صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمة بن الاكوع رضوان الله عليه
01-05-2009, 03:26 PM
سلمة بن الاكوع
هو سلمة بن عمرو بن سنان الأكوع الأسلمي، صحابي جليل يكنى أبا مسلم، شهد بيعة الرضوان، وشارك في سبع غزوات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم،
اأوتي سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه - بسطة في الجسم فكان أيدًا شديدًا ربما أغار على الجيش فهزمه وحده، وكان عدّاءً لا يُسبق شدًا فهو متوافر القوة، متناسق الجسم واسع الخطو
وكان شجاعاً ومن أخبار شجاعته أن أناساً أغاروا على إبل رسول الله صلى ولله عليه وسلم وقتلوا راعيها فخرج سلمة وحده يتتبعهم فوقف على تلٍ وأخذ ينادي ثلاثاً: ياصباحاه وأتبع القوم وأخذ يرميهم بالنبل وهو ينشد.
أنا ابن الأكوع --- واليوم يوم الرّضعّ


تعقب القراصنة ، ومطاردتهم ، وإيقافهم عند حدهم ، أمر لا بد منه لاستتاب الأمن ونشر السلام ، وهذا ما كان يسعى إليه النبي صلى الله عليه وسلم ، خاصة مع الأعراب ، والقبائل التي اعتادت القرصنة والاعتداء على حقوق الآخرين .
ويأتي في مقدم ذلك ، غزو الرسول صلى الله عليه وسلم لقومٍ من بني غطفان فيما عُرف بغزوة الغابة ، إشارةً إلى موضعٍ قرب المدينة من ناحية الشام ، كانت ترعى فيه إبل النبي صلى الله عليه وسلم ، وتُعرف هذه الغزوة أيضا بغزوة ذي قرد كما جاء في صحيح البخاري .
والحاصل أن هذه الغزوة كانت قبل فتح خيبر بثلاث ليالٍ ، حينما أوكل النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذر بن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أمر تلك الإبل ، فقام عيينة بن حصن الفزاري - وفي رواية : عبدالرحمن بن عيينة - بالإغارة ليلاً على تلك الإبل فأخذها ، وقتل راعيها ، وسبى امرأته .
وعندما أُذّن لصلاة الفجر ، أسرع غلامٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سلمة بن الأكوع رضي الله عنه ليخبره بما فعلته هذه العصابة في إبل المسلمين ، فما كان من سلمة إلا أن ارتقى مرتفعاً من الأرض ليصرخ بأعلى صوته ؛ مستنجداً بالمسلمين كي يهبوا للذود عن أملاكهم ، وقد جاء في رواية البخاري : " فصرخت ثلاث صرخات : يا صباحاه ، فأسمعت ما بين لابتي المدينة " .

فلما بلغ الخبر رسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة ، تأهب هو وأصحابه للجهاد ، ونودي : يا خيل الله اركبي ، وكان أول ما نودي بها ، فكانت هذه الغزوة ، وهي أول غزوة بعد الحديبية وقبل خيبر .
وركب رسول الله مقنعاً في الحديد ، فكان أول من قدم إليه المقداد بن عمرو في الدرع والمغفر ، فعقد له رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواء في رمحه ، وقال امض حتى تلحقك الخيول ، إنا على أثرك ، واستخلف رسول الله ابن أم مكتوم على المدينة .
وكان أسرع القوم انطلاقا إلى أولئك الأعراب سلمة بن الأكوع رضي الله عنه ، إذ تذكر روايات السيرة انطلاقه مسرعاً إلى القوم بمجرّد أن استصرخ بالمسلمين ، كما تشير مصادر السيرة إلى أنه كان أسرع الناس عدواً ، حتى إنه لحق القوم على رجليه ، فأدركهم وهم يستقون الماء ، فجعل يرميهم بالنبل ، وكان رامياً ، ويقول : " خذها وأنا ابن الأكوع ، واليوم يوم الرضع " يعني : واليوم يوم هلاك اللئام .
ولم يزل يرميهم ويثخنهم بالجراح حتى ألجأهم إلى مضيقٍ في الجبل ، فارتقى سلمة الجبل وجعل يرميهم بالحجارة فانطلقوا هاربين ، ولما اشتدّ بهم العطش قصدوا ماءً ليشربوا منها ، فمنعهم سلمة بسهامه ، وهكذا توالت سهامه عليهم حتى ألقوا بالكثير من متاعهم التي أثقلتهم عن الهروب ، وكانوا كلما ألقوا شيئا وضع عليه علامة كي يعرفها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، واستمر على ذلك طيلة اليوم حتى استنقذ منهم بعض الإبل ، وثلاثين بردة .
ثم لحق الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه بسلمة بن الأكوع في المساء ، واستمر مجئ الإمداد من المدينة ، ولم تزل الخيل تأتي والرجال على أقدامهم وعلى الإبل ، حتى انتهوا إلى رسول الله بذي قرد، فلما رآهم القوم فروا هاربين ، واستعاد المسلمون الإبل كلها ، كما ثبت في الصحيحين .

وأثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الغزوة على بعض أصحابه كما في صحيح مسلم، فقال: (خير فرساننا اليوم أبوقتادة ، وخير رجالتنا سلمة ) ، وأعطى سلمة سهمين ، سهم الفارس وسهم الراجل ، وأردفه وراءه على العضباء في الرجوع إلى المدينة ، وذلك لما امتاز به سلمة رضي الله عنه في هذه الغزوة
ويستفاد من هذه الغزوة عدة دروس ، أبرزها : شجاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وسرعة نجدته، ومبادرة الصحابة عند النداء للجهاد ، إضافة إلى تفانيهم في ذلك حتى إنّ بعضهم طارد أولئك المشركين على قدمه ، ومن الدروس إكرام الرسول لأصحاب الهمم العالية ، والتضحيات البارزة ، وكان ذلك قولاً وفعلاً ، ويؤخذ منها تأييد الرسول للتسابق بين أصحابه ؛ حيث طلب سلمة مسابقة أحد الأنصار في طريق عودتهم إلى المدينة فأجابه ، في مشهد جمع بين الشجاعة والقوة ، والمرح واللهوء البريء ، فرضي الله عن الصحابة أجمعين
وكان له خبر عجيبٌ يوم الحديبية حينما كانت الرسل تختلف بين رسول الله – صلى الله عليه وسلم - وأهل مكة تهيئ للصلح الذي أزمع النبي – صلى الله عليه وسلم - أن يعقده معهم، فلما كانت قائلة النهار ذهب سلمة إلى شجرة يستظل بظلها فكسح شوكها والتقط ما تناثر منها وهيأ لنفسه مقيلاً اضطجع فيه عند أصلها، فجاء أربعة من المشركين من أهل مكة فعلقوا سلاحهم على الشجرة وجلسوا يتحدثون ويقعون في رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ولقد كان أهون على سلمة أن يسمع سب أبيه وأمه من أن يسمعهم يقعون في رسول الله – صلى الله عليه وسلم - فآذاه ذلك غاية الأذى فترك الشجرة لهم وتحول إلى شجرة أخرى ليبعد مسامعه عن وقيعة أولئك المشركين في رسول الله – صلى الله عليه وسلم - فبينما هو كذلك إذ سمع صارخًا ينادي يا للمهاجرين.. قُتل ابنُ زنيم فظن سلمة أن المشركين نقضوا مسعى الصلح, فاخترط سيفه ثم شدّ على أولئك الأربعة وهم رقود فأخذ أسلحتهم فجمعها في يده ثم قال لهم: والذي أكرم وجه محمدٍ لا يرفع أحدٌ منكم رأسه إلا ضربته بالسيف، ثم جاء بهم يسوقهم إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ثم جاء عمه عامر بتسعين من المشركين حاولوا مناوشة المسلمين يسوقهم إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فنظر إليهم رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ثم قال: (دعوهم يكون لهم بدء الفجور وثناه) أي: يكون لهم أول الغدر وآخره.. ثم عفا عنهم رسول الله – صلى ا لله عليه وسلم - وصرفهم. صحيح مسلم (1807).
إن في هذه القصة دلالات مهمة منها:
1- لا نعلم أحدًا أشد حبًا لرسول الله – صلى الله عليه وسلم - من أصحابه الذين آمنوا به، واستنارت أعينهم برؤية محياه، وتعطرت أسماعهم بسماع حديثه، وصحبوه في أحوال حياته وتقلبات أموره، فاستكن حبه شغاف قلوبهم وخالط لحمهم ودمهم وعصبهم فيالله لسلمة – رضي الله عنه - وهو يسمع مسبّة رسول الله – صلى الله عليه وسلم - من رهطٍ من المشركين يشاركونه ظل الشجرة التي يقيل تحتها، فكم قاسى حينئذٍ من الألم النفسي، وكم تدفقت في دمائه زخات الحنق والغضب ممّا سمع، ولكنه كظم غيظه وسيطر على عواطفه ولم يفرط منه أي تصرفٍ انفعالي، مع أنه كان في عنفوان شبابه، وفي العشرين من عمره، لقد ترك لهم الظل الذي هيأه لنفسه وتنحى عنهم بعيدًا ليكون بمنأى عن هذا الإيذاء الذي لا يستطيع احتماله، ولم يمنعه أن يُنفذ غضبه ويشفي غيظ قلبه ضعف ولا عجز فقد كان الشجاعَ قلبًا، القوي بدنًا، السريع عَدْوًا، ولكنه تعامل مع مشاعره بانضباطٍ كامل، بعيدًا عن أي تصرفٍ يمكن أن يتداعى إلى تطوراتٍ غير محسوبة، وتحمل الألم النفسي باصطبارٍ جميل وبصيرة نافذة، وحتى عندما سمع الصارخ ينادي بما يدل على غدرٍ أو مقتلة لم يُبادر إلى قتل هؤلاء مع أن الفرصة كانت له مواتية، فقد علقوا أسلحتهم فهم عزل، ورقدوا بغير تهيئ أو احتراز، ولكنه اكتفى بسوقهم إلى النبي – صلى الله عليه وسلم - ليكون التصرف من المرجعية العامة للمسلمين.
2- كما يلفتنا التعالي الأخلاقي الذي تعامل به النبي – صلى الله عليه وسلم - مع هؤلاء الذين وقعوا فيه بالمسبة والتنقص، ومع التسعين الذين جيء بهم إليه وهم يحاولون مناوشة المسلمين، ومع ذلك عفا عن الجميع وتركهم يبوءون بأول الغدر وآخره، وكان عفوًا نبويًا كريمًا حيث لم يصدر منه –صلى الله عليه وسلم- لهؤلاء توبيخٌ أو ملامة وإنما هو الخلق العظيم والصفح الجميل.
لقد كان أمام النبي –صلى الله عليه وسلم- هدفٌ كبير واضح، وهو أن يتم الصلح بينه وبين أهل مكة، ولذلك لم يسمح لهذه الاستفزازات المتكررة من رعاع المشركين أن تعرقل مساعيه أو تحرف وجهته عن هدفه، فكان أقوى من هذه الاستثارة، فحجمها بحجمها الطبيعي ضمن الحدث الذي يعايشه، والهدف الذي يصمد إليه، ولذا انتهى الأمر إلى ما أراد رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فتم الصلح وكُتبت الصحيفة، وحصل بذلك الفتح المبين وعاد –صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة وآيات الله تتنـزل عليه "إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا".
إن عدم وضوح الأهداف وفقدان الخطة للعمل يجعل الأمة مرتهنة بردّات الفعل المتذبذبة. وإن الاستجابات الفردية غير المدروسة يمكن أن تعرقل مسيرة منطلقة، وتهدر فرصًا ضخمة، وتجهض أهدافًا كبيرة
إن سلمة يُقدم للأمة من خلال هذا الموقف درسًا بليغًا في الانضباط وقيادة العواطف والسيطرة على مشاعر الانفعال. وعدم الاندفاع لردة فعلٍ غير محسوبة أو تصرف غير رشيد رغم قوة المؤثر وشدة الاستثارة.
فصلوات الله وسلامه على من أنزل الله عليه الكتاب وآتاه الحكمة "ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرًا كثيرًا".
كما شارك في فتح إفريقية في خلافة عثمان، ولما قتل عثمان خرج إلى الرّبذة وتزوج فيها، ثم عاد إلى المدينة وتوفي فيها سنة أربع وأربعين ودفن بالبقيع.