" بَذلُ الْهِمَّةِ فِي إفْرَادِ الْعَمِّ وَجَمْعِ الْعَمَّةِ "
08-07-2009, 10:05 AM
قَالَ شَّيْخُ الإسلام تقي الدين السبكي:
الْحَمْدُ لِلَّهِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ .
وَبَعْدُ فَقَدْ سُئِلْت عَنْ إفْرَادِ الْعَمِّ وَجَمْعِ الْعَمَّةِ فِي قَوْله تَعَالَى { وَبَنَاتِ عَمِّك وَبَنَاتِ عَمَّاتِك } وَكُنْت قَدْ سَمِعْت فِيهِ شَيْئًا فَخَطَرَ لِي شَيْءٌ لَمْ أَسْمَعْهُ ، فَأَرَدْت أَنْ أَكْتُبَهُ لَيُنْظَرَ فِيهِ .وَسَمَّيْته " بَذْلُ الْهِمَّةِ فِي إفْرَادِ الْعَمِّ وَجَمْعِ الْعَمَّةِ ".
- أَمَّا الَّذِي سَمِعْته : فَإِنَّ الْعَمَّ اسْمُ جِنْسٍ ، وَالْعَمَّةُ وَاحِدَةٌ وَلِأَجْلِ التَّاءِ الَّتِي فِيهَا جُمِعَتْ ، دَفْعًا لِتَوَهُّمِ أَنَّ الْمُرَادَ وَاحِدَةٌ فَقَطْ ، وَالْعَمُّ لَمَّا كَانَ اسْمَ جِنْسٍ لَمْ يَحْتَجْ فِيهِ إلَى دَفْعِ هَذَا التَّوَهُّمِ وَيُسْتَفَادُ الْعُمُومُ فِيهِمَا مِنْ الْإِضَافَةِ وَأَكَّدَ الْعُمُومَ فِي الثَّانِي وَلَمْ يُؤَكِّدْ فِي الْأَوَّلِ لِمَا قُلْنَاهُ ، وَالتَّاءُ فِي الْعَمَّةِ وَإِنْ كَانَتْ لِلتَّأْنِيثِ فَهِيَ تُسْتَعْمَلُ فِي الْوَاحِدَةِ أَيْضًا .
وَلَا شَكَّ أَنَّ مُقْتَضَى كَلَامِ جُمْهُورِ الْأُصُولِيِّينَ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْعَمِّ وَالْعَمَّةِ فِياقْتِضَاءِ الْعُمُومِ عِنْدَ الْإِضَافَةِ أَوْ عَدَمِ اقْتِضَائِهِ .
وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ مَا يَقْتَضِي الْفَرْقَ الْمُشَارَ إلَيْهِ فِيمَا تَقَدَّمَ ، وَأَنَّهُ حَيْثُ كَانَ فِيهِ تَاءُ الْوَحْدَةِ لَا يَقْتَضِي الْعُمُومَ وَحَيْثُ لَمْ تَكُنْ فِيهِ يَقْتَضِي الْعُمُومَ وَرُبَّمَا يُقَالُ فِيهِ إنْ كَانَ صَادِقًا عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ اقْتَضَى الْعُمُومَ وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ اخْتِيَارُ الْعَالِمِ أَبِي الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيِّ مِنْ شُيُوخِ شُيُوخِنَا وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مَا فِيهِ تَاءُ التَّأْنِيثِ وَمَا هُوَ مُجَرَّدٌ عَنْهَا .
هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْوَجْهِ الَّذِي سَمِعْتُهُ .
- وَأَمَّا الَّذِي خَطَرَ لِي فَإِنِّي تَأَمَّلْت الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ فَوَجَدْتهَا مُخَاطِبَةً لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحْدَهُ لَيْسَتْ كَآيَةِ النُّورِ الَّتِي خُوطِبَ بِهَا الْمُؤْمِنُونَ كُلُّهُمْ بَلْ هَذِهِ الْآيَةُ أَعْنِي " آيَةَ الْأَحْزَابِ " لَمْ يُخَاطَبْ فِيهَا إلَّا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ { إنَّا أَحْلَلْنَا لَك } وَفِي آخِرِهَا { خَالِصَةً لَك مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ } وَاخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ هَلْ قَوْلُهُ { خَالِصَةً لَك مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ } خَاصٌّ بِقَوْلِهِ { وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا } أَوْ هُوَ رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ { إنَّا أَحْلَلْنَا لَك } ؟ وَعَلَى هَذَا يَتَأَكَّدُ بِهِ مَا قُلْنَاهُ مِنْ اخْتِصَاصِ جَمِيعِ مَا فِي الْآيَةِ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ وَجَدْنَا الْأَحْكَامَ الَّتِي فِيهَا كَذَلِكَ فَإِنَّهُ اشْتَرَطَ فِي الزَّوْجَاتِ إيتَاءَهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَفِيمَا مَلَكَتْ يَمِينُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكُونَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَفِي بَنَاتِ عَمِّهِ وَعَمَّاتِهِ وَبَنَاتِ خَالِهِ وَخَالَاتِهِ أَنْ يَكُنَّ هَاجَرْنَ مَعَهُ .
وَإِنَّمَا اشْتَرَطَ فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ لِأَنَّ قَدْرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَى مِنْ كُلِّ قَدْرٍ وَمَحَلَّهُ أَشْرَفُ مِنْ كُلِّ مَحَلٍّ .
فَاخْتَارَ لَهُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ أَشْرَفَهُ وَأَحَبَّهُ وَأَجَلَّهُ وَأَطْيَبَهُ :
- فَأَطْيَبُ الزَّوْجَاتِ مَنْ أُوتِيَتْ أَجْرَهَا .
- وَأَطْيَبُ الْمَمْلُوكَاتِ مَنْ كَانَتْ مِنْ الْفَيْءِ .
- وَأَطْيَبُ حَرَائِرِ الْمُؤْمِنَاتِ الْمُهَاجِرَاتُ ، وَأَعْلَاهُنَّ قَدْرًا بَنَاتُ أَعْمَامِهِ وَعَمَّاتِهِ وَبَنَاتُ أَخْوَالِهِ وَخَالَاتِهِ .
يُتبع
واصْدُقْ في الطّلب تَرِثْ عِلمَ البصائر، وتَبْدُ لك عيونُ المعارف، وتُميّزْ بنَفسِك عِلمَ مايرِدُ عليك بخَالص ِ التوفيق، فإنما السَّبق لمن عَمِلَ، والخشية ُ لمن عَلِمَ ، والتوكلُ لمن وَثِقَ، والخوفُ لمن أيقَنَ ، والمزيدُ لمن شَكَرَ.
((الإمام المحاسبي رحمه الله ))
((الإمام المحاسبي رحمه الله ))