع الدِّين ،و الآخر أدَّى طاعة الله ورسوله، و ضيَّع حقَّ الأئمَّة (الحكَّام) و الوطن، فرجع في الحقيقة إلى تضييع الدِّين،لأنَّ الدِّين يقوم على أناس يعيشون على وطن.

فمسألة الوطنيَّة مسألة حسَّاسة بالنِّسبة لجلِّ البلاد الإسلاميَّة خاصَّة ذات التركيب الطَّائفيِّ،و الأقليات المسلمة في الغرب، و تزداد حساسيَّة عندما لا يفهم بعض المسلمين مسألة إظهار العداوة، وينادون بها بدون قيد ولا شرط، غير مفرقين بين حالة حرب وحالة سلم،وبين كافر محارب،وبين مؤتمن ومسالم وذمي ومعاهد.

ومعلوم أنَّه يجب اجتناب ما يدعو إلى الفتنة الطَّائفيَّة ،و يضعف الوحدة الوطنيَّة ، أو يهدِّد استقرار البلدان الإسلاميَّة الدَّاخليِّ و الدُّوليِّ بكلِّ ممكن.

وكما سأبيّنه في هذا المقال فإنَّه في حالة الضَّعف أو العجز المتعدِّد الأسباب خاصَّة لتعارض المصالح يكفي إضمار البغضاء الشَّرعيَّة (الدِّينيَّة) و التَّبرُّؤ من الدِّيانات الكفريَّة، لأنَّ أصل العداوة البغض الباطن و المخالفة، و أصل الولاية الحبُّ و الموافقة، فمخالفة المسلم لغيره في دينه و عقيدته، و بغضه الباطن لكفر اليهود و النَّصارى يكفي في مثل هذه الحالات لتحقيق مقتضى التَّوحيد، و الإتيان بأصل الواجب الشَّرعيِّ: المعاداة.

وبهذا نحفظ ديننا، و لا نضيِّع أوطاننا، فنؤدِّي حقَّ الحكَّام، وحقَّ الوطن بمكوناته، و نطيع الله ورسوله، و نظهر الدِّين.

كما يجب أن يكون عندنا تصوُّرا واضحا للدَّولة الإسلاميَّة العصريَّة و متطلباتها الدَّاخليَّة مع الطَّوائف، و الخارجيَّة مع الملل الأخرى، لحفظ مصالح المسلمين السِّياسيَّة و الاقتصادية على جميع الأصعدة.

وبمعرفة المعاني الباطلة الَّتي يتضمنها مفهوم الوطنيَّة عند بعض النَّاس نعرف ما هي الوطنيَّة الصَّحيحة الَّتي يقرُّها الإسلام ،فعندما يقول رسول الله صلَّى الله عليه و سلَّم : (( مَنْ سَمِعْتُمُوهُ يَتَعَزَّى بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَعِضُّوهُ بهن أَبِيهِ وَلَا تَكْنُوا )) [1]

قال الزمخشري في( الفائق)(2/428): ((عزى التَّعَزىِّ والأعتزاء بمعنى وهو الانتساب وأن يقول : يا لفلان ! قال . . دَعَوْا لَكَلْبٍ واعَتزيْنا لعِامْرٍ ...)).

فالتَّعَزِّي هو الانْتِمَاء والانْتِسَاب إلى القوم ، يقال : عَزَيتُ الشيءَ وعَزَوْتُه وأعْزِيه وأَعْزُوه إذا أسْنَدتَه إلى أحَدٍ .

ومن هذا المفهوم فإنَّ من ينادي في وطنه بالقبلية و الجهوية و العرقية، ومثل هذه النعرات فإنَّه يدعو بدعوة الجاهلية التي حرَّمها الإسلام، وأخبر رسوله صلى الله عليه وسلم أنها نتنة، ويجب التشنيع عليه، ولو استدعى الأمر التصريح كما ورد في الحديث.

فمن الوطنية التفريق بين البعد الثقافي الذي تمثله اللغة و العادات في اللباس و الطعام و المجامع العرفية وغيرها، فلكل مسلم الحق في الحفاظ على لغته و هويته الثقافية لكن لا يجوز أن يرفعها إلى مستوى الهوية المشتركة ،فالمعتبر مثلا في الوطنية الجزائرية أننا مسلمون جزائريون نحب بعضنا بعضا ،ونتماسك و نتعاون على ازدهار وطننا، وحمايته من كل الأخطار ،فلا فرق بين عربي وبربري، و شمالي وجنوبي ،ولا شرقي ولا غربي،ولا تلي ولا صحراوي بيننا إلا بالتقوى و العمل لصالح ، فمن كان أكثر اتقاء لله تعالى، وأكثر تفانيا في خدمة أمته، هو أفضلنا و سيِّدنا، لا اعتبار لأي شيء آخر.

وعندما نفتخر ببلدنا فليس على حساب الدين الذي يجمع بين سائر المسلمين فنميز بين مواطن الافتخار بالوطن ومواطن الدعوة إلى الائتلاف و التعاون و التكافل بين المسلمين.

فوطننا الأول الجزائر التي تربطنا إليه روابط خاصة،ومنه اكتسبنا مميزاتنا الشخصية، ثم الأقرب فالأقرب من بلاد المغرب الكبير ثم سائر البلاد العربية ثم الإسلامية .

وعليه،فإن السلفيين في الجزائر يحبون وطنهم، و يقومون بواجبهم اتجاهه طاعة لله ولرسوله صلى الله عليه و سلم، و انسجاما مع فطرة حب الوطن التي غرسها الله فيهم، من غير دعوة إلى عرق، أو جنس،أو قبيلة، أو جهة ، أوكل ما هو من عزاء الجاهلية.

ويفهمون أن العصر فرض تصورات جديدة تسمى الدولة القطرية ،التي تشبهها الدول الإسلامية المستقلة قديما عن الخلافة،وأن تعدُّد البلاد مع تعدد حكامها أوجب تعدد الولايات ،والولاء في هذه الحالة يخضع إلى اعتبارات مهمة، ولا يصبح واجبا للمسلمين المنتمين لبلاد مختلفة بدون ضابط شرعي ،إذ قد يأمر هذا بأمر، ويأمر الآخر بما يعارضه فكيف نواليهما جميعا (؟)

الموالاة الواجبة لأهل الإسلام تكون إذا كان أمرهم متفقا على أمير واحد، أما إذا اختلفوا فليس أحدهم بأولى من الآخر بالموالاة حتى يرد ذلك إلى الدليل ،و الأمة الإسلامية من عصور طويلة لم تجتمع على إمام واحد ،قال محمد عبد الوهاب في (الدرر السنية)(9/5): (( الأئمة مجمعون من كل مذهب على أن من تغلب على بلد أو بلدان له حكم الإمام في جميع الأشياء ولولا هذا ما استقامت الدنيا لأن الناس من زمن طويل قبل الإمام أحمد إلى يومنا هذا ما اجتمعوا على إمام واحد ولا يعرفون أحدا من العلماء ذكر شيئا من الأحكام لا يصح إلا بالإمام الأعظم))

وقال مثل هذا ابن تيمية في (المجموع)(34/175)، و الشوكاني في (السيل الجرار)(4/504) ،و قال الصنعاني في (سبل السلام)(1/182): (( في شرح حديث " من خرج عن الطاعة وفارق الجماعة ومات فميتته ميتة جاهلية " أي طاعة الخليفة الذي وقع عليه الاجتماع عليه وكأن المراد خليفة أي قطر من الأقطار إذ لم يجمع الناس على خليفة في جميع البلاد الإسلامية من أثناء الدولة العباسية ،بل استقل أهل كل إقليم بقائم بأمورهم ،إذ لو حمل الحديث على خليفة اجتمع عليه أهل الإسلام لقلت فائدته ،وفارق الجماعة أي خرج عن الجماعة الذين اتفقوا على طاعة إمام انتظم به شملهم و اجتمعت به كلمتهم وحاطهم عن عدوهم))

قال ابن تيمية في (منهاج السنة)(8/349) في تفسير قوله تعالى:{ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا }[المائدة] فجعل موالاتهم كموالاة الله ورسوله،وموالاة الله ورسوله لا تتم إلا بطاعة أمره ،وكذلك المؤمنون لا تتم موالاتهم إلا بطاعة أمرهم ،وهذا لا يكون إلا إذا كان أمرهم أمرا متفقا،فإن أمر بعضهم بشيء و أمر آخر بضده لم يكن موالاة هذا بأولى من موالاة هذا فكانت الموالاة في حال النزاع بالرد إلى الله و الرسول ))

ولما قال الله تعالى: { وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُون }آل عمران.

فسره أهل العلم بمعنى "أو ادفعوا" أي القتال حمية ، أو دفاعا عن حريمكم وبلدكم،قال القرطبي (): ((وَذَهَبَ قَوْمٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ إِلَى أَنَّ قَوْلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو" أَوِ ادْفَعُوا" إِنَّمَا هُوَ اسْتِدْعَاءٌ إِلَى الْقِتَالِ [حَمِيَّةً، لِأَنَّهُ اسْتَدْعَاهُمْ إِلَى الْقِتَالِ] فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَهِيَ أَنْ تَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا، فَلَمَّا رَأَى أَنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى ذَلِكَ عَرَضَ عَلَيْهِمُ الْوَجْهَ الَّذِي يَحْشِمُهُمْ وَيَبْعَثُ الْأَنَفَةَ. أَيْ أَوْ قَاتِلُوا دِفَاعًا عَنِ الْحَوْزَةِ. أَلَا تَرَى أَنَّ قُزْمَانَ قَالَ: وَاللَّهِ مَا قَاتَلْتُ إِلَّا عَنْ أَحْسَابِ قَوْمِي. وَأَلَا تَرَى أَنَّ بعض الأنصارقَالَ يَوْمَ أُحُدٍ لَمَّا رَأَى قُرَيْشًا قَدْ أَرْسَلَتِ الظَّهْرَ فِي زُرُوعِ قَنَاةٍ ، أَتُرْعَى زُرُوعُ بَنِي قَيْلَةَ وَلَمَّا نُضَارِبْ؟ وَالْمَعْنَى إِنْ لَمْ تُقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَاتِلُوا دَفْعًا عَنْ أَنْفُسِكُمْ وَحَرِيمِكُمْ. ))فعلمنا منزلة الأوطان في الشريعة .

وإذا تعددت بلدان المسلمين فتعدد حكامها ،وكان تصرف الولاة على الرعية منوط بالمصلحة ،أي: بما يجلب المصلحة ويدرأ للمفسدة كعقد الصلح ،و إعلان الحرب ،و الهدنة،وكل ما يدخل في أحكام السير (القانون الدولي)موكول إلى الحكام فقد تختلف مصالح البلاد الإسلامية فيعاهد هذا هذا البلد و يعاهد الآخر ذاك البلد ،و المسلم ملزم بعهد بلده، و ليس هذا خروجا عن موجب الموالاة الإسلامية.

روى مسلم عن حذيفة بن اليمان قال : (( ما منعني أن أشهد بدرا إلا أني خرجت أنا وأبو حسيل فأخذنا كفار قريش ،قالوا: إنكم تريدون محمدا ؟ فقلنا: ما نريده ما نريد إلا المدينة،فأخذوا منا عهد الله و ميثاقه للننصرفن إلى المدينة ولا نقاتل معه فأتينا رسول الله فأخبرناه الخبر ،فقال: انصرفا نفي لهم بعهدهم و نستعين الله عليهم. ))

قال الشيخ صالح الفوزان (شرح نواقض الإسلام)(167): ((عن كفار بينهم و بين المسلمين عهد فقام هؤلاء الكفار على مسلمين آخرين فهل يجوز للمسلمين المعاهدين مناصرة المسلمين الذين أخطأ عليهم سواء بطلب أو بدون طلب فأجاب : لا يجوز نقض العهد الذي بيننا و بينهم { و إن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم و بينهم ميثاق و الله بما تعملون بصير }،{ فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم }))

وإنما ذكرت هذا لأبين أن مصالح المسلمين قد تختلف و الواجب وجود ضابط شرعي تنتظم به مصالحهم.

وعليه،فالوطنية التي تعتقدها السلفية في الجزائر هي وطنية صحيحة ليس فيها تمييز بين أبناء الوطن الواحد بل الكل ينصهر في الهوية الدينية و الجغرافية لهذا الوطن تحت قبيلة واحدة هي الجزائر ،لا فرق بين عربي وبربري إلا بالتقوى و العمل الصالح للدين و للوطن ،فأفضلنا من يخدم دينه ووطنه بما يوافق شريعة الإسلام.

إن الوطنية خلق وثقافة وميزة تقوم بكل جزائري حريص على وطنه،وهي عاطفة جياشة قوية منضبطة بمبادئ الإسلام و أصوله تعبّر عن ولاء الجزائري لبلده في غير معصية الله.

فولائي للجزائر لأنها بلدي، وهذا فطرة في الناس، ولأنها موطن أجدادي و آبائي، أي: أرضي ولأنها بلد مسلم يرفع ، و يعيش الحياة الإسلامية من صلاة، وصوم ،و زكاة ،وقراءة قرآن ورفع الآذان، وإقامة الشعائر الدينية، و أعمل على جبر أي نقص في الدين، أو الأخلاق، أو العمل لرفاهية الوطن بالعلم و الحكمة و الدعوة بالتي هي أحسن، حريصا على تجنيب وطني كل مسببات التشتت و الافتراق، و الضعف الاجتماعي و الاقتصادي و السياسي، مراعيا المصالح ،مجتنبا المفاسد،ضابطا لمراتب الأعمال الشرعية.

فالسلفي الجزائري وطنيته أن يؤدي حقوق الوطن المشروعة بدافع الدين و الفطرة ومصلحة الجزائريين الذين يضمهم هذا الوطن وإن كانوا مخالفين له في بعض القضايا إذا الوطن مشترك بينهم، وازدهاره يفيد الجميع، وضعفه يضر الجميع.

تعريف الوطنية:

هذه الكلمة لم تكن معروفة عند المسلمين إلا مؤخرا،على الأقل وفقا للاصطلاح المتداول اليوم بمضامينه، وقد حلت بديلا عن فكرة القومية ،و أول من اخترع هذا المصطلح وفق المضامين الجديدة هم الفرنسيون أبان ثورتهم على النظام الملكي و الكنيسة، فجاءت تعويضا لشرعية الملك و الكنيسة.

وباختصار هي فكرة علمانية، قد يستعملها المسلم، ولكنه لا يقصد منها ما يقصده العلماني، هذا الفارق الجوهري بغض النظر عن النزاع اللفظي الاصطلاحي.

فالوطنية في الثقافة الفرنسية هي إنجيل و دستور الثورة الفرنسية، وعنهم أخذها الناس مع القص من هنا أو هناك.

و الوطنية كعقيدة ومنهج تسير عليه الدول بدأت كبذور في فكر الفلاسفة فيما يعرف بـ "نظرية العقد الاجتماعي " فمنها استوحى مفكرو فرنسا فكرة جديدة الغرض منها القضاء على شرعية الملك و سلطة الدين سميت أولا "القومية" ثم تحولت و طورت إلى الوطنية، لأنهم وجدوا أن القومية المحضة غير صالحة للفكر العلماني، لأن أكثر الدول تتكون من أجناس و أعراق مختلفة فتركت وهجرت بعد الحرب العالمية الثانية ،و إن لم تزل بعض الأحزاب اليمينية المتطرفة تحاول إعادة أمجاد القومية كما كانت قبل الحرب العالمية الثانية.

و القومية هي: إعلاء رابطة العرق على حساب رابطة الدين، والدعوة إلى الفكر العلماني الباطل: "الدين لله و الوطن للجميع".

وهذه المقولة باطلة و مضللة للحقائق، لأنه ليعيش معنا أبناء وطننا من غير المسلمين في سلام لا نحتاج إلى هذه الكذبة المضلة و الباطلة ـ شقها الثاني ـ : "الوطن للجميع"،لان كل شيء، كل الكون، كل ما هو مخلوق فهو لله أولا و آخر.

فهنا مغالطة علمانية خبيثة مفادها أنه لو كان الوطن لله أي لإله المسلمين لم يكن للفئات الأخرى حق العيش فيه، و القرآن و السنة و أعراف المسلمين قد ضمنت للذمي و المعاهد ،و بالتعبير المعاصر" المواطن من الديانة الأخرى" حقوقا لا يحلم بها حتى في بيان حقوق الإنسان العالمي،فعندما يتوعد النبي صلى الله عليه و سلم المسلم الذي يقتل معاهدا،(( منْ قَتَلَ [نفسا] مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا )) [2]

والمُعاهَد : مَن كان بَيْنك وبَيْنَه عهد ،وأكثرُ ما يُطْلَق في الحديث على أهْل الذِّمة ،وقد يُطلق على غيرهم من الكُفَّار إذا صُولحوا على تَرْك الحَرْب مُدّةً ما.

ومنه الحديث (( لا يَحِلُّ لكم كذا وكذا ولا لُقَطَةُ مُعاهَدٍ )) أي لا يجوز أن يُتَملَّك لُقَطَتُه الموجودة من ماله لأنه مَعْصُوم المال يَجْري حُكْمُه مَجْرى حُكم الذِّمِّي.انظر (النهاية في غريب الحديث).

فهذا دليل عظيم على المستوى الذي رفع إليه الإسلام حقوق أهل الكتاب الذين يعيشون بيننا.

وفي أي ثقافة أو قانون أعطوا مثل هذه الحصانة، فغاية ما يوجد في القوانين الوضعية عقوبة دنيوية، بينما في الإسلام وعيد أخروي، وهذا دليل على أن الإسلام فيما يخص حقوق الناس ينابذ العصبية، ودعوات الجاهلية، و يحاربها لأنه دين العدل والحق.

ومن هنا نفهم أن الوطنية المستمدة من الشريعة أعظم و أشمل للحق و العدل من الوطنية العلمانية.

قال تعالى:{ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ }(الأعراف).

فهذه آية صريحة في أن الوطن لله، و كل شيء لله تعالى، حتى أرض المجوس فهي لله، لأن الحقائق لا تتبع عقائد الناس، ولكنها تتبع ما أخبر الله تعالى به، و قد قامت كل الأدلة عند جميع البشر أن الله خالق كل شيء، و هو سبحانه في عقيدتنا على كل شيء وكيل.

فهل يلزم إن قال المسلم: إن الدين و الوطن لله أن غيره من سكان هذا الوطن ليس لهم الحق للعيش في هذا الوطن،و التنعم بخيراته، و الأمن و الاستقرار فيه؟

و الجواب : لا،ولنا عليه عشرات الأدلة .

وأما من يتعدى على غير المسلمين في بلاد الإسلام فإنه لا يمثل الإسلام، و قد اعتدى على المسلمين، وقتل منهم أكثر مما قتل من غيرهم.

فليس في فعله المشين أي حجة تتمسك بها العلمانية لتهييج الغرب و استعدائه على الإسلام بحجة أن الإسلام لا يحمي الأقليات؟!

وهذا يخص بعض البلاد كمصر، وليس الجزائر.

ومن فكرة القومية انتقل العلمانيون إلى النزعة الإنسانية وهي : مذهب فلسفي أدبي ، يؤكد فردية الإنسان ضد الدين، و يغلب وجهة النظر المادية الدنيوية،وهو من فلسفة كونت الوضعية ،وفلسفة بتنام النفعية، وفلسفة برتراند راسل الإلحادية ، وجوهره: الاستجابة لحكم الفرد الخاص ضد سلطة الدين، و تأكيد ظهور الدول القومية ،وهذه الدول تكون على المفهوم التالي:

تعريف الدولة:

الدولة في المفهوم العلماني الغربي هي: كيان مستقل، لا علاقة له بأي تفويض إلهي بالحكم للحاكم، فكيان الدولة ذو علاقة بتاريخها، و بشرعية الحاكم ليس غير.

المهم، كل هذا نبع من نظرية العقد الاجتماعي، وهي نظرية يفسر بها بعض الفلاسفة نشأة المجتمع السياسي القائم على أساس أن الفرد يتنازل عن حريته الطبيعية، وحقه المطلق (كحق العقيدة)، في مقابل الحصول على الحرية المدنية، و الاحتفاظ بما ملكت يداه.

ومن تداعيات هذه النظرية التي تقوم عليها فكرة الوطنية في التصور العلماني الغربي القومي الإنسي أن العقد يكون بين الإنسان و المجتمع الذي يعيش فيه، و تتفق مصالحه مع مصالح الفرد ونزواته، لا مع مجتمع آخر مهما كانت بينه و بين ذاك المجتمع من صلة دينية قوية.

فهذه الوطنية الغربية تهدف إلى نزع ولاء الفرد من الكنيسة و إعطائه للدولة، وقطع الروابط الدينية لتحل محلها الروابط الوطنية، إما المبنية على القومية العرقية، أو وحدة الرقعة الجغرافيا إداريا، فلا اعتبار لكلمة التوحيد، ولا للقرآن، و لا لرابطة الإيمان، ولا للأخوة الإسلامية.

كما أنها جعلت القيمة العليا التي تقوم عليها الوطنية هي المصلحة المادية الدنيوية التي بسببها تمّ إبرام هذا العقد الاجتماعي، وليست للملكوت في المسيحية، و ليس لله، ولرسوله، و للمؤمنين كما في الإسلام، ولا حتى للقيم و الأخلاق الدينية .

والمجتمع الذي يقوم على مثل هذه الوطنية يجعل من الأخلاق أوهاما و أكاذيب، و من الدين طقوسا ومراسيم احتفالية لا أثر لها في واقع الناس، فترى الجنس و الخمر، و سائر المحرمات مباحة، فلا يحرم منها إلا ما يعارض مصلحة العقد الاجتماعي، و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر وفق شروطه و ضوابطه غير مسموح به، لأنه يعارض مصالح الفرد ( شهواته ونزواته) التي تكفلها هذه الوطنية فكل فرد في هذا المجتمع له حقائق فكرية و عقدية مختلفة، محترمة و مكفولة حتى اللوطية و السحاقية!

وهذه كارثة على الدين، و على العقل، و على الفطرة لان الحقائق ليست فطرية، ولا شهوانية

تتبع النزوات ووجهة النظر، بل هي إما حقائق دينية إلهية ونبوية ثابتة، و إما حقائق عرفية

وعقلية ثابتة يجب أن يلتزم بها الجميع، و يدافع عنها الجميع، و بناء عليها نعرف المفسد من المصلح، و الوفي لوطنه من الخائن، و البر من الفاجر.

وهذا لا يعني أبدا ـ لا في شريعتنا، ولا في تاريخ أمتنا، ولا في أعرافنا و عاداتنا ـ أن نهدر بسبب فهم فاسد للدين وحدتنا الوطنية، و نفرِّق بلداننا إلى أحزاب أو فرق متناحرة متعادية متقاتلة، فلم يزل في المسلمين نصارى و يهود، بل وحتى مجوس، ومع ذلك كفل لهم الإسلام حقوقهم، وبيّن لهم واجباتهم دون أن يخسر المسلم عقيدته و دينه تحت أي شعار أو لافتة،ففرق بين التعايش ،و بين الرضا بالكفر و الفجور.

فلم نر في التاريخ الإسلامي أن بلدا إسلاميا انقسم على أساس طائفي أو عرقي، ولكن هذا من صنع الوطنية العلمانية،و عندك أوروبا خير مثال، انظر إلى الاتحاد السوفيتي،و يوغسلافيا،ودول البلطيق كيف رجعت إلى القومية العرقية؟

و نفس الدعوات اليوم في شمال إيطاليا ،وفي ألمانيا ،وبلجيكا و غيرها،حيث قويت نزعة الانفصال مع أنهم على ديانة واحدة ،ولكن ديانة على الورق فقط.

فهذا داء غربي علماني لا علاقة له بالإسلام،لأنه وكما جاء في بعض الروايات التاريخية فقد قاتل نصارى بني تغلب مع المسلمين في القادسية، وبعضهم قاتل مع صلاح الدين،فالمسلم لا يخالف غيره من أبناء وطنه على حب الوطن ، و الإخلاص في العمل من أجل عزته ورفاهيته بحق،ولا في الدفاع عن الأخطار التي تهدد وحدته أو سلامته.

وفي نفس الوقت لا يعني هذا أن يسايره في دينه، أو أن يوافقه عليه، أو أن يسكت عن أمر باطل أو فساد يهدد سلامة هذا الوطن، أو أمنه الاجتماعي من خلال إظهار ما يهيج المسلمين، أو يثير حفيظتهم.

فاستفزاز المسلمين، و الدوس على كرامتهم ليس من الوطنية في شيء، بل هو أشبه بالخيانة، و خدمة مصالح أعداء الأمة.

نعم،قد نجد في أوطاننا كثيرا من المنكر، وعلاجه ليس في سفك الدماء، و استباحة الأعراض و الأموال، وقد ترك لنا السلف منهجا شرعيا نبتغي به سبيلا وطريقا قويما بين واجبنا في إظهار الدين و الشريعة، وبين أداء حقوق الأمة و الأئمة ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ الذي تتهمه بعض الجهات زورا بأنه سبب ما حصل في بعض البلاد من تقتيل و تفجير، و تمنع دخول كتبه ـ في (الإيمان الأوسط)(ص:56): ((مع أن أحمد لم يكفر أعيان الجهمية، ولا كل من قال: إنه جهمي كفره، ولا كل من وافق الجهمية في بعض بدعهم ؛ بل صلى خلف الجهمية الذين دعوا إلى قولهم، وامتحنوا الناس، وعاقبوا من لم يوافقهم بالعقوبات الغليظة لم يكفرهم أحمد وأمثاله ؛ بل كان يعتقد إيمانهم وإمامتهم ؛ ويدعو لهم ؛ ويرى الائتمام بهم في الصلوات خلفهم، والحج، والغزو معهم، والمنع من الخروج عليهم ما يراه لأمثالهم من الأئمة ، وينكر ما أحدثوا من القول الباطل الذي هو كفر عظيم وإن لم يعلموا هم أنه كفر ؛ وكان ينكره ويجاهدهم على رده بحسب الإمكان ؛ فيجمع ب ين طاعة الله ورسوله في إظهار السنة والدين، وإنكار بدع الجهمية الملحدين ؛ وبين رعاية حقوق المؤمنين من الأئمة والأمة ؛ وإن كانوا جهالا مبتدعين ؛ وظلمة فاسقين .)).

نقلت هذا الكلام الخطير وقعه على بعض الجهال من الغلاة أو من المتسيبين لأبيّن أننا حينما نواجه فكر الخوارج أو الرافضة في المجال السياسي فبدون أن نسقط في فكر العلمانية أو القومية الجاهلية، أو نتخلى عن ثوابت ديننا.

وعلينا أن نجد طريقنا الشرعي بالثبات على ديننا أي بطاعة الله ورسوله و إظهار الدين ، و التعامل مع الواقع المختل و أحيانا الثقيل على كاهلنا بفقه شرعي رصين نحفظ ونؤدي به حقوق الأمة و الأئمة.

فالوطنية في القواميس السياسية :هي الغيرة على الوطن بالإخلاص في العمل على عزته، وتوسيع مجده، و تقابلها الخيانة.

و الوطن هو الشخصية المعنوية ذات العماد الاجتماعي السياسي التي يشعر الإنسان بأنه ينتمي إليها، و يغار على وجودها، و يعمل على حمايتها من الأذى و الزوال.

وهذا المعنى لا يختلف كثيرا عن المعنى اللغوي فقدقال الزمخشري في (أساس البلاغة)(487) : واطنته على الأمر وافقته.

وقال الفيروزآبادي: الوطن منزل الإقامة.

وإذا كانت الإبل تحن إلى أوطانها ، فكيف بالإنسان(؟!)

فالوطن هو مكان إقامة الإنسان ومقره، و إليه انتماؤه و انتسابه،ومن لم تجمعك فيه أخوة الدين تجمعك به أخوة النسب أو أخوة الوطن.

فإذا كان أهل الكتاب الذين يعيشون معنا من أهل دار الإسلام وإن لم يكونوا من أهل الملة،فالدار هي الوطن و المقر و المستقر لنا جميعا ، لهم ما لنا وعليهم ما علينا .

فلا يجب أن نحصر الأخوة في جانبها الإيماني فقط،فإنها و إن كانت أعمق و أوثق الروابط فإن الأخوة في الوطن و القوم أخوة معتبرة من عدة جهات ، فقد قال الله تعالى :{ كذبت قوم نوح المرسلين إذ قال لهم أخوهم نوح ألا تتقون}[الشعراء]فأثبت لهم الأخوة من جهة القومية و الوطن.

مشكلة الوطنية في تعارض بعض الولاءات كما أشرت إليه في فصل تعدد ولاة الأمر و الدول الإسلامية، وتعدد الولاءات و الانتماءات ليس أمرا مذموما إلا عند التعارض، فهناك الانتماء إلى الأسرة و القبيلة و المدينة و الحرفة و الحزب و الجماعة أو الطائفة و البلد و الأمة.

وأخطر أنواع التعارض التعارض بين الدين و الوطن فيجب تقديم الدين كما في قوله تعالى: { قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } تفيد هذا الأمر.

قلت:و الغيرة على الوطن، و الإخلاص في العمل لعزته و مجده و ازدهاره، و حمايته من الأذى لا تحتاج للرمزية بقدر ما تحتاج إلى العمل.

فالوطنية عند المسلم السني العارف بدينه حب بلده و قومه،وهذا فطرة في الناس أكدها النبي صلى الله عليه و سلم ، ولكن الحب الحقيقي المبني على الإخلاص في خدمة قضاياه الشرعية الصحيحة، و مصالحه الدنيوية المتحققة ، و الحرص على أمنه، و استقراره، ورفاهيته، و قبل كل ذلك الحرص على دينه ،و شخصيته الإسلامية، و العمل بإخلاص للنهوض به لا غير.

أهمية حب الوطن في الإسلام:

حب الوطن في الإسلام له أبعاد أعمق بكثير مما تدعو إليه العلمانية الغربية ،وقد بيّن الله تعالى في القرآن قيمته، ووقعه على النفس البشرية عندما قرن فراق الوطن بقتل النفس، فقال :{ وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ }(النساء).

ولما كانت النفس تنزع إلى الوطن، و تحن إليه، ويعسر عليها مفارقته جاء حكمان شرعيان مبنيان على هذا الأصل:

الأول: الهجرة في سبيل الله، فما عظم قدرها إلا لأنها تحمل مشقة مفارقة الوطن وتدل على إخلاص الدين لله، و تقديمه على كل شيء، فليست الهجرة إلا ترك الوطن، والنهوض إلى غيره، طاعة لله تعالى، ومنه سمِّي المهاجرون.

ففي فراق الوطن عذاب و آلام وحسرة لا تنقضي، ولذلك عظم أجر المهاجرين في سبيل الله تعالى.

الثاني: عقوبة النفي عن الوطن كما في الزنا،لأن في النفي ألم الغربة،ومفارقة الوطن،و مجانبة الأهل و الأصحاب ما يزجره عن المعاودة،و الغريب هو الوحيد الذي لا أهل له ،أو البعيد عن الوطن.

وقد يكون النفي عن الوطن أشد في الردع و الزجر من عقوبة أخرى،فقد يرضى الإنسان بالذل أو الخزي مقابل البقاء في الوطن كما فعل خليفة رسول الله صلى الله عليه و سلم أبو بكر الصديق عندما خيّر وفد بُزَاخة بين الحرب المجلية و السّلم المخزية .

أي: إما حرب تُخْرِجُكم عن دياركم، أو سلم تُخْزِيكم وتُذِلُّكم ، يقال جَلا عن الوطن يَجْلُو جَلاءً وأجْلى يُجْلي إجلاء : إذا خرج مُفَارِقاً .

قلت: ومما يزيد في حب الوطن أنه مكان الأهل و الآباء و الأصحاب، وذكريات الطفولة التي لا تعدلها ذكريات أخرى عند أكثر الناس.

وعليه،فقد جُبلت النفوس على حب الوطن و الحنين إليه،وقد جاء في حديث أصيل أي بالتصغير الغفاري، ويقال فيه: الهذلي أنه قدم من مكة فسألته عائشة: كيف تركت مكة يا أصيل ؟قال: تركتها حين أبيضت أباطحها، وأحجن ثمامها، وأغدق إذخرها، وأمشر سلمها، فاغرورقت عيناه صلى الله عليه وسلم ،وقال: تشوقنا يا أصيل))

ويروى أنه قال له: دع القلوب تقر[،أي: كفّ واسكت].(شرح الزرقاني على موطأ مالك)(4/288).

فهذه الوطنية الصحيحة.

وبهذا يتبيّن أن الوطنية الشرعية خير من الوطنية العلمانية، إذ الأولى من الدين، و الدين يعد من يقاتل من أجل دينه ووطنه لأنه وطن الإسلام أو لأنه ملكه وماله وأرضه بالجنة.

بينما الوطنية العلمانية الغربية تعده بنصب تذكاري!

و أن الحفاظ على الوحدة الوطنية، وقوة البلاد ،و أمنها و استقرارها لا يستلزم مسايرة الكفر أو الرضا عنه، بحيث نؤدي حق الأئمة (الحكام) و الوطن، ونؤدي حق الدين بالدعوة إليه، و السعي بالعلم و الرفق إلى تغيير الباطل.

إن حفظ الحقوق الشرعية لكل مواطن في الوطن الإسلامي أيا كانت عقيدته،لأن أهل الكتاب الذين هم من بني جنسنا ،و يعيشون بيننا هم من مواطني الدولة الإسلامية ،وهذه بلادهم و أرضهم ، لا نكرههم على الدين، و لا نظلمهم،ولا نمنعهم حقهم،ولا نتخلى عن شيء من شريعتنا فإنها رحمة لنا ولهم .

القضايا المختلف فيها:

يرى بعض الناس أن الوطنية تتجلى في أبهى صورها، وأعلى مستويات حقيقتها في الاستماع للنشيد الوطني ،و الوقوف للعلم، ومتابعة أخبار الفريق الوطني في كرة القدم، و التعصب له بينما يرى السلفيون أن الوطنية صفة عميقة متجذرة في نفس الإنسان تتجلى في الإخلاص لله في العمل لكرامة وعزة وطنه، وصيانته من كل ما يضر به، وأن أكل أموال الجزائريين بالباطل ،و التضييق عليهم في مصالحهم، وعدم الحرص على خدمتهم بكل جهد ممكن مناف للوطنية ،و إن اقشعر جلدك عند سماع النشيد ،ورؤية الراية، و انتصار الفريق الوطني في مباراة كرة قدم، إذ الوطن لا يقوم و يرتفع شانه وتعلو رايته بهذه الأشياء على أهمية الرمزية في وعي عوام الناس.

وعليه يجب أن نقول: أن موقف بعض السلفيين من الوقوف للعلم ،و انتقاد عبارات محدودة وردت في النشيد الوطني منطلقه مقاربة شرعية ،وليس ضعف في الوطنية.

نعم هي قابلة للنقاش بل و للحل بالتأصيل الشرعي السليم بعيدا عن المزايدات التي تبرع فيها بعض الجهات المعادية للسلفيين،و التي تجعل من الحبة قبة خدمة لأغراض بعيدة عن حب الوطن و الوطنية.

الموقف السلفي من النشيد الوطني:

يحب الجزائريون نشيدهم الوطني حبا جما، وهذا من حقهم فإنه رمز عزتهم عندما قاموا على قلب رجل واحد لإخراج المحتل من بلدهم الطيب، لكن يبقى هذا النشيد عملا إنسانيا خاضعا لصفات الإنسان، وليس قرآنا منزلا لا يقبل التغيير، أو الانتقاد السليم، و إن نصَّ على ذلك الدستور.

ومعلوم أن هذا النشيد كتبه شاعر الجزائر الفحل الكبير مفدي زكريا في دكانه بالجزائر العاصمة بعدما طلب منه ذلك عبان رمضان، بعدما كان النشيد الرسمي للحركة الوطنية نشيد آخر له هو "فداء الجزائر" و لان هذا النشيد ذكر في آخر فصوله مصالي الحاج المختلف معه آنذاك طلبوا منه كتابة نشيد جديد.

ومعلوم أنه كانت هناك أناشيد أخرى لعل أهمها نشيد الشيخ العلامة عبد الحميد بن باديس ـ رحمه الله ـ "شعب الجزائر مسلم "،و نشيد "من جبالنا طلع صوت الأحرار".

وإذا قدر أن الدولة بتوافق مع القوى الفاعلة في المجتمع الجزائري أرادت أن تغير النشيد أو تستبدله ،أو تغير الراية، أو حتى عاصمة البلد ،فهذا ليس كفرا، ولا جرما إذ الأمر يتوقف على المصلحة الوطنية ثانيا،وعلى الضوابط الشرعية أوَّلا.

ومن هنا أقول: النشيد الوطني احتوى عبارات فيها القسم الصريح بغير الله سبحانه و تعالى فجاء فيه القسم بالنازلات،وبالدماء و البنود، ومعلوم أن هذا منهي عنه في شريعتنا، فقد ورد النهي صريح في عدَّة أحاديث منها قوله صلى الله عليه وسلم : (( مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلاَ يَحْلِفْ إِلاَّ بِاللَّهِ ))

أخرجه النسائي (7 / 4) وأصله في (صحيح البخاري) (11 / 570) .

ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم : (( مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ ))

وفي رواية " فَقَدْ كَفَرَ " )) أخرجه أحمد (2 / 34) والحاكم وصححه (4 / 297) ووافقه الذهبي.

ومنها قوله صلوات الله و سلامه عليه : (( مَنْ حَلَفَ بِالأْمَانَةِ فَلَيْسَ مِنَّا )) أخرجه أبو داود (3 / 571) وصححه النووي في (رياض الصالحين) (ص 601).

قال المناوي في (فيض القدير) (6 / 121) الأمانة: الفرائض كصلاة وصوم وحج. وقوله: " فليس منا " معناه ليس من جملة المتقين معدودا، ولا من جملة أكابر المسلمين محسوبا، أو ليس من ذوي أسوتنا.

ومنها ما أخرجه النَّسائي عن سعد بن أبي وقَّاص رضي الله عنه أنه قال:

(( حَلَفْتُ بِاللاَّتِ وَالْعُزَّى، فَأَتَيْتُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَال: قُل لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُل شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَانْفُثْ عَنْ شِمَالِك ثَلاَثًا، وَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، ثُمَّ لاَ تُعَ دْ. ))

وفي رواية أخرى عند النسائي أيضا قال:

(( حَلَفْتُ بِاللاَّتِ وَالْعُزَّى، فَقَال لِي أَصْحَابُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِئْسَمَا قُلْتَ، ائْتِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبِرْهُ، فَإِنَّا لاَ نَرَاكَ إِلاَّ قَدْ كَفَرْتَ، فَلَقِيتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَال لِي: قُل لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، وَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، وَانْفُثْ عَنْ شِمَالِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، وَلاَ تَعُدْ لَهُ ))

أخرجه النسائي (7 / 7 - 8) ، وإسناده ضعيف، (التهذيب لابن حجر 8 / 67 ) .

ومنها ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال:(( قَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ حَلَفَ مِنْكُمْ فَقَال فِي حَلِفِهِ: بِاللاَّتِ، فَلْيَقُل: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَمَنْ قَال لِصَاحِبِهِ: تَعَال أُقَامِرُكَ فَلْيَتَصَدَّقْ )) أخرجه مسلم (3 / 1267 - 1268) .

وقد استنكر الصحابة الحلف بغير الله تعالى فروى الحجَّاجُ بن المنهال بسنده، و عبد الرزَّاق بسنده عن وبرة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال:

(( لأَنْ أَحْلِفَ بِاللَّهِ كَاذِبًا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْلِفَ بِغَيْرِ اللَّهِ صَادِقًا ))

كما روى عبد الرزّاق الصنعاني بسنده عن ابن الزُّبير رضي الله عنه :

(( أَنَّ عُمَرَ قَال لَهُ - وَقَدْ سَمِعَهُ يَحْلِفُ بِالْكَعْبَةِ -: لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكَ فَكَّرْتَ فِيهَا قَبْل أَنْ تَحْلِفَ لَعَاقَبْتُكَ، احْلِفْ بِاللَّهِ فَأْثَمْ أَوِ ابْرِرْ )).

ذكر هذه الآثار ابن حزم في (المحلى) (8/39).انظر الموسوعة الفقهية.

فعلم مما سبق أن صيغة اليمين بحرف القسم ،وما يقوم مقامه تنحصر شرعا في اليمين بالله تعالى،و الحلف بغيره لا يعتبر يمينا شرعية، ولا يجب بالحنث فيه كفَّارة.

قال الفقهاء: ومن أمثلته أن يحلف الإنسان بأبيه أو بابنه أو بالأنبياء أو الملائكة أو بالصلاة و الصوم و الحج أو بالكعبة أو بالقبر أو بسائر المخلوقات سواءٌ أتى الحالف بهذه الألفاظ عقب حرف القسم،أم أضاف إليها كلمة "حق"،أو"حرمة"،أو"حياة" ونحو ذلك.

وسواءٌ أكان الحلف بحرف من حروف القسم أم بصيغة ملحقة بما فيه هذه الحروف،مثل: لعمرك،ولعمري،وعمرك الله،وعليَّ عهد رسول الله.

قال القاضي عبد الوهاب البغدادي المالكي في(التلقين في الفقه المالكي)(1/69): ((الأيمان على ضربين يمين جائزة ويمين ممنوعة فالجائزة هي اليمين بالله تعالى وبجميع أسمائه كالرحمن والرحيم والسميع والعليم وغير ذلك من أسمائه وبصفات ذاته كعلمه وقدرته وعزته وكلامه وعهده وميثاقه وكفالته وأمانته والممنوعة الحلف بما عدا ذلك ثم هي بعد هذا على قسمين منها ما يصح رفعه فيسقط حكمه وهو القسم الأول الجائز ومنها ما لا يصح ذلك فيه وهو الحلف بغير اللهوصفاته.)) .

لكن هنا يجب أن ننبه على شيء في غاية الأهمية وهو أنه وإن كان فقهاء وشيوخ السلفية يرجحون تحريم الحلف بغير الله أي أن النهي الوارد في النصوص نهي تحريم لكن ليس هذا رأي جميع الفقهاء،فلا خلاف بين الفقهاء في أن الحلف بغير الله منهي عنه،لكنهم اختلفوا في مرتبة هذا النهي ،فذهب الحنابلة إلا أنه حرام إلا الحلف بالأمانة قال بعضهم بالكراهة،ونحن نعرف أن الإمام احمد يجيز القسم بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو مذهب ضعيف عند جمهور الفقهاء.

وكذلك ذهب الحنفيَّة إلى أنه مكروه كراهة تحريم في حين أن المعتمد عند المالكية و الشافعية أنه منهي عنه نهي كراهة تنزيه.

وفرق الشافعية بين الحلف بغير الله الذي يكون بسبق اللسان من غير قصد فهذا لا كراهة فيه عندهم، حملا على ما ورد في الصحيحين في قصَّة الأعرابي الذي قال : لا أزيد على هذا ولا أنقص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ))

فمذهب المالكية وهو المذهب الرسمي في الجزائر أن ذلك مكروه،وما كان مكروها يستحب تركه ويكره فعله فيجازى فاعله ولا يعاقب تاركه، جاء عن الإمام مالك فيما نقله ابن رشد في ( البيان و التحصيل):

(( وسئل عن الذي يحلف بحياتي، فكره ذلك وقال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت» . وإنما هذا من حلف النساء والضعفاء من الرجال أن يقول بحياتي وما أشبه ذلك فكرهه.

قال محمد بن رشد: يكره الحلف بغير اللهعز وجل من جهة النهي الوارد في ذلك عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، ومن جهة المعنى أيضا.

وذلك أن الحلف بالشيء تعظيم للمحلوف به، ولا ينبغي أن يعظم شيء سوى الله عز وجل وبه التوفيق. ))

فإما أن الكاتب لم يعلم ذلك،أو عمل وفقا لمذهبه الفقهي وهذا مستبعد لأن مفدي زكريا كان مزابيا لكنه عمل بمذهب البلد، أو دفعته الضرورة الشعرية (صياغة المعاني) إلى ما يعرف في اللغة العربية بالحذف،وهو كثير جدا في القرآن،وفي اللغة العربية منه:

حذف المضاف إليه، وحذف المبتدأ،وحذف الخبر،وحذف الموصوف،وحذف الصفة،وحذف المعطوف عليه،وحذف المعطوف مع العاطف،وحذف المبدَلِ منه،وحذف الفاعل،وحذف المفعول به، وحذف الحال،وحذف المنادى،وحذف العائد،وحذف الموصول،وحذف الفعل،وحذف الحرف،وحذف أكثر من كلمة.

ومن أنواع الحذف : حذف ما يكون معتمدا للجزئين،وهو: حذف القسم،و الشرط،ولو:

فحذف القسم،كقولك: لأخرجن،أي التقدير:والله لأخرجن،قال الله تعالى: { لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ}[الحشر: 12].

قال علماء اللغة: فهذه اللام هى اللام الموطئة، والمعنى بذلك أنها وطأت الشرط وجعلته حشوا ،وصيرت الكلام موجها للقسم، لهذا جاءت هذه الأفعال مرفوعة بالنون، ولو كانت جوابا للشرط لكانت مجزومة، فلهذا قضينا بحذف القسم.انظر كتب البلاغة كــ(الطراز لأسرار البلاغة)(2/57) وغيرها.

وإذا قلنا بوجوب تقدير حذف القسم في هذا النشيد فيجب أن نعلم أن من شروط تقدير الحذف أن يقترن بالكلام ما يبين المضاف و المحذوف،فلا نقول: جاء عبد القادر ونعني به ابنه،أو غلامه،أو رسوله إلا بقرينة.

وإذا كان هذا من باب إصلاح النشيد الوطني فيجب أن يكتب في هامشه خاصة في كتب التربية و التاريخ في مناهج التعليم الإشارة إلى حذف القسم وان القصد القسم برب النازلات ورب الدماء الزكيات، ورب البنود الخافقات حتى نصحح عقيدة أبنائنا ونوافق شريعتنا ونحفظ وطنيتنا سالمة من أي عيب قد يؤخذ عليها، أو على علمنا وثقافتنا الشرعية.

الموقف السلفي من مسألة الوقوف للعلم:

لقد شاع منذ مدة خبر مجموعة من أئمة المساجد السلفيين الذين كانوا في مناسبة وطنية ورفضوا الوقوف لتحية العلم فاغتنم بعض الناس هذا الحدث للتشهير بالسلفيين غافلا عن مقاربتهم الشرعية ولهذا وجب تجلية هذه القضية فأقول:

لقد ورد النهي عن الوقوف لغير الله تعالى فجاء في الحديث: (( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَتَمَثَّل لَهُ الرِّجَال قِيَامًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ )) أخرجه الترمذي (5 / 91) من حديث معاوية بن أبي سفيان، وحسنه الترمذي .

وحمله الفقهاء على من يقصد المباهاة و السُّمعة و الكبرياء.

لكن ثبت في الشرع جواز القيام للقادم و الوالد و الحاكم و العالم و أشراف القوم إذا كان بقصد الإكرام لحديث أبي سعيد الخدري(( أَنَّ أَهْل قُرَيْظَةَ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ - سَيِّدِ الأْوْسِ - فَأَرْسَل رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى سَعْدٍ، فَأَتَاهُ عَلَى حِمَارٍ، فَلَمَّا دَنَا مِنَ الْمَسْجِدِ، قَال لِلأْنْصَارِ: قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ أَوْخَيْرِكُمْ )).أخرجه البخاري (فتح الباري 7 / 411) .

قال النَّوَوِيُّ في (شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ) (12/93)(2) مُعَلِّقًا على هذا الحديث: (( فِيهِ إِكْرَامُ أَهْل الْفَضْل، وَتَلَقِّيهِمْ بِالْقِيَامِ لَهُمْ، إِذَا أَقْبَلُوا، وَاحْتَجَّ بِهِ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ لاِسْتِحْبَابِ الْقِيَامِ.

قَال الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَلَيْسَ هَذَا مِنَ الْقِيَامِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِيمَنْ يَقُومُونَ عَلَيْهِ، وَهُوَ جَالِسٌ، وَيَمْثُلُونَ قِيَامًا طِوَال جُلُوسِهِ.

وَأَضَافَ النَّوَوِيُّ: قُلْتُ: الْقِيَامُ لِلْقَادِمِ مِنْ أَهْل الْفَضْل مُسْتَحَبٌّ، وَقَدْ جَاءَ فِيهِ أَحَادِيثُ، وَلَمْ يَصِحَّ فِي النَّهْيِ عَنْهُ شَيْءٌ صَرِيحٌ.

وَيُسْتَحَبُّ الْقِيَامُ لأِهْل الْفَضْل كَالْوَالِدِ وَالْحَاكِمِ؛ لأِنَّ احْتِرَامَ هَؤُلاَءِ مَطْلُوبٌ شَرْعًا وَأَدَبًا.))

وَقَال الشَّيْخُ وَجِيهُ الدِّينِ أَبُو الْمَعَالِي فِي (شَرْحِ الْهِدَايَةِ): ((وَإِكْرَامُ الْعُلَمَاءِ وَأَشْرَافِ الْقَوْمِ بِالْقِيَامِ سُنَّةٌ مُسْتَحَبَّةٌ ))(الآداب الشرعية لابن مفلح)( 2 /26)

ونقل ابن الحاجِّ في(المدخل)( 1 / 139) عن ابن رشد من (البيان و التَّحصيل) أنه قال:

((و أَنَّ الْقِيَامَ يَكُونُ عَلَى أَوْجُهٍ:

الأْوَّل: يَكُونُ الْقِيَامُ مَحْظُورًا، وَهُوَ أَنْ يَقُومَإِكْبَارًا وَتَعْظِيمًا لِمَنْ يُحِبُّ أَنْ يُقَامَ إِلَيْهِ تَكَبُّرًا وَتَجَبُّرًا.

الثَّانِي: يَكُونُ مَكْرُوهًا، وَهُوَ قِيَامُهُ إِكْبَارًا وَتَعْظِيمًا وَإِجْلاَلاً لِمَنْ لاَ يُحِبُّ أَنْ يُقَامَ إِلَيْهِ، وَلاَ يَتَكَبَّرُ عَلَى الْقَائِمِينَ إِلَيْهِ.

الثَّالِثِ: يَكُونُ جَائِزًا، وَهُوَ أَنْ يَقُومَ تَجِلَّةً وَإِكْبَارًا لِمَنْ لاَ يُرِيدُ ذَلِكَ، وَلاَ يُشْبِهُ حَالُهُ حَال الْجَبَابِرَةِ، وَيُؤْمَنُ أَنْ تَتَغَيَّرَ نَفْسُ الْمَقُومِ إِلَيْهِ.

الرَّابِعِ: يَكُونُ حَسَنًا، وَهُوَ أَنْ يَقُومَ لِمَنْ أَتَى مِنْ سَفَرٍ فَرَحًا بِقُدُومِهِ، أَوْ لِلْقَادِمِ عَلَيْهِ سُرُورًا بِهِ لِتَهْنِئَتِهِ بِنِعْمَةٍ، أَوْ يَكُونَ قَادِمًا لِيُعَزِّيَهُ بِمُصَابٍ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ)).

وقال ابن الْقَيِّمِ: ((وَقَدْ قَال الْعُلَمَاءُ: يُسْتَحَبُّ الْقِيَامُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالإْمَامِ الْعَادِل وَفُضَلاَءِ النَّاسِ، وَقَدْ صَارَ هَذَا كَالشِّعَارِ بَيْنَ الأْفَاضِل. فَإِذَا تَرَكَهُ الإْنْسَانُ فِي حَقِّ مَنْ يَصْلُحُ أَنْ يَفْعَل فِي حَقِّهِ لَمْ يَأْمَنْ أَنْ يَنْسُبَهُ إِلَى الإْهَانَةِ وَالتَّقْصِيرِ فِي حَقِّهِ، فَيُوجِبُ ذَلِكَ حِقْدًا، وَاسْتِحْبَابُ هَذَا فِي حَقِّ الْقَائِمِ لاَ يَمْنَعُ الَّذِي يُقَامَ لَهُ أَنْ يَكْرَهَ ذَلِكَ، وَيَرَى أَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِذَلِكَ)) (مختصر منهاج القاصدين)( ص249).

وقد ثبت (( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا دَخَلَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهِ قَامَ إِلَيْهَا فَقَبَّلَهَا وَأَجْلَسَهَا فِي مَجْلِسِهِ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَل عَلَيْهَا قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا فَقَبَّلَتْهُ وَأَجْلَسَتْهُ فِي مَجْلِسِهَا)) أخرجه الترمذي (5 / 700) من حديث عائشة، وقال: حديث حسن غريب.

وورد عن مُحَمَّدِ بْنِ هِلاَلٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَال: (( إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا خَرَجَ قُمْنَا لَهُ حَتَّى يَدْخُل بَيْتَهُ )) أورده الهيثمي في (مجمع الزاوئد) (8 / 40) وعزاه إلى البزار، وقال: رجاله ثقات.

وعن أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَال: (( خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَكِّئًا عَلَى عَصًا، فَقُمْنَا لَهُ، فَقَال: لاَ تَقُومُوا كَمَا تَقُومُ الأْعَاجِمُ، يُعَظِّمُ بَعْضُهَا بَعْضًا )) أخرجه أبو داود (5 / 398) ، ونقل ابن حجر في (الفتح) (11 / 50) عن الطبري ضعفه بالاضطراب في السند وجهالة فيه.

وورد عن أَنَسٍ رضي الله عنه قَال: (( لَمْ يَكُنْ شَخْصٌ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانُوا إِذَا رَأَوْهُ لَمْ يَقُومُوا، لِمَا يَعْلَمُونَ مِنْ كَرَاهِيَتِهِ لِذَلِكَ )) أخرجه الترمذي (5 / 90) وقال: حديث حسن صحيح.

وقال الْقَلْيُوبِيُّ: ((وَيُسَنُّ الْقِيَامُ لِنَحْوِ عَالِمٍ وَمُصَالِحٍ وَصَدِيقٍ وَشَرِيفٍ لاَ لأِجْل غِنًى، وَبَحَثَ بَعْضُهُمْ وُجُوبَ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الأْزْمِنَةِ؛ لأِنَّ تَرْكَهُ صَارَ قَطِيعَةً)) (3 / 213).

قلتُ: نعم،اعتاد الناس في هذا العصر القيام للمعلم و الوالد و الحاكم، ومن ذلك القيام للعلم.

ومعلوم أن العلم صار اليوم شعارا للدولة و الأمة، ومكانته أعظم من مكانة الحاكم نفسه الذي هو نفسه مأمور بتحيته بالقيام عند رفعه لما له من دلالة على الدولة و الأمة فصار العلم شعارا ورمزا للشعب برمته يمثل كل شعب الدولة المعينة، و عدم القيام له عند رفعه قطيعة مع كل الشعب و الدولة ، فهذا مما جرت عليه أعراف أهل العصر.

و دوران المصلحة و المفسدة بالتقدير الشرعي على مسألة القطيعة بحثه شيخ الإسلام رحمه الله فقال: ((وَأَمَّا الْقِيَامُ لِمَنْ يَقْدَمُ مِنْ سَفَرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ تَلَقِّيًا لَهُ فَحَسَنٌ.

وَإِذَا كَانَ مِنْ عَادَةِ النَّاسِ إكْرَامُ الْجَائِي بِالْقِيَامِ وَلَوْ تُرِكَ لَا أَعْتَقِدُ أَنَّ ذَلِكَ لِتَرْكِ حَقِّهِ أَوْ قَصْدِ خَفْضِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ الْعَادَةَ الْمُوَافِقَةَ لِلسُّنَّةِ فَالْأَصْلَحُ أَنْ يُقَامَ لَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ أَصْلَحُ لِذَاتِ الْبَيْنِ وَإِزَالَةِ التَّبَاغُضِ وَالشَّحْنَاءِ؛ وَأَمَّا مَنْ عَرَفَ عَادَةَ الْقَوْمِ الْمُوَافَقَةَ لِلسُّنَّةِ: فَلَيْسَ فِي تَرْكِ ذَلِكَ إيذَاءٌ لَهُ وَلَيْسَ هَذَا الْقِيَامُ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَتَمَثَّلَ لَهُ الرِّجَالُ قِيَامًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ} فَإِنَّ ذَلِكَ أَنْ يَقُومُوا لَهُ وَهُوَ قَاعِدٌ لَيْسَ هُوَ أَنْ يَقُومُوا لِمَجِيئِهِ إذَا جَاءَ؛ وَلِهَذَا فَرَّقُوا بَيْنَ أَنْ يُقَالَ قُمْت إلَيْهِ وَقُمْت لَهُ وَالْقَائِمُ لِلْقَادِمِ سَاوَاهُ فِي الْقِيَامِ بِخِلَافِ الْقَائِمِ لِلْقَاعِدِ. [وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا صَلَّى بِهِمْ قَاعِدًا صَلَّوْا قِيَامًا أَمَرَهُمْ بِالْقُعُودِ. وَقَالَ: لَا تُعَظِّمُونِي كَمَا يُعَظِّمُ الْأَعَاجِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا} ] (*) وَقَدْ نَهَاهُمْ عَنْ الْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ قَاعِدٌ لِئَلَّا يَتَشَبَّهَ بِالْأَعَاجِمِ الَّذِينَ يَقُومُونَ لِعُظَمَائِهِمْ وَهُمْ قُعُودٌ.

وَجِمَاعُ ذَلِكَ كُلِّهِ الَّذِي يُصْلِحُ اتِّبَاعَ عَادَاتِ السَّلَفِ وَأَخْلَاقِهِمْ وَالِاجْتِهَادِ عَلَيْهِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، فَمَنْ لَمْ يَعْقِدْ ذَلِكَ وَلَمْ يَعْرِفْ أَنَّهُ الْعَادَةُ وَكَانَ فِي تَرْكِ مُعَامَلَتِهِ بِمَا اعْتَادَ مِنْ النَّاسِ مِنْ الِاحْتِرَامِ مَفْسَدَةٌ رَاجِحَةٌ: فَإِنَّهُ يَدْفَعُ أَعْظَمَ الفسادين بِالْتِزَامِ أَدْنَاهُمَا كَمَا يَجِبُ فِعْلُ أَعْظَمِ الصلاحين بِتَفْوِيتِ أَدْنَاهُمَا))
. (مجموع الفتاوى)(375/1)

قلتُ: فهل المصلحة اليوم في القيام للعلم لأنه رمز تكريم وتشريف الوطن لكن مع التفريق بين القيام للتشريف و الإكرام، و بين القيام الذي يتضمن معنى الانتصاب وعدم الحركة كالانتصاب للمعبود، فهذا لا يكون إلا الله تعالى ، ففرق بين أن تقوم للقادم تتلقاه فاتحا ذراعيك، أو تقوم للحاكم لتحيته،أو تقوم للعلم قيام تحية باعتدال، وبين أن تنتصب قائما من غير حركة ولا كلام(؟).

فالله تعالى، فهو وحده من نقوم له خاشعين.

وهل يقال: لا يقاس العلم على الحاكم أو العالم أو القادم(؟!)

قلتُ:هل الشيء باعتبار قيمته الرمزية عند الناس،و العلم رمزيته اكبر،فالفرق بين كبير القوم و الإنسان العادي هي رمزية الأول، و محذور التعظيم الذي يدخل في نوع عبودية هو أقرب بالمخلوق الحي منه بقطعة قماش جامدة يعلم جميع الناس أنها راية تدل على وحدة الوطن وتاريخه وشعار وجوده وقيامه.(؟) الله اعلم.

وقد وردت النصوص في أخبار الصحابة مع الراية في القتال،كيف كانوا يدافعون عنها حتى الموت حتى لا تسقط لما لها من رمزية ودلالة ،وأهمية في جمع صفوف المقاتلين ونظامهم.

ومع هذا لا يجب أن ننكر أن بعض عوام السلفيين وغير السلفيين و بسبب الجهل بحقيقة الشريعة ومقاصدها وليس لشيء آخر هم مواطنون خليجيون أو باكستانيون (التبليغ) أو أفغان( بالهيئة وبعض العادات )يعيشون في الجزائر، وسبب هذا الخلل ليس من جهتهم ،ولكن من جهة عدم قيام كبار الشيوخ بتأصيل هذه المسائل، و التفريق بين الموافقة الدينية العلمية وبين التبعية، فتقليدك للشيخ الفلاني في البلد الفلاني، أو تعظيمك له، أو استفادتك العلم منه لا يعني بحال أن تأخذ عنه تقاليده وعاداته.

فاللباس الخليجي في الجزائر لباس شهرة كما قال الشيخ العثيمين ـ رحمه الله ـ وهو محرم.

وكما نحذِّر من ضعف الولاء الشرعي للوطن،نحذِّر من الغلو في الوطنية حتى تصير وثنية لا تدع للمسلم في قلبه ولاء لدينه، وحبا لربه ولرسوله صلى الله عليه وسلم ،فقد صحَّ في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم : (( من قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبية أو يدعو إلى عصبية أو ينصر عصبية فقتل فقتلته جاهلي ة)) مسلم (1848).
التعديل الأخير تم بواسطة مُسلِمة ; 29-04-2014 الساعة 06:51 PM
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية رحيل
رحيل
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 26-12-2006
  • الدولة : الجزائر...
  • المشاركات : 6,888

  • اجمل صورة وسام التحرير 

  • معدل تقييم المستوى :

    25

  • رحيل will become famous soon enoughرحيل will become famous soon enough
الصورة الرمزية رحيل
رحيل
شروقي
رد: بدعة العصبية الوطنية والقومية .
29-04-2014, 07:04 PM
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة naja مشاهدة المشاركة
اعتقد انها نسبة مرتفعة،،،،،،،،،كافية ليكون تصويتي هكذا،،،،،،لأنني لاحظت انه ينتقدون جل الأنظمة ،،،،عدى السعودية الذي يبدو ان نظامها لا ينتقد،،،،،، وهذا ما لاحظته ليس فقط بهذا المنتدى،،،،،بل في كل موقع أزوره او أشخاص أصادفهم


نجا التي اعرفها موضوعية و حيادية لا تتكلم الا بالمنطق و لا تحكم عى العموميات و لا تورط نفسها في ما يفرق و يعمق الخلاف و هي التي تنادي بالتوحد و الاتفاق
فاين الحجة و الاقناع و الدليل و مثالك بعيد كل البعد عن الحقيقة و الواقع و انت تعلمين جيدا ان من كان على نهج السلف لا يؤمنون بالسياسة اصلا و لا يشغلون انفسهم بانتقاد الانظمة الفاسدة و خير دليل موقف مشايخ الجزئر الاخير بما فيهم سلفييهم من خطر الفتنة و الفوضى التي روج لها """"غير السلفيين""""ان لم تكن هذه وطنية فما هي برايك؟؟؟ولاء لسعودية ايضا؟؟؟

سنلتقي يوم الحساب يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من اتى الله بقلب سليم

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 


الساعة الآن 12:52 PM.
Powered by vBulletin
قوانين المنتدى