الْفَرْقُ الْوَاضِح بَيْنَ الرُّوَيْبِضَةِ وَ الْفَاهِمِِ النَّاصِح
09-04-2009, 08:53 PM
الحمد لله وكفى و الصلاة و السلام على النبي المصطفى وبعد،
معاصي اللسان فاكهة الإنسان، كالنميمة والغيبة والكذب والمراء والثناء على النفس تعريضا وتصريحا، وحكاية كلام الناس، والطعن على من يبغضه، ومدح من يحبه ونحو ذلك، فتتفق قوة الداعي، وتيسر حركة اللسان فيضعف الصبر، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم لمعاذ: "امسك عليك لسانك" فقال: "وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به"، فقال صلى الله عليه وسلم: "وهل يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم"، ولا سيما إذا صارت المعاصي اللسانية معتادة للعبد، فإنه يعز عليه الصبر عنها، ولهذا تجد الرجل يقوم الليل ويصوم النهار ويتورع من استناده إلى وسادة حرير لحظة واحدة، ويطلق لسانه في الغيبة والنميمة والمفكه ! في أعراض الخلق، وربما رخص أهل الصلاح والعلم بالله والدين والقول على الله ما لا يعلم، وكثير ممن تجده يتورع عن الدقائق من الحرام والقطرة من الخمر، ومثل رأس الإبرة من النجاسة، ولا يبالى بارتكاب الفرج الحرام، كما يحكى أن رجلا خلا بامرأة أجنبية فلما أراد مواقعتها قال: يا هذه غطى وجهك فإن النظر إلى وجه الأجنبية حرام، وقد سأل رجل عبد الله بن عمر عن دم البعوض فقال: انظروا إلى هؤلاء يسألوني عن دم البعوض وقد قتلوا ابن بنت رسول الله!.
واتفق لي قريب من هذه الحكاية كنت في حال الإحرام فأتاني قوم من الأعراب المعروفين بقتل النفوس والإغارة على الأموال يسألوني عن قتل المحرم القمل فقلت: يا عجبا لقوم لا يتورعون عن قتل النفس التي حرم الله قتلها ويسألون عن قتل القملة في الإحرام!.
والمقصود أن اختلاف شدة الصبر في أنواع المعاصي وآحادها يكون باختلاف داعيه إلى تلك المعصية في قوتها وضعفها." عدة الصابرين"لابن القيم{ص:71}
و لأنك قد تجد من يصوم النهار ويأكل الحرام ويقوم الليل ويشهد الزور، ولا تجد من صان لسانه إلا وقد اجتمع فيه البر جله كما قال يونس بن عبيد.
ولم أجد للمسلم زاجرا مطاعا عن الخوض في أعراض الناس كقول القائل:"ليحجزك عن الناس ما تعرف من نفسك"[1]،ذلك انه لا يتكلم في الناس إلا من غفل عن نفسه ورضي عنها، و قوله صلى الله عليه و سلم:"اتبع السيئة الحسنة تمحوها"[2] يخبرنا أن وقوع السيئات من الإنسان كأنه حتم، ولما كانت السيئات كالبول لا مطهر له إلا بصب الماء الكثير عليه كانت إزالة السيئة بتذويبها وتمييعها في الحسنات الكثيرة.
فلمَ لا يحجز بعض الناس عن أعراض المسلمين ما يعرفونه من أنفسهم، ولم يطلع عليه إلا الله من الهفوات و السقطات و الذنوب التي ربما تصل إلى الكبائر وغير ذلك، لأنه عندما تفسد فطرة الإنسان يتلذذ بما يضره في عاجلته و آخرته،قال الله تعالى:{نسوا الله فنسيهم} فكان جزاء ذلك {نسوا الله فأنساهم أنفسهم}، و نسيان النفس هو أن ينسى الإنسان ما فطره الله عليه من حب الخير وبغض الشر من الاطمئنان إلى المعروف والتوجس من المنكر،من حب الطيبات وبغض الخبائث، فإذا نسي نفسه اقبل على ما يضره حتى إنك تجد الطبيب البارع يشرب الخمر و السجائر ويفعل ما يعلم يقينا انه يضره،وتجد الرجل يتلذذ بالزنا ما لا يتلذذ بالحلال، و تجد من يتلذذ بالطرب ما لا يتلذذ به من القرآن،لأنه إذا فسدت فطرت الإنسان نسي نفسه.
قال ابن تيمية في " المجموع"{321/3}:" وقوله { ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم } يقتضي أن نسيان الله كان سببا لنسيانهم أنفسهم، وإنهم لما نسوا الله عاقبهم بأن أنساهم أنفسهم ، ونسيانهم أنفسهم يتضمن إعراضهم وغفلتهم وعدم معرفتهم بما كانوا عارفين به قبل ذلك من حال أنفسهم، كما أنه يقتضي تركهم لمصالح أنفسهم ، فهو يقتضي أنهم لا يذكرون أنفسهم ذكرا ينفعها ويصلحها، وأنهم لو ذكروا الله لذكروا أنفسهم ".
ولهذا قال الله تعالى عن المنافقين { إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة } أي إذا أصاب المسلمين مكروه أو وقعت فيهم فاحشة وافق ذلك ما في أنفسهم من الحنق و الغيض، فتسكن له أنفسهم، وتتلذذ به ،قال ابن تيمية في تفسيرها :" وهذا ذم لمن يحب ذلك وذلك يكون بالقلب فقط ويكون مع ذلك باللسان والجوارح وهو ذم لمن يتكلم بالفاحشة أو يخبر بها محبة لوقوعها في المؤمنين : إما حسدا أو بغضا وإما محبة للفاحشة وإرادة لها وكلاهما محبة للفاحشة وبغضا للذين آمنوا فكل من أحب فعلها ذكرها".{319/3}.
وهذا مبدأ قرره القرآن، وهو يكشف لنا طبيعة النفس البشرية عندما قال:{ إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين }، ولذلك يتسلى الناس عن مصائبهم بالقصص التي تروي شبيهها،فالفجار يتسلون بقصص الفجار مثلهم قال الله تعالى:{ ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا } قيل : أراد الغناء وقيل أراد قصص الملوك من الكفار من الفرس و الصالحون يتسلون بقصص الصالحين كما قال تعالى :{ وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك} ،وقال تعالى : { ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا } ،و قال: { لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب }، وقال : { ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك }،وقال : { فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم } أولئك يطلبون الاغترار بهم، وهؤلاء يطلبون الاقتداء بهم .
وهذا التفصيل لحقيقة النفس وسطوة القوة الغضبية عليها، وحبها المتطرف أن توافق حتى تجد النساء يتعصبن للنساء، و العميان للعميان،وكل صاحب صناعة يتعصب لأصحابه، يفسر لنا قاعدة المحدثين في الشهادة على العدو متى تقبل و متى ترد؟
فلما فتش المحدثون عن ضابط واضح يتعاملون به مع شهادة الناس على أعدائهم وخصومهم قبولا وردا، لم يجدوا أمثل من كون الشاهد يحزن لفرح عدوه ويفرح لحزنه.
و لما كانت العداوة أمرا واقعا بين الناس، لا يخلو منه إلا النادر منهم، ولا يتسنى إسقاط العدالة لمجرد العداوة، و الحاجة قائمة إليها خاصة في الأمور الدينية بسبب اختلاف المذهب، وجدوا أن فرح الشاهد و المخبر بمصائب عدوه، و الحزن بما يفرحه حد معقول مسقط للعدالة حتما، ولكنهم وجدوا في الوقت نفسه أن الإنسان قد يفرح بمصائب عدوه وخصمه من جهة انه يحزن عدوه، فوجدوا أنه ما لم يغلب حزنه فرحه فليس بعدل، خاصة إذا كان يفرح إذا خالف عدوه الدين و الصواب، ويحزن إذا وافق الدين و الصواب.
ومعلوم أن الرواية لا ترد بالعداوة، ولكن العداوة تخبر أحيانا عن عدم العدالة إذا بلغت حد الفرح لحزنه، و الحزن لفرحه.
وقد نص الشافعي أن العصبية" النسب" تسقط العدالة بشرطها، فإذا بلغت العصبية أو العداوة إسقاط العدالة لم تقبل شهادة ولا رواية، كمن يسرف في بغض الكفار و الحنق عليهم فيتعدى على أهل الذمة و الأمان فإنه يعاقب.
و عليه فإن العداوة خاصة تلك التي يشكو منها أكثر المسلمين من فئة معينة ديدنها تلقف الشبهات و تتبع العورات حتى لو هرّ فيك قط لعدوه جارحا مقبولا، تقتضي التروي و التثبت.
روى الإمام مسلم في صحيحه وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال:"اللهم إنما محمد بشر يغضب كما يغضب البشر و إني قد اتخذت عندك عهدا لم تخلفنيه،فأيما مؤمن آذيته أو سببته أو جلدته فاجعلها له كفارة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة"
ومعلوم أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يكن سبابا ولا شتاما ولا لعانا، ولا كان الغضب يخرجه عن الحق،فإنه قال كما صح عنه الحديث :" اكتب ، فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا الحق"، فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم من طباع أكثر الناس أن احدهم إذا غضب جرى على لسانه السب و الشتم و اللعن و الطعن ما لو سئل عنه بعد سكون غضبه لقال: لم اقصد ذلك، و لكن سبقني لساني أو لم اقصد حقيقته، فأراد النبي صلى الله عليه و سلم أن ينبه أمته على هذا الأصل ليستقر في أذهانهم، فلا يحملوا ما يصدر عن الناس من ذلك حال الغضب على ظاهره جزما.
وكان حذيفة بن اليمان ربما يذكر بعض ما اتفق من كلمات النبي صلى الله عليه و سلم عند غضبه، فأنكر سلمان الفارسي ذلك على حذيفة رضي الله عنهما، و ذكر هذا الحديث.
وسئل الصحابي أبو الطفيل عامر بن وائلة عن شيء من ذلك فأراد أن يخبر وكانت امرأته تسمع فذكرته بهذا الحديث فكف.انظر" التنكيل" للمعلمي قسم القواعد.
فكذلك ينبغي لأهل العلم أن لا ينقلوا كلمات العلماء بله الجهال و المجاهيل عند الغضب، و أن يراعوا فيما نقل منها هذا الأصل:"قدح الساخط ومدح المحب".
ومعلوم أن كلام العلماء يخرج إما على سبيل الحكم أو على سبيل قدح الساخط ومدح المحب،ولو فرض أن العالم قصد عند غضبه الحكم لكان ينبغي أن لا يعتد بذلك الحكم، ففي الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا يقضين حكم بين اثنين وهو غضبان".
و الحكم في أهل العلم و الرواة يحتاج إلى نظر و تدبر و تثبت أشد مما يحتاج إليه الحكم في كثير من الخصومات، فقد تكون الخصومة في مئة دينار فلا يخشى من الحكم فيها عند الغضب إلا تفويت مئة دينار، و أما الحكم على العالم و الراوي فيخشى منه تفويت علم كثير، ولو لم يكن غلا حديثا واحدا لكان عند الله عظيما.
ومما يخرج مخرج الذم لا مخرج الحكم ما يقصد به الموعظة و النصيحة،ولكن يأتي فيه بعبارة خشنة موحشة، ككلمات الثوري في الحسن بن صالح بن حي[3]، وقد يكون أمرا مذموما، ولكن صاحبه معذور، ولكن الناصح يحب لصاحبه أن يعاود النظر أو يحتال أو يخفي ذاك الأمر، ومن هذا القبيل كلمات التنفير.
وهي كلمات يطلقها أهل العلم و الفضل إذا رأوا جماعة اتبعوا بعض الأفاضل في أمر يرون انه ليس لهم اتباعه فيه، إما لان حالهم غير حاله، و إما لأنهم يرونه أخطأ أطلقوا كلمات يظهر منها الغض من ذاك الفاضل لكي يكف الناس عن الغلو فيه الحامل لهم على اتباعه فيما ليس لهم أن يتبعوه فيه، فمن هذا ما في " المستدرك"{2/329} عن خيثمة قال: كان سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في نفر فذكروا عليا فشتموه فقال سعد: مهلا عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم ... فقال بعضهم: فو الله انه كان يبغضك و يسميك الأخنس، فضحك سعد حتى استعلاه الضحك ثم قال: أليس قد يجد المرء على أخيه في الأمر يكون بينه و بينه ثم لا تبلغ ذلك أمانته" قال الحاكم:صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.
و السبب و الله اعلم أن سعدا كان قد قعد عن قتال البغاة، فكان علي إذا كان في جماعة يخشى أن يتبعوا سعدا في القعود ربما أطلق غير كاذب كلمات توهم الغض من سعد، و إذا كان مع من لا يخشى منه القعود ذكر فضله كما في الصحيحين انه قال:" ما سمعت النبي صلى الله عليه و آله و سلم جمع أبويه إلا لسعد بن مالك فإني سمعته يقول يوم أحد:يا سعد ارم فداك أبي و أمي".
ومثله ما يقع في كلام الشافعي في بعض المسائل التي يخالف فيها مالكا من إطلاق كلمات فيها غض من مالك ، لأنه تأذى ببعض المالكية في مصر، مع أنه هو القائل:" مالك حجة الله على خلقه بعد التابعين".
ومنه ما تراه في كلام مسلم في مقدمة صحيحه[4] مما يظهر منه الغض الشديد من مخالفه في مسألة اشتراط اللقاء وعدم الاكتفاء بالمعاصرة و المخالف له هو شيخه البخاري، وقد عرف عن مسلم تبجيله للبخاري.
و أحيانا عندما نتدبر كلمات التنفير نجد لها مخارج مقبولة، و إن كان ظاهرها التشنيع الشديد، ففي ترجمة الحسن بن صالح بن حي من " تهذيب التهذيب" كلمات قاسية أطلقها بعض الأئمة فيه مع ما عرف من فضله.
وبهذا يتبين أن الأئمة ـ انتبه أقول الأئمة لا المجاهيل ـ غير معصومين من الخطأ و الغلط، فمن بذل وسعه في تحري الحق فهو مأجور إن أصاب، ومعذور إن اخطأ ، ولا سبيل إلى القطع بأنه لم يقع منهم في بعض الكلام تقصير يؤاخذون عليه،أو تقصير في زجر أتباعهم عن الغلو في تقليدهم."التنكيل"قسم القواعد.
والحاصل أن أكثر الناس مغرَون بتقليد من يعظم في نفوسهم، و الغلو فيه، حتى لو قلت لهم: إنه غير معصوم من الخطا، و الدليل قائم على تخطئته، ولا يحل لكم أن تتبعوه على ما أخطا فيه ، قالوا:هو اعلم منك بالدليل، و أنت أولى بالخطأ منه، و الظاهر انه يعرف ما يدفع دليلكم و إن لم يبديه!
فإن جئتهم بالأخرى و أظهرت الثناء عليه تأليفا لقلوبهم كانوا اشد غلوا فيه،اخرج البخاري في صحيحه أن عمار بن ياسر رضي الله عنه خطب يوم الجمل ليكف الناس عن الخروج مع أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فقال:" و الله إنها لزوجة نبيكم صلى الله عليه و سلم في الدنيا و الآخرة، ولكن الله تبارك و تعالى ابتلاكم ليعلم إياه تطيعون أم هي؟"، فلم يؤثر في أكثرهم، وروي أن احدهم أجابه :" فنحن مع من شهدت له بالجنة يا عمار"!
و أما ما يؤخذ عليه بعض العلماء هو أنهم يتسمحون في جرح مخالفهم في العلم خاصة الذي يرد عليهم، فيستندون إلى ما لو أرادوا الحكم لم يستندوا إليه كحكاية منقطعة ، وخبر من لا يعد خبره حجة، إما لجهالته أوعدم عدالته أو عدم فقهه فيأخذون بقرائن لا تصلح، ولا تكفي لبناء الحكم.
وقد قال إياس بن معاوية التابعي المشهور بالعقل و الفطنة و الذكاء:"لا تنظر إلى عمل العالم ولكن سله يصدقك" و ليس ذلك انه قد يعمل ما ينافي العدالة، و لكن قد يكون له عذر خفي كما قال مالك : لما سئل عن تركه الجمعة ليس كل أحد يبوح بعذره، و قد يترخص فيما لا ينافي العدالة، وقد لا يتحفظ و يتثبت كما يتحفظ و يتثبت في العلم و الفتوى و الحكم.
و أكثر الناس خاصة في هذا العصر يحاكم غيره بمذهبه هو،لا بمذهب المحكوم عليه،فإن رأى مثلا أن لبس البنطال بدعة و ليس هو مذهب المحكوم عليه رماه بالبدعة، وقس ذلك على سائر الأشياء.
و بعضهم جاهل لا يعرف اختلاف العلماء، و يرى أن مذهب شيخه هو الكتاب و السنة بالمطابقة، و في الحقيقة مذهبه ما هو إلا اختيارات بعض الرجال مرجوحة في كثير من الأحيان.
هذا و العارف المتثبت المتحري للحق لا يخفى عليه ما يعد من هذا الضرب مما هو قادح في المتكلم، لا في المتكلم فيه.
أما ما يصدر عن العلماء ـ لا المجاهيل ـ على وجه الحكم فهذا إنما يخشى فيه الخطأ، و العلماء متفاوتون فيه لان غالب الأحكام ، إنما تبنى على غلبة الظن و الظن قد يخطئ، و الظنون تتفاوت، و الظن المعتد به في العلم ما كان له ضابط شرعي كخبر الثقة، وهو المستجمع للعدالة و الضبط ، و الكذب من خوارم العدالة نبحثه لاحقا.
و من الضوابط أن تطمئن إليه نفس العارف المتوقي المتثبت بحيث يجزم بالإخبار بمقتضاه طيب النفس منشرح الصدر، فمن الناس من يغتر بالظن الضعيف فيجزم وهذا هو الذي يطعن أئمة الحديث في حفظه و ضبطه و يقولون :"يحدث على التوهم"
و حفاظ الحديث كانوا أبلغ تحريا في هذا الباب، لأنهم يعلمون أن الحجة تقوم بالجزم، فكانوا يجزمون فيما لا يرون للشك فيه مدخلا، ويقفون عن الجزم لأدنى احتمال، سأل شعبة أيوب السختياني عن حديث فقال: أشك فيه، فقال شعبة: شكك أحب إلي من يقين غيرك،و قال النضر بن شميل عن شعبة : لان اسمع من ابن عون حديثا يقول فيه: أظن أني سمعته " أحب إلي من أن اسمع من ثقة غيره يقول:قد سمعت.
يوضح هذا الأمر فيما نحن فيه، انه قد يسبق إلى نفس الإنسان أمر يكون ضعيفا عنده، ثم يطلع على ما يحتمل موافقة ما في نفسه أو مخالفته، فإذا كانت نفسه تهوى أن يضر بذاك الشخص أو لا يحب له التوفيق أو يحنق عليه لأنه كشف أخطاء شيخه، تميل نفسه إلى تصديق ذلك، لان سطوة الحب و البغض على النفس قوية جدا، لا يكاد ينجو منها إلا القليل من الناس، ولذلك قال أهل العلم يجب التفريق بين اعتقاد الرجحان الذي هو من الظن، و بين رجحان الاعتقاد الذي هو علم.
ومعلوم أن العقل لا يفكر وهو متجرد عن النفس و ميولاتها، حتى انك تجد أذكى الناس و أعقلهم على مذهب باطل أو على الكفر، لان الأمر لا يرجع إلى عقله بل إلى نفسه، و قد استحكم بغض المخالف في نفسه، كما استحكم حب طائفته و أصحابه في نفسه كذلك .
و يصعب على كثير من الناس التفريق بين حكم عقولهم وحكم نفوسهم، فالنفس قد تكون هي الشاهد و هي الحاكم، و لذلك يحكم بعضهم بأحكام ما لو فحصتها وجدتها أحكاما عاطفية، ليست أحكاما علمية ،و الفرق بين المعرفة العامية و المعرفة العلمية أن الأولى تقوم على التقليد، و الثانية تقوم على الدليل الدال الذي من شرطه أن يكون مساويا للمدلول أو اخص منه، بينهما التلازم.
و كتب الجرح و التعديل مملوءة بالأمثلة على خطا الجهابذة في الجرح و التعديل وما ذلك إلا لان الخطأ وارد عليهم، ولا معصوم إلا الرسول صلى الله عليه و سلم
يعلم الإخوة الأفاضل منزلة النسائي في علم الحديث، خاصة في علم التراجم و الجرح و التعديل، فقد قال المحدثون انه كان أشد من مسلم، ومع ذلك جرح الإمام الفاضل احمد بن صالح ، فقال ابن الصلاح في المقدمة: قلت: النسائي إمام حجة في الجرح و التعديل، و إذا نسب مثله إلى مثل هذا كان وجهه أن عين السخط تبدي مساوي لها في الباطن مخارج صحيحة تعمى عنها بحجاب السخط لا أن ذلك يقع من مثله تعمدا لقدح يعلم بطلانه"
وهذا حق واضح إذ لو حمل على التعمد سقطت عدالة الجارح و الافتراض انه ثابت العدالة.
قال الحافظ في " تهذيب التهذيب"{1/25}:"وممن ينبغي أن يتوقف في قبول قوله في الجرح من كان بينه و بين من جرحه عداوة سببها الاختلاف في الاعتقاد..... و يلتحق بذلك ما يكون سببه المنافسة في المراتب فكثيرا ما يقع بين العصريين الاختلاف و التباين وغيره فكل هذا ينبغي أن يتأنى فيه و يتأمل".
ومن الأمثلة على ذلك ما أورده في "لسان الميزان"{193/1}في ترجمة الحسن بن علي بن شبيب المعمري:" قال الحاكم: أخبرنا الدارقطني قال: الحسن بن علي بن شبيب المعمري عندي صدوق حافظ وأما موسى بن هارون فجرحه وكانت بينهما عداوة وكان أنكر عليه أحاديث ما أخرج أصوله العتق بها ثم ترك روايتها منها".
كذلك حرملة بن يحي التجيبي صاحب الشافعي كان رفيقا لأحمد بن صالح حمل عليه بسبب العداوة بينهما"طبقات الحفاظ" للسيوطي{1/33}.
وفي ترجمة عبد الله بن صالح كاتب الليث بن سعد من كتاب"المجروحين " لابن حبان{2/40} انه أفسد حديثه بسبب جار سوء كان يضع عليه الحديث:" سمعت ابن خزيمة يقول: كان له جار بينه وبينه عداوة فكان يضع الحديث على شيخ عبد الله بن صالح ويكتب في قرطاس بخط يشبه خط عبد الله بن صالح ويطرح في داره في وسط كتبه، فيجده عبد الله فيحدث به فيتوهم أنه خطه وسماعه".
فالأسباب التي تقع بها العداوة كثيرة جدا و متنوعة يتفطن له من له صبر على التحقيق وغالبا ما تكون بسبب الاختلاف في المذهب أو التنافس على المصالح،مثال ذلك إبراهيم بن يوسف بن ميمون الباهلي البلخي،المعروف بالماكياني صاحب الرأي، ذكره ابن حبان في " الثقات"وقال كان ظاهر مذهبه الإرجاء، واعتقاده في الباطن السنة، فقال محمد بن داود الفوغى حلفت لا أكتب إلا عمن يقول الإيمان قول وعمل فأتيت إبراهيم بن يوسف فأخبرته فقال: أكتب عني فأني أقول الإيمان قول وعمل، وقال الخليلي: روى عن مالك حديثا واحدا ولم يسمع منه غيره وذلك أنه دخل عليه ليسمع منه و قتيبة حاضر فقال لمالك: إن هذا يرى الإرجاء، فأمر أن يقام من المجلس ووقع له بهذا مع قتيبة عداوة."تهذيب التهذيب"{1/160}
قال الجاحظ: العدل يوجب اجتماع القلوب، والجور يوجب الفرقة.
ثم إنه يجب فهم سبب العداوة أو الطعن ، قال ابن عبد البر في " الانتقاء "،{ ص: }106 في ترجمة الكرابيسي بعد أن جود الثناء على علمه وإتقانه وتصانيفه: وكانت بينه وبين أحمد بن حنبل صداقة وكيدة، فلما خالفه في القرآن، عادت تلك الصداقة عداوة، فكان كل واحد منهما يطعن على صاحبه، وذلك أن أحمد بن حنبل كان يقول: من قال القرآن مخلوق، فهو جهمي، ومن قال: القرآن كلام الله ولا يقول: غير مخلوق ولا مخلوق، فهو واقفي، ومن قال لفظي بالقرآن مخلوق، فهو مبتدع.
وكان الكرابيسي، وعبد الله بن كلاب، وأبو ثور، وداود بن علي ، وطبقاتهم يقولون: إن القرآن الذي تكلم الله به صفة من صفاته، لا يجوز عليه الخلق، وإن تلاوة التالي وكلامه بالقرآن كسب له وفعل له، وذلك مخلوق، وإنه حكاية عن كلام الله، وليس هو القرآن الذي تكلم الله به".[5]
وقد كانت بين أبي العز بن أبي حرب، البغدادي الحربي وابن الجوزي عداوة لأنه رد علي كتابه الذي صنفه في ذم يزيد بكتاب جمع فيه فضائل يزيد آتى فيه بالأوابد كما قال الذهبي"السير"{21/160}.
ومن علامات العداوة التي لا تكون لأجل الدين الجهل و العناد فيها.
أما الكذب فهو مسقط عند أئمة الحديث ، و كذلك التهمة به فإذا كان في الجرح و التعديل ترتب عليه من الفساد نحو ما يترتب في الحديث النبوي، فهو في الدرجة الأولى و التهمة به في الدرجة الثانية أو الثالثة وهو أربع درجات من كان في درجة منها فهو ساقط البتة.
ومعلوم انه يلزم من صحة الدعوى صحة البناء، فإن لم تصح الدعوى تهاوى البناء على صاحبه، والخبر إذا كان منقطع السند أو ظاهرا في خلاف الواقع محتملا للواقع احتمالا بعيدا كان من جنس الكذب.
فكلام الملاطفة و المجاملة و التأديب و فلتات الغضب و كلمات التنفير وخبر العدو الحانق و الخصم المتعصب لا يعتد بها عند المحققين من أهل العلم، أما الكذب فهو يهدي إلى الفجور.
قال الحافظ أبو نعيم الأصفهاني: أعراض الناس حفرة من حفر النار وقف على شفيرها صنفان من الناس: المحدثون و الحكام"القضاة".
قلت:ووقع فيها كل من سواهم ،فإن جاز للمحدثين و الحكام الخوض في أعراض الناس للضرورة الشرعية، فغيرهم لا يجوز لهم حتما.
قال الشافعي: بئس الزاد إلى المعاد الطعن في العباد.
بعض الإخوة صُدرت عقولهم فهي محتجزة في وادي الغلو، صادرها من يحب أن يتبعه الناس بحق و بباطل ، حتى إنهم لا يحكمونها في شيء واضح ظاهر، بل لا يحكمون إلا ما ضُخ في عقولهم، و أشربته قلوبهم، مما تمجه الأسماع و تعافه نفوس الفاضلين، فلو رأى احدهم زهرة قد بهرت ألوانها الأبصار، و استولى عبقها على الأرجاء، فشم عرفها، و شعر بلين ملمسها لقال هذه شوكة لأنه اُخبر أنها شوكة!
اخرج الإمام أحمد في "الزهد" عن عبد العزيز بن عمر أنه سمع عمر يقول:" لا يعجبنكم طنطنة الرجل، ولكن من أدى الأمانة وكف عن أعراض الناس فهو الرجل".
قيل لأحد الشعراء وكان مغرما بالهجاء وثلب أعراض الناس :مالك لا يكاد يجود شعرك إلا في الهجاء؟ فقال: خاطري لا يغرف إلا من البحر المنتن.
فمن كتب كتابا أو مقالا سلق فيه أعراض الناس، وملأه بمساوئ الخلق، وكل ما رموا به أن صدقاً وإن كذبا، وزعم أنه قام في ذلك بواجب شرعي، وهو الجرح والتعديل،وهو لا من طينة مالك و احمد، ولا من مسلاخ البخاري بل ثبت قلة فقهه وعدم درايته فلنقل له: هذا جهل مبين وضلال وافتراء على الله مشين، بل قمت بجرم كبير وبئت بوزر كثير.
طغى ابن فلان على ربِّه ... وما منه في الخلق من سالم
وذاك قليلٌ وإن ضوعفوا ... دعـــوه يسبُّ إلــــــــى آدم
كنوز المعايب في عرضه ... يفــــرّق منها علـى العـــالم
ومن علامات البغي ، مخاطبة الشخص بما يكره، وتوبيخ الرجل من غير أن يكون بينه وبين الرجل عداوة ولا صحبة، مع الطيش والخفة وإفحاش في اللفظ.
ولاشك أن الذي طعن في الأئمة من زمن التابعين، والذي طعن في مالك و الشافعي و البخاري و ابن حبان و احمد بن صالح و الخطيب و ابن بطة و غيرهم كثير ـ بما سودت به كتب التراجم ـ كان يراهم رويبضات أو مبتدعة ضلال.
و الذي يسمي الناس بالرويبضة إما انه عالم نحرير، فهذا كان جوابه على اختصاره، فأما عوام الناس الذين هم بخلاف العالم النحرير، فلا فائدة لهم في طلب الكثير وقد عجزوا عن معرفة القليل.
و إما انه رويبضة هو الآخر، فكيف يقبل قول رويبضة، نقله عن رويبضة في رويبضة؟!
و الفرق بين الجاهل و العالم أن العالم يعلم ما في نفسه، وعلمه ماثل أمام عينيه ويعلم ما في نفس الجاهل لأنه كان في يوم ما جاهلا،أما الجاهل فلا يعلم ما في نفس العالم لأنه جاهل، و لا يعلم حقيقة ما في نفسه إن كان حقا أو باطلا لأنه ليس بعالم.
ومن خفي عليه طريق أهل العلم في ترتيب العلماء و الأئمة يقصر بالرجل العالي القدر عن درجته، و يرفع متضع القدر في العلم فوق منزلته، ولا يعطى كل ذي حقه .
ومن يتبع الأثر عليه أن يتأكد أثر من يتبع؟
والذي يجب علينا هو أن نجتنب ـ كما يقول المنصفون ـ الأفكار الثابتة أي التصورات المسبقة التي تستحوذ على مجال الشعور و تستقطب جميع الذهن إليها فيتعذر على الإرادة استبعادها إلا أن تكون نصوصا صحيحة أو إجماعا فهذه ثوابت ثابتة.
والذي يقع فيه بعض الفضلاء هو من هذا الجنس استولى على ذهنهم تصور معين لم يستطيعوا معه النظر في التقييدات و فصول الكلام المختلفة فدار توجسهم وحذرهم من التفاصيل العلمية على ما مر.
كذلك من أهم عوامل الاضطراب في العلم، وتهميش دعوة أهل السنة و الجماعة احتكار بعض الشعارات، كمن يريد احتكار علم الجرح و التعديل أو اسم السنة أو الحق، ولكي نجتنب هذا القصور في العلم و العمل وهو استعمال علم الجرح و التعديل كسلاح لإقصاء المخالف ،و الذي برع في استعماله بعض الناس وغالطوا بتوهيم أتباعهم أنهم حريصون على تعليمهم، يجب العودة إلى المصادر فإن المتأخرين كثر اضطرابهم فيه.
كما يجب اجتناب ثقافة تحصيل الحاصل التي تقوم عليها بعض الفئات عن طريق تمويه تكرار برامجها و مناهجها الفاشلة من خلال إعادة قراءة منهج السلف الصالح عند فقهاء الحديث،وقد جمعت في هذا الشأن كتابا لعلي أنزل منه فصولا إن شاء الله.
وفي الأخير لابد من التنبيه أن عملية تأميم أحقية الانتساب إلى أهل السنة و الجماعة الذي يمارسه بعض الأفراد بواسطة الغلو في تفسيق أو تبديع أو تكفير المخالف بدون ضوابطه عند أهل السنة و الجماعة، الغرض منه إذابة التراث السني بكل روافده في تصور فرد واحد لا تحتمل نفسه الاختلاف معه .
إن علاقتنا بالله لها أن تتجلى في أعمالنا التي سنحققها لأمتنا في كل ميدان يؤكد تلاحم هذه الأمة و تواجدها بقوة ،و يعيد كل مقومات الأمة القرآنية، وهذه الأعمال أعمالنا نحن لا أعمال سلفنا و إن كنا بهم نقتدي، وهي الشهيد الوحيد الذي تقبل شهادته على تعلقنا بالإسلام و بالسنة، و إخلاصنا لله عز وجل، و هي السبيل الوحيد الذي يمكننا من التفوق على الإشكالات التي تواجه امتنا، وهي إرث ثقيل على أكتافنا،هدمت البناء المرصوص، علينا إعادة رصه بالعلم و العدل و الرفق و اللين و الرحمة بالخلق.
نعوذ بالله من الجهل و من ادعاء العلم،أما العجز عن معالي الأمور احد معاني الرابض، فالأمر فيها بيد الغفور الشكور، و الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين.
أرزيو في 2009-04-08
مختار الأخضر طيباوي

[1] ـ على العاقل أن يكون بصيرا بزمانه، مقبلا على شأنه، حافظا للسانه، ومن حسب كلامه من عمله قل كلامه فيما يعنيه.

[2] ـ عن أبي ذر قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن " . رواه أحمد والترمذي والدارمي،قال الألباني في"مشكاة المصابيح": :حسن.

[3] ـ قال الذهبي في"سير أعلام النبلاء"{7/361}:"الإمام الكبير، أحد الأعلام .. قال يحيى القطان: كان سفيان الثوري سيئ الرأي في الحسن بن حي.
وقال زكريا الساجي، عن أحمد بن محمد البغدادي: قال المزي شيخنا - أظنه أبا بكر الاثرم -: سمعت أبا نعيم يقول: دخل الثوري يوم الجمعة من الباب القبلي، فإذا الحسن بن صالح يصلي، فقال: نعوذ بالله من خشوع النفاق،وأخذ نعليه، فتحول إلى سارية أخرى.
وقال العلاء بن عمرو الحنفي، عن زافر بن سليمان: أردت الحج، فقال لي الحسن بن صالح: إن لقيت أبا عبد الله سفيان الثوري بمكة، فأقره مني السلام، وقل: أنا على الأمر الأول.
فلقيت سفيان في الطواف، فقلت: إن أخاك الحسن بن صالح يقرأ عليك السلام، ويقول: أنا على الأمر الأول.
قال: فما بال الجمعة ؟ قلت "الذهبي": كان يترك الجمعة، ولا يراها خلف أئمة الجور، بزعمه.
بشر بن الحارث، وذكر له أبو بكر عبدالرحمن بن عفان الصوفي،فقال: سمعت حفص بن غياث يقول: هؤلاء يرون السيف، أحسبه عنى ابن حي وأصحابه،ثم قال بشر: هات من لم ير السيف من أهل زمانك كلهم إلا قليل، ولا يرون الصلاة أيضا[أي خلف أئمة الجور].
قال محمد بن علي الوراق: سألت أحمد بن حنبل عن الحسن بن صالح: كيف حديثه ؟ فقال: ثقة، وأخوه ثقة، ولكنه قدم موته.
وروى علي بن الحسن الهسنجاني، عن أحمد بن حنبل، قال: الحسن ابن صالح صحيح الرواية، يتفقه، صائن لنفسه في الحديث والورع.
وروى عبدالله بن أحمد، عن أبيه: هو أثبت من شريك.
وروى ابن أبي خيثمة عن يحيى: ثقة.
وروى إبراهيم بن عبدالله بن الجنيد، عن يحيى: ثقة مأمون.
وروى أحمد بن أبي مريم، عن يحيى: ثقة، مستقيم الحديث.
ووى عباس، عن يحيى: يكتب رأي الحسن بن صالح، والاوزاعي هؤلاء ثقات
وروى عثمان بن سعيد، عن يحيى، قال: ابنا صالح ثقتان مأمونان.
وقال أبو زرعة: اجتمع في حسن إتقان وفقه وعبادة وزهد.
وقال أبو حاتم: ثقة، حافظ متقن.
وقال النسائي: ثقة.
الساجي: عن أحمد بن محمد، عن أحمد بن حنبل: قال وكيع: حدثنا الحسن، قيل: من الحسن ؟ قال: الحسن بن صالح الذي لو رأيته ذكرت سعيد بن جبير، أو شبهته بسعيد بن جبير.
قلت[الذهبي]: بينهما قدر مشترك، وهو العلم والعبادة والخروج على الظلمة تدينا.
أحمد بن أبي الحواري: سمعت وكيعا يقول: لا يبالي من رأى الحسن ابن صالح ألا يرى الربيع بن خثيم.
وقال يحيى بن أبي بكير: قلت للحسن بن صالح: صف لنا غسل الميت،فما قدر عليه من البكاء.
وعن عبدة بن سليمان، قال: إني أرى الله يستحي أن يعذب الحسن ابن صالح.
وقال أبو نعيم: حدثنا الحسن بن صالح، وما كان دون الثوري في الورع والقوة.
الحنيني: سمعت أبا غسان يقول: الحسن بن صالح خير من شريك، من هنا إلى خراسان.
قال محمد بن عبدالله بن نمير: كان أبو نعيم، يقول: ما رأيت أحدا إلا وقد غلط في شئ، غير الحسن بن صالح.
وقال ابن أبي الحواري عن عبدالرحيم بن مطرف: كان الحسن بن صالح إذا أراد أن يعظ أحدا، كتب في ألواحه، ثم ناوله.
وقال محمد بن زياد الرازي، عن أبي نعيم: سمعت الحسن بن صالح يقول: فتشت الورع، فلم أجده في شئ أقل من اللسان".


[4] ـ قال :" وقد تكلم بعض منتحلي الحديث من أهل عصرنا في تصحيح الأسانيد وتسقيمها بقول لو ضربنا عن حكايته وذكر فساده صفحا لكان رأيا متينا ومذهبا صحيحا إذ الإعراض عن القول المطرح أحرى لإماتته وإخمال ذكر قائله وأجدر أن لا يكون ذلك تنبيها للجهال عليه غير أنا لما تخوفنا من شرور العواقب واغترار الجهلة بمحدثات الأمور وإسراعهم إلى اعتقاد خطإ المخطئين والأقوال الساقطة عند العلماء رأينا الكشف عن فساد قوله ورد مقالته بقدر ما يليق بها من الرد أجدى على الأنام وأحمد للعاقبة إن شاء الله وزعم القائل الذي افتتحنا الكلام على الحكاية عن قوله والإخبار عن سوء رويته....وهذا القول يرحمك الله في الطعن في الأسانيد قول مخترع مستحدث غير مسبوق صاحبه إليه ولا مساعد له من أهل العلم عليه"

[5] ـ هذه المسألة فيها تفاصيل دقيقة المقصود فهم سبب الجرح.