الحل الإسلامي لمحاربة التطرف والغلو- تابع الحلقة الثالثة {2}-سيد مبارك
07-08-2018, 04:53 AM

الحل الإسلامي لمحاربة التطرف والغلو- تابع الحلقة الثالثة
الغلو والانحراف الفكري الديني في ميزان الشريعة-جزء 2

إنَّ الحمد لله نحمده، ونَسْتعينه ونستغفرُه، ونعوذ بالله من شُرور أنفُسِنا، وسيِّئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلا الله، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، أمَّا بعد: هذه هي الحلقة الخامسة ونكمل ماسبق ونقول بحول الله وقوته.
4-تشجيع أولياء الأمور للمنحرفين بمشاركتهم رسميا في احتفالاتهم والسكوت علي بدعتهم:
وهذا الأمر ملموس فما من احتفال للطرق الصوفية في مناسبة من المناسبات الدينية الكثيرة التي لا ندري لها سبب شرعي إلا الهوي الذي يصد عن الحق.
كالمولد النبوي وذلك في يوم 12 ربيع الأول من كل سنة هجرية علي الرغم من أن ذلك غير ثابت بدليل صحيح صريح، ولكن مع ذلك يحضرها أولياء الأمور أو من ينوب عنهم من علماء السلطان والمسئولين عن أمر المسلمين في المجتمع فيظن العامة أن ذلك شرع وسنة عن نبيهم-صلي الله عليه وسلم- وما هو إلا ضلال وابتداع لم يفعله النبي ولا صحابته ولا سلفنا الصالح فمن أين جاءت الصوفية بهذه الفرية حتي صارت ظاهرة ومخالفة صريحة لقوله تعالي:{ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }( 1)
وعلاج هذه المسألة بأمور منها:
- نشر العقيدة الصحيحة في عبادة الله وتوحيده فليس بمؤمن بالله تعالي من يكتفي بالنطق بالشهادة باللسان دون عمل واعتقاد بالجنان فهذا توحيد ناقص ولقد قال الشهادة أهل النفاق وحذر الله تعالي النبي-صلي الله عليه وسلم من الاغترار بهم فقال-جل شأنه-:{ يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ في الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ }( 2)
- ومنها ردع المجاهرين بالشرك وعدم تكريمهم ونشر اخبارهم والتعتيم علي نشاطهم من أهل الحل والعقد لحماية العباد مع واجب النصيحة والحوار معهم جنبا إلي جنب وكشف الشبهات والتلبيسات التي أوقعتهم في هذا الغلو والانحراف عن الصواب والحق من العلماء الربانيين وذلك من باب النصح والإرشاد فأن الله تعالي يقول:{ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلي الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }(3 )
فمن عاد منهم للحق وشرح الله قلبه للهدى فبها ونعمت ومن أبي إلا الكبر فيعاقب ولا تأخذنا به رأفة في دين الله تعالي والحق أحق أن يتبع.
5-تهاون العلماء وعجزهم لضعف شوكتهم وقلة حيلتهم امام الكثرة والسلطان:
وهذا السبب يكمل السبب السابق في حالة عدم تعاون أولياء الأمور لعدم غيرتهم علي الدين وضعف إيمانهم بالله تعالي واهتمامهم بالعقيدة وصفائها وتطهيرها من الشركيات كما هو حادث في مصر من بعضهم وبالتالي يكون العلماء الغيورين لا ناقة لهم ولا جمل غير النصيحة التي لا تسمن من جوع دون ردع لهؤلاء من السلطان بل يتم تكريمهم ومساعدتهم في هذا العبث المبتدع لأن أموال صناديق النذور مغرية واخشي أن ينطبق عليهم قول النبي –صلي الله عليه وسلم-" تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة إن أعطي رضي وإن لم يعط لم يرض"( 4)
ولا يكون الحل هنا إلا بأمرين لإجبار السلطان ومن ينوب عنه للذود عن الشريعة والتوحيد وهما:
-الأمر الأول: يخرج العلماء الغيورين الثقات ممن لهم كلمة مسموعة عند العامة والخاصة ومالهم من قامة وهامة عن صمتهم ببيان جامع غيرة علي الدين وفي الذود عنه ولا يخافون في الله لومة لائم علي جميع القنوات الإسلامية البعيدة عن سيطرة الدولة ويحذرون الناس من هؤلاء المبتدعة المغالين في الشريعة وبكل صراحة ووضوح وعلي نطاق واسع ولا يكونوا كاليهود الذي قال الله تعالي فيهم: { وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ }( 5)
-الأمر الثاني: التحذير من هذه الشركيات بكل وسيلة شرعية وإعلامية عبر المجلات والمنابر ومن خلال الدروس الدينية في المساجد وعلي المواقع الدعوية علي شبكة الانترنت والندوات والرحلات في الداخل والخارج والمناظرات التي تكشف زيف هؤلاء وضلالهم وبعدهم عن الحق والصواب.
وحبذا لو تم إنشاء لجنة منهم للتنسيق والتعاون المثمر بينهم لخدمة الدعوة في جميع المجتمعات الإسلامية فالداء واحد، وهذا مشاهد وملموس اليوم ولله الحمد والمنة ولو استطاعوا الضغط علي أولياء الأمور وطلب الاجتماع بهم لأداء واجب النصيحة كما قال النبي –صلي الله عليه وسلم-فيما رواه عنه تميم الداري-رضي الله عنه قال:"
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الدين النصيحة قلنا لمن قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم "(6 )ليكون أفضل لتقام عليهم الحجة والله المستعان وعليه التكلان.
6-حب الناس وتمجيدهم للأولياء والخوف من محاربتهم:
الناس بحسهم الإيماني يخافون من غضب الله تعالي من التعرض لأوليائه بسوء وهو القائل –عز وجل-: { أَلَا إِنَّ أولِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ *الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ }(7 )
قلت: وهل أولياء الله تعالي ممن يشتهر كلامهم وقصصهم العجيبة الشاذة علي السنة العوام من القبوريين الملفقة بالكرامات والمعجزات التي لم تحدث للأنبياء والرسل بل وتجعل بعضهم يشبه نفسه بصفات لا تكون إلا للخالق- جل وعلا- ومن هؤلاء المتصوفة : ابن عربي، وابن سبعين، وابن برّجان، وأتباعهم، ممن سلك سبيلهم واتبع ضلالهم.
وللحق فان في السلف الصالح من أهل التصوف وهم علي علم وتقوي فضلا عن التزامهم بالكتاب والسنة كالفضيل بن عياض، وإبراهيم بن أدهم، وأبي سليمان الداراني، ومعروف الكرخي، والجنيد، وسهل بن عبد الله التستري وأمثالهم، أما التصوف بشكله الحالي المتبع عند أصحاب الطرق فهو غريب على الإسلام، ودخيل على المسلمين، فليس له أصل في كتاب الله، ولا في سنة رسوله صلي الله عليه وعلى وسلم، ولا عند الصحابة والتابعين والسلف الصالح في صدر الإسلام، فهو بدعة تمارس فيها الخرافات والضلالات القولية والاعتقادية،، ولقد سمعنا ورأينا وقرأنا من ذلك الشيء الكثير، كما أن كتبهم المنشورة في الأسواق والمكتبات وغيرها تشهد بإقرارهم لتلك البدع والضلالات والشركيات، ومن ذلك:
-الطبقات الكبرى للشعراني المسمى "لواقح الأنوار القدسية في مناقب العلماء والصوفية" الذي يذخر بالشركيات والكفريات والكرامات والغرائب والعجائب وكل ما يثير الاشمئزاز وأذكر منها قوله بتصرف يسير: " ومنهم سيدي عيسى بن نجم، خفير البرلُّس رضي الله عنه، كان من العلماء العاملين، وله المجاهدات العالية في الطريق؛ وسمعت سيدي علياً المرصفي -رضي الله عنه- يقول: مكث سيدي عيسى بن نجم بوضوء واحد سبع عشرة سنة! فقلت: يا سيدي، كيف ذلك؟ فقال: توضأ يوماً قبل أذان العصر، واضطجع على سريره، وقال للنقيب: لا تمكن أحداً يوقظني حتى أستيقظ بنفسي، فما تجرأ أحد يوقظه، فانتظروه هذه المدة كلها، فاستيقظ وعيناه كالدم الأحمر، فصلى بذلك الوضوء الذي كان قبل اضطجاعه، ولم يجدد وضوءاً؛ وكان في وسطه منطقة، فلما قام وحلها تناثر من وسطه الدود رضي الله عنه"(8 )
ولا ادري أي كرامة في مخالفة سنة النبي-صلي الله عليه وسلم-فلو نام الرجل كل هذه المدة واستغرق في النوم ألم يأمره النبي بالوضوء في الحديث الذي رواه صفوان بن عسال-رضي الله عنه-قال:" كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يأمرنا إذا كنا سفرا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة ولكن من غائط وبول ونوم."( 9)
فهل من الكرامة مخالفة السنة الصريحة للنبي-صلي الله عليه وسلم- في الوضوء بعد النوم؟!
وفي هذه الطبقات من الغلو والدواهي أفظع مما ذكرناه هنا ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
- ومنها فصوص الحكم لابن عربي وهو من غلاة المتصوفه سموه بالشيخ الأكبر والكبريت الاحمر ويُعدُّ كتابه الفصوص من أعظم كتب ابن عربيّ ، ، وقد نظمه في سبع وعشرين فصًّا ، ابتدأها بفصّ حكمة إلهيّة في كلمة آدميّة ، ، ثُمَّ ختمها بفصّ حكمة فرديّة في كلمة محمَّدية.
وفيه من الزّندقة والغلو والانحراف عن العقيدة الصحيحة الشّيء الكثير.
ولنتأمل نماذج من في كتابه الفصوص عن وحدة الوجود لندرك مدي انحراف الرجل بفكره عن الشريعة الربانية لشريعة من وحي هواه تنبعث منها رائحة الكفر البواح فلا عجب أن علماء الأمة سلفا وخلفا اتفقوا علي ضلالته وكفره:
-قال "ابن عربي" في الفصوص "فص (4) بعنوان: حكمة قدوسية في كلمة إدريسية:"ما مختصره:"ومن أسمائه العلي: على من، وما ثم إلا هو، فهو العلي لذاته أو عن ماذا؟ وما هو إلا هو، فعلوه لنفسه، ومن حيث الوجود فهو عين الموجودات فالمسمى محدثات هي العلية لذاتها وليس إلا هو ". ( 10 )
-ونموذج آخر في فصوص الحكم صرح ابن عربي أَنَّ الولاية أعظم من النّبوّة ، ومن كلامه في ذلك قوله :
مقام النّبوّة في برزخٍ.......فويق الرَّسول ودون الوليّ( 11)
- ونموذج ثالث وبالتحديد في الفصّ الرَّابع " فصّ حكمة قدّوسيّة في كلمة إدريسيّة : " إِنَّ الحقّ المنزَّه هو الخلْق المشبَّهة "(12 )
ويقصد بقوله : " الحقّ المنزّه " الله تبارك وتعالى ، والمعني : لا فرق بين الخالق والمخلوق ، وهذه عقيدة أصحاب وحدة الوجود.
وما ذكرناه هنا من كتابه الفصوص دليل علي ضلال الرجل وقوله بالحلول ووحدة الوجود بكلام سقيم منحرف عن العقيدة الصحيحة حتي قال ابن تيمية-رحمه الله- في مجموع الفتاوي ما مختصره:
وقال عنه من عاينه من الشيوخ: إنه كان كذابا مفتريا وفي كتبه - مثل الفتوحات المكية وأمثالها - من الأكاذيب ما لا يخفى على لبيب - هذا وهو أقرب إلى الإسلام من ابن سبعين ومن القونوي والتلمساني وأمثاله من أتباعه فإذا كان الأقرب بهذا الكفر - الذي هو أعظم من كفر اليهود والنصارى - فكيف بالذين هم أبعد عن الإسلام؟ ولم أصف عشر ما يذكرونه من الكفر.اهـ ( 13)
قلت: وكثيراً من هذه السطحية والكلام السقيم الخبيث الذي يكذب الرسل في إخبارهم عن الله والغيب طافح في كتب هؤلاء القوم، وعموماً لا حجة لأحد في أتباع هؤلاء ولو من باب الجهل فالله تعالي لم يبح لهم ويأمرهم به بل بالعلم وسؤال أهله لما أشكل عليهم من أفعال وأقوال فقال –جل شأنه-: { فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ }( 14)
ونري علاج هذه المسألة بما بأمرين:
-الأمر الأول: بيان حقيقة التوحيد للناس بأنواعه الثلاثة توحيد الالوهية والربوبية والاسماء والصفات بكل الوسائل المتاحة ليفقه حقيقته الجميع .
ومما المسه واسمعه من كثير من الناس من العامة والخاصة اصحاب الخلفية الدينية ومن لا خلفية له نلمس أدراكهم لمفهوم توحيد الألوهية والربوبية ولكنهم يجهلون توحيد الأسماء والصفات ويلحدون في أسمائه دون قصد وفي حاجة شديدة من أهل العلم في بيان هذا النوع بالذات من التوحيد.
-الأمر الثاني: بيان حقيقة أولياء الله وأولياء الشيطان ومن هو علي حق ومن هو علي باطل وبيان شطحاتهم بالدليل الشرعي وما علي الرسول إلا البلغ وتوزيعها ونشرها بكل وسيلة ممكنة وأفهام العباد بأن العبرة بتحكيم الشريعة وطاعة لله ورسوله وليس بكلام من وحي الهوي كما قال تعالي:{فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ في الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ }(15 )
7- حب الزعامة والمقام والأمارة تدفع المرء لخداع الناس:
وهذا السبب مرض نفسي يصيب قلوب بعض ضعاف الإيمان ممن أصابهم نوع من الشعور بالعظمة والعبقرية ويكون هذا المرض فتاك لو كان هدفه ديني وليس دنيوي لأن الديني يبتغي صاحبة السمع والطاعة والمكانة وقطعاً لو كان جاهلاً بأحكام الشريعة متساهلاً فيها فسوف يكون خطره عظيم فكل الشطحات والطامات في الشرك التي وقع ومازال يقع فيها الكثير من العامة والخاصة الجاهلين بالعلم الشرعي سببه أهل الأهواء وحبهم للزعامة والأمارة.
وجدير بالذكر هنا كما يقول أهل الطب النفسي أن حب الزعامة شهوة مرتبطة ارتباطا وثيقا بحب الظهور والسيطرة وصاحبها حريص كل الحرص عليها وهذا كما لا يخفي غلو وانحراف عن تحكيم الشريعة فقد حذر منها رسول الله صلـى الله عليه وسلم بقوله " إِنَّكُمْ سَتَحْرِصُونَ عَلَى الإِمَارَةِ، وَسَتَصِيرُ نَدَامَةً وَحَسْرَةً، فَنِعْمَتِ الْمُرْضِعَةُ، وَبِئْسَتِ الْفَاطِمَةُ" ( 16)
ولي تجربة شخصية مع شيخاً من أدعياء العلم ومحباً للأمارة والزعامة وكان من اعضاء جماعة التبليغ والدعوة بمنطقة الطوابق بفيصل في محافظة الجيزة بمصر حيث كنت اسكن هناك لمدة تزيد عن 25 سنة وكنت معروفا ككاتب وداعية ولي الكثير من المحبين والمريدين في المنطقة ولله الحمد والمنة، وانفصل الشيخ عن الجماعة أو كما سمعت طردوه منها لشطحاته، واتخذ المسجد الذي اصلي فيه كمكان لأقامته هو ومن أتبعه ممن يقتنعون بفكره وشطحاته حتي أن أحد اتباعه الجدد من العاطلين الذين لا عمل له سألني مرة هل أخرج معه في سبيل الله تعالي أنه وعدني بمبلغ مائتان جنيهاً كل شهر فهل هذا حرام؟
ورغم تحفظاتي على أسلوب هذه الجماعة وطريقتها في الدعوة ولكن اشهد الله أنهم أخوة لنا في الله وعلي خلق ممن عرفتهم شخصياً، ومن أهل أيثار والكرم وغير ذلك من الآداب الإسلامية.
ورداً على سؤال هذا الحائر قلت له: أن اردت ان تخرج لاقتناعك بهذه الطريقة في الدعوة فلا تخرج إلا لله -تعالي-لا تبتغي بذلك أجراً من أحدٍ، ثم لاحظت أنا وغيري من رواد المسجد الذي نصلي فيه أن الصلاة تقام وتنتهي بسرعة عجيبة ولم أدرك بعضها أكثر من يوم فصليتها في مسجد آخر مازال الصلاة فيه قائمة ثم بدأت أسمع عن شطحات وأوهام ومنامات يقولها الناس عنه لا أدري صحتها.
وكانت الطامة الكبرى عندما انفرد بي يوماً بعد الصلاة يسألني الانضمام لجماعته الوليدة لأنهم في حاجة لداعية معروف في المنطقة يتبعه الناس لتنشيطها.
فقلت له: ليس من طبيعتي وقناعتي الانضمام لجماعة غير جماعة المسلمين ومن باب الفضول قلت: له وماذا أن فعلت قال بثقة ادهشتني: لو فعلت والله العظيم أنت من أهل الجنة –قالها حرفياً؟
وكنت لا أدرى ماذا أقول؟ أأضحك أم ابكي. الله تعالي يقول للنبي-صلي الله عليه وسلم-:{ قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ }.-الأحقاف:9
وهو يقسم لي بالله العظيم أنني من أهل الجنة أن خرجت معه وكأنه نبي يوحي إليه!
حقاً أن حب الزعامة والسيطرة تجعل علي القلب غشاوة فلا يهتدي بهدي الله -تعالي-، ثم ما لبثت الأيام أن دارت وتم القبض عليه هو وجماعته من جهاز الأمن المصري ونشرت المجلات والجرائد خبر القبض لادعائه أنه المهدي المنتظر !
وانتشرت قصص وحكايات ومنامات اعضاء هذه الجماعة التي كونها بماله برؤيتهم لهذا الشيخ وهو يأخذ الناس لسفينة كسفينة نوح –عليه السلام-وينجو ومن معه وتغرق مصر كلها في طوفان وكثير من هذا الهذيان وصدق هو كل هذا.
فالحاصل أن حب الزعامة في الدين وغيره لمجرد السيطرة والفخر مرض نفسي وهو يؤدي للغلو والانحراف والتخبط.
-يقول صاحب كتاب " مشكلة الغلو في الدين" مبيناً أثر التركيبة النفسية علي السلوك ما مختصره: أن كثيراً من الاختلال النفسي عائد إلى الضغوط التي يتعرض لها الإنسان، والإنسان لا يولد معوج النفس بل تتشكل نفسيته بحسب التربية والظروف التي يتعرض لها.
انه قد توجد قابلية نسية عند بعض الغلاة، حيث استجابوا للضغوط، فنتجت ردة الفعل ( الغلو) وخصوصا عند فئة الشباب، إذ انهم أكثر فئات المجتمع تعرضا للوقوع في الغلو، لهذه الفئة من الإمكانات والطاقات مع ضعف التجربة وقلة التعلم.
ان الغلو يمثل رد فعل، أو افرازا طبيعيا لسلسة من المشكلات الثقافية الاجتماعية والسياسية والاقصادية، إذ وقع الغلاة تحت التأثير الشديد للضغوط في هذه ىالمجالات. اهـ(17 )
قلت: ولا يعيب أن هناك من الزعماء والحكماء من تولي الإمارة علي غير رغبة منهم أو سعي لها وكانت أمارتهم وفترة حكمهم شرفاً للأمارة والزعامة نفسها واستطاعوا أن يجمعوا بين رضا الله وتطبيق شرعه دون غلو أو انحراف وبين العدل بين الناس والرضا بالسوية والفاروق عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-وأمارته مثال لا تخطئه العين لمن تدبر التاريخ جيداً.
وعلاج هذه المسألة بأمرين لا ثالث لهما:
-اولهما: مناصحة هؤلاء المخدوعين المحبين للأمارة وليس أهلاً لها من علماء الأمة من باب النصيحة وأنها –أي الأمارة-ليس تشريفاً بل مسئوليتها جسيمة وأمانة في أعناقهم يسألون عنها يوم القيامة.
-وثانيهما: تطبيق مبدأ الثواب والعقاب الشرعي للخارجين عن الدين أن ظهرت النـزعة الإجرامية والدعوة للفتنة للسيطرة علي الناس وفرض هيمنتهم وذلك لردعهم بالوسيلة التي يراها أهل الحل والعقد ليكونوا عبرة لغيرهم، فأن كان أهل الحل هم أنفسهم من المخدوعين الخارجين عن الحدود الشرعية فليس هناك إلا النصيحة والمشورة لحرمة الخروج عليهم إلا عند الكفر البواح الذي لنا فيه عند الله برهان.
وقد اطلنا في بيان هذه الغلو والانحراف العقدي الديني لأهميته في اصلاح العقيدة وخلوها من الشرك ونطرح في الحلقة الخامسة الغلو والانحراف الفكري المادي الأسباب والعلاج بتحكيم الشريعة لتكتمل الرؤية ثم نطرح الحل الإسلامي لجميع المشاكل وعلي جميع الأصعدة المؤثرة في المجتمع أمام من يهمه الأمر من أولياء الأمور أن صدقت النيات عن حل المشاكل وليس مجرد تلميع اعلامي لذر الرمال في العيونوالله المستعان.
وللحديث بقية أن شاء الله والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي الأمين، وآله وصحبه أجمعين، والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.
---------------
( 1) – الحشر:7
(2 ) - المائدة:41
(3 ) - آل عمران:104
(4 ) - أخرجه البخاري في الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه " (برقم/2886)- باب الحراسة في الغزو في سبيل الله -تحقيق/ محمد زهير بن ناصر الناصر-نشر دار طوق النجاة /بيروت-لبنان-الطبعة: الأولى، 1422هـ( )
( 5) - آل عمران:187
(6 ) -سبق تخريجه برقم:57
(7 ) – يونس:63
-أي حزام يربط وسطه
(8 ) - الطبقات الكبرى لعبد الوهاب الشعراني -تحقيق وضبط: "أحمد عبد الرحيم السايح و توفيق علي وهبة"- الناشر: مكتبة الثقافة الدينية – القاهرة- الطبعة: 2005 -الجزء الأول (ص/ 378)
9 - انظر صحيح مشكاة المصابيح(برقم/502) -تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني-نشر المكتب الإسلامي - بيروت - الطبعة: الثالثة، 1985
10 -انظر كتاب "فصوص الحكم" لابن عربي الصوفي-(ص/76)- نشر:دار الكتاب العربيّ ـ بيروت ـ لبنان -الطّبعة الثّانية 1400 هـ ، -تحقيق أبي العلاء عفيفي .
11 -انظر المرجع السابق ص/134
12 - انظر المرجع السابق ص/78
(13 ) - انظر " مجموع الفتاوى" لابن تيمية (2/ 132،121)-تحقيق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم- نشر مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة النبوية، المملكة العربية السعودية-سنة: 1416هـ/1995م
(14 ) – الأنبياء:7
(15 ) –الرعد:17
( 16) - أخرجه البخاري في الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه " (برقم/ 7148)- باب ما يكره من الحرص على الإمارة -تحقيق/ محمد زهير بن ناصر الناصر-نشر دار طوق النجاة /بيروت-لبنان-الطبعة: الأولى، 1422هـ
(17 ) - مشكلة الغلو في الدين في العصر الحاضر: الأسباب - الآثار – العلاج (ص:42 )- د. عبدالرحمن بن معلا اللويحق.- الطبعة: الثانية 1420هـ --طبع 1999 مؤسسة الرسالة-بيروت-المصدر مكتبة الالوكة