تفسير سورة ويل للمطففين
28-04-2014, 06:50 PM
السلام عليكم،نواصل التفسير مع سورة المطففين الجزء الأول
فنقول أن الله ابتدأ هذه السورة بكلمة (( ويل ))، وويل تكررت في القرآن كثيراً، وهي على الأصح كلمة وعيد يتوعد الله سبحانه وتعالى بها من خالف أمره، أو ارتكب نهيه على الوجه المقيد في الجملة التي بعدها فهنا يقول عز وجل (( ويل للمطففين )) فمن هؤلاء المطففون؟ المطففين، هؤلاء المطففون فسرتهم الآيات التي بعدها فقال تعالى: (( الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون. وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون )). (( إذا اكتالوا على الناس )) أي اشتروا منهم ما يكال (( يستوفون )) استوفوا منهم الحق كاملاً بدون نقص (( وإذا كالوهم أو وزنوهم )) يعني إذا كالوا لهم أي هم الذين باعوا الطعام كيلاً، فإنهم إذا كالوا للناس أو باعوا عليهم شيئاً وزناً إذا وزنوا للناس نقصوا (( يخسرون )) فهؤلاء – والعياذ بالله – يستوفون حقهم كاملاً، وينقصون حق غيرهم، فجمعوا بين الأمرين، بين الشح والبخل، الشح: في طلب حقهم كاملاً بدون مراعاة أو مسامحة، والبخل: بمنع ما يجب عليهم من إتمام الكيل والوزن، وهذا المثال الذي ذكره الله عز وجل في الكيل والوزن هو في الحقيقة مثال، فيقاس عليه كل ما أشبه، كل من طلب حقه كاملاً ممن هو عليه ومنع الحق الذي عليه فإنه داخل في الآية الكريمة، فمثلاً الزوج يريد من زوجته أن تعطيه حقه كاملاً ولا يتهاون في شيء من حقه، لكنه عند أداء حقها يتهاون ولا يعطيها الذي لها، وما أكثر ما تشكي النساء من هذا الطراز من الأزواج ـ والعياذ بالله ـ حيث إن كثيراً من النساء يريد منها الزوج أن تقوم بحقه كاملاً، لكنه هو لا يعطيها حقها كاملاً، ربما ينقص أكثر حقها من النفقة والعشرة بالمعروف وغير ذلك، والغريب أيها الإخوة أن هذا يقع كثيراً من الناس الذين ظاهرهم الالتزام حتى إن بعض النساء تقول أنا ما اخترته، أقول لهذا الزوج: إنه لما له من السمعة الحسنة والالتزام فإذا به ينقلب ويكون أسوأ حالاً بالنسبة لزوجته من أهل الفسق ، فلا أدري عن هؤلاء الذين ظاهرهم الالتزام، هل يظنون أن الالتزام أن يقوم الإنسان بعبادة الله فقط ويضيع حقوق الخلق؟ أن يقوم بعبادة الله فقط ويضيع حقوق الناس؟ إن ظلم الناس أشد من ظلم الإنسان نفسه في حق الله؛ لأن ظلم الإنسان نفسه في حق الله تحت المشيئة إذا كان دون الشرك، إن شاء الله غفر له، وإن شاء عاقبه عليه، لكن حق الآدميين ليس داخلاً تحت المشيئة لابد أن يوفى، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( من تعدون المفلس فيكم؟ ) قالوا: من لا درهم عنده ولا دينار أو قالوا: ولا متاع، قال: ( لا، المفلس من يأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال ـ كثيرة ـ فيأتي وقد ظلم هذا، وشتم هذا، وضرب هذا، وأخذ مال هذا، فيأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، وهذا من حسناته، وهذا من حسناته فإن بقيت من حسناته شيء وإلا أخذ من سيئاتهم فطرح عليه، ثم طرح في النار )، فنصيحتي لهؤلاء الذين يفرطون في حق أزواجهم سواءً كانوا من الملتزمين أو من غيرهم أن يتقوا الله عز وجل فإن النبي صلى الله عليه وسلّم أوصى بذلك في أكبر مجمع شهده العالم الإسلامي في حياة الرسول عليه الصلاة والسلام في يوم عرفة في حجة الوداع، قال: ( اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله )، فأمرنا أن نتقي الله تعالى في النساء وقال: ( اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم ) أي بمنزلة الأسرى لأن الأسير إن شاء فكه الذي أسره وإن شاء أبقاه، والمرأة عند زوجها كذلك إن شاء طلقها وإن شاء أبقاها، فهي بمنزلة الأسير عنده فليتق الله فيها، كذلك أيضاً نجد بعض الناس يريد من أولاده أن يقوموا بحقه على التمام لكنه مفرط في حقهم، فيريد من أولاده أن يبروه ويقوموا بحقه، أن يبروه في المال، وفي البدن، وفي كل شيء يكون به البر، لكنه هو مضيع لهؤلاء الأولاد، غير قائم بما يجب عليه نحوهم، نقول هذا مطفف، كما نقول في المسألة الأولى في مسألة الزوج مع زوجته إنه إذا أراد منها أن تقوم بحقه كاملاً وهو يبخس حقها نقول إنه مطفف فهذا الأب الذي أراد من أولاده أن يبروه تمام البر وهو مقصر في حقهم نقول إنك مطفف ونقول له تذكر قول الله تعالى: (( ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون. وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون )) . ثم قال تعالى: (( ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون . ليوم عظيم )) يعني ألا يتيقن هؤلاء ويعلموا علم اليقين؛ لأن الظن هنا بمعنى اليقين، والظن بمعنى اليقين يأتي كثيراً في القرآن مثل قوله تعالى: (( الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون )) . فقال: (( الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم )) وهم متيقنون أنهم ملاقوا الله، لكن الظن يستعمل بمعنى اليقين كثيراً في اللغة العربية، وهنا يقول عز وجل: (( ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون )) ألا يتيقن هؤلاء أنهم مبعوثون أي مخرجون من قبورهم لله رب العالمين (( ليوم عظيم )) هذا اليوم عظيم ولا شك أنه عظيم كما قال تعالى: (( إن زلزلة الساعة شيء عظيم )). عظيم في طوله، في أهواله، فيما يحدث فيه، في كل معنى تحمله كلمة عظيم، لكن هذا العظيم هو على قوم عسير، وعلى قوم يسير، قال تعالى: (( على الكافرين غير يسير )). وقال تعالى: (( يقول الكافرون هذا يوم عسر )) . لكنه بالنسبة للمؤمنين ـ جعلني الله وإياكم منهم ـ يسير كأنما يؤدي به صلاة فريضة من سهولته عليه ويسره عليه، لاسيما إذا كان ممن استحق هذه الوقاية العظيمة، وكان من الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، فهذا اليوم عظيم لكنه بالنسبة للناس يكون يسيراً ويكون عسيراً . (( يوم يقوم الناس لرب العالمين )) يعني هذا اليوم العظيم هو (( يوم يقوم الناس لرب العالمين )) يقومون من قبورهم حفاة ليس لهم نعال ولا خفاف، عراة ليس عليهم ثياب لا قُمص ولا سراويل ولا أزر ولا أردية، حفاة عراة غرلاً أي غير مختونين بمعنى أن القلفة التي تقطع في الختان تعود يوم القيامة مع صاحبها كما قال الله تعالى: (( كما بدأنا أول خلق نعيده )) . ويعيده الله عز وجل لبيان كمال قدرته تعالى، وأنه يعيد الخلق كما بدأهم، والقلفة إنما قطعت في الدنيا من أجل النزاهة عن الأقذار؛ لأنها إن بقيت فإنه ينحبس فيها شيء من البول وتكون عرضة للتلويث، لكن هذا في الآخرة لا حاجة إليه؛ لأن الآخرة ليست دار تكليف بل هي دار جزاء إلا أن الله سبحانه وتعالى قد يكلف فيها امتحاناً كما قال تعالى: (( يوم يكشف عن ساق ويُدعون إلى السجود فلا يستطيعون. خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون )). المهم أن الناس يقومون على هذا الوصف حفاة، عراة، غرلاً، وفي بعض الأحاديث بُهماً قال العلماء: البهم يعني الذين لا مال معهم، ففي يوم القيامة لا مال يفتدي الإنسان نفسه من العذاب، في يوم القيامة ليس هناك ابن يجزي عن أبيه شيئاً، ولا أب يجزي عن ابنه شيئاً، ولا صاحبة ولا قبيلة كلٌّ يقول نفسي نفسي. (( لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه )) . نسأل الله تعالى أن يعيننا وإياكم على أهواله وأن ييسره علينا. قال تعالى: (( يوم يقوم الناس لرب العالمين )) وهو الله جل وعلا، وفي هذا اليوم تتلاشى جميع الأملاك إلا ملك رب العالمين جل وعلا، قال الله تعالى: (( يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيئاً. لمن الملك اليوم لله الواحد القهار. اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب )) . قول الله تعالى (( كَلاَّ إِنَّ كِتَبَ الْفُجَّارِ لَفِى سِجِّينٍ . وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ ... )) الخ .
(( كلا )) إذا وردت في القرآن لها معانٍ حسب السياق، قد تكون حرف ردع وزجر، وقد تكون بمعنى حقًّا، وقد يكون لها معانٍ أخرى يعينها السياق؛ لأن الكلمات في اللغة العربية ليس لها معنى ذاتي لا تتجاوزه، بل كثير من الكلمات العربية لها معانٍ تختلف بحسب سياق الكلام، في هذه الآية يقول: (( كلا إن كتاب الفجار لفي سجين )) فتحتمل أن تكون بمعنى حقًّا إن كتاب الفجار لفي سجين، أو تكون بمعنى: الردع عن التكذيب بيوم الدين، وعلى كل حال فبين الله تعالى في هذه الآية الكريمة إن كتاب الفجار في سجين، والسجين قال العلماء: إنه مأخوذ من السجن وهو الضيق، أي في مكان ضيق، وهذا المكان الضيق هو نار جهنم ـ والعياذ بالله ـ كما قال الله تبارك وتعالى: (( وإذا ألقوا منها مكاناً ضيقاً مقرنين دعوا هنالك ثبوراً. لا تدعوا اليوم ثبوراً واحداً وادعوا ثبوراً كثيراً )) , وجاء في حديث البراء بن عازب الطويل المشهور في قصة المحتضر وما يكون بعد الموت أن الله سبحانه وتعالى يقول: ( اكتبوا كتاب عبدي في السجين يعني ـ الكافر ـ في الأرض السابعة السفلى ) فسجين هو أسفل ما يكون من الأرض الذي هو مقر النار- نعوذ بالله منها - فهذا الكتاب في سجين، ثم عظّم الله عز وجل هذا السجين بقوله: (( وما أدراك ما سجين )) فالاستفهام هنا للتعظيم أي ما الذي أعلمك بسجين؟ وهل بحثت عنه؟ وهل سألت عنه حتى يبين لك، والتعظيم قد يكون لعظمة الشيء رفعة، وقد يكون لعظمة الشيء نزولاً، وهذا التعظيم في سجين ليس لرفعته وعلوه ولكنه لسفوله ونزوله.
فنقول أن الله ابتدأ هذه السورة بكلمة (( ويل ))، وويل تكررت في القرآن كثيراً، وهي على الأصح كلمة وعيد يتوعد الله سبحانه وتعالى بها من خالف أمره، أو ارتكب نهيه على الوجه المقيد في الجملة التي بعدها فهنا يقول عز وجل (( ويل للمطففين )) فمن هؤلاء المطففون؟ المطففين، هؤلاء المطففون فسرتهم الآيات التي بعدها فقال تعالى: (( الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون. وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون )). (( إذا اكتالوا على الناس )) أي اشتروا منهم ما يكال (( يستوفون )) استوفوا منهم الحق كاملاً بدون نقص (( وإذا كالوهم أو وزنوهم )) يعني إذا كالوا لهم أي هم الذين باعوا الطعام كيلاً، فإنهم إذا كالوا للناس أو باعوا عليهم شيئاً وزناً إذا وزنوا للناس نقصوا (( يخسرون )) فهؤلاء – والعياذ بالله – يستوفون حقهم كاملاً، وينقصون حق غيرهم، فجمعوا بين الأمرين، بين الشح والبخل، الشح: في طلب حقهم كاملاً بدون مراعاة أو مسامحة، والبخل: بمنع ما يجب عليهم من إتمام الكيل والوزن، وهذا المثال الذي ذكره الله عز وجل في الكيل والوزن هو في الحقيقة مثال، فيقاس عليه كل ما أشبه، كل من طلب حقه كاملاً ممن هو عليه ومنع الحق الذي عليه فإنه داخل في الآية الكريمة، فمثلاً الزوج يريد من زوجته أن تعطيه حقه كاملاً ولا يتهاون في شيء من حقه، لكنه عند أداء حقها يتهاون ولا يعطيها الذي لها، وما أكثر ما تشكي النساء من هذا الطراز من الأزواج ـ والعياذ بالله ـ حيث إن كثيراً من النساء يريد منها الزوج أن تقوم بحقه كاملاً، لكنه هو لا يعطيها حقها كاملاً، ربما ينقص أكثر حقها من النفقة والعشرة بالمعروف وغير ذلك، والغريب أيها الإخوة أن هذا يقع كثيراً من الناس الذين ظاهرهم الالتزام حتى إن بعض النساء تقول أنا ما اخترته، أقول لهذا الزوج: إنه لما له من السمعة الحسنة والالتزام فإذا به ينقلب ويكون أسوأ حالاً بالنسبة لزوجته من أهل الفسق ، فلا أدري عن هؤلاء الذين ظاهرهم الالتزام، هل يظنون أن الالتزام أن يقوم الإنسان بعبادة الله فقط ويضيع حقوق الخلق؟ أن يقوم بعبادة الله فقط ويضيع حقوق الناس؟ إن ظلم الناس أشد من ظلم الإنسان نفسه في حق الله؛ لأن ظلم الإنسان نفسه في حق الله تحت المشيئة إذا كان دون الشرك، إن شاء الله غفر له، وإن شاء عاقبه عليه، لكن حق الآدميين ليس داخلاً تحت المشيئة لابد أن يوفى، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( من تعدون المفلس فيكم؟ ) قالوا: من لا درهم عنده ولا دينار أو قالوا: ولا متاع، قال: ( لا، المفلس من يأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال ـ كثيرة ـ فيأتي وقد ظلم هذا، وشتم هذا، وضرب هذا، وأخذ مال هذا، فيأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، وهذا من حسناته، وهذا من حسناته فإن بقيت من حسناته شيء وإلا أخذ من سيئاتهم فطرح عليه، ثم طرح في النار )، فنصيحتي لهؤلاء الذين يفرطون في حق أزواجهم سواءً كانوا من الملتزمين أو من غيرهم أن يتقوا الله عز وجل فإن النبي صلى الله عليه وسلّم أوصى بذلك في أكبر مجمع شهده العالم الإسلامي في حياة الرسول عليه الصلاة والسلام في يوم عرفة في حجة الوداع، قال: ( اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله )، فأمرنا أن نتقي الله تعالى في النساء وقال: ( اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم ) أي بمنزلة الأسرى لأن الأسير إن شاء فكه الذي أسره وإن شاء أبقاه، والمرأة عند زوجها كذلك إن شاء طلقها وإن شاء أبقاها، فهي بمنزلة الأسير عنده فليتق الله فيها، كذلك أيضاً نجد بعض الناس يريد من أولاده أن يقوموا بحقه على التمام لكنه مفرط في حقهم، فيريد من أولاده أن يبروه ويقوموا بحقه، أن يبروه في المال، وفي البدن، وفي كل شيء يكون به البر، لكنه هو مضيع لهؤلاء الأولاد، غير قائم بما يجب عليه نحوهم، نقول هذا مطفف، كما نقول في المسألة الأولى في مسألة الزوج مع زوجته إنه إذا أراد منها أن تقوم بحقه كاملاً وهو يبخس حقها نقول إنه مطفف فهذا الأب الذي أراد من أولاده أن يبروه تمام البر وهو مقصر في حقهم نقول إنك مطفف ونقول له تذكر قول الله تعالى: (( ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون. وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون )) . ثم قال تعالى: (( ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون . ليوم عظيم )) يعني ألا يتيقن هؤلاء ويعلموا علم اليقين؛ لأن الظن هنا بمعنى اليقين، والظن بمعنى اليقين يأتي كثيراً في القرآن مثل قوله تعالى: (( الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون )) . فقال: (( الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم )) وهم متيقنون أنهم ملاقوا الله، لكن الظن يستعمل بمعنى اليقين كثيراً في اللغة العربية، وهنا يقول عز وجل: (( ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون )) ألا يتيقن هؤلاء أنهم مبعوثون أي مخرجون من قبورهم لله رب العالمين (( ليوم عظيم )) هذا اليوم عظيم ولا شك أنه عظيم كما قال تعالى: (( إن زلزلة الساعة شيء عظيم )). عظيم في طوله، في أهواله، فيما يحدث فيه، في كل معنى تحمله كلمة عظيم، لكن هذا العظيم هو على قوم عسير، وعلى قوم يسير، قال تعالى: (( على الكافرين غير يسير )). وقال تعالى: (( يقول الكافرون هذا يوم عسر )) . لكنه بالنسبة للمؤمنين ـ جعلني الله وإياكم منهم ـ يسير كأنما يؤدي به صلاة فريضة من سهولته عليه ويسره عليه، لاسيما إذا كان ممن استحق هذه الوقاية العظيمة، وكان من الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، فهذا اليوم عظيم لكنه بالنسبة للناس يكون يسيراً ويكون عسيراً . (( يوم يقوم الناس لرب العالمين )) يعني هذا اليوم العظيم هو (( يوم يقوم الناس لرب العالمين )) يقومون من قبورهم حفاة ليس لهم نعال ولا خفاف، عراة ليس عليهم ثياب لا قُمص ولا سراويل ولا أزر ولا أردية، حفاة عراة غرلاً أي غير مختونين بمعنى أن القلفة التي تقطع في الختان تعود يوم القيامة مع صاحبها كما قال الله تعالى: (( كما بدأنا أول خلق نعيده )) . ويعيده الله عز وجل لبيان كمال قدرته تعالى، وأنه يعيد الخلق كما بدأهم، والقلفة إنما قطعت في الدنيا من أجل النزاهة عن الأقذار؛ لأنها إن بقيت فإنه ينحبس فيها شيء من البول وتكون عرضة للتلويث، لكن هذا في الآخرة لا حاجة إليه؛ لأن الآخرة ليست دار تكليف بل هي دار جزاء إلا أن الله سبحانه وتعالى قد يكلف فيها امتحاناً كما قال تعالى: (( يوم يكشف عن ساق ويُدعون إلى السجود فلا يستطيعون. خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون )). المهم أن الناس يقومون على هذا الوصف حفاة، عراة، غرلاً، وفي بعض الأحاديث بُهماً قال العلماء: البهم يعني الذين لا مال معهم، ففي يوم القيامة لا مال يفتدي الإنسان نفسه من العذاب، في يوم القيامة ليس هناك ابن يجزي عن أبيه شيئاً، ولا أب يجزي عن ابنه شيئاً، ولا صاحبة ولا قبيلة كلٌّ يقول نفسي نفسي. (( لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه )) . نسأل الله تعالى أن يعيننا وإياكم على أهواله وأن ييسره علينا. قال تعالى: (( يوم يقوم الناس لرب العالمين )) وهو الله جل وعلا، وفي هذا اليوم تتلاشى جميع الأملاك إلا ملك رب العالمين جل وعلا، قال الله تعالى: (( يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيئاً. لمن الملك اليوم لله الواحد القهار. اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب )) . قول الله تعالى (( كَلاَّ إِنَّ كِتَبَ الْفُجَّارِ لَفِى سِجِّينٍ . وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ ... )) الخ .
(( كلا )) إذا وردت في القرآن لها معانٍ حسب السياق، قد تكون حرف ردع وزجر، وقد تكون بمعنى حقًّا، وقد يكون لها معانٍ أخرى يعينها السياق؛ لأن الكلمات في اللغة العربية ليس لها معنى ذاتي لا تتجاوزه، بل كثير من الكلمات العربية لها معانٍ تختلف بحسب سياق الكلام، في هذه الآية يقول: (( كلا إن كتاب الفجار لفي سجين )) فتحتمل أن تكون بمعنى حقًّا إن كتاب الفجار لفي سجين، أو تكون بمعنى: الردع عن التكذيب بيوم الدين، وعلى كل حال فبين الله تعالى في هذه الآية الكريمة إن كتاب الفجار في سجين، والسجين قال العلماء: إنه مأخوذ من السجن وهو الضيق، أي في مكان ضيق، وهذا المكان الضيق هو نار جهنم ـ والعياذ بالله ـ كما قال الله تبارك وتعالى: (( وإذا ألقوا منها مكاناً ضيقاً مقرنين دعوا هنالك ثبوراً. لا تدعوا اليوم ثبوراً واحداً وادعوا ثبوراً كثيراً )) , وجاء في حديث البراء بن عازب الطويل المشهور في قصة المحتضر وما يكون بعد الموت أن الله سبحانه وتعالى يقول: ( اكتبوا كتاب عبدي في السجين يعني ـ الكافر ـ في الأرض السابعة السفلى ) فسجين هو أسفل ما يكون من الأرض الذي هو مقر النار- نعوذ بالله منها - فهذا الكتاب في سجين، ثم عظّم الله عز وجل هذا السجين بقوله: (( وما أدراك ما سجين )) فالاستفهام هنا للتعظيم أي ما الذي أعلمك بسجين؟ وهل بحثت عنه؟ وهل سألت عنه حتى يبين لك، والتعظيم قد يكون لعظمة الشيء رفعة، وقد يكون لعظمة الشيء نزولاً، وهذا التعظيم في سجين ليس لرفعته وعلوه ولكنه لسفوله ونزوله.
يُتبع.....