رد: مقالات للكاتب والمعارض الجزائري يحي ابو زكريا
07-11-2008, 09:43 AM
الديمو أحادية الغربية
ظلّ الغرب وعلى مدى سنوات نهضته الشاملة يتباهى بشموليّة قوانينه وعدم تغيّرها تبعا لتغيّر الحكومات والأنظمة كما هو شأن الدول العربية التي لا تعرف قوانينها ثباتا وتتعرّض بإستمرار للنسخ , وكان الغربيون يعتبرون أن إستقرار قوانينهم هو السبب المباشر لتطورهم المستمّر , ومن هذه القوانين المركزيّة ما له صلّة بحقوق الإنسان واللجوء السياسي والإنساني في الغرب . وإلى وقت قريب كانت العواصم الغربية ترفض المساومة على قوانينها وخصوصا عندما كان الأمر يتعلق بإلحاح الدول العربية في المطالبة بأشخاص مطلوبين لديها بتهم متعددّة , وكانت العواصم الغربية تتذرّع بقولها أنّ الأدلة المقدمة من قبل الأجهزة الأمنية العربية واهيةّ ولا ترقى البتّة إلى مستوى الدليل القاطع , وكانت تطالب بمزيد من البراهين والأدلّة , وكانت الأنظمة العربية تقدّم ملفات إنشائيّة أبعد ما تكون عن المستند القانوني , وكثيرا ما كانت بعض العواصم الغربية تدعّي أنّ الأشخاص المشبوهين والمطلوبين وهي تطالب برؤوسهم أنّ هؤلاء ينتمون إلى الإسلام السياسي الذي يهددّ الحضارة الغربية , وأنّ أصحاب هذا الطرح فيما لو وصلوا إلى السلطة بأسلوب العنف فسوف يهددّون الغرب ويقضون على العلمانيّة الغربيّة التي هي النموذج الرائع والمتميز في نظر النخب الحاكمة الراهنة في العالم العربي . ورغم هذه المقدمة والديباجة التي تعودّت الأجهزة الأمنية العربية تقديمها لنظيراتها الغربية لم تكن كافية البتّة لإقدام الغرب على نسخ ثوابته وقوانينه والتفريط في من لاذوا به لاجئين حسب مواثيق جنيف لقضايا اللجوء التي وضعت سنة 1951 ووافقت عليها كافة الدول الغربية التي رفعت راية حقوق الإنسان و الإستماتة في الدفاع عن هذه الحقوق , والتي بموجبها تمّ تقسيم العالم إلى عالم ديموقراطي يرعى حقوق الإنسان وعالم ديكتاتوري شمولي يلاحق الإنسان في كل تفاصيل حياته المعنويّة والماديّة . وبناءا عليه وقع إنفصال كبير بين هذين العالمين وباتت السياسات تصاغ في ضوء المبادئ المذكورة . ورغم المجهودات الدوليّة المبذولة في المحافل الدوليّة ومساعي دول محور الجنوب الذي كان على الدوام يتهمّ بالإستبداد لرأب الصدع بينه وبين العالم الحرّ الليبيرالي المنافح عن حقوق الإنسان كما يزعم إلاّ أنّ أي تقارب لم يتحققّ بل إنّ الفجوة إزدادت إتساعا بين المحورين إلى أن وصلت إلى إيصال حاكم بلغراد الأسبق ميلوسوفيش إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي – هولندا - وهو محسوب على محور الديكتاتورية , فيما ظلّ أرييل شارون رئيس وزراء الدولة العبريّة طليقا رغم مجازره المتعددّه لأنّه ينتمي إلى محور الديموقراطية حسب تصنيفات المنظرّين الغربيين ,وكذلك وضه إيهود . وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وقع تقارب كبير ومدهش بين محور الديكتاتوريات ومحور الديموقراطية وبسرعة البرق تناست العواصم الغربيّة منطلقاتها وثوابتها فباتت تستقبل ملفات الأجهزة الأمنية برحابة صدر وخرجت من دائرة العمل بالبينّة إلى دائرة العمل بالشبهة , ويكفى أن يكون المشتبه فيه مقيما للصلاة متوجها للكعبة المشرفّة في صلواته الخمس قارئا للقرآن لتثبت الشبهة ويصبح المشتبه فيه تحت دائرة الضوء مجردا من الحقوق كل الحقوق التي أقرّها القانون الغربي نفسه . وكثيرا ما كان المحققون الأمنيون الغربيون يسألون المشتبه فيهم – وهذه الأسئلة إستقيتها من أشخاص مسلمين جرى فعليا التحقيق معهم في أكثر من عاصمة غربيّة – هل تؤدّي الصلاة ! هل تشرب الخمر ! ما هو مذهبك الديني ! هل أنت ملتزم بالإسلام وتؤدّي فرائضه أم أنت مسلم بالإسم ! هل أمك محجبة وزوجتك وبناتك محجبات ! ما هي الكتب التي تقرأها ! ما رأيك في هذا الشيخ وذاك الشيخ وماذا تعرف عن الخلاف الفقهي بين هذا وذاك ! وما إلى ذلك من الأسئلة التي يستشف سامعها أنّ هناك توجها جديدا يشبه إلى حدّ كبير منطق محور الديكتاتوريات في التعامل مع المشبوهين . و الأخطر من ذلك قيّام بعض العواصم الغربيّة بتجريد مسلمين حصلوا على حقّ اللجوء السياسي والإقامة الدائمة من هذا الحق ومن حقّ الإقامة الدائمة كما فعلت النرويج مع الملا كريكار الذي جرى تجريده من حقّ اللجوء السياسي والإقامة الدائمة , وطرده من النرويج علما أنّ المخابرات النرويجية لم تعثر على أي دليل يدينه غير الإلحاح الأمريكي بالمطالبة برأسه , مع الإشارة أنّ كريكار كان معتقلا في هولندا وجرت تبرئته لعدو وجود دليل مادي ملموس ضدّه . كما أنّ السلطات الأمريكية وبعد إعتقال الدكتور سامي العريان وبعض النشطاء الفلسطينيين في أمريكا أعطى وزير العدل الأمريكي لنفسه الحق في تجريد أي مسلم أو عربي من الجنسية الأمريكية و طرده خارج الأراضي الأمريكية مع أول طائرة مغادرة . كما أنّ الأجهزة الأمنية الغربية أبدت موافقتها المبدئيّة على تسليم كل المطلوبين للعواصم العربية , وقد جرى فعليّا تسليم العشرات في دجى الليل وبدون علم المنظمات الدوليّة كمنظمة العفو الدوليّة التي بادرت إلى تقديم إحتجاجات بالجملة إلى العواصم الغربية التي إنتهكت ما يعتبر مقدسّا في الغرب , كما أنّ العواصم الغربية أعطت أوامرها إلى أجهزتها الأمنية بإجراءات سحب الجنسية الغربية من بعض المشبوهين الذين كانت تطالب بهم العواصم العربية , وسحب حقّ اللجوء السياسي من كثيرين , أمّا المشبوهون طالبو اللجوء فقد جرى ترحيلهم إلى العواصم العربية التي طالبت برؤوسهم علما أنّ قوانين اللجوء تقول لا يجوز تعريض حياة طالب اللجوء للخطر , وأقصى ما يفعل فيه هو أنّ يرفض طلبه ويسأل عن وجهة الدولة التي يريد السفر إليها . إنّ التغيرّات الدوليّة أحدثت تقاربا كبيرا بين محور الديكتاتوريّة و محور الديموقراطيّة وللأسف الشديد فقد أصبح الإثنان كفكيّ مقصّ ظاهرهما مختلف وباطنهما متحّد على تمزيق الإسلام والمسلمين . و في هذا السياق يدخل القرار الذي إتخذّه الإتحاد الأوروبي بتجميد مساعداته للحكومة الفلسطينية التي تشرف عليها حركة المقاومة الإسلامية في فلسطين حماس , جاء متزامنا مع الرغبة الإسرائيلية بمحاصرة هذه الحكومة و القرار الأمريكي بعدم التعامل معها نهائيا . وقد إتخذّ القرار الأوروبي بعد سلسلة من الإتصالات الواسعة بين كل من واشنطن و تل أبيب وعواصم القرار في الغرب التي توافقت على ضرورة وأد تجربة حماس في مهدها خصوصا و أنها ترفض التخلي عن ثوابتها والتي على رأسها عدم الإعتراف بشرعية إسرائيل . و على الرغم من أنّ العديد من الخبراء الأوروبيين قد أشاروا إلى أنّ محاصرة الحكومة الفلسطينية قد يشرعن العنف ويعيده إلى الواجهة بإعتبار أنّ الغرب هو الذي أسقط الحل السياسي ورفض التعامل مع قوة سياسية أفرزتها صناديق الإقتراع الشعبي التي كانت أوروبا تراقبه على الأرض الفلسطينية إلاّ أنّ مثل هذا التحذير الذي أطلقه هؤلاء الخبراء لم يثن صنّاع القرار في الغرب من تبنّي المشروع الأمريكي الإسرائيلي القاضي مبدئيا بالإجهاز على حكومة حماس الفلسطينية سياسيا وإقتصاديا و ديبلوماسيا . وقد فهمت معظم الدول هذه الرغبة الأمريكية فقررت النأي بنفسها عن التعاطي مع الحكومة الفلسطينية . وإذا كان القرار الأمريكي و الإسرائيلي لمقاطعة الحكومة الفلسطينية واضحا فإنّ القرار الأوروبي يبدو مستهجنا بتعبير بعض الخبراء الذين أخذوا على دولهم الإنصياع الكامل للرغبات الأمريكية الإسرائيلية و معاقبة الشعب الفلسطيني على خياراته السياسية , و حسب هؤلاء الخبراء فإنّ قرار الحصار ليس بسبب موقف حركة حماس من إسرائيل وعدم الإعتراف بها و بشرعيتها , بل يكمن السبب الرئيس أيضا في اللون السياسي لحركة حماس و العنوان العام لهذه الحركة وهو المشروع الإسلامي والذي تنظر إليه أوروبا بكثير من القلق والريبة وتعمل على محاصرته في الجغرافيا الغربية و حتى في العالم العربي والإسلامي حيث تلجأ عواصم القرار في الغرب إلى دعم البدائل العلمانية اللائكية التي تلتقي طروحاتها مع طروحات الغرب . وفي نظر الغربيين فإنّ تنامي حركة حماس في فلسطين و نجاح مشروعها السياسي قد يعيد الحيوية إلى مشاريع الإسلام السياسي في الشرق الأوسط والعالم العربي , و في هذا السيّاق يشار إلى أنّ الإعلام الغربي والذي يخضع لتوجيهات مالكيه الذين أغلبهم من اليهود لعب دورا كبيرا في تضخيم صورة المشهد السياسي الفلسطيني بعد إنتصار حركة حماس في الإنتخابات التشريعية , بل إنّ دور النشر الغربية نشرت مئات الكتب والدراسات التي تشير إلى صعود الإسلام المتطرف من قبيل كتاب فرصة الغرب الأخيرة , هل سنربح صراع الحضارات والذي ألفّه توني بلنكي الصحفي في جريدة الواشنطن تايمز وفي كتابه يرسم المؤلف صورة لأوروبا ينتصر فيها الإسلام المتطرّف والذي يعتبره أخطر على أوروبا من النازية , و يحذّر الكاتب أوروبا من أنّها ستصبح قاعدة للإرهاب الأصولي المرتقب والذي بدأت ملامحه تتكوّن في أكثر من مشهد أوروبي . ويعيد بعض الخبراء الأوروبيين الموضوعيين إلى الأذهان موقف أوروبا من إنتصار الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر و حزب الرفاه في تركيا و بعض التيارت الإسلامية في المغرب , ومثلما أجهضت عواصم الغرب بعض هذه التجارب بطرق مباشرة وغير مباشرة فإنّها تعمل على محاصرة حماس وبالتالي كما يقول هؤلاء الخبراء فإنّ أوروبا بوعي أو بدون وعيّ تريد إرجاع حماس إلى الخيار العسكري والعمليات الإستشهادية بدل التعاطي معها سياسيا و الإستفادة من الهدنة الطويلة الأمد التي أعلنتها . ويضيف بعض هؤلاء الخبراء بأنّ الأولى بأوروبا أن تدعم حماس لأنّه ومنذ إنتصارها في الإنتخابات أوقفت عملياتها الإنتحارية ضد المدنيين وحتى ضدّ الجيش الإسرائيلي , وبدل أن تستغل أوروبا حسن النوايا هذا فإنّها فضلّت أن تركب الموجة الإسرائيلية والأمريكية مختارة خيار الإستئصال الذي يفضي دوما إلى مراكمة المواجهات على خيار الحل السياسي المطلوب جدا في الحالة الفلسطينية . و للإشارة فإنّ أوروبا التي إستاءت إلى أبعد مدى من إنتصار حركة حماس لم تكن تتوقع فوزا ساحقا لحركة حماس حيث كانت بعض الدراسات تشير إلى إحتمال فوزها جزئيا في الإنتخابات الأمر الذي قد يؤدي حسب التخمين الأوروبي إلى إقحامها في المعادلة السياسية الفلسطينية ولا أحد كان يتوقع في الغرب أن تصبح هي المعادلة في فلسطين المحتلة . و غير إحتمال تنامي المد الإسلامي في فلسطين والعالم العربي فإنّ أوروبا تنظر بكثير من القلق إلى علاقة حركة حماس بحزب الله اللبناني و إيران التي أعلنت إنضمامها إلى النادي النووي حيث تشبّه بعض الصحف الأوروبية الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بهتلر جديد . وبعبارة أوضح فإنّ أوروبا تعتبر أنّ مشروع حركة حماس وتوجهاتها السياسية لا ينسجم بتاتا مع النظرة الأوروبية لمجريات الأمور في الشرق الأوسط و ليس في وارد أوروبا أن تدعم مشروعا إسلاميا في فلسطين حتى لو كان هذا المشروع منبثق من الأغلبية الشعبية , بالإضافة إلى ذلك فإنّ أوروبا لا تريد أن تبتعد في رؤيتها عن تل أبيب وواشنطن خصوصا بعد التحالف الدولي ضدّ التيارات الإسلامية التي تحمل مشروعا مغايرا لليبيرالية الغربية
يحي ابو زكريا