اعلام الجزائرالطيب العقبي
09-05-2009, 01:18 PM
الطيب العقبي ولد في بلدة سيدي عقبة بولاية بسكرة الجزائر عام 1307ه = 1889م، هاجر مع عائلته إلى المدينة المنورة وهو ابن خمس أو ست سنوات، تلقى العلم في الحرم النبوي الشريف، عمل مع شريف مكة في جريدة القبلة، عاد إلى الجزائر عام 1337ه = 1920م. وكان من الأعضاء المؤسسين ل جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، كان له نشاط كبير في الدعوة إلى الله حيث كان رحمه الله يتردد على الأماكن العامة كالمقاهي والنوادي الليلية للدعوة إلى الله، وقد هدى الله على يديه خلق كثير، عرف الشيخ بالجرأة على قول الحق ولا يخاف في ذلك لومة لائم، بالإضافة إلى نشاطه في مجال الصحافة كان قلمه سيالا بكثرة مقالاته في جريدة الشهاب والبصائر التابعة لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين.

ترجمة داتية

وهذه الترجمة كان قد كتبها بنفسه ونشرت في الجزء الأول من كتاب " شعراء الجزائر في العصر الحاضر" لمؤلفه الأديب الجزائري الكبير الأستاذ محمد الهادي السنوسي الزاهري .
يقول الطيب العقبي رحمه الله:
الترجمة :
ولدت ببلدة سيدي عقبة الجزائر ليلة النصف من شهر شوال سنة 1307 هـ، حسب ما استفدته من مجموع القرائن الدالة على تعيين هذا العام، ويحتمل أن تكون ولادتي بعد ذلك التاريخ بنحو العام لأني لم أجد قيدا صحيحا لسنة ولادتي.
ووالدي هو " محمد بن إبراهيم بن الحاج صالح "وإلى هذا ينسب اليوم كل فرد منا وبه تعرف عائلتنا، فيقال لكل منا (ابن الحاج صالح)، وعائلتنا من أوسط سكان البلدة، فلا هي أعلاها ولا هي أدناها.
وأصل أول من سكن بلدة سيدي عقبة من جدودنا من أولاد عبد الرحمن بجبل " أحمر خدو" بالجهة التي تسمى منه باسم " كباش". ويتصل نسبنا على التحقيق بالرجل الشهير عند أهل تلك الجهة المعروفة لديهم بالولاية والصلاح حتى أنهم يحجون قبره وقبته المقامة عليه، ويقال عنه أنه شريف النسب أيضا، والذي يلفظون اسمه هكذا ( سيدي مَحمد بن عِبد الله) بفتح ميم محمد وكسر عين عبد الله، فنحن إذا عبدريون ـ بالراء ـ وعبدليون ـ باللام ـ نسبة إلى عبد الرحمن وعبد الله. وجدنا الأول المنتقل من تلك الجهة إلى سيدي عقبة يوم تأسيس البلدة أو بعده عقبي بسكناه بها، ثم نحن من بعده إلى هذا اليوم عقبيون .
أما والدتي فمن بلدة ليانة بالزاب الشرقي من عائلة " آل خليفة" الشهيرة بلقب " ابن خليفة".

ودعنا من تعداد الآباء والأجداد والمفاخرة بالألقاب والأنساب، لأن ذلك ليس بمذهب لي، فإني في جملة البشر أحسب، وإلى جدنا الأكبر وأبينا آدم أنسب، وإني في هذا المذهب أوافق صديقي معروف الرصافي حيث يقول:
  • قالوا ابن من أنت يا هذا؟ فقلت لهم ** إني امرؤ جده الأعلى أبو البشر
  • قالوا فهل نال مجدا؟ قلت: واعجبي ** أتسألوني بمجد ليس في ثمري
ولله در الحريري السابق في هذا الميدان بقوله":
  • وما الفخر بالعظيم الرميم وإنما ** فخار الذي يبغي الفخار بنفسه
- وخير من هذا كله قول الله عز وجل :" يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم" وأرى من تمام الترجمة أن أقول لكم: " إن مذهبي في الوطن هو مذهب القائل:
  • من كان مثلي فالدنيا له وطن ** وكل قومغدا فيهم عشائره"1"
-"انتقالنا للحجاز":
انتقلت عائلتنا مهاجرة من بلدة سيدي عقبة إلى الحجاز بقضها وقضيضها أنثاها وذكرها، صغيرها وكبيرها، سنة 1313 هـجرية قاصدة مكة المكرمة لحج الكعبة المشرفة في تلك السنة، فكنت في أفرادها الصغار لم ابلغ من التمييز الصحيح، ولولا رجوعي إلى هذه البلاد مؤخرا ما كنت لأعرف شيئا فيها.
-"استقرار عائلتنا بالمدينة":
سكنت عتائلتنا أول سنة 1314 ـ بعد الحج ـ المدينة المنورة حيث كان استقرارها بها وبها قبر أبوي وعمي وعم والدي وأختي، وجل من هاجر من أفراد عائلتنا كلهم دفنوا هنالك ببقيع الغرقد رحمة الله عليهم. أما والدي فكانت وفاته ليلة الخامس من شهر شعبان 1 هـ وانا عند رأسه أجس نبض آخر عرق كان يتحرك فوق صدغه، وكان قبل موته بنحو السنة والنصف مات شقيقه الوحيد ـ عمي ـ اثناء وجود والدي بهذه الديار التي رجع إليها إذ ذاك متفقدا حال أملاكهم التي تركوها هنا، وقد أتاح الله للأخوين الشقيقين ـ أبي وعمي ـ أن يدفنا في قبر واحد ويضمهما معا ذلك الجدث كما خرجا من بطن أم واحدة، وكان مأواهما في الثرى عند قبر الإمام مالك ـ ـ وبإزاء قبر سيدنا إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
- "كفالتي وتربيتي":
وبعد وفاة والدي بقيت مع شقيقي وشقيقتي واختي للأب تحت كفالة والدتي وقد "أدبني ربي فأحس تاديبي"، وتربيت في حجر أمي يتيما غريبا لا يحوطني ولا يكفلني غير امرأة ليست بعالمة ولا صاحبة إدراك ورأي سديد، بل هي كنساء أهل هذه البلاد ولولا فضل الله علي وعنايته بي صغيرا يتيما لما كنت هديت سواء السبيل "فالحمد لله الذسي هدانا لهذا وما كنا لنهتي لولا أن هدانا الله"
- "تعلمي وقراءتي القرآن":
قرأت القرآن على أساتذة مصريين برواية ( حفص ) ثم شرعت على عهد والدتي بقراءة العلم بالحرم النبوي لا يشغلني عنه شاغل ولا يصدني عنه شيء، حيث كان أخي الأصغر مني سنا هو الذي تكلفه والدتي بقضاء ما يلزم من الضروريات المنزلية وقد ادركت سر الانقطاع لطلب العم وفهمت جيدا قول الإمام الشافعي:" لو كلفت بصلة، ما تعلمت مسألة".
بعد أن أصبحت أنا القائم بشؤوني والمتولي أمر عائلتي ونفسي، أخذت إذ ذاك من العلم بقسط شعرت معه بواجباتي الدينية والدنيوية، وما كدت أدرك معنى الحياة وأتناول الكتابة في الصحف السيارة وأنظم الشعر واتمكن من فهم فن الأدب ـ الذي هو سمير طبعي، وضمير جمعي ـ حتى فاجأتنا حوادث الدهر، ونوائب الحدثان، وجلها كان على إثر الحرب العالمية التي شتتت الشمل وفرقت الجمع، فسحقا لها سحقا، وبعدا لما أبقته من آثارها السيئة بعدا.

الهامش: 1":يقول الشيخ العقبي في الهامش:" وقريب من هذا المعنى في بيتين نظمتهما في سنة 1920 أذكرهما هنا وإن كان مذهبي اليوم غير مذهبي بالأمس، ألزم وطني مهما استطعت ذلك ووجدت إلى ذلك سبيلا ، وهذان هما البيتان:
  • إذا ما صح أن الترب اصلي ** وأن الناس من هذا الراب
  • فكل مطارح طرحتني أرضي ** وكل القاطنين من الصحاب
"كيف أبعدت عن المدينة"؟:
تناولت الكتابة في الصحف الشرقية قبل الحرب العمومية أمدا غير طويل فعدني بعض رجال تركيا الفتاة من جملة السياسيين، وأخرجوني في جملة أنصار النهضة العربية مبعدا من المدينة المنورة على إثر قيام " الشريف حسين بن علي" في وجوههم بعد الحرب إلى المنفى في أرضهم " الروم ايلي" أولا فالأناضول ثانيا، وهناك بقيت أكثر من سنتين مبعدا في جملة الرفاق عن أرض الحجاز وكل بلاد العرب، ثم انتهت الحرب الكبرى بعد الهدنة يوم 11 نوفمبر 1918 ميلادية، ونحن إذ ذاك مع عائلتنا التي التحقت بنا بعد خراب المدينة في بلدة " ازمير" ومنها كان رجوعنا معشر أهالي المدينة المنورة إلى الحجاز، وما وصلت أنا إلى مكة المكرمة حتى لقينا من لدن جلالة " الملك حسين" كل ما هو أهله من الإكرام والإجلال، وهناك عينت مديرا لجريدة " القبلة" و" المطبعة الأميرية" يجري علي من سيل انعامه وإكرامه ما لا أستطيع مجازاته عنه بطويل الشكر وعريضه.
"رجوعي إلى بلاد الجزائر":
ولما وقع من الاعتداء على أملاكنا التي لا تزال على ذمتنا ببلدة " سيدي عقبة" ولما كنت أتوقعه من عدم استتباب الأمن واستقرار الأمر في الحجاز للشريف حسين، غادرت تلك البلاد المقدسة إلى هذه البلاد الجزائرية بنية قضاء مآربي هنا وعمل ما يجب عمله في قضية أملاكنا مع المعتدي عليها، ثم الرجوع إلى الحجاز إذا رجعت المياه إلى مجاريها. وها أنا ذا الآن أسكن منذ ست سنوات بلدة بسكرة من يوم قدومي إلى هذه البلاد وهو يوم 4 مارس 1920 م ـ إلى هذا اليوم، من حيث قدومي إلى هذه الديار لم أشتغل بعمل عمومي ذي بال كما أني لم أتعاط الكتابة والنشر في الصحف لأني أعتبر نفسي منذ رجوعي من الحجاز وبعدما وقع من الحوادث المقلقة السالبة لكل أسباب الراحة ( بل المفقدة للحياة) وبعدما مر على رأسي من الليالي المزعجات ـ قد خرجت من الحياة السياسية بالكلية وبعدت عن العلم وأسبابه بعد ما بين المشرق والمغرب. ولكني منذ أشهر أبديت بواسطة صحافتنا الجديدة بعض آراء وأفكار في مسائل تخص العلم والدين فلم يرق ذلك لبعض الجامدين، وثارت ثائرة من لا يزالون يحبون الاصطياد في الماء العكر، وقام دعاتهم في وجهي يصدون الناس عن سبيل الله يبغونها عوجا، وإني لمواجه لكل صدماتهم، ومجابهتهم وجها لوجه كيفما كانوا ما دمت أعتقد أني على الحق بالرغم عن تجردي من كل عدة يعدها الخصمان. وما أنا في محاربتهم ـ والحالة هذه ـ " إلا كساع إلى الهيجا بغير سلاح" وما أجادلهم إلا بالتي هي أحسن ما دموا عن الحق غيرمعرضين. أما المنافقون منهم والمارقون الذين يرتدون عن دينهم في كل يوم مرة او مرتين فأولئك هم الذين أغلظ عليهم أحيانا وأعاملهم بما يستحقون. وما سلاحي الذي أبارزهم به إلا صبابة مما كان علق بالذهن وبقية في الوطاب من آثار التربية الإسلامية والعلم الصحيح، وهم في كل محاولاتهم " يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون" و" سيحكم الله بيني وبينهم وهو خير الحاكمين".
هذه خلاصة إجمالية في ترجمة حياتي لعلها تفي بالمراد أيها الصديق ...أما تفصيل نشاتي وتعداد أصدقائي وذكر ما وقع لي وما شاهدته في سفري وإقامتي وكل تنقلاتي إلخ فهو مما يطول شرحه، ولعلي أخصه بسفر متى استجمعت حواسي ورجعت إلى المستقر الأخير.



[عدل] نماذج من شعر "الطيب العقبي" في الفترة الحجازية


أخبر الأمير شكيب أرسلان الشيخ الطيب العقبي بولد له سماه "غالبا" رجاء أن يكون له الغلب في تلك الحرب، وقال له:" فأنا ـ والحمد لله ـ "أبو غالب" من الآن"، فضمن الشيخ الطيب العقبي هذا المعنى في قوله:
  • "أبا غالب" لا زلت في الناس غالبا ** ونجم العدى للشؤم والنحس غاربا
  • ولا زلت ترقى في المعالي بهمة ** بها تمتطي من صهوة المجد غاربا
وأرسل شكيب أرسلان إلى الشيخ الطيب العقبي رسما صغيرا ـ صورة ـ قائلا:" هذا رسم صغير أرسله لك تذكار حب وود" فكتب له الشيخ الطيب هذين البيتين على ذلك الرسم قائلا:
  • رسم صغير الحجم لكنه ** شكل "أبي غالب" الأكبر
  • ذكرني لما بدا قوله: ** " ليس على الله بمستنكر"
يشير إلى قول الشاعر القديم:
  • ليس على الله بمستنكر *** أن يجمع العالم في واحد
أما في رسمه هو ـ الطيب العقبي ـ فيقول فيه:
  • رسمي يغيض عدوي حين يبصره ** فزاده الله غيضا حيثما كانا
  • أما الصديق فلا ينفك مبتهجا ** به، فيذكرني سرا وإعلانا
ويقول الشيخ الطيب العقبي في خصومه الذين لا يأبه بهم ولا يقيم لهم وزنا في الحقيقة والواقع:
  • وإذا الزمان أراد حرا بالأذى ** تخذ اللئام لمبتغاه سلاحا
  • كم رامني بنكاية فرددته ** وبهم لقد جرح الفؤاد جراحا
ويقول في الزواج بالأميات غير المهذبات وغير المؤدبات:
  • ما حياة المرء مع زو ** ج له ، ليست أديبة
  • غير سجن أبدي ** عظمت فيه المصيبه
وتذخل شاعرنا ـ العقبي ـ في قضية شائكة بين شاعرين كبيرين قديم وحديث، القديم هو الشاعر الفيلسوف " أبو العلاء المعري " والحديث هو أمير الشعرا " أحمد شوقي". فالمعري ينعي على أبيه ويلومه انه كان سببا في ميلاده، ومجيئه إلى هذا العالم الظالم المظلم الذي لا خير فيه إلا الشقاء والأسى والحزن والمحن والأزراء، ولذلك تعهد هو ـ المعري ـ ألا يتزوج ويعيش أعزبا في الدنيا، لكي لا يكون سببا في مجيء اطفال وأبناء لهذا العالم المليء بالآفات والموبقات والمقلقات، وبقي كذلك أعزبا حتى مات، وأمر أن يكتب على قبره بعد مماته هذا البيت:
  • هذا جناه أبي علي ** وما جنيت على أحد
وشوقي لا يرى هذا الرأي بل يعاكسه ويطلب من العقلاء والحكماء أن ينصفوه فيقول شوقي:.
  • بيني وبين أبي العلاء قضية ** في العلم أسترعي لها الحكماءَ
  • هو قد رأى نعمى أبيه جناية ** وأرى الجناية من أبي نعماءَ
فتدخل شاعرنا العقبي حكما عدلا في هذه القضية بين الشاعرين فقال:
  • قد قال شوقي في الحديث مقالة ** في شعره نادى لها الحكماءَ
  • ردا على شيخ تقادم عهده ** ورآه من جهة البرور أساءَ
  • فأجبته: لو كنته لعذرته ** أو كان مثلك قوله ما جاءَ
  • فاشكر أباك فقد حييت منعما ** وأبو العلاء قضى الحياة شقاءَ
  • فلئن رأى نعمى أبيه جناية ** فلقد أصاب لما به قد باءَ
  • ولئن ترى أنت الجناية نعمة ** فالحق قولك ما نطقت هراءَ
  • كل أصاب إذا نظرت لحاله ** والله أنفذ فيكما ما شاءَ
وفي الغزل العفيف النظيف يذكر زيارة الطيف في المنام مضمنا بيت شعر لأبي الطيب وهو قوله:
  • قذفت ماء حياة من مقبلها ** لو صاب تربا لأحي دارس الرمم
فقال العقبي:
  • محبوبة سكنت قلبي وما برحت ** وذكرها بدل التسبيح ملأ فمي
  • زارت فراشي على بعد وقد غمضت ** عيني لأقنصها في هجعة الحلم
  • ومذ وضعت فمي على فمها ** ذكرت قول أبي ... في سالف القدم
  • "قذفت ماء حياة من مقبلها ** لو صاب تربا لأحي دارس الرمم"
  • وثابتِ الروح في جسمي فخلت لها ** إني بعثت بعيد الموت من عدم
  • وكيف لا وهي لو مست بريقتها ** حوت الكليم لغاض الماء في الظلم
  • ولو رأى المتنبي شمس طلعتها ** لقام من قبره يمشي على قدم
ويقول في مناسبة أخى يشير إلى سحر العيون واثر الجفون:
  • رب حوراء غضيض طرفها ** من بنات الترك تزهو بالحور
  • إن أقل: باللحظ قلبي سحرت ** قلت: سحر اللحظ أدهى وأمر
ويقول في بعض الآفات الإجتماعية كالخمر والفجور:
  • شر الورى من عاش طول حياته ** في الخمر منهمكا وفي لذاته
  • لا يرعوي عن غيه وضلاله ** وإذا انتشى فإلى الشقاء بذاته
  • أشقى ذويه ووالديه وزوجه ** وبنوه قد تعبوا وكل بناته
  • قد ضيع الدنيا وأذهب عقله ** والدين أصبح من كبار عداته
  • إن عاش فهو إلى الضلالة سائر ** أو مات كيف يكون بعد مماته؟
  • يسطو على جيرانه في سكره ** وإذا صحا لم يأمنوا عثراته
  • وكفاه من خزي مقالة قائل: ** " لا تصحب السكران في حالاته "
ويرد على بعض المناوئين له فيقول:
  • ألا إنني من خير من أنجب القطر ** أريد، ولكن لا يساعدني الدهر
  • حنيف أرجي الخير للناس كلهم ** وأهدم بالإسلام ما أسس الكفر
  • وقد حسب الجهال إني كمثلهم ** وما أنا ممن دأبه الكبر والفخر
  • وقالوا افتراءا إنني غير مسلم ** وما صدقوا في القول كلا ولا بروا
من مقال للشيخ محمد الصالح رمضان بعنوان" الطيب العقبي الأديب الشاعر" نشر بجريدة البصائر العدد 2
نشاطه الصحفي


وكان الشيخ حريصا على الكتابة في الصحف وكان يرى في العمل الصحفي الدور الأكبر في نهضة الأمة، واسمع إلى قوله في المنتقد (عدد5):« إن الجرائد في الأعصر الأخيرة هي مبدأ نهضة الشعوب ، والعامل القوي في رقيها، والحبل المتين في اتصال أفرادها، والسبب الأول في تقدمها، والصحافة هي المدرسة السيارة والواعظ البليغ، وهي الخطيب المصقع والنذير العريان لذوي الكسل والبطالة، وهي سلاح الضعيف ضد القوي، ونصرة من لا ناصر له، وهي تأخذ الحق وتعطيه، وترمي الغرض فلا تخطيه وهي المحامي القدير عن كل قضية حق وعدل».
لذلك ما إن جاء إلى الجزائر بدأ الكتابة في بعض الصحف التونسية نظرا للفراغ الذي وجده في الميدان الصحفي، ثم أسس بالاشتراك مع جماعته ببسكرة « جريدة صدى الصحراء » في 1925، ثم أسس جريدة الإصلاح عام 1927، واستمر صدورها في مدد متفرقة إلى سنة 1948.
ولما أنشأ ابن باديس جريدة المنتقد دعاه للمشاركة لبى ندائه ولم يتأخر ولما تأسست الشهاب بعدها كان العقبي من السباقين إلى تلبية دعوتها فنشر مقالاته الحارة وقصائده المثيرة التي تدور غالبا في فلك الإصلاح العقائدي، تلك المقالات التي كان توُصف بالمقالات النارية، لأنها كانت تهدم صروح ضلالات الطرقية صرحا صرحا وتكشف عن انحرافها عن الصراط المستقيم ومخالفتها جوهر الدين.

نشاطه بالعاصمة


في الوقت الذي تأسس فيه نادي الترقي في جويلية 1927، كانت شهرة العقبي قد اخترقت الآفاق فاتصل به أهل النادي ليكون مشرفا على النشاط فيه خطيبا ومدرسا ومرشدا، فقبل عرضهم وانتقل رحمه الله إلى العاصمة والتحق بنادي الترقي عام 1929، ولم يكن خافيا عليه أهمية نشر الدعوة والإصلاح في العاصمة وأثر ذلك على القطر كله، وقدرت محاضراته بهذا النادي بخمس محاضرات في الأسبوع، إضافة إلى الحلقات والندوات التي كان يعقدها من حين لآخر مع جماعة النادي والرحلات التي كان ينظمها في بعض الأحيان إلى المدن المجاورة من عمالة الجزائر.
ولم يكن نشاطه التعليمي مقتصرا على النادي بل كان يلقي دروسا في التفسير في المسجد الجديد بعد صلاة الجمعة وبعد عصر كل أحد، ومن نشاطاته في العاصمة إشرافه على مدرسة الشبيبة الإسلامية، وترأس الجمعية الخيرية الإسلامية، ودعا إلى إنشاء منظمة شباب الموحدين.

محنة الشيخ العقبي


وبعد مدة ظهرت نتائج دعوته ونشاطه حيث كثرت المدارس العربية الحرة في مدن عمالة الجزائر ، وصار تمسك الناس بالدين في العاصمة أمرا ظاهرا، فهجر الناس شرب الخمر والميسر ومواطنها، ورجع أكثرهم إلى بيوت الله بعد أن خلت منهم، وصاروا يحافظون على الصلوات وملازمين لدروس الشيخ، وتخلى كثير منهم عن خرافات وعقائد الطرقية، وتمكن العقبي بعلمه وأسلوبه وصدق لهجته من أن يجلب إليه كل طبقات المجتمع بما فيها طبقات المثقفين الثقافة الفرنسية من محامين وأطباء وغيرهم.
لقد أثارت هذه النتائج قلق المستعمرين في الجزائر وخارجها حيث أصبحوا يرونه يشكل خطرا كبيرا على كيان فرنسا حتى وصفته أحدى الجرائد الفرنسية بالنبي الجديد، فسلكوا مع الشيخ سبلا شتى بغرض إسقاطه وضرب دعوته، فكان أولها سبيل الإغراء حيث عرض عليه منصب الإفتاء فرفض آثر أن يكون عالما حرا يجهر بالحق ويصدع به في كل زمان ومكان.
ومن خططهم أن أصدروا المنشور القاضي بغلق المساجد في وجه غير الرسميين وذلك في 16 فبراير 1933، ويقول أبو القاسم سعد الله:«وفي 24منه (فبراير) إلى شهر مارس جرت مظاهرات عنيفة بالعاصمة ضد منع الشيخ العقبي من إلقاء درسه في الجامع الجديد وتدخل الحكومة في الشؤون الدينية، وقد استعملت السلطات قوات الشرطة والرماة السنيغاليين وقناصة إفريقية ضد المتظاهرين واعتقلت كثيرا منهم ، ولم تهدأ المظاهرات حتى وعدت السلطات بالسماح للعقبي باستئناف دروسه. وبعد استقالات جماعية للنواب والعاملين في المجالس المحلية في يوليو 1933 …قام السيد كارد الحاكم العام بمراجعة بعض القرارات منها إلغاء قرار والي مدينة الجزائر ضد الشيخ العقبي». فلم يكن ذلك القرار ليعيق الشيخ رحمه الله ولا ليحبطه فإنه واصل مجاهدا وداعيا حيث وجد الرجال الذين يحوطونه بمساندتهم وتشجيعهم ويقفون معه في الشدائد.
ولما انظم الشيخ إلى المؤتمر الإسلامي في 1936مع ابن باديس والإبراهيمي ولعب فيه دورا بارزا، بلغ الأمر بالنسبة إليهم منتهاه، فحيكت مؤامرة مقتل المفتي كحول لإحباط مسعى المؤتمر وإسقاط الشيخ العقبي. فدسوا له من قتله، ونفذ جريمته يوم 2أوت، وادعى أن الشيخ العقبي هو من حرضه على قتله مع صاحبه عباس التركي، فاعتقل العقبي ورفيقه وزج بهما في السجن يوم 8أوت، فاحتشدت الجماهير وتجمعت تلقائيا احتجاجا على اعتقال الشيخ وصاحبه فكادت تحدث فتنة عمياء لولا أن توجه إليها العلماء بأن يواجهوا الصدمة بالصبر والتزام الهدوء والسكينة فامتثل الناس، قال الإبراهيمي:« وكان هذا أول فشل للمكيدة ومدبريها». فقضي في السجن ستة أيام بلياليها، ثم إن الجاني تراجع عن تصريحاته بعد أن قابل الشيخ وأنكر أن تكون له علاقة به فأفرج عنه، ووضع تحت المراقبة مع إمكانية التوقيف عند الضرورة. ثم لم تفصل المحكمة في القضية إلا بعد ثلاث سنوات حيث تمت تبرئة العقبي وصاحبه نهائيا.
إن تلك المؤامرة كان لها الأثر الواضح على المؤتمر الذي انسحب بعض السياسيين منه، وأما الجمعية والشيخ العقبي فلم يؤثر فيهم ذلك بتاتا، بل كانوا يروون في هذا الحدث سببا في زيادة التفاف الناس حول الجمعية وتعاطفهم معها، وزادت من شهرتها وصداها في الجزائر وخارجها، قال ابن باديس:« ولكنها كانت في حقيقتها نعمة عظيمة لا يقوم بها الشكر». وكذلك العقبي فإنه ظل ثابتا لم يتغير ولم يضعف (كما قال دبوز)، قال الإبراهيمي:«ومن آثار هذه الحادثة على الأستاذ العقبي أنها طارت باسمه كل مطار ووسعت له دائرة الشهرة حتى فيما وراء البحار».
دوره في جمعية العلماء
مع أن فكرة الجمعية ولدت في المدينة عندما التقى ابن باديس والإبراهيمي هناك عام 1913، فإن الشيخ العقبي كان ممن مهد لها ودعا إليها عبر صفحات الجرائد، بل ربما يكون أول من فعل ذلك في أكتوبر 1925 في جريدة المنتقد ، وقد الشيخ كان ممن حضر اجتماع قسنطينة عام 1928 الذي سماه محمد خير الدين اجتماع الرواد. وحضر المجلس التأسيسي للجمعية في نادي الترقي، وانتخب ضمن أعضاء مجلسها الإداري ، وعين نائب الكاتب العام، كما كان ممثل الجمعية في عمالة الجزائر . وكذلك تولى في ظل الجمعية رئاسة تحرير جرائدها السنة فالشريعة فالصراط، ثم جريدة البصائر من عددها الأول إلى العدد 83 الصادر في 30سبتمبر 1937م .قد ترك الشيخ العقبي آثارا كثيرة مكتوبة لو تتبعت وجمعت لجاءت في مجلدات، ومن آثاره تلاميذه الذين لا يعدون كثرة، ومنهم من برز وكان من العلماء ودعاة الإصلاح كفرحات بن الدراجي (ت1951) وعمر بن البسكري (ت1968)، ومحمد العيد آل خليفة (ت1979) وأبو بكر جابر الجزائري.
بعد سنة 1953 مرض الشيخ وضعف، وكان قد أصيب بمرض السكر الذي ألزمه الفراش عام 1958 وأجبره على ترك نشاطاته. وفي مرضه هذا أوصى وصية اشتد في الإلحاح عليها، وهي لابد أنه لابد أن تشيع جنازته تشييعا سنيا بدون ذكر جهري، ولا قراءة البردة، ولا قراءة القرآن حال التجهيز أو حين الدفن وألا يؤذن بتأبينه قبل الدفن أو بعده، وتوفي الشيخ الطيب العقبي رحمه الله في 21ماي1961، وشيعت جنازته تشييعا سنيا ودفن في مقبرة ميرامار بالرايس حميدو، وكانت جنازة مهيبة حضرها حسب الجرائد في ذلك الوقت قرابة خمسة آلاف شخص.
هذا هو العقبي