رسالة من الشيخ طيباوي الى algeroi
23-05-2009, 11:45 AM
بسم الله الرحمان الرحيم

الجواب على رسالة الأخ الجزائري: ابنكم algeroi من منتديات الشروق

السلفية الحقيقية

الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على من لا نبيّ بعده، وبعد...

قال الأخ:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وعليك السلام ورحمة الله وبركاته.
شيخنا الكريم
قبل كل شئ أحب أن اعبر لك عن مدى سعادتي لظهور طالب علم وشيخ فاضل مثلك على ساحة السجال الدائر خصوصا عندنا في الجزائر فهنيئا لنا بأمثالك جزاك الله كل خير، و جعلك من خير عباده نصرة لدينه ورحمة بعباده.
أما ما أردت قوله فهو أني كثيرا ما أصطدم في بعض المنتديات التي أشارك فيها بتهمة الغلو والتطرف في الحكم على الآخر
قلت:أكثر المنتديات ليس من منهجها التواصل و الحوار بين روافد أهل السنة و الجماعة فضلا عن المسلمين ، فهي تعمل بقاعدة الاحتياط التي أصبحت في هذه الأيام أصلا ثابتا لا يتغير.
فلم نصل بعد إلى هذا المستوى من الحنفية السمحة، بحيث يكون المسلم حرا في إبداء رأيه،بل نشعره بالحرية حتى لا يخاف فيبدي رأيه، فإن كان خطئا صححناه له، وهذا مقام الدعوة إلى الله الغائب عن الساحة العلمية في هذه الآونة ، وهذا سببه أن كل فئة تعتقد نفسها على الحق الصريح و غيرها مخطئ، فتضيق ذرعا بالنقاش.
ومعلوم أن صاحب الحق الموقن بما عنده من حق لا يخشى مخالفة ولا مخالف، لان مهمته في الدنيا الدعوة إلى الحق بحججه و أدلته، لا مطالبة الناس بإتباعه، وهو لا يستطيع أن يقيم عليهم حجة صحيحة.
والقاعدة العلمية هي: لا يتم بيان مراد الرسول ـ المختلف فيه عند المسلمين ـ إلا بدرء ما يعارضه من شبهات هذا و ذاك ، ومن فهم هذا تسلح بالعلم، و استعان بالله، ودخل الساحة مجاهدا في سبيل الله بلسانه و قلمه .
و الحل: يوجد بعض المنتديات ـ غير منتدى الشروق ـ التي تتحمل نوعا ما الخلاف، فعليك بالمشاركة فيها أولا ، ثم الرجاء أن يتمكن الإخوة مثلك من فتح منتدى بهذه الروح العلمية يمكن أن يقسموه إلى قسم خاص بجميع أهل السنة و الجماعة ، لا يحتكر على فئة منهم.
والقسم الآخر إما لعموم المسلمين أو للعوام .
كما أن بعض المنتديات الإسلامية الكبيرة أخطأت التقدير عندما منعت من الخوض في المسائل المتنازع حولها إما بقصد إخماد الفتنة أو التعالي عليها ،وهذا سوء تقدير له عواقب وخيمة، فإن الكلام في العلم المجرد من تنزلاته على الواقع علم نموذجي يستشهد به هذا و يستشهد به ذاك، فلا يظهر المحق، ولا يتفطن المخطئ،وهذا أشبه بالوقف العملي "الواقفة"، وهو شديد الضر على الساحة العلمية و الدعوة الإسلامية فإنه إذا سكت من لهم علم ومعرفة أكل الأرض بما فيها الغلاة المجترئون على السنة بمناهجهم الجديدة المبتدعة ، ويصير أهل المواقع الإسلامية الحيادية
يعيشون في برج زجاجي و الواقع المعاش شيء آخر.
ثم يدركه هذا الخطر المحدق بالسنة النبوية و ينال منهم ،فهذه المناهج الجديدة المبتدعة، و الملفقة من أصول قعيدية في التعامل مع المسلمين ، و إرجائية في جانبها السياسي، و مغلفة بقوالب الألفاظ السنية عندما تفرغ من البعيد تأكل القريب سواء كان محايدا أو غير ذلك، و الواجب على أبناء السنة قبل غيرهم تنظيف بيتهم من هذا السم القاتل لطاقات العلماء و الدعاة ، و الذي أصبح يصد به عن سبيل الله .
رغم أن لا ناقة لي ولا جمل في هذه الحروب بل أنا مجرد مثقف ثقافة شرعية وفقني الله بعد إخوانيتي إلى لزوم المنهج السلفي وحب أهله
قلت:السلفية يأتيها الناس من مختلف الخلفيات، فمنهم من كان أشعريا، ومنهم من كان تبليغيا، ومنهم من كان صوفيا طرقيا، و الخلفية تؤثر في الإنسان، ولذلك تجد من جاء من خلفية طرقية يفضل مسائل السلوك السني ، ومن جاء من الإخوان يفضل المسائل العقلية و المسائل العقدية ،وهذا كله جيد للسلفية، الشرط الوحيد الكتاب و السنة و الإجماع.
و نحن اليوم في فترة عصيبة من تاريخ الدعوة الإسلامية تشهد تجاذبا شديدا، و مساجلات علمية، بل وتراشق و تلاسن، قد تخرج عن حد الاعتدال، بين فئة من السلفيين تريد رد الجماعة إلى الأصول السنية المعتبرة، وهي: الكتاب و السنة و الإجماع ،و إلى العمل الدعوي الميداني المتمثل في الدعوة إلى الدين الذي جاء به النبي صلى الله عليه و سلم، وهو الدين الذي يمتحن به في البرزخ ويوم القيامة ،أي ترك التفصيل في العقيدة إلا عند الحاجة، ودعوة عموم المسلمين بمجمل العقيدة أي العقيدة التي ثبتت في النصوص الصحيحة، و اجتناب أدلتها الجدلية سواء في إثباتها أو نفي
ما يخالفها إلا في حالة المناظرة، ورد الباطل .
ثم دعوة المسلمين إلى التزام أوامر الله و اجتناب نواهيه دعوة عامة و مركزية.
ومن هذه الدعوة كذلك ترك التحاكم إلى الرجال، و رفع كلامهم إلى مصاف النصوص، و إنزال الناس منازلهم ،ورد علم الجرح و التعديل إلى مكانته الشرعية الصحيحة وهو كونه فرض كفاية على علماء الحديث، و زجر العوام عن الخوض فيه.
كذلك إبطال القواعد الجديدة في التبديع، التي لا ترجع إلى أصل أهل السنة و الجماعة أي قاعدة : تصويب المجتهدين، و قاعدة التفسيق و التبديع و التكفير و التحريم بناء على توفر الشروط و انتفاء الموانع، وبيان هذه الشروط، و هذه الموانع بالنقل عن سلف الأمة و ضرب الأمثلة التطبيقية.
و بين فئة اختزلت الدين الذي جاء به النبي صلى الله عليه و سلم على مسائل الجرح و التعديل، و التحذير من المخالف، وعدم العذر بالجهل .
ومع هذا وفي كل مرة أحاول فيها رد ضلالة أشعرية أو خارجية بما فتح الله علي من علم وهو بسيط الى الدرجة التي يمكن بها اعتباري عاميا محبا للسلفيين
قلت:ليس من شرط الدعوة إلى الله و الجهاد في سبيله بالقلم و اللسان تمام الآلة في العلم، فهذا معارض لقول النبي صلى الله عليه و سلم :" من رأى منكم منكرا فليغيره بيده [هذا للحكام] فإن لم يستطيع فبلسانه [هذا للعلماء و الدعاة وسائر المسلمين بحسب الممكن من العلم و القدرة] فإن لم يستطيع فبقلبه [ وهذا لغيرهم من المسلمين] وليس وراء ذلك حبة خردل من إيمان".
و الناس مختلفون في كل شيء: في قوة البدن، و في الحدس و الذكاء، وفي وفرة العلم و سعته ، وفي الخطابة وغيرها، ولكن كل يدعو إلى السنة بحسب علمه و قدرته ، فامض يسر لك الله سبيل الدعاة إلى الخير، و أعانك بلطفه، ولا تلتفت إلى المثبطين، و حججهم الميتة، فإن الناس قد يجبنون عن هذا العمل العظيم، و يحتجون بالزهد، أو قلة البضاعة، أو الورع عن القول على الله بغير العلم، وهذه حجة باهتة باردة ، فالمسلم مأمور بتبليغ ما يعلم، و ليس بتبليغ ما لا يعلم.
الا ان الرجل قد يخوض في أمور لم يجد من يكفيه الخوض فيها فهو بسيفه الخشبي على ثغر من ثغور الاسلام يحاول جهده وان لم يكن مؤهلا
قلت:أفضل الصدقة جهد المقل كما قال النبي صلى الله عليه و سلم ،وقس عليه.
ورغم ذلك وفي كل مرة يحشد فيها المخالفون بعد الأخطاء اللفظية لعلماء ومشايخ سلفيين ويقذفون بها في وجوهنا ويرموننا بالتعصب والغلو فأرجوا توجيها بهذا الخصوص
قلت و بالله أستعين:
كل من سلك هذه السبيل فهو ‘ما لجهله أو ظلمه ، فلجهله لان من قرأ ودرس يعلم انه لا يخلو إمام من الأئمة من سقطات و غلطات، حتى في أئمة التابعين ومن جاء بعدهم، و العبرة بغلبة الحال ، فمن كان سنيا معتصما بأصول أهل السنة رد خطؤه على أكثر حاله، فيعذر بذلك، وهذا حقيقة الآدمي يخطئ مهما كان حاله، إلا أن يكون نبيا، و إنما يلام الناس على إعراضهم عن الكتاب و السنة و الإجماع فيلامون على أخطائهم، لتركهم اتباع النبي صلى الله عليه و سلم، و إعراضهم عن القرآن، و اعراضهم عن طريقة السلف الصالح، لا يلامون على الخطأ بحال من الأحوال، فإنه حتم على البشر قد
قدره الله عليهم وقضاه ، ولم يسلم منه إمام.
ومشكلة القوم أنهم لا يطردون أصولهم، فيعذرون من يشاؤون، ويلومون من يشاؤون، بدون اعتبار فرق مميز ومحقق إلا الهوى و محض التحكم.
فإياك أن تكو ن مثلهم ، فإن رد عليك بخطأ شيخ أو بسوء عبارة لأحد الدعاة، فرد عليه بأخطاء من يحتج بهم أو بمن هو اجل منهم.
فهذه طريقة نقضية صحيحة، ثم اعلم أخي أن السلفيين ليسوا على فهم واحد، و إن ادعوا ذلك بالمقال، فغن حالهم تظهر أنهم مختلفون في فهم بعض الأصول، وعلى الاقل في تطبيقها، فاطلب مذهبك عند كبار أئمة السنة، و أنا اسميهم لك الآن وهم ابن تيمية و احمد و مالك و الشافعي ومن هو من هذه الشاكلة، أقصد فقهاء الحديث لا عوام المحدثين، فإن لهم أخطاء في العقيدة والطريقة معروفة لطلبة العلم.
ثم عليك أولا وقبل كل شيء أن تأنس بالله، و تستكفي به ،ولا تغتر بكثرة الأتباع ومن يلتف حولك، فإن يوافقك إمام عالم عارف واحد خير لك من ملايين العوام الذين يجهلون دينهم، و السباحة ضد التيار صعبة .
ولكن عليك أن تعرف و تحسن قراءة الساحة و المجتمع، فإن الأفكار التي تكون في طور التلاشي و الاختفاء علامتها إقصاء الآخر المخالف بعلم، و ممارسة الحجر الفكري، و استعمال وسائل القسر و الإكراه من التبديع بغير وجه حق ورمي الناس بالأراجيف، فهذه كلها وسائل الترهيب و التخويف، تدل على انكماش هذه الفكرة و صيرورتها نحو التلاشي و الاختفاء.
فأبشر أخي بانتهاء سنوات الجفاء، و بعودة أهل العلم و الحلم و الحكمة و اللين و الرفق و الاعتدال و الإنصاف ثم الاقتصاد، فإن السنة علم ورحمة، و اعتدال و إنصاف، و اقتصاد في السنة خير من اجتهاد في البدعة ، و الغلو في السنة بدعة .
ويظهر من جوابك أنك تتمتع بثقافة في علم العقيدة و الكلام ،ومعلوم أن من طالع مقالات الفرق، ورأى ما وقع في الإسلام يستخف بما يصنعه بعض السلفيين اليوم من تتبع أمور، إن صح اعتبارها من الأخطاء، فهي من الأخطاء التي يعذر بها أهل السنة و الجماعة، ولهذا يقف القوم بتصلب عند هذه الأخطاء التي هي من قبيل هفوات اللسان وجرة القلم، لأنهم لم يروا غيرها، ولا ما هو أسوء منها.
هذا ما ظهر لي الساعة إجابتكم به، وقد قدر الله أن اكتبه و أنا في حال تعب شديد فربما نتكلم عن هذه المسائل مستقبلا إن شاء الله تعالى.
و الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على اشرف المرسلين، و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أرزيو / الجزائر في 16/05/2009
أخوك مختار الأخضر طيباوي