إذا لم تكن تعرف عنوانه... فهو يعرف عنوانك (قصة واقعية)
12-09-2014, 02:55 PM
بالأمس ونحن على مائدة العشاء.. وبعد وجبة خفيفة من الرقائق والمواعظ التي كانت الوالدة حفظها الله تحدث بها أحد أشقائي حول ضرورة السعي الحثيث والأخذ بالأسباب لكسب الرزق وبعد ذلك كله ترك الأمور لمشيئة الله يسيرها بحكمته كيفما يشاء.. في الواقع جاءت جرعة الرقائق هذه بعد يوم طويل وشاق من العمل جعله يرجع للبيت قبيل العشاء وهو منهك القوى.. وكان قد مر بنوبة من الخمول اجتاحته مؤخرا وظهرت ملامحها عليه جليا من خلال ساعات النوم التي كان يقضيها في النهار وهذه عادة دخيلة على الطباع التي ألفناها منه مما جعل الوالدة تقلق بشأنه.
شقيقي هذا صاحب صنعة وحرفة.. يقولون بأن يداه تلتفان بالحرير –ما شاء الله عليه- لأنه يؤدي عمله بإتقان شديد وهذا ما شهد له به معلمه وجميع من أنجز لهم أعمالا... من بين الكلام الذي قالته له الوالدة وهي تحثه وتشجعه على المضي قدما وعلى أن لا يترك مجالا للانهزامية لتتسلل لحياته خصوصا أنه في مرحلة بداية تكوين نفسه ماديا.. أن لا يستصغر الأعمال مهما كانت وأن يرسم طريقا لنفسه ويضع أهداف ينبغي الوصول لها وأن يبدأ مشواره بالمشاريع الصغيرة ثم يوسع عمله رويدا رويدا.
نظر شقيقي إليها بثقة كبيرة وقال أجل أنت محقة يا أمي.. والله إنك محقة في كل كلمة قلتها.. وأخبرها بأنه كان يتحدث خلال الطريق مع صديه (شريكه في العمل) فقص عليه حادثة وقعت مع أحد الشاب المقربين له.. قال بأن ذلك الشاب كان لا شغل ولا مشغلة وفجأ قرر أن يبدأ العمل في تجارة الفواكه.. وضع صندوقين أو ثلاث على حافة إحدى الطرق التي حولها تجارنا إلى سوق موازية وكان يومها يبيع "الموز"... توقفت أمامه فتاة وسألته عن السعر فأجابها 160 دج للكلغ.. هزت رأسها وأخبرته بأنه يبيع بثمن مرتفع لكنها اشترت منه ثم سحبت بطاقة من حقيبتها وقدمتها له وقالت بأن البطاقة تخص والدها وهو تاجر يستورد الموز من الخارج وطلبت إليه أن لا يتردد بالاتصال به إن احتاج للسلعة التي يتاجر بها لأنه كلما قلل من سلسلة الموردين الذين مرت عليهم السلعة قبل وصولها إليه كلما كان سعر حصوله عليها أقل وبالتالي يمكن أن يحقق هامش ربح جيد بسعر بيع منخفض نسبيا.
المهم لم يلبث الشاب بعدها طويلا حتى قرر أن يتصل بوالد تلك الفتاة وأخبره بأنه تحصل على رقمه من خلال ابنته وبأنه تاجر ويرغب في الشراء منه.. فأجابه والد الفتاة حسنا ليس هناك أي اشكال أخبرني فقط كم تريد.. أجابه الشاب: صندوقان من الموز.. فرد عليه إذن مر علي في العنوان المسجل عندك على البطاقة وسنتفق على التفاصيل.. قال الشاب هل يمكن أن أفعل ذلك الآن؟ أجابه نعم تعال أنا بانتظارك.
دخل عليه الشاب واتفقا على الكمية والسعر.. وبينما هما يتحدثان إذ بهاتف والد الفتاة يرن... كان على الخط فلان.. واحد من بين أهم زبائن هذا المورد.. سأله ما حاجته.. قال أريد أن أشتري الموز .. سأله كم تريد؟ فأجاب: كل الكمية التي بحوزتك... فرد عليه في الواقع لدي ثلاث صناديق لقد بعت للتو صندوقيين وصاحبهما لا يزال بجانبي لم يأخذ سلعته بعد.. الكمية المتبقاة لدي هي صندوق واحد فقط... فعرض عليه ذلك الزبون أن يزيد له في السعر الذي باع به لذلك الشاب بـ 10دج عن كل كلغ وطلب منه أن يجد صيغة ليتفق بها مع ذلك الشاب مادام لم يأخذ السلعة بعد... استأذن المورد من الشاب وأخبره بأن هذا الزبون من أهم العملاء الذين يتعامل معهم ويهمه أن يرضيه فإن كان لا يمانع فإنه سيعيد بيع تلك السلعة لذلك الزبون على أن يقدم له الزيادة الناتجة عن فارق السعر الذي اقترح هذا الأخير أن يدفعه وأن يعوضه بسلعة أخرى خلال الأيام القليلة المقبلة وأخبره بأنه سيتصل به حالما تدخل السلعة الجديدة... فوافق الشاب.
أتم المورد صفقته عبر الهاتف مع زبونه المهم وطلب إليه أن يرسل من يستلم السلعة.. ثم قام إلى الشاب وقال له ستأخذ حقك حالا... وأخذ آلته الحاسبة ليجري بعض الحسابات.. بعدها توجه لخزنته وأاخرج منها 360 مليون سنتيم وسلمه للشاب... اندهش الشاب وسأله ما هذا؟؟؟؟؟ فالشاب كان ينتظر مبلغا في حدود 600دج على أساس أن الصندوق يحتوي على 30 كلغ تقريبا.. إذن كمية الصندوقين تكون 60 كلغ وبحساب فارق 10دج عن كل 1كلغ يكون الفرق 600دج.. فإذا بالمورد يحمل الآلة الحاسبة من جديد ويخبره بأن الصندوق يحتوي على كذا من كراتين الموز.. وكل كارتون يحتوي على كذا من الوزن وبضرب هذا في هذا ثم مضاعفة النتيجة (لتناسب كمية صندوقين) وبعدها ضرب النتيجة في فارق السعر 10 دج يكون المبلغ 360 مليون سنتيم...
لا تندهشوا... الظاهر بأن كلمة "الصندوق" في أبجديات هؤلاء التجار الكبار يقصدون بها "الحاوية" وهم متعارفون بينهم على هذا المعنى.. مفارقة غريبة جعلت المعنى بين الطرفين يختلف ليغير مسار حياة هذا الشاب..والله غالب على أمره.
قام شقيقي إلى الوالدة وطبع قبلة على جبينها ثم قال.. لست أترقب أن تعترض طريقي فتاة كالتي مرت مع ذلك الشاب.. ولكني سأعمل بجهد وأتخذ الأسباب وأسعى جاهدا لاجتناب الحرام وكلي يقين أنه إن أنا يوما أخطأت عنوان المكان الذي يوجد به رزقي.. أكيد دعاؤك سيجعل رزقي لا يخطأ عنواني.
من مواضيعي
0 مغلق من أجل الصلاة... كم أشعرتني بالاشمئزاز
0 الآلة الحاسبة العلمية... أداة من أدوات التخلف والجهل
0 إذا لم تكن تعرف عنوانه... فهو يعرف عنوانك (قصة واقعية)
0 حلاقة البرلمان... ليتها صمتت!!!
0 ورشة شروقية لمناقشة التعديلات الدستورية
0 "لقيط"... تنكر له أولئك الذين أنجبوه
0 الآلة الحاسبة العلمية... أداة من أدوات التخلف والجهل
0 إذا لم تكن تعرف عنوانه... فهو يعرف عنوانك (قصة واقعية)
0 حلاقة البرلمان... ليتها صمتت!!!
0 ورشة شروقية لمناقشة التعديلات الدستورية
0 "لقيط"... تنكر له أولئك الذين أنجبوه
التعديل الأخير تم بواسطة قطر.الندى ; 12-09-2014 الساعة 03:08 PM