بائعة البيض 3
25-04-2015, 07:39 AM
بائعة البيض 3

تابع

امرأة تتمرد ، لكن لم تدرك على من! لم تعرف العدو ! أهو المجتمع الذى تعيش فيه ؟ ام القايد وشنبيطه اللذين اعلنوا ولاءهم للإدارة الفرنسية ؟ ام هو الاستدمار ؟ لم تكن في مستوى الوعي الذي يؤهلها لتحديد وعيها الحقيقي!
تابع
اندفعت زهرة مهرولة غاضبة... جرى الاطفال خلفها بالحجارة... شقوا رأسها ، نزفت دماؤها ... لم يمنعها ذلك من حضور الحفل...تسللت الحصار المضروب حول خيام العرس... دخلت بدون تردد او حشمة... رأتها احدى الطباخات ، كان تعرف امه ! جرتها الى زاوية المطبخ ...وضعت في ثقب رأسها فلفل احمر ، شدت على الجرح بخرقة كانت تمسح الاوانى...
حجزت زهرة في المطبخ ، حذرتها الطباخة من الدخول الى بيت العروس... رفضت احدى الطباخات بقاء زهرة في المطبخ خوفا من العواقب... قدمت لها قطعة لحم وطردتها ، لكن المرأة الطيبة عرفت ان زهرة لم تتعرض لتك الجروح من اجل ان تعود دون ان تري العروس ... فاحتفظت بها الى جانبها...
بقيت زهرة تتحين فرصة الدخول الى بيت الحفل ، جاءت لترى العروسة كيف زينها اهل المدينة على زيهن ... غفل الناس عن وجود زهرة ... تسللت الى البيت الذى تموت شوقا لتراه... فرشت ارضه بالحصائر المزركشة ، علقت على جدرانه الحنابل ... غص البيت بالنساء الحضريات والأوربيات وهم في احلى الازياء وأغربها على زهرة ...لم يشعرن بوجودها ، كانوا مشغولين بالافتخار بأزيائهن الفخمة... اختارت زهرة مكانا بين العروس ومدام مسنة... ماتت العروسة خجلا... ابتعدت المدام عن زهرة مشمئزة ، فسح المجال لزهرة ، اعتدلت في جلوسها... بقيت تنظر في دهشة وغيرة الى الملابس الفاخرة والصياغة المتراكمة على الصدور... والحضور منهمك في الضحك والسخرية من اذواق القرويات... يرقصن ، يجلسن .. ضاعت زهرة بين تلك اللهجات المختلطة ، شطرها قروى وشطرها تلمسانى او فرنسي والكل مختلط باللغة الاسبانية... لم تفهم اكثر من نعم ، ولا... كان حديثهم يدور حول صياغته وأزيائهم وأثما....
الكل لم يبالى بزهرة ، ماعدا العروس والمدام بجانبها...لا الحضريات ولا الاوربيات يعترفن بزهرة وأمثالها من القرويات ، حتى لو كن من بنات الجماعة والقايد وشنبيطه ... ينفرون من ألوانهم الزاهية وأذواقهم الرديئة - فى نظرهم – ولا فرق عندهم بين أطمار زهرة وثياب زوجة القايد..... الشيء الوحيد الذي يعجبهم في القرية هو المشوى والمحمر والمسمن والثريد والملوى...وإذا كانت ملابس القرية وذوقها رديء ووسخ فان طبخهم بنين وطيب...
بقيت الفتاة غريبة مغتربة في مجتمع غابة ، مخالب سكانها و انيابهم متخفية وراء الازياء الفخمة... تنبهت مدام ارنوكس الى بائعة البيض :
-أأنت بائعة البيض ؟ هزت الفتاة رأسها بنعم!
- ألا زلت ترفضين العمل عندى في المزرعة ؟ فقط تربين الدجاج وتنظفين الاسطبل!
لم تدر زهرة ان هذا الاصطبل سوف يقضي على حياتها نهائيا...
- زهرة مترددة : مزرعتك بعيدة...
- مدام ارنوكس ملحة : كيلومتر واحد فقط ! اأعرف ان القرويات كسولات ... يفضلن الجوع على العمل...
لم تسمع زهرة كانت مشغولة فيما هو اهم عندها... لمست لباس احداهن ...التصقت خيوطه بقشور يدها.... قفزت صاحبة اللباس ، هرت:
- نحى يدك...
ثم غيرت مكانها ... تألمت زهرة في داخلها... ارسلت زفرة تشق القلوب القاسية... تمزقت امعاء اهل الدار خجلا من حضور زهرة... بلغ الخبر القائد وشنبيطه... شرعت كل يد تحك الاخرى غيظا وحسرة:
- يا للخراطة التى ابتلانا الله بها وألصقها بنا... يا للفضيحة التى اوقعتنا فيها بنت الاعمى!
حاولت النساء اخراج زهرة بحيلة او غمزة او اشارة ... زهرة لم تكن مستعدة للخروج ؟ لم يخطر لها على بال... كانت تتفلسف:
- ما جمل هذه الحي والحلل ! أصحيح كلها ذهب ؟ لن استطيع شراء قطعة منها ... حتى لو تزوجت عليا ... اه يا دنيا يا حقارة ! انا ايضا اكون جميلة لو ارتريتها !... اه لو يرانى علي بها يوما وأموت بعدها ، لا يهم ؟ ما اقسي تلك الحضرية انها تحمل الأرطال من الذهب ولا تعطينى قطعة منها ! الله يعطيك قرحة ، ولا يجعلك تفرحين بها ... من اين لها كل هذا ؟ لا شك انها سرقته!... لو كان من عند الله كما يزعمون فلماذا لا يعطنى خمسها فقط ؟ فلماذا استحق غضب الله ؟ لم ارتكب خطيئة في حياتى.... هل صحيح ما قاله ابى ان الاغنياء للنار والقراء للجنة ؟ فلماذا اعطاهم كل هذا الذهب اذا كان حقا يعذبه عليه بعدها ؟ من يقل لى ان حياتى هناك ليست اشد بؤسا مما عليه هنا ؟ اننى احسد وأغار... انا ايضا لم اصلى منذ ان ماتت امى ! سأكون معهم في النار ... حياتى نار وآخرتى نار...
- بدأ بصر الفتاة يتنقل بسرعة مدهشة من صدر الى صدر ومن ثوب الى ثوب ، تتأمل الكرافاش والياقوت... عجز عقلها الصغير عن ان يتحمل تلك الافكار السمينة .... اختل توازنها...استبد بها اليأس...سقطت في دوامة... صرخت :
- اريد حقى في هذه الدنيا ... اريد ان اعيش مثلكم ماذا ينقصنى عنكم يا قساة القلوب ...
دخل شبان اخرجوها بالقوة ... استسلمت للطرد ، راحت تجر اثواب الحقارة والدونية.... عادت الى كوخها وسذاجتها واقتناعها ، استغفرت ربها... ورضيت بفراغها ووحدتها وهواجسها... ذرفت دمعا في قلبها وجوارحها ... ضمد جراحها ... تمتمت قول ابيها:
- حرام علينا ان نطمع فيما هو ليس لنا....
نطت كالفراشة...
- الى مدام ارنوكس.... بنقودها استطيع ان اشتري ما اريد.... ساخدم مدام ارنوكس، على الاقل لا يرانى احد هناك... ستعطينى من اموالها... ساشبع بطنى وبطن ابى... سأشترى له عمامة وعباءة يقابل بها ابا علي عندما يتقدم لخطبتى... في طريقى الى المزرعة سأقابل عليا في تلك المروج دون يرانى احد... لكن المشكل هل تقبل امه بكنة خدامة عند اسبنيول؟ لا يهم ما عنيته ليس اقل مما ساعانيه وما قيل ليس اقل مما يقال....

يتبع

Zoulikha
ربنا زدنا علما وعملا بما علمتنا