ابن باديس بين الآمال و المُنال.
17-04-2014, 02:10 PM
السلام عليكم ... رغم الاتفاق الظاهري حول شخص ابن باديس في الجزائر كعلامة له دور كبيرة في حماية الهوية الجزائرية و أصالتها ، إلا انه في الواقع وعلى مستوى التوصيف الدقيق لمشروع الرجل فالأمر مختلف عليه أشد الاختلاف ، فنحن نجد في الجزائر تيارات فكرية كثيرة تتصارع حول مشروع الرجل ، والجميع يحاول نسبه ونسب أعماله له ( سلفيين ، إصلاحيين ، إسلاميين ..الخ ) ، فلما يا ترى انتهى الحال بابن باديس إلى أن يدخل هذا المزاد العلني بين هذه التيارات ؟ ثم لماذا يصل الحال به لان يكون غامضا كل هذا الغموض ، بحيث لا يزال إلى الآن الصراع حول "إلى أي مدرسة فكرية ينتمي" قائما ؟ .
لو عدنا إلى التاريخ للإجابة على هذا السؤال فيمكن القول أن ابن باديس هو من يتحمل وزر هذا الأمر في جانب ما ، فابن باديس في مشروعه الفكري كان في الواقع متذبذبا بين الإقدام على الإصلاح ، وبين الخوف من الصد المجتمعي ، وعليه فقد ظهرت أفكاره كنوع مشوش من الرأي يمكن تأويله إلى أي جانب .
ويمكن عزو هذا الأمر إذا أردنا التحديد لتأثر أبن باديس بالإمام محمد عبده 1 ، فالإمام محمد عبده كان إصلاحيا إشكاليا ، فهو ذهب بمفهومه لإصلاح الموروث الديني إلى مرحلة بعيدة ، حيث أنكر مثلا المعجزات ، و أيضا محاولته إسقاط ما سماه "الخرافات في الإسلام " في نزعة إصلاحية عقلانية للدين 2، لكن في المقابل فابن باديس وفي مشروعه لم يبدُ أنه كان يمتلك الجرأة لفعل هذا الأمر في الجزائر ، وعليه فقد ركز في إصلاحه للموروث الديني على مسألة الطرقية وخرافتها فقط ، وعليه فيمكن القول هنا أن إبن باديس وبهذا التذبذب هو ما أدى للإشكالية في فهم دواعي هذا الهجوم منه على الطرقية ، فهو و بدل أن يبدو أنه يهدف إلى نقل الجزائريين من الخرافة إلى العقلانية كما نهج قودته محمد عبده ، قد بدى كأنما هو داعي لنشر المذهب الوهابي المناهض للطرقية . ومن هنا يمكننا فهم المدخل الذي يعتمده السلفية اليوم في نسب ابن باديس لهم ، فهم يرونه داعيا لنبذ الطرقية ، وعليه يعتبرونه منهم ، في المقابل يرى الإصلاحيون الجزائريون أن ابن باديس منهم أيضا ، وهذا من منطلق أنه داعي لتنقية الدين من الخرافة .
"إذن وكما نلاحظ فالتذبذب من ابن باديس في الكشف عن نواياه الإصلاحية ، هو ما أدى لهذا الالتباس وسوء الفهم لمشروعه من قبل الآخرين ، بحيث انتهى الحال إلى ما هو عليه الآن" .
لكن ومع هذا فيجب القول أن هذا التذبذب ليس هو السبب الوحيد للأمر ، فهنا يجب الإشارة إلى أن صديق دربه " محمد البشير الإبراهيمي" مسؤول أيضا ، فالإبراهيمي الذي تقلد منصب رئيس جمعية العلماء المسلمين بعد الإمام ، هو المعني الأول بتحوير مشروع إبن باديس من نقد الطرقية لتثبيت العقلانية ، لنقد الطرقية للتثبيت الوهابية ، وهذا لكون الرجل كان مفكرا أصوليا ، على عكس الإمام إبن باديس الذي كان مفكرا إصلاحيا ، وعليه فقد طفت تصوراته الأصولية و المحافظة على الجمعية ، بدل تصورات ابن باديس الإصلاحية التقدمية .
وبخصوص هذا الأمر فيمكن عزو هذا لكون الإبراهيمي قد ارتبط بعلاقات بالنخبة الدينية المحافظة في المشرق (الوهابية ) 3، عدى طبعا علاقاته برواد الأصولية الدينية الإخوانية هناك كالغزالي و السيد قطب 4، وهؤلاء بلا شك هم من حرفوا مسار الجمعية من جمعية داعية للعقلانية ، إلى جمعية داعية للأصولية .
وهنا يمكننا الإضافة إلى أن نبد النظام الحاكم لجمعية العلماء المسلمين عقب الاستقلال قد ساهم في مفاقمة الوضع ، ففي ظل عدم وجود حماية ورعاية للمنهج العقلاني لابن باديس ، فقد سيطر المنهج الأصولي على الجمعية ، وهو ما انتهى إلى أن تحولت الجمعية لمعقل أصولي في الجزائر ، و للأسف فهذا التهاون لم يكن ليمر مرور الكرام على البلاد ، فالواقع أن حادثة تسلل الأصولية للجزائر و وقوعها ضحية للإرهاب ، كانت نتيجة مباشرة لهذا التهاون بمشروع الرجل ، فبعد إفراغ الوعاء الديني الجزائري من الطرقية المسالمة وتسلميه للأصولية الوهابية ، لم يكن من الغريب أن تنفجر الأوضاع في شكل إرهاب و تعصب في وجه الدولة المجتمع ، فبالأساس البذرة المفرخة للإرهاب قد زرعت مع تحول الجمعية إلى حاضنة لتفريخ الإرهاب و التطرف ، فهذه هي النتيجة الحتمية لاستبدال الطرقية بالوهابية 5.
إذن ومن هنا وكما نلاحظ فالمشروع الباديسي لا يزال يعاني من اللبس وعدم الاستيعاب ، لأنه للأسف من البداية لم يفهم ، فما يحصل مع ابن باديس اليوم أن الجميع يسقط عليه تصوراته الشخصية ، فالجزائريون يحتفلون به كرائد للعلم ، وقد كرموه بيوم العلم على ذكرى وفاته ، في المقابل السلفيون يرونه رائدا لمحاربة الشرك ونشر السلفية ، أما الإسلاميون فيرونه داعيا للحافظ على الهوية الإسلامية ، وبين كل هذه الرؤى المتناقضة يظل ابن باديس مغيبا .
(التهميش تجدونه في مدونتي ...شكرا )
http://sunshine-dm.blogspot.com/2014...g-post_16.html
لو عدنا إلى التاريخ للإجابة على هذا السؤال فيمكن القول أن ابن باديس هو من يتحمل وزر هذا الأمر في جانب ما ، فابن باديس في مشروعه الفكري كان في الواقع متذبذبا بين الإقدام على الإصلاح ، وبين الخوف من الصد المجتمعي ، وعليه فقد ظهرت أفكاره كنوع مشوش من الرأي يمكن تأويله إلى أي جانب .
ويمكن عزو هذا الأمر إذا أردنا التحديد لتأثر أبن باديس بالإمام محمد عبده 1 ، فالإمام محمد عبده كان إصلاحيا إشكاليا ، فهو ذهب بمفهومه لإصلاح الموروث الديني إلى مرحلة بعيدة ، حيث أنكر مثلا المعجزات ، و أيضا محاولته إسقاط ما سماه "الخرافات في الإسلام " في نزعة إصلاحية عقلانية للدين 2، لكن في المقابل فابن باديس وفي مشروعه لم يبدُ أنه كان يمتلك الجرأة لفعل هذا الأمر في الجزائر ، وعليه فقد ركز في إصلاحه للموروث الديني على مسألة الطرقية وخرافتها فقط ، وعليه فيمكن القول هنا أن إبن باديس وبهذا التذبذب هو ما أدى للإشكالية في فهم دواعي هذا الهجوم منه على الطرقية ، فهو و بدل أن يبدو أنه يهدف إلى نقل الجزائريين من الخرافة إلى العقلانية كما نهج قودته محمد عبده ، قد بدى كأنما هو داعي لنشر المذهب الوهابي المناهض للطرقية . ومن هنا يمكننا فهم المدخل الذي يعتمده السلفية اليوم في نسب ابن باديس لهم ، فهم يرونه داعيا لنبذ الطرقية ، وعليه يعتبرونه منهم ، في المقابل يرى الإصلاحيون الجزائريون أن ابن باديس منهم أيضا ، وهذا من منطلق أنه داعي لتنقية الدين من الخرافة .
"إذن وكما نلاحظ فالتذبذب من ابن باديس في الكشف عن نواياه الإصلاحية ، هو ما أدى لهذا الالتباس وسوء الفهم لمشروعه من قبل الآخرين ، بحيث انتهى الحال إلى ما هو عليه الآن" .
لكن ومع هذا فيجب القول أن هذا التذبذب ليس هو السبب الوحيد للأمر ، فهنا يجب الإشارة إلى أن صديق دربه " محمد البشير الإبراهيمي" مسؤول أيضا ، فالإبراهيمي الذي تقلد منصب رئيس جمعية العلماء المسلمين بعد الإمام ، هو المعني الأول بتحوير مشروع إبن باديس من نقد الطرقية لتثبيت العقلانية ، لنقد الطرقية للتثبيت الوهابية ، وهذا لكون الرجل كان مفكرا أصوليا ، على عكس الإمام إبن باديس الذي كان مفكرا إصلاحيا ، وعليه فقد طفت تصوراته الأصولية و المحافظة على الجمعية ، بدل تصورات ابن باديس الإصلاحية التقدمية .
وبخصوص هذا الأمر فيمكن عزو هذا لكون الإبراهيمي قد ارتبط بعلاقات بالنخبة الدينية المحافظة في المشرق (الوهابية ) 3، عدى طبعا علاقاته برواد الأصولية الدينية الإخوانية هناك كالغزالي و السيد قطب 4، وهؤلاء بلا شك هم من حرفوا مسار الجمعية من جمعية داعية للعقلانية ، إلى جمعية داعية للأصولية .
وهنا يمكننا الإضافة إلى أن نبد النظام الحاكم لجمعية العلماء المسلمين عقب الاستقلال قد ساهم في مفاقمة الوضع ، ففي ظل عدم وجود حماية ورعاية للمنهج العقلاني لابن باديس ، فقد سيطر المنهج الأصولي على الجمعية ، وهو ما انتهى إلى أن تحولت الجمعية لمعقل أصولي في الجزائر ، و للأسف فهذا التهاون لم يكن ليمر مرور الكرام على البلاد ، فالواقع أن حادثة تسلل الأصولية للجزائر و وقوعها ضحية للإرهاب ، كانت نتيجة مباشرة لهذا التهاون بمشروع الرجل ، فبعد إفراغ الوعاء الديني الجزائري من الطرقية المسالمة وتسلميه للأصولية الوهابية ، لم يكن من الغريب أن تنفجر الأوضاع في شكل إرهاب و تعصب في وجه الدولة المجتمع ، فبالأساس البذرة المفرخة للإرهاب قد زرعت مع تحول الجمعية إلى حاضنة لتفريخ الإرهاب و التطرف ، فهذه هي النتيجة الحتمية لاستبدال الطرقية بالوهابية 5.
إذن ومن هنا وكما نلاحظ فالمشروع الباديسي لا يزال يعاني من اللبس وعدم الاستيعاب ، لأنه للأسف من البداية لم يفهم ، فما يحصل مع ابن باديس اليوم أن الجميع يسقط عليه تصوراته الشخصية ، فالجزائريون يحتفلون به كرائد للعلم ، وقد كرموه بيوم العلم على ذكرى وفاته ، في المقابل السلفيون يرونه رائدا لمحاربة الشرك ونشر السلفية ، أما الإسلاميون فيرونه داعيا للحافظ على الهوية الإسلامية ، وبين كل هذه الرؤى المتناقضة يظل ابن باديس مغيبا .
(التهميش تجدونه في مدونتي ...شكرا )
http://sunshine-dm.blogspot.com/2014...g-post_16.html
من مواضيعي
0 التغذية: نصائح وحيل حول الأكل الصحي اهمالها قد يسبب لنا مشاكل صحية لا نعرف اين سببها؟
0 فوضى سينوفاك الصينية.. لقاح واحد و3 نتائج متضاربة
0 "نوع آخر مثير للقلق".. سلالات كورونا المتحورة تنتشر في 50 بلدا
0 إجراء تغييرات إيجابية: نصائح وحيل للتغذية السليمة ولتقوية الاعصاب
0 هل لديك وزن زائد؟ نستطيع مساعدتك
0 يؤثر نظامك الغذائي على صحتك: كيفية الحفاظ على التغذية الجيدة
0 فوضى سينوفاك الصينية.. لقاح واحد و3 نتائج متضاربة
0 "نوع آخر مثير للقلق".. سلالات كورونا المتحورة تنتشر في 50 بلدا
0 إجراء تغييرات إيجابية: نصائح وحيل للتغذية السليمة ولتقوية الاعصاب
0 هل لديك وزن زائد؟ نستطيع مساعدتك
0 يؤثر نظامك الغذائي على صحتك: كيفية الحفاظ على التغذية الجيدة
التعديل الأخير تم بواسطة حاليلوزيتش ; 17-04-2014 الساعة 02:46 PM