المقامة العيدية
28-07-2014, 09:02 PM
بسم الله الرحمن الرحيم.
هذه " مقامة " فيها من الواقع وفيها بعض الهذيان، لدول وأنظمة هذا الزمان.
حكى قسورة قال: في عامٍ مضى، ودهرٍ ولى وانقضى، لحق بي العيد، وأنا عن أهلي بعيد، هذا بعد أخذتني عادة الأسفار، والتغرّب عن الديار، وبعد المزار .. ونتيجة عملي فلطالما تغرّبتُ، وشرّقتُ وغرّبتُ، وزرت مرابع بدو وديار حضر، وكم قطعت من بر ومن بحرٍ.
كأن الشاعر يعْنِيـني:
المرءُ في كورته ضائع** واللّيثُ في غيضته جائع.
فانهض تـرى الدنيا وتلقى المنى ** والموت لا يدفعه دافـع
و مع هذا فقد خنقتني العبرة ، وأخذتني الزفرة. حين تمثلتُ بقول الشاعر :
إذا ما ذكرت الدار فاضت مدامعي ** وصار فؤادي نهبة للهماهم.
حنينًا الى أرضٍ بها إخضرّ شاربـي ** وحلّت بها عني عقود التمائم .
وانتابني الوجوم والدهول، حتى صرت لا أعي ما أقول.
فإذا بشخصٍ صريح يتقدم مني، وبلسان فصيح يحييني
فوقفت مما أسمع ذاهلاً، وصار سحبان بياني باقلاً، وقد أخترت من الكلام الصوم ، بعد أن ألفت القوم، وعن لسانهم كنت بينهم كإبن الحمير، لولا مخاطبتهم بلغة شكسبير .
فابتدأني بالسلام وقال لي: أنا غريبٌ مثلك، وحالي كحالك . ثم بادرني مجاملاً وأنشدني قائلا:
أجارتنا إنا غريبان ههنا ** وكل غريب للغريب نسيب
ثم سرني بعذب الكلام من النثر واتبعه بمعسول الشعر.
فكفكف مدامعي والتقط مجامعي حين اسمعني :
عيد بأية حال عدت يا عيد ** بما مضى أم لأمر فيك تجديد؟
وبعد هذا بسط عنان الخطاب، وبالغ في الإطناب، وطلب الأمد في الإسهاب عن العيد .حيث قال :
إن في العيد يطرح فيها المسلمون همومهم، وينسون همومهم، فتفرح قلوبهم، وتصفو نفوسهم، وتنشرح صدورهم، وتتهلل وجوههم، وتنطلق ألسنتهم بأعذب الكلمات، وتخرج من أفواههم ألطف العبارات، وأرق التحيات، فيتغافرون، ويتعانقون.
ثم تنفس صاحبي الصعداء. وقال:
لكن، أَينَ ـ نحن مسلمي هذا الزمان ـ من هذه المعاني النبيلة، والذكريات الجليلة؟
إننا ـ إلاّ من تداركته رحمة من ربه ـ أكثر تنكر وإعراض عن تلك الذكريات، وأبعد الناس عن تلك المعاني والصفات. لأجل ذلك صرنا نعيش معيشة الحيوان البهيم، ونحيا حياة الذيل غير الكريم.
فقلت: أبيت اللعن! أنني لا أعرف ما بخاطرك يجول، ولم أفهم بعدُ ما تقول.
فنظر إليّ وعبس، حتى ما نبس.. وبعد هنيهة، زمجر و صاح:
ما الذي يمنعنا أن نكونَ كأوائلِنا أعزة على الكافرين، أذلة على المؤمنين؟
ما الذي يمنعنا أن نكون كأسلافِنا أشداء على الكفار، رحماء بالأبرار؟
منعنا من ذلك أنّنا فرطنا في حبل الله المتين، وإبتعادنا عن الدين، واستبدلنا الذي هو أدنى بالذي هو خير وأعم، وخيانتنا لله وللرسول ولأماناتنا ونحن نعلم.
أما الحديث عن العالم الإسلامي فحدث عن البحر ولا حرج، فتجد نفسك أحفظ من حمادٍ وأجمع من أبي الفرج.
أجِّل ببصرك في الأوطان والدول، يرجع إليك البصر خاسئا من الأول، لأنك لن ترى ما يسر، ولو تصاب بالعمى و العور.
ففي المغرب هوى متبع، والجزائر وتونس مايزالان كما قال الشاعر:
بتونس أمة الإسلام ظلمت** وفي الجزائر دين الله يهتضم
وليبيا هي الآن تعاني كما عانت من "معمرها" أكثر مما عانته من مخرّبها ومستعمرها.
ومصر استخفّ قومها شخص رجع بها القهقرى، وقال كأخيه، ما أريكم إلاّ ما أرى
وفلسطين صار عدوها يقبّل، وابنها بابنها يقتل، وغزة كم فيها من تشريدٍ وقتلٍ ودمارٍ، في كل حين وفي ليل ونهارٍ، والأردن قطعة أنكرها التاريخ، وأثبتتها الجغرافيا، لتكون شوكةً دامية في الرجل السّاعية، والعراق ما يزال كما وُصف "بلد الشقاق"، وعاد إلى ما وصفه به ابنه الرصافي:
وإن تسأل عمــا ** هو في بغداد كائن
فحكم مشرقي الضر** ع، غربي المـلابن
وطنـي الاسم لكن** انجليزي الشناشن.
ولبنان مسرح يمثل فيه الفُجّار ما يمليه عليهم الكبار، وتركيا رفضت أن تكون رأسًا أولاً، وفضلت أن تصير ذيلا، وسوريا يلبس فيها الحق بالباطل، فلا هي سالمت إسرائيل ولا هي تقاتل .
وإيران لها وجهان، تتحدى أمريكا في لبنان، وتهادنها في بغدان، وتستأسد في الخليج على العربان.
والسودان مزّقه الطغيان، وأوهنه العصيان.
واليمن ويا له من اليمنِ، بلقيسُها أرشد من ذي يزن.
والسعودية تُظهر الإسلام، وتستقسم بالأزلام، تحذر القريب، وتؤمن الغريب، تزخرف البيت، وتصب على النار الزيت، و باقي الخليج منظره يهيج، وأمره مريج، ألهاهُ التكاثر في الأموال، وأنساه ما ينتظره من الأهوال، يشيب لها الولدان.
أما باكستان، ومعناها أرض الأطهار، ركنت إلى الأشرار، وطاردت الأخيار، وسلّمت الأحرار. وأفغانستان أرجعها سوء عمل الإنسان إلى بداية الأزمان ..
أما أندونيسيا فقد خلقها الله جنةً للإنسان، فصارت ملعبـًا للشيطان.
وبعد حيرة ، قال في حسرة:
وليس لنا من العيد إلا مظاهرتتمثل في قنوات بالاغاني تصدح ، وأطفال بالألعاب تمرح .
ثم ودعني على أمل اللقاء، إن كان في العمر بقاء.
ثم أفاق قسورة على صوت الممرضة لتناوله الدواء، فعرف أنه كان يهذي نتيجة ذلك الداء.
متعكم الله بصحة جميعًا.
من مواضيعي
0 من ثقب الروح كانت أمنية
0 هكذا قال: فولتير
0 وأرغم المعزَّى بالانتقال إلى المعزِّي
0 هل سيصبح " خاشقجي" " البوعزيزي " آخر؟
0 والقادم أقبح وألعن .. حتى خارج " مضارب العرب"
0 قال قائلهم" السيادة خط أحمر" فجاءه الرد من الذي " يحميه"
0 هكذا قال: فولتير
0 وأرغم المعزَّى بالانتقال إلى المعزِّي
0 هل سيصبح " خاشقجي" " البوعزيزي " آخر؟
0 والقادم أقبح وألعن .. حتى خارج " مضارب العرب"
0 قال قائلهم" السيادة خط أحمر" فجاءه الرد من الذي " يحميه"
التعديل الأخير تم بواسطة علي قسورة الإبراهيمي ; 29-07-2014 الساعة 06:35 AM