37- أقصرُ مدة "حـنة" للعروس في عُـرس من الأعراس !: أنا أظنُّ أن مواعيدَ النساءِ غيرُ مضبوطة خاصة في مناسباتِ الأعراسِ , ولكونِ جُل الرجالِ مغلوبين من طرفِ النساءِ خاصة في الأعراسِ فإن فوضى المواعيدِ غيرِ المضبوطة تصبحُ أكثر وضوحا . قلتُ : مواعيدُ النساء غير مضبوطة , ومنهُ فقد تقولُ لكَ المرأةُ " يلزمنا من أجل فعل ( كذا ) ساعةٌ واحدة من الزمانِ " مثلا , ولكنها تبقى معها ساعتين . وقد تقولُ لكَ المرأةُ – زوجةٌ أو أخت أو أمّ أو بنتٌ أو... – " أنا الآن آتيةٌ معكَ " , ومع ذلكَ لنْ تصلَ إليكَ ولن تأتيكَ بالفعلِ إلا بعدَ ربعِ ساعة أو أكثر أو نصف ساعة أو ... وهكذا قِسْ على هذين المثالين مئاتِ الأمثلةَ الأخرى المشابهةَ من مناسباتِ الأعراس أو من غيرها . في يوم من الأيام – ومنذ حوالي 15 سنة - كنتُ أنا وزوجتي مدعوين إلى عُرس من الأعراسِ , من طرفِ أهل العريسِ , وكنا مدعوينِ عشيةَ ذلك اليومِ للذهابِ إلى بيتِ العروسِ من أجل " الحنة " للعروسِ في تلك الليلةِ , قبل أن نذهبَ في الغدِ للإتيان بالعروسِ إلى بيتِ زوجِها . ولما كانَ أهلُ العريسِ أعطوني – مع بدايةِ العرسِ- أنا وزوجتي المسؤوليةَ الكاملةَ على مراقبةِ العرسِ من أجلِ تخليصهِ من بدعِ ومحرماتِ الولائمِ الكثيرةِ والمنـتشرةِ في أغلبِ أعراس الناسِ اليوم أو في ذلك الوقتِ ( زوجتي على مستوى النساء وأنا على مستوى الرجالِ ) , وكذا من أجلِ مراعاةِ النظامِ العام في العرسِ . طلبتُ من زوجتي أن تستشيرَ النساءَ عن الموعدِ المناسبِ لـ " الحنة " ذهابا وإيابا , ولكنني طلبتُ منها أن تؤكدَ لهن بأن الموعدَ بعد أن يُضبطَ , يجبُ أن يُحترمَ ,وبأننا لن نقبلَ أيَّ تسيب أو فوضى في الموعدِ. اتفقت النسوةُ على أن يكون الموعدُ 10.00 ليلا (ذهابا ) , والواحدة صباحا ( إيابا ) . ذهبتُ أنا وحوالي 5 رجال و 6 نسوة قبيلَ العاشرةِ ليلا إلى بيتِ العروسِ . قضيتُ أكثرَ من ساعتين ونصف أنا ومن معي من رجالِ أهلِ العريس مع أهلِ العروسِ من الرجالِ , قضينا هذه المدةَ مع دردشات وتعارف ونُـكت , وقدمتُ للحاضرين نبذة من أحكام الإسلام وآدابه وأخلاقه و... المتعلقة بالزواج والأعراس , ونبهتُ نفسي والحاضرين إلى جملة من النصائح والتوجيهات المتعلقة بالأعراس والولائم في الإسلام , وأوصيتُ الرجالَ بالنساءِ خيرا والرجلَ بزوجتِهِ خيرا , وأكلنا وشربنا و... وعندَ الساعةِ 12.45 ( بعدَ منتصفِ الليلِ ) بلَّـغتُ لزوجتي حتى تُـنـبِّـهَ النسوةَ إلى أنه لم يبقَ لهنَّ إلا ربعُ ساعة فقط , وقلتُ لزوجتي " عند الواحدةِ بالضبط , أنا أريدُ أن أراكنَّ جميعا خارجَ حجرةِ العروسِ حتى نَـرجعَ إلى بيتِ أهلِ العريسِ كما هو نصُّ الاتفاقِ بيني وبينكنَّ ". قالت لي زوجتي " أنا أطلبُ منهن ذلك منذ حوالي ساعة , ولكن العروسَ مازالتْ لم تخرجْ إليهن بعدُ , ومنه فلربما لم تنـتَـهِ " الحنةُ " إلا حوالي الساعة الثانية صباحا "!.
قلتُ لها " قولي لهن : أنا أنتظرُكن حتى الواحدةِ صباحا بالضبطِ , وواللهِ سأنطلقُ أنا ومن معي – راجعين- على الساعة الواحدة بالضبط , سواء وضعـتُـنَّ الحنةَ للعروس أم لا , وسواء زيَّـنـتُـنَّ العروسَ بهذه " الحنة " أم لطخـتُـنَّـها فقط بها , ولن أنـتظرَ بعدَ الواحدةِ صباحا ولو دقيقة واحدة , حتى ولو كلَّـفني هذا أن أتركهنَّ هنا هذه الليلة في بيتِ أهلِ العروسِ على خلافِ الاتفاقِ الذي تمَّ بيننا ". وصدِّقْ أيها القارئ أو لا تصدقْ , إنني قلتُ لزوجتي الكلامَ السابقَ حوالي 12.47 دقيقة , وعند الساعة 12.59 دقيقة بالضبط كانت زوجتي مع كل من كان معها , كنَّ خارجَ بيتِ أهلِ العروسِ ينتظرنني أنا ومن معي من الرجال . وعندما وصلتُ إلى بيت أهل العريس والتقيتُ بزوجتي وخلوتُ بها ضحكتْ زوجتي طويلا وقالت لي " والله أنا أعتبر ما وقع هذه الليلة نكتة : ظاهرُها مُقلقٌ ولكنَّ باطِـنَـها مُضحِكٌ للغاية . لقد كانت الحنةُ سريعة جدا إلى حد أنها يمكنُ أن تُدرجَ ضمنَ الأرقام القياسية في مناسباتِ الأعراس , لأنها تمت في حوالي 3 دقائق فقط . وكان نصفُ الحنة زينة للعروسِ ونصفُها الآخر تلطيخا لها , والنساءُ استأنَ في البداية من هذه الحنة السريعة ولكنهن ضحكنَ وضحكن كثيرا في النهاية - بمن فيهن العروسُ وأهلُـها من النساء – لأنهن رأين أن هذه الحنة لطيفةٌ وطريفةٌ في نفسِ الوقتِ . وعندما كنا راجعات في السيارةِ كانت النسوةُ من أهلِ العريسِ يشعُـرن – في بدايةِ الأمر- ببعضِ الحرجِ من تشددكَ معهنَّ , ولكنهن قلنَ قبل نزولنا من السيارة [ ومع ذلك يا ليتَ كلّ الرجال يتشددون مع النساء في مثل هذه الأمور حتى يعمَّ النظامُ في الأعراس وتتقلصُ فيها الفوضى ] ".
اللهم يا معلم إبراهيم علمنا , ويا مفهم سليمان فهمنا آمين .
38- لو كان خوفه من الله أكبر , لكان ذلك أفضل له ! : في يوم من الأيام , ومنذ سنوات , وقبيل عرس من الأعراس لأخ لي من الإخوة في الإسلام , سألني العريسُ عن رأيي في خروجه هو مع عروسه يوم العرس من بيتها إلى بيته هو , بحيث يُـخرجُها هو من بيتها ( عوض أن تُـخرجها امرأتان كما جرت العادةُ عندنا منذُ مئات السنين ) ويدخلُ معها إلى السيارة الأولى في موكب العرس , ويقضي كلَّ المسافة بين البيتين وهو معها في السيارة : يتحدث إليها ويمسها ويأخذ صورا معها في أماكن معينة ( في الغابة أو بجانب البحر أو... ) وأمام الناس , وعندما ينزلُ من السيارة يأخذُها ويقودُها بيده حتى يوصلُـها إلى بيته هو ثم يتركها هناك حيث تستقبلها النساء . سألني " ما رأيك ؟! " , فقلتُ لهُ " أنا لن أقول لك : حلالٌ أو حرام , ولكنني أقول لك بأنني لا أحب هذا السلوكَ أبدا لمن أُحبُّ من الناس , وأنا لذلك لا أحبه لابني ولا لقريبي ولا لجاري ولصهري ولا لأي كان من الناسِ الذين أحبهم وأُحب لهم خير الدنيا قبل الآخرة . أنا أُعلنُ هذا منذُ كنت صغيرا وقبل أن أتزوجَ أنا بسنوات وسنوات . أنا لا أحب هذا بالدرجة الأولى , لأنني أرى أنه ضد أبسط مقتضى من مقتضيات الحياء . وإذا كانت هذه العادة قد انتشرت كثيرا في أوساط شباب وفتيات الجيلِ الجديد, فليس معنى هذا أنها عادةٌ حسنة. إن القبيحَ يبقى قبيحا مهما أقبل عليه الناسُ وإن الحسنَ يبقى حسنا مهما هجرهُ الناسُ ". وكان الشخصُ الذي سألني يحترمني كثيرا وكان ينوي أن يُـطبق ما نصحتُـه به , ولكن يبدو أن البعضَ من أصحابه وأصدقائه غلبوه أو أن العاداتِ والتقاليدَ المعوجة أثرتْ عليه تأثيرا بالغ فخضعَ وسلَّـم واستكانَ . ومنه فبعد أيام احتفل هذا الشخصُ بزواجه وبوليمته وبعرسه , وعندما توجه الموكبُ ليأتي بزوجته أو عروسه كان هو راكبا في السيارة الأولى , في الخلف. وعند الرجوعِ أخرج عروسَـه من بيتها وفعل ما سألني عنه وما أخبرته أنا بأنني أبغضه ولا أُحبه . ولم أكن أنا أعرف بأنه خالفَ , ولكنني ظننتُ أنه سمع نصيحتي وعمل بها . وعندما وصل موكبُ العرس أمامَ بيت العريس وجدني العريسُ مع بعض المدعوين أمام بيته . فوجـئتُ أنا وفوجئ هو . أما أنا فإنني فوجئتُ عندما رأيـتُـه جالسا في السيارة الأولى ( المزينة بالورود والأزهار ) مع عروسه , وكان يهم بالخروجِ معها ليـوصلها حتى إلى باب بيته . ومع أنني فوجئتُ فإنني قلتُ في نفسي " المهم أنني نصحتُه , وما على الرسول إلا البلاغ , وكل واحد منا فيه خيرٌ وشر , وليس منا معصوم عن الخطإ أو الخطيئة , ولا معصوم عن الخطيئة إلا الأنبياءُ والرسل عليهم الصلاة والسلام " . وأما هو فإنه فوجئ لأنه ما كان يتوقع أن يجدني أمامه هنا وخاصة في هذا الوقت بالذات وفي هذا المكان بالذات . ولأنه كان يحترمني كثيرا , فإنه لم يكن يريد أن تسوء صورتُـه عندي . أنا أُسلِّـم كلَّ التسليم بأن اللهَ أحقُّ من أي بشر أن يُخشى وأن يُـخافَ . ومع ذلك فإنني أعتقدُ بأن من يحترمُ الناسَ عموما والمتدينين خصوصا ويستحي منهم , هو أفضلُ بكثير , وأفضلُ مليون مرة من المجاهرِ بالمعصية الذي لا يخافُ اللهَ ولا يحترمُ عباده المؤمنين , كما أنه وإن راعى اليومَ البشرَ واستحى منهم فإن هناك احتمالا كبيرا في أن هذا الحياءَ من البشر سيقوده غدا أو بعد غد بإذن الله إلى الحياءِ من الله عزوجل وإلى الوقوف عند حدوده تبارك وتعالى . هذا أمرٌ مهم أؤكدُ عليه كثيرا.
أنا لم أكملُ القصةَ . قلت : عندما رآني العريسُ أمامَـه , حيث لم يتوقعْ , وقعَ منه عندئذ ما لم يُتوقَّـعْ . بمجرد رؤيتهِ لي نزل من السيارة من الجهة الأخرى المقابلة للجهة التي نزلتْ منها عروسُـه , وترك عروسَـه بسرعة فائقة واختفى عن الأنظار . ترك عروسَـه تبحثُ عنه ولكنها لمالم تجدْه , جرتْ إليها امرأتان فأسعفتاها وقادتاها حتى أدخلتاها إلى بيتِ الزوج . وقع هذا بطبيعة الحال على خلاف المتفق عليه بين الزوج وعروسه وبين الزوج وأهله كذلك . وقع هذا الاختلالُ ووقعت هذه المخالفةُ للاتفاق , بسبب رؤيتي للعريس في الوضع الذي لا يريدني أن أراه عليه .
وكان من نتيجة هذا الذي وقع من العريس حين تخلى عن عروسه أن استاء شخصٌ وتعجبَ آخرون . أما العروسُ فإنها استاءت استياء كبيرا وغضبت غضبا شديدا على زوجها , لأنه تخلى عنها فجأة وبدون أن يُـفهمها لماذا فعل ذلك ؟.
وأما من تَعجبَ فهم عامةُ المدعوين من أهلِ العريس أو من أهل العروسِ الذين لم يفهموا لماذا ترك العريسُ عروسَه فجأة في الوقتِ الذي لا يليق به أن يتركها فيه ؟. ولم يعرفْ الجوابَ على " لماذا ؟ " إلا أنا والقليلون من الأشخاص , وهم الذين سمعوا العريسَ قبل أيام يسألني وسمعوا ما أجبتُـه به . وكان موقفُ هذا الأخ العريسِ مع عروسه حين تخلى عنها بهذه الطريقة السريعة وفي الوقت غير المناسب وبدون سبب مفهوم من أغلبِ الناس , كان نكتة عندَ أغلبِ من علِم السببَ وكذا عندَ من لم يعلم السبب . كان الموقفُ نكتة طريفة بالنسبة لهؤلاء , ولكنه كان بالنسبة للعروس ذكرى سيئة يمكن أن لا تنساها طيلةَ حياتها .
ومع ذلك فأنا أقول في النهاية بأن هذا الأخَ الكريمَ والعزيزَ رجلٌ طيبٌ بشكل عام وبأن امرأته مباركةٌ , هكذا أحسبهما والله حسيبهما ولا أزكي على الله أحدا . وأنا أسأل الله أن يغفر لهما وأن يرحمهما وأن يباركَ لكل منهما في الآخر وأن يجمع بينهما في خير آمين .