الانتظــــــــــــــــــــــار
07-04-2017, 10:59 AM
الانتظار
ترقب الصبية عودة الأب بفارغ الصبر...تحت سقف هذا البيت كانوا يتضورون جوعا و خوفا و شعورا قاتلا بالوحدة.
الأم الملتاعة طاش عقلها بين جوع الأولاد و التأخر غير المسبوق للزوج...
لقد خرج من البيت منذ بزوغ الفجر ليركب القطار لعمله في القرية المجاورة.
لكن غيابه طال كثيرا على غير العادة...و صاح الصغير فجأة :
- ماما أنا ذائع . أرذوك أريد ثثثثيئا من الرغيف –
و نبشت الأم في خزانة المطبخ عسى أن تظفر بشيء من الرغيف لكن هيهات.
البيت المتواضع يقبع في حي ضخم جنوب المدينة كان يسمى قديما " درب اليهود "...
مبني بحجارة الغرانيت منذ قرن أو يزيد. المتاع و الديكور و الأثاث و الملابس كلها توحي بأن هذه الأسرة ترزح تحت فقر مدقع...
ظروف الحرب حملت الخوف و شظف العيش و اليأس إلى بؤساء هذا الحي العتيق.
رب هذه الأسرة لم يظفر براتبه منذ أمد بعيد...كان مدينا لأصدقائه و أقاربه و عمله هناك في القرية لا يكاد يسد رمق أسرته الصغيرة.
تقدم الليل كثيرا و توشحت السماء السواد و هبت رياح باردة من الشمال. لكن الأب لم يلتحق بالبيت بعد الأمر الذي ضاعف من توتر سيدة البيت و انزعاجها...
تصاعد صراخ الصبية و نهش الجوع أمعاءهم الغضة في صمت...
لكن صفارات الإنذار تشق صمت الليل فجأة – سرررررررررررررررررن-.
غارات متوالية لطائرات العدو تقذف حممها البغيضة على أسقف البيوت...لا تميز بين جندي و مواطن بسيط. ولا بين شيخ أو صبي...فتلك ضريبة الحروب.
لقد حمل " الربيع العربي " الوجع و الإحباط و الانكسار لهذه المدينة البائسة.
- دممممممممممممم- ارتفع دوي القنابل و لعلع الرصاص في كل شبر من هذه الأرض المكلومة..
و استحال وجه السماء إلى مهرجان كبير من شتى الألوان . أزرق و أصفر و أحمر و وردي...
قال أحد الشيوخ و هو يدخن غليونا بين شفتيه و الذهول يستولي على ملامحه الطيبة :
- أوروبا الخبيثة تجرب ترساناتها الحربية في أرضنا و سمائنا و أبحرنا و على حساب جيوبنا -
و اندلعت الحرائق تملأ الشوارع و المنازل و الساحات التي كانت آمنة للتو.
تداعت دار البلدية و سقطت مئذنة المسجد و تصدع منزل " الشيخ سليمان " أحد أعيان المدينة المرموقين...
سكت الصبية فجأة أمام ضجيج القنابل و أزيز الطائرات و تناسوا مؤقتا مشكل الرغيف و أوجاع الأمعاء وقسوة الجوع.
صاح الولد البكر و هو يطل من النافذة في حذر شديد:
- أمي هلمي إلى النافذة و شاهدي كيف سقط عمود الكهرباء على تلك السيارة الفارهة –
إنها سيارة باذخة يملكها المقاول الثري – عمران- لقد تحولت السيارة الثمينة في لمح البصر إلى كومة صفيح...
يروي وجهاء الحي حين يلتقون في المقهى أن عمران هذا محتال و يغش في فولاذ التسليح المستخدم في بناء المنشآت...
انتصف الليل و زاد القصف ضراوة و اهتزت أركان البيت و ترنح السقف قليلا...اختبأت الأم وصبيتها أسفل طاولة الطعام المهترئة أصلا...
نسي الجميع الطعام و الجوع و الشراب و الأب الغائب أيضا. الشعور بالخوف و دنو المنايا سيطر عليهم بقوة...و صمدوا ساعة أو أكثر.
- سرنننننننننننننننننننننننننننن- أعلنت صفارات الإنذار أخيرا انتهاء الأزمة.
و سكت زئير المدافع و انقشعت الطائرات من السماء. و عاد الهدوء إلى المدينة و عادت المدينة إلى الهدوء...
ما أروع السلام و الأمان ...إحساس صادق شعرت به الأم و قد انكمش الصبية إلى صدرها العطوف.
انتشرت أعمدة الدخان في كل أرجاء المدينة و خرج الناس مذعورين لتفقد الخسائر و الضحايا...كانت ليلة شاقة على الجميع بلا استثناء.
طرق أحدهم برفق و أناة على باب البيت.
هرع الصبية الى الباب و هم يهتفون بصوت واحد :
- بابا بابا بابا .....-
من الباب أطل رجل أو بقايا رجل..حافي القدمين و بدلة ممزقة و الرماد يغطي ملامحه الجميلة. و الابتسام لا يفارق محياه.
عانق الصبية والدهم بشوق و حب كبيرين.
ثم وضع كيسا ضخما على الطاولة يحتوي على لحم و سمن و دقيق و رغيف و فاكهة متنوعة...
الأم الملتاعة طاش عقلها بين جوع الأولاد و التأخر غير المسبوق للزوج...
لقد خرج من البيت منذ بزوغ الفجر ليركب القطار لعمله في القرية المجاورة.
لكن غيابه طال كثيرا على غير العادة...و صاح الصغير فجأة :
- ماما أنا ذائع . أرذوك أريد ثثثثيئا من الرغيف –
و نبشت الأم في خزانة المطبخ عسى أن تظفر بشيء من الرغيف لكن هيهات.
البيت المتواضع يقبع في حي ضخم جنوب المدينة كان يسمى قديما " درب اليهود "...
مبني بحجارة الغرانيت منذ قرن أو يزيد. المتاع و الديكور و الأثاث و الملابس كلها توحي بأن هذه الأسرة ترزح تحت فقر مدقع...
ظروف الحرب حملت الخوف و شظف العيش و اليأس إلى بؤساء هذا الحي العتيق.
رب هذه الأسرة لم يظفر براتبه منذ أمد بعيد...كان مدينا لأصدقائه و أقاربه و عمله هناك في القرية لا يكاد يسد رمق أسرته الصغيرة.
تقدم الليل كثيرا و توشحت السماء السواد و هبت رياح باردة من الشمال. لكن الأب لم يلتحق بالبيت بعد الأمر الذي ضاعف من توتر سيدة البيت و انزعاجها...
تصاعد صراخ الصبية و نهش الجوع أمعاءهم الغضة في صمت...
لكن صفارات الإنذار تشق صمت الليل فجأة – سرررررررررررررررررن-.
غارات متوالية لطائرات العدو تقذف حممها البغيضة على أسقف البيوت...لا تميز بين جندي و مواطن بسيط. ولا بين شيخ أو صبي...فتلك ضريبة الحروب.
لقد حمل " الربيع العربي " الوجع و الإحباط و الانكسار لهذه المدينة البائسة.
- دممممممممممممم- ارتفع دوي القنابل و لعلع الرصاص في كل شبر من هذه الأرض المكلومة..
و استحال وجه السماء إلى مهرجان كبير من شتى الألوان . أزرق و أصفر و أحمر و وردي...
قال أحد الشيوخ و هو يدخن غليونا بين شفتيه و الذهول يستولي على ملامحه الطيبة :
- أوروبا الخبيثة تجرب ترساناتها الحربية في أرضنا و سمائنا و أبحرنا و على حساب جيوبنا -
و اندلعت الحرائق تملأ الشوارع و المنازل و الساحات التي كانت آمنة للتو.
تداعت دار البلدية و سقطت مئذنة المسجد و تصدع منزل " الشيخ سليمان " أحد أعيان المدينة المرموقين...
سكت الصبية فجأة أمام ضجيج القنابل و أزيز الطائرات و تناسوا مؤقتا مشكل الرغيف و أوجاع الأمعاء وقسوة الجوع.
صاح الولد البكر و هو يطل من النافذة في حذر شديد:
- أمي هلمي إلى النافذة و شاهدي كيف سقط عمود الكهرباء على تلك السيارة الفارهة –
إنها سيارة باذخة يملكها المقاول الثري – عمران- لقد تحولت السيارة الثمينة في لمح البصر إلى كومة صفيح...
يروي وجهاء الحي حين يلتقون في المقهى أن عمران هذا محتال و يغش في فولاذ التسليح المستخدم في بناء المنشآت...
انتصف الليل و زاد القصف ضراوة و اهتزت أركان البيت و ترنح السقف قليلا...اختبأت الأم وصبيتها أسفل طاولة الطعام المهترئة أصلا...
نسي الجميع الطعام و الجوع و الشراب و الأب الغائب أيضا. الشعور بالخوف و دنو المنايا سيطر عليهم بقوة...و صمدوا ساعة أو أكثر.
- سرنننننننننننننننننننننننننننن- أعلنت صفارات الإنذار أخيرا انتهاء الأزمة.
و سكت زئير المدافع و انقشعت الطائرات من السماء. و عاد الهدوء إلى المدينة و عادت المدينة إلى الهدوء...
ما أروع السلام و الأمان ...إحساس صادق شعرت به الأم و قد انكمش الصبية إلى صدرها العطوف.
انتشرت أعمدة الدخان في كل أرجاء المدينة و خرج الناس مذعورين لتفقد الخسائر و الضحايا...كانت ليلة شاقة على الجميع بلا استثناء.
طرق أحدهم برفق و أناة على باب البيت.
هرع الصبية الى الباب و هم يهتفون بصوت واحد :
- بابا بابا بابا .....-
من الباب أطل رجل أو بقايا رجل..حافي القدمين و بدلة ممزقة و الرماد يغطي ملامحه الجميلة. و الابتسام لا يفارق محياه.
عانق الصبية والدهم بشوق و حب كبيرين.
ثم وضع كيسا ضخما على الطاولة يحتوي على لحم و سمن و دقيق و رغيف و فاكهة متنوعة...