" المؤامرة" يخربون بيوتهم بأيديهم....
02-08-2014, 06:40 PM
كنت لوقت قصير أظن أن "أحمد أمين"هو أول من نادى بتحرر المرأة في مصر ومنها انتشرت دعوته في كامل البلاد العربية،ولكن بعد إعادة البحث اكتشفت أن العالم الأزهري "رفاعة الطهطاوي" كان له السبق في ذلك،وهو من بدأ دعوته لتعليم المرأة في مصر بعد عودته من بعثة إلى فرنسا دامت خمس سنوات من طرف والي مصر آنذاك"محمد علي" وقد بلغ عدد البعثات إحدى عشربعثة كان هدفها تلقي العلوم من أوروبا والعودة إلى مصر لتزويدها بها (تحديث مصر عسكريا وعلميا وانشاء مدارس الطب والصيدلة والهندسة )،وعاد المبعوثون إلى مصر فكانوا أول صلة حقيقية بين مصر،وبين الثقافة الاوروبية في العصر الحديث،ومما يؤحذ على تلك البعثات ولا سيما بعض المبعوثين منهم أنهم نقلوا من حضارة الغرب الغث مع السمين،بل إن البعض نقل الغث وترك الثمين،ومنها دعوة "رفاعة الطهطاوي" بوجوب خروج المرأة للعمل واختلاطها بالرجال...ولم يكن الأمر قاصرا على مصر فحسب،بل إن القارئ لتاريخ البعثات يجد أن الأمر انتقل من مصر إلى غيرها من البلاد الاسلامية،فها هو خير الدين التونسي ـ الذي دعا في تونس إلى مثل ما دعا إليه قاسم أمين،يقول الدكتور/السيد أحمد فرج في كتابه"المؤامرة على المرأة المسلمة"،:" لقد انبهر زعماء حركة التنوير بأوربا وعلومها وتقدمها،ورأوا فيها نموذج الكمال الحضاري،فنسوا أنفسهم ،ونسوا تاريخهم وحضارتهم،ومجد أسلافهم العظام واندفعوا نحو شعاع الغرب،وعملوا على تغيير وجه مصر لتصير كأوربا في كل شؤونها،فالمسألة لم تكن قاصرة على تحرير المرأة كما يتوهم المتوهمون،وإنما كانت إرادة التغيير الجذري الشمولي باقتلاع المجتمع من جذوره،وكانت مسألة المرأة ضمن هذا المشروع الرهيب..."
وفي عهد "إسماعيل باشا"أنشئت أول مدرسة لتعليم البنات في مصر سنة 1873بعد أن فشل الأمر في عهد "محمد علي" قبله بسبب عدم استعداد المجتمع المصري وقتذاك لقبول الفكرة التي طرحها رفاعة ثم عاد وأحياها ثانية ،وقد مهد لها بسنة من قبل في كتابه"المرشد الأمين للبنات والبنين" حيث قال:" وينبغي صرف المهمة في تعليم البنات والصبيان معا،لحسن معاشرة الأزواج،فتتعلم البنات القراءة والكتابة والحساب ونحو ذلك مما يزيدهن أدبا وعقلا ويجعلهن بالمعارف أهلا،ويصلحهن لمشاركة الرجال في الكلام والرأي فيعظمن في قلوبهم ويعظم مقامهن لزوال ما فيهن من سخافة العقل والطيش،مما ينتج من معاشرة المرأة الجاهلة لامرأة مثلها،وليمكن المرأة عند اقتضاء الحال أن تتعاطى من الأشغال والأعمال ما يتعاطاه الرجال على قدر قوتها وطاقتها،فكل ما يطيقه النساء من العمل يباشرنه بأنفسهن،وهذا من شأنه يشغل النساء عن البطالة فإن فراغ أيديهن عن العمل يشغل ألسنتهن بالأباطيل وقلوبهن بالأهواء،وافتعال الأقاويل،فالعمل يصون المرأة عما لايليق ويقربها من الفضيلة "
وكانت هذه الدعوة من رفاعة دعوة جريئة لم يجد من يعارضها آنذاك،ولا سيما أن محمد علي والخديوي اسماعيل ،باركا عمله وأشادا بهذا الصنيع.،ولم يكتف رفاعة بذلك بل أخذ ينادي بمشاركة المرأة العصرية للرجل في كل الأعمال التي لا تتنافى مع تكوينها إلا فيما رفضه فقهاء الاسلام من قبل وهو:الامامة العظمى والقضاء...(ومهما يكن من رفاعة إلا أنه قد التزم بربط عمل المرأة بعدم خروجها عن دينها..)لكن هناك مخازي وقع فيها منها دعوته للاختلاط والتبرج في كتابه "تخليص الابريز في تلخيص باريز"يقول:"إن نوع اللخبطة بالنسبة لعفة النساء لا يأتي من كشفهن أو سترهن،بل منشأ ذلك التربية الجيدة،والخسيسة،والتعود على محبة واحد دون غيره،وعدم التشريك في المحبة والإلتئام بين الزوجين"وكأن بدعوته تلك لا يبالي بالقيم الاسلامية ،فضلا عن أنه يدعو إلى عدم تعدد الزوجات بقوله ـ وعدم التشريك في المحبة مما يتنافى مع تعاليم الاسلام تماما.
وقد دافع عن تقاليد الغرب إذ دعا إلى تقليدهم في الفنون ومنها الرقص مثلهم وقد أسماه"الشلبنة والعياقة"أي الفتوة والقوة ـ فقال"....ويتعلق بالرقص في فرنسا كل الناس،وكأنه نوع من العياقة والشلبنة لا الفسق،فلذلك كان دائما غير خارج عن قوانين الحياء،بخلاف الرقص في أرض مصر،فإنه من خصوصيات النساء،لأنه لتهييج الشهوات،أما في باريس فإنه نَطٌ مخصوص لا يشم منه رائحة العهر أبدا،وكل إنسان يعزم امرأة يرقص معها،فإذا فرغ الرقص عزمها آخر للرقصة الثانية وهكذا،سواء كان يعرفها أولا" ...إلى غير ذلك من الأمور التي أثارها رفاعة الطهطاوي بعد عودته من باريس مثل:منع تعدد الزوجات،وتحديد الطلاق،واختلاط الجنسين،والدعوة إلى تقليد الغرب،وتعليم المرأة ومزاولتها الأعمال،والدعوة إلى الحرية،وقد ساعده في ذلك "خير الدين التونسي"حيث دعا إلى نفس الأمور التي دعا إليها رفاعة في مصر،وبهذا نستطيع أن نقول إن رفاعة الطهطاوي أول من أثار قضية تحرير المرأة في مصر في القرن التاسع عشر،وقد نادى بذلك قبل "قاسم أمين"بنيف وثلاثين سنة.
ولا ننسى في هذا المقام أهداف اليهود والاستدمار(الاستعمار) البريطاني الذي جند له الكثير من عملائه غربيين كانوا أم علمانيين لتقويض دعائم الأسرة المسلمة،وزلزلة قواعدها الأصيلة،حتى كانت الدعوة إلى رفع الحجاب،وتقييد الطلاق وتعدد الزوجات،هي النغمة التي عني بها الإنجليز ومن سار على دربهم من الأذناب ،ليصلوا من خلالها إلى إضعاف قوة المسلمين.
وكانت النواة الأولى لبث هذه الأفكار،ونشر تلك السموم حين عادت الأميرة"نازلي فاضل"(ابنة الأمير مصطفى فاضل باشا)إلى مصر بعد الاحتلال وفتحت صالونها لكثير من الشخصيات البارزة في ذلك الحين،ليكون هذا الصالون مركزا لتعبئة أذناب الاستدمار ضد الاسلام وكان من الشخصيات التي تتردد عليه كل من:الشيخ محمد عبده،سعد زغلول،اللقاني ومحمد بيرم،وقاسم أمين،وكان هؤلاء محل غضب من الخديوي اسماعيل،فكانت الأميرة نازلي فاضل تستخدمهم كوسيلة لحربه،كما كانت تسعى لترقيتهم رغم أوامر الخديوي اسماعيل،والسبب في ذلك أنها كانت تدعى أن أباها الأمير مصطفى فاضل هو أحق بعرش مصر من الخديوي اسماعيل.
وكانت أول قذيفة في مجال الدعوة إلى تحرير المرأة ما قام به "مرقص فهمي(وهو مسيحي متعصب حقود على الاسلام وأهله)حيث ألف سنة1894كتاب"المرأة في الشرق"ودعا فيه لأول مرة في تاريخ البلاد الاسلامية إلى هذه الأهداف الخمسة:1ـ القضاء على الحجاب الاسلامي.2ـ إباحة الاختلاط للمرأة المسلمة بالأجانب عنها. 3 ـ تقييد الطلاق ووجوب وقوعه أمام القاضي. 4 ـ منع الزواج بأكثر من واحدة. 5 ـ إباحة الزواج بين المسلمين والأقباط.
وقد أثار هذا الكتاب ضجة عنيفة بين المسلمين،ولم يمض قليلا من الوقت حتى كانت القذيفة الثانية ألا وهي صدور كتاب "المصريون"الذي ألفه الكونت داركير،حيث هاجم فيه المصريين وتعدى على الاسلام ونال من الحجاب الاسلامي وقرار المرأة المسلمة في البيت،واقتصار وظيفتها على تربية النشء،ورعاية الزوج،كما هاجم فيه المثقفين المصريين بصفة خاصة لسكوتهم على هذه الأوضاع،مثل الطلاق وتعدد الزوجات والرق ووجود الطبقات في مصر وإهمال حقوق المرأة وربط ذلك كله ـ أعني سر تأخر المسلمين ـ بتمسكهم بدينهم.
وهنا ظهر قاسم أمين،حيث لم يسكت على هذا الوضع وراح في بادئ الأمر يرد على" داركير"،ويفند الاتهامات التي وجهها للمصريين وبيان فضائل الاسلام على المرأة المسلمة،ورفع من شأن الحجاب،وبين انحلال المجتمع الاوربي بسبب بعده عن الفضيلة التي تمسك بها المجتمع المصري المسلم،وذهب إلى أبعد من ذلك إذ هاجم بعض السيدات المصريات اللائي يتشبهن بالأوربيات وربما عنى بذلك "الأميرة نازلي فاضل"التي كانت ـ كما أسلفنا الذكر ـ تختلط بالرجال في صالونها....ولقد أثار كلامه الأميرة وقالت للشيخ محمد عبده قولا شديدا وتوعدت قاسم بسوء حاله وأمرت بأن يُرد على قاسم من خلال جريدة"المقطم"لسان حال الانجليز في مصر،وقد أفلح الشيخ عبده وسعد زغلول في إقناع قاسم أمين بالعدول عن كلامه الذي نشره في كتابه"المصريون"،فما كان منه إلا أن اقتنع بذلك وراح يصحح رأيه في المرأة فألف كتابه "تحرير المرأة"وتعرض فيه لنفس ما تعرض له "مرقص فهمي" في كتابه"المرأة في الشرق".
ويجدر بنا الاشارة هنا إلى مواقف الشيخ"محمد عبده" ومدى تأثر قاسم أمين به،فقد حاول الشيخ" محمد عبده"أن يزج بنفسه في مجال إصلاح المرأة،وكان ذلك عام 1881 ونادى بضرورة تحسين أحوالها الشخصية ،وتنظيم علاقتها بزوجها،كمانادى بتقييد تعدد الزوجات،وتقييد الطلاق أيضا.وقد بذل جهودا للوصول إلى وضع حقوق المرأة في مكانها،إذ كان كرفاعة الطهطاوي في نظرته للمرأة..يقول الأستاذ"محمد رشيد رضا:" وكان الشيخ محمد عبده كرفاعة يريد أن تبرز المرأة إلى معترك الحياة،فتشارك الرجل في بناء المجتمع،ولكنه كان أكثر من سلفه جرأة وإقداما"
ولقد تأثر الشيخ محمد عبده بالأميرة نازلي فاضل وأعجب بوضعها،ومن ثم كان يلقبها بتمثال الكمال والجمال،ولقد سعى جاهدا لأن تكون نساء عصره مثل تلك الأميرة.،يقول الأستاذّ"محمد خيال"والأستاذ "محمود الجوهري":وقد حمل الشيخ محمد عبده الدعوة إلى تحرير المرأة في دروسه في الرواق العباسي بالأزهر حين أعلن أن الرجل والمرأة يتساويان عند الله،وقد ترددت آراء كثيرة بأن الشيخ محمد عبده كتب بعض فصول كتاب ـ تحرير المرأة ـ أو كان له دور في مراجعتها،ومما أورده لطفي السيد أنه اجتمع في جنيف عام1897بالشيخ محمد عبده وقاسم أمين وسعد زغلول،وأن قاسم أمين أخذ يتلو عليه فقرات من كتاب ـ تحرير المرأة ـ وصفت بأنها تنم عن أسلوب محمد عبده"
ومن هنا يتضح لنا مدى تأثر قاسم أمين بفكر الشيخ محمد عبده وسيره في نفس الخط الذي سار فيه رفاعةالطهطاوي،والشيخ محمد عبده،وسعد زغلول،وتأثره بأفكارهم..وسنبين ذلك من خلال عرض ما كتبه قاسم أمين في كتابيه:تحرير المرأة والمرأة الجديدة،فضلا عما كتبه في كتاباته الأخرى ودفاعه المستميت عن حركة تحرير المرأة.
...... يتبع.