تفسير سورة البروج
17-05-2014, 08:00 PM
(( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ )) (( وَالسَّمَآءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ * وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ )) البسملة آية مستقلة في الكتاب العزيز ليست من السورة التي قبلها ولا من السورة التي بعدها نقرأها في أول كل سورة إلا سورة براءة، فإن الصحابة رضي الله عنهم لم يكتبوها في هذه السورة فبقيت بدون بسملة قوله تعالى: (( والسماء ذات البروج )): الواو هذه حرف قسم يعني يقسم تعالى بالسماء، (( ذات البروج )): أي صاحبة البروج، والبروج هي: جمع برج، وهو المجموعة العظيمة من النجوم وسميت بروجاً لعلوها وارتفاعها وظهورها وبيانها، والبروج عند الفلكيين اثنا عشر برجاً جمعت في قول الناظم:
حملٌ فثور فجوزاء فسرطان *** فأســــــــدٌ سنبــلــة ميـــــزان
فعقــربٌ قــوسٌ فجـــــــــدي *** وكـذا دلو وذي آخرها الحيتان
هذه اثنا عشر برجاً، ثلاثة منها للربيع، وثلاثة للصيف، وثلاثة للخريف، وثلاثة للشتاء، فيقسم الله تعالى بذات البروج، بالسماء ذات البروج وله تعالى أن يقسم بما شاء من خلقه، أما نحن فلا نقسم إلا بالله: بأسمائه وصفاته، ولا نقسم بشيء من المخلوقات لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت )، ولقوله: ( من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك )، (( والسماء ذات البروج )): إذن ذات البروج : أي صاحبة البروج، وهو المجموعة العظيمة من النجوم،وفي السماء اثنا عشر برجاً. (( واليوم الموعود )) : اليوم الموعود هو يوم القيامة، وعد الله تعالى به وبينه في كتابه، ونصب عليه الأدلة العقلية التي تدل على أنه واقع حتماً، كما قال تعالى: (( كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنَّا كنا فاعلين )). (( وشاهد ومشهود )): ذكر العلماء، علماء التفسير في الشاهد والمشهود عدة أقوال يجمعها أن الله أقسم بكل شاهد وبكل مشهود، والشهود كثيرون منهم محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم شهيداً علينا، ومنهم نحن هذه الأمة شهداء على الناس، ومنهم أعضاء الإنسان يوم القيامة تشهد عليه بما عمل من خير وشر، ومنهم الملائكة يشهدون يوم القيامة فكل من شهد بحق فهو داخل في قوله (( وشاهد ))، وأما (( المشهود )) فهو يوم القيامة وما يعرض فيه من الأهوال العظيمة كما قال تعالى: (( ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود )) . فأقسم الله بكل شاهد وبكل مشهود. (( قتل أصحاب الأخدود )) (( قتل )) يعني أهلك، وقيل: القتل هنا بمعنى اللعن، وهو الطرد والإبعاد عن رحمة الله، و(( أصحاب الأخدود )) هم قوم كفار أحرقوا المؤمنين بالنار، وقد وردت قصص متعددة في هؤلاء القوم منها شيء في الشام، ومنها شيء في اليمن، والمقصود أن هؤلاء الكفار حاولوا بالمؤمنين أن يرتدوا عن دينهم، ولكنهم عجزوا فحفروا أخدوداً حُفراً ممدودة في الأرض كالنهر وجمعوا الحطب الكثير وأحرقوا المؤمنين بها ـ والعياذ بالله ـ ولهذا قال: (( النار ذات الوقود )) يعني أن الأخدود هي أخدود النار. (( ذات الوقود )) أي الحطب الكثير المتأجج. (( إذ هم عليها قعود )) يعني أن هؤلاء الذين حفروا الأخاديد وألقوا فيها المؤمنين كانوا ـ والعياذ بالله ـ عندهم قسوة وجبروت يرون النار تلتهم هؤلاء البشر وهم قعود عليها على الأسرة، فكهون كأن شيئاً لم يكن - والعياذ بالله-، وهذا من الجبروت أن يرى الإنسان البشر تلتهمه النار وهو جالس على سريره يتفكه بالحديث ولا يبالي. (( وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود )) يعني هم شهود على ما يفعلون بالمؤمنين أي حضور لا يغيب عنهم ما فعلوه بالمؤمنين، ولذلك استحقوا هذا الوعيد، بل استحقوا هذه العقوبة أن الله أهلكهم ولعنهم وطردهم وأبعدهم عن رحمته. (( قتل أصحاب الأخدود )) . وقفنا على قوله تعالى: (( وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد )) : أي ما أنكر هؤلاء الذين سعروا النار بأجساد هؤلاء المؤمنين إلا هذا، أي: إلا أنهم آمنوا بالله عز وجل، (( إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد )) وهذا الإنكار أحق أن ينكر؛ لأن المؤمن بالله العزيز الحميد يجب أن يساعد ويعان، وأن تسهل له الطرق، أما أن يمنع ويردع حتى يصل الحد إلى أن يحرق بالنار فلا شك أن هذا عدوان كبير، وليس هذا بمنكر عليهم، بل هم يحمدون على ذلك؛ لأنهم عبدوا من هو أهل للعبادة، وهو الله جل وعلا، الذي خلق الخلق ليقوموا بعبادته، فمن قام بهذه العبادة فقد عرف الحكمة من الخلق وأعطاها حقها. وقوله: (( إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد )) العزيز هو الغالب الذي لا يغلبه شيء، فهو سبحانه وتعالى له الغلبة والعزة على كل أحد، ولما قال المنافقون: (( لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل )) قال الله تبارك وتعالى: (( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون )) . وقوله: (( الحميد )) بمعنى المحمود فالله سبحانه وتعالى محمود على كل حال وكان من هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه إذا جاءه ما يُسر به قال: ( الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ) ، وإذا جاءه خلاف ذلك قال: ( الحمد لله على كل حال )، وهذا هو الذي ينبغي للإنسان أن يقول عند المكروه ( الحمد لله على كل حال ) أما ما نسمعه من بعض الناس يقول: " الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه " فهذا خلاف ما جاءت به السنة ، بل قل كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( الحمد لله على كل حال ) أما أن تقول: " الذي لا يحمد على مكروه سواه " فكأنك الآن تعلن أنك كاره ما قدر الله عليك، وهذا لا ينبغي، بل الواجب أن يرضى الإنسان بما قدر الله عليه مما يسوؤه أو يُسره، لأن الذي قدره عليك من؟ الله عز وجل هو ربك وأنت عبده، هو مالكك وأنت مملوك له، فإذا كان الله هو الذي قدر عليك ما تكره فلا تجزع، يجب عليك الرضا والصبر وألا تتسخط لا بقلبك ولا بلسانك ولا بجوارحك، اصبر وتحمل والأمر سيزول ودوام الحال من المحال، قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً )، فقوله جل وعلى (( الحميد )) المحمود على كل حال في سراء أو ضراء لأنه قدر السراء فهو ابتلاء وامتحان، قال الله تعالى: (( ونبلوكم بالشر والخير فتنة )). ولما رأى سليمان عرش بلقيس بين يديه قال: (( هذا من فضل ربي ليبلوني ءأشكر أم أكفر )). فأنت يا أخي إذا أصبت بالنعمة لا تأخذها على أنها نعمة فتمرح وتفرح، هي نعمة لا شك لكن اعلم أنك ممتحن بها هل تؤدي شكرها أو لا تؤدي، إن أصابتك ضراء فاصبر فإن ذلك أيضاً ابتلاء وامتحان من الله عز وجل ليبلوك هل تصبر أو لا تصبر، وإذا صبرت واحتسبت الأجر من الله فإن الله يقول: (( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب )) ويجوز أن يكون معنى قوله: (( الحميد )) أن يكون له معنىً آخر وهو الحامد، فإنه سبحانه وتعالى يحمد من يستحق الحمد، يثني على عباده من المرسلين والأنبياء والصالحين، والثناء عليهم حمدٌ لهم، فهو جل وعلا حامد، وهو كذلك محمود، وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أن الله يرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها ويشرب الشربة فيحمده عليها، لأنه لولا أن الله يسر لك هذه الأكلة والشربة ما حصلت عليها، قال الله تبارك وتعالى: (( أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون )) ؟ أجب على هذا السؤال، الله يسألنا أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون؟ وما الجواب؟ الجواب: بل أنت يا رب (( لو نشاء لجعلناه حطاماً )) بعد أن يخرج وتتعلق به النفوس يجعله الله حطاماً، ولم يقل الله عز وجل لو نشاء لم ننبته لأن كونه ينبت وتتعلق به النفس ثم يكون حطاماً أشد وقعاً على النفس من كونه لا ينبت أصلاً (( لو نشاء لجعلناه حطاماً فظلتم تفكهون . إنا لمغرمون . بل نحن محرومون )) ثم جاء للشرب فقال: (( أفرأيتم الماء الذي تشربون. أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون )) الجواب: بل أنت يا ربنا (( لو نشاء لجعلناه أجاجاً )) أي مالحاً غير عذب لا يستطيع الإنسان أن يشربه (( فلولا تشكرون )) يعني فهلا تشكرون الله على ذلك، وهنا لم يقل لو نشاء لم ننزله من المزن، لأن كونه ينزل ولكن لا يشرب لا يطاق أشد من كونه لم ينزل أصلاً فتأملوا يا أهل القرآن الكريم تجدون فيه من الأسرار والحكم الشيء الكثير.
حملٌ فثور فجوزاء فسرطان *** فأســــــــدٌ سنبــلــة ميـــــزان
فعقــربٌ قــوسٌ فجـــــــــدي *** وكـذا دلو وذي آخرها الحيتان
هذه اثنا عشر برجاً، ثلاثة منها للربيع، وثلاثة للصيف، وثلاثة للخريف، وثلاثة للشتاء، فيقسم الله تعالى بذات البروج، بالسماء ذات البروج وله تعالى أن يقسم بما شاء من خلقه، أما نحن فلا نقسم إلا بالله: بأسمائه وصفاته، ولا نقسم بشيء من المخلوقات لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت )، ولقوله: ( من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك )، (( والسماء ذات البروج )): إذن ذات البروج : أي صاحبة البروج، وهو المجموعة العظيمة من النجوم،وفي السماء اثنا عشر برجاً. (( واليوم الموعود )) : اليوم الموعود هو يوم القيامة، وعد الله تعالى به وبينه في كتابه، ونصب عليه الأدلة العقلية التي تدل على أنه واقع حتماً، كما قال تعالى: (( كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنَّا كنا فاعلين )). (( وشاهد ومشهود )): ذكر العلماء، علماء التفسير في الشاهد والمشهود عدة أقوال يجمعها أن الله أقسم بكل شاهد وبكل مشهود، والشهود كثيرون منهم محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم شهيداً علينا، ومنهم نحن هذه الأمة شهداء على الناس، ومنهم أعضاء الإنسان يوم القيامة تشهد عليه بما عمل من خير وشر، ومنهم الملائكة يشهدون يوم القيامة فكل من شهد بحق فهو داخل في قوله (( وشاهد ))، وأما (( المشهود )) فهو يوم القيامة وما يعرض فيه من الأهوال العظيمة كما قال تعالى: (( ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود )) . فأقسم الله بكل شاهد وبكل مشهود. (( قتل أصحاب الأخدود )) (( قتل )) يعني أهلك، وقيل: القتل هنا بمعنى اللعن، وهو الطرد والإبعاد عن رحمة الله، و(( أصحاب الأخدود )) هم قوم كفار أحرقوا المؤمنين بالنار، وقد وردت قصص متعددة في هؤلاء القوم منها شيء في الشام، ومنها شيء في اليمن، والمقصود أن هؤلاء الكفار حاولوا بالمؤمنين أن يرتدوا عن دينهم، ولكنهم عجزوا فحفروا أخدوداً حُفراً ممدودة في الأرض كالنهر وجمعوا الحطب الكثير وأحرقوا المؤمنين بها ـ والعياذ بالله ـ ولهذا قال: (( النار ذات الوقود )) يعني أن الأخدود هي أخدود النار. (( ذات الوقود )) أي الحطب الكثير المتأجج. (( إذ هم عليها قعود )) يعني أن هؤلاء الذين حفروا الأخاديد وألقوا فيها المؤمنين كانوا ـ والعياذ بالله ـ عندهم قسوة وجبروت يرون النار تلتهم هؤلاء البشر وهم قعود عليها على الأسرة، فكهون كأن شيئاً لم يكن - والعياذ بالله-، وهذا من الجبروت أن يرى الإنسان البشر تلتهمه النار وهو جالس على سريره يتفكه بالحديث ولا يبالي. (( وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود )) يعني هم شهود على ما يفعلون بالمؤمنين أي حضور لا يغيب عنهم ما فعلوه بالمؤمنين، ولذلك استحقوا هذا الوعيد، بل استحقوا هذه العقوبة أن الله أهلكهم ولعنهم وطردهم وأبعدهم عن رحمته. (( قتل أصحاب الأخدود )) . وقفنا على قوله تعالى: (( وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد )) : أي ما أنكر هؤلاء الذين سعروا النار بأجساد هؤلاء المؤمنين إلا هذا، أي: إلا أنهم آمنوا بالله عز وجل، (( إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد )) وهذا الإنكار أحق أن ينكر؛ لأن المؤمن بالله العزيز الحميد يجب أن يساعد ويعان، وأن تسهل له الطرق، أما أن يمنع ويردع حتى يصل الحد إلى أن يحرق بالنار فلا شك أن هذا عدوان كبير، وليس هذا بمنكر عليهم، بل هم يحمدون على ذلك؛ لأنهم عبدوا من هو أهل للعبادة، وهو الله جل وعلا، الذي خلق الخلق ليقوموا بعبادته، فمن قام بهذه العبادة فقد عرف الحكمة من الخلق وأعطاها حقها. وقوله: (( إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد )) العزيز هو الغالب الذي لا يغلبه شيء، فهو سبحانه وتعالى له الغلبة والعزة على كل أحد، ولما قال المنافقون: (( لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل )) قال الله تبارك وتعالى: (( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون )) . وقوله: (( الحميد )) بمعنى المحمود فالله سبحانه وتعالى محمود على كل حال وكان من هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه إذا جاءه ما يُسر به قال: ( الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ) ، وإذا جاءه خلاف ذلك قال: ( الحمد لله على كل حال )، وهذا هو الذي ينبغي للإنسان أن يقول عند المكروه ( الحمد لله على كل حال ) أما ما نسمعه من بعض الناس يقول: " الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه " فهذا خلاف ما جاءت به السنة ، بل قل كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( الحمد لله على كل حال ) أما أن تقول: " الذي لا يحمد على مكروه سواه " فكأنك الآن تعلن أنك كاره ما قدر الله عليك، وهذا لا ينبغي، بل الواجب أن يرضى الإنسان بما قدر الله عليه مما يسوؤه أو يُسره، لأن الذي قدره عليك من؟ الله عز وجل هو ربك وأنت عبده، هو مالكك وأنت مملوك له، فإذا كان الله هو الذي قدر عليك ما تكره فلا تجزع، يجب عليك الرضا والصبر وألا تتسخط لا بقلبك ولا بلسانك ولا بجوارحك، اصبر وتحمل والأمر سيزول ودوام الحال من المحال، قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً )، فقوله جل وعلى (( الحميد )) المحمود على كل حال في سراء أو ضراء لأنه قدر السراء فهو ابتلاء وامتحان، قال الله تعالى: (( ونبلوكم بالشر والخير فتنة )). ولما رأى سليمان عرش بلقيس بين يديه قال: (( هذا من فضل ربي ليبلوني ءأشكر أم أكفر )). فأنت يا أخي إذا أصبت بالنعمة لا تأخذها على أنها نعمة فتمرح وتفرح، هي نعمة لا شك لكن اعلم أنك ممتحن بها هل تؤدي شكرها أو لا تؤدي، إن أصابتك ضراء فاصبر فإن ذلك أيضاً ابتلاء وامتحان من الله عز وجل ليبلوك هل تصبر أو لا تصبر، وإذا صبرت واحتسبت الأجر من الله فإن الله يقول: (( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب )) ويجوز أن يكون معنى قوله: (( الحميد )) أن يكون له معنىً آخر وهو الحامد، فإنه سبحانه وتعالى يحمد من يستحق الحمد، يثني على عباده من المرسلين والأنبياء والصالحين، والثناء عليهم حمدٌ لهم، فهو جل وعلا حامد، وهو كذلك محمود، وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أن الله يرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها ويشرب الشربة فيحمده عليها، لأنه لولا أن الله يسر لك هذه الأكلة والشربة ما حصلت عليها، قال الله تبارك وتعالى: (( أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون )) ؟ أجب على هذا السؤال، الله يسألنا أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون؟ وما الجواب؟ الجواب: بل أنت يا رب (( لو نشاء لجعلناه حطاماً )) بعد أن يخرج وتتعلق به النفوس يجعله الله حطاماً، ولم يقل الله عز وجل لو نشاء لم ننبته لأن كونه ينبت وتتعلق به النفس ثم يكون حطاماً أشد وقعاً على النفس من كونه لا ينبت أصلاً (( لو نشاء لجعلناه حطاماً فظلتم تفكهون . إنا لمغرمون . بل نحن محرومون )) ثم جاء للشرب فقال: (( أفرأيتم الماء الذي تشربون. أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون )) الجواب: بل أنت يا ربنا (( لو نشاء لجعلناه أجاجاً )) أي مالحاً غير عذب لا يستطيع الإنسان أن يشربه (( فلولا تشكرون )) يعني فهلا تشكرون الله على ذلك، وهنا لم يقل لو نشاء لم ننزله من المزن، لأن كونه ينزل ولكن لا يشرب لا يطاق أشد من كونه لم ينزل أصلاً فتأملوا يا أهل القرآن الكريم تجدون فيه من الأسرار والحكم الشيء الكثير.
يتبع