لهذا السبب قذف حسن الترابي قادة "الفيس" بالقصور الفكـري
06-03-2016, 08:58 PM
ناصر بن عيسى
صحافي، ومدير المكتب الجهوي لجريدة الشروق بقسنطينة
في استراحة العلماء، الذين ملأوا الدنيا حركية على مدار أكثر من سبعين سنة، استراح من هموم الدنيا، المفكر والسياسي السوداني حسن الترابي، الذي لم يزر الجزائر إلا مرة واحدة في عام 1991 عقب فوز الحزب المحظور في الانتخابات البلدية، حيث التقى حينها بالشيخين علي بلحاج وعباسي مدني.
مكّن عباسي ضيفه الترابي من إلقاء درس في مسجد السُّنة بباب الوادي وإمامة الناس في الصلاة، ولكن الرجل بمجرد أن تحاور مع رجالات الحزب المحظور - كما قال هو نفسه لأسبوعية "الشروق العربي" ـ في حوار أجرته معه بعد اعوام - اقتنع بأن الحماس وحده وحب الجزائريين للتغيير، هو الذي يحرّكهم، حيث سألهم في مجالس متعددة على مشارف التشريعيات ودقّ أبواب الحكم، عن كيفية تعاملهم مع المرأة؟ ومع الثروة النفطية؟ ومع الإرث الفرنسي؟ وكيف تكون علاقاتهم مع دول الجوار؟ ومع بلدان القارة الإفريقية؟ والاقتصاد؟ ومختلف الوزارات؟
وخلُص المرحوم الترابي - حسب قوله - إلى أن الجبهة الإسلامية للإنقاذ المُحلة "دون مشروع"، وقادتها "مصابون بقصور فكري بليغ"، بل وشبّههم بالمسلم الحديث الذي لا يعرف عن الإسلام سوى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.
ومع ذلك اتهمه النظام الجزائري في ذلك الوقت بـ"صبّ الزيت على النار"، لأنه كان في الحكم في بداية عهد عمر البشير، وأتهم بفتح أراضي السودان لتدريب المسلحين الجزائريين، ودعمهم بالمال، وهو ما أضحك الترابي، الذي ذكّر من اتهموه، بأن السودان بلاد فقيرة، لا يمكنها مساعدة نفسها، فكيف تساعد الآخرين؟ ولكنه لم ينف بأن أنور هدام، رئيس ما يسمى بلجنة البرلمانيين الجزائريين في الخارج، ورابح كبير، زارا السودان والتقيا به في الخرطوم.
وعندما انتقل حسن الترابي عام 1955 إلى أنجلترا للتحضير للماجستير في جامعة أوكسفورد، قاد جمعية إسلامية لنصرة الثورة التحريرية الجزائرية، وكان في الأربعين من العمر، وتأخرت زيارته للجزائر إلى غاية بداية التسعينيات، وهي الزيارة الوحيدة لرجل غاب عن ملتقيات الفكر الإسلامي، وغاب أيضا عن الجامعة الإسلامية الأمير عبد القادر، عكس دعاة جيله.
وحمل الترابي في ذاكرته ازدحام مساجد الجزائر العاصمة بالمصلين حتى في فريضة الصبح، وعندما حكم اليمين زروال البلاد، راسل عباسي مدني وحاول نقل التجربة السودانية، وهي تقاسم السلطة بين العسكر والإسلاميين.
إلا أن أفكار الرجل تغيّرت في العقدين الأخيرين، وصار سهما للسلفيين في بقاع العالم عندما قال مقولته الشهيرة "يجب أن لا نكون عالة على الأسلاف، نأخذ منهم دون أن ننتج شيئا"، وهو ما جعل البعض يصفه بنافي السنة النبوية الشريفة، ويقذفه حتى بالكفر، ليعتزل الناس إلى أن وافته المنية.