شرح مبسط للنسبية العامة .
04-08-2017, 08:44 PM


عندما يتحدث علماء الفيزياء عن معادلة أينشتاين فهم لا يعنون في العادة المعادلة الشهيرة \(E=mc^2\)، وإنما صيغة أخرى تُغلف النظرية الشهيرة في النسبية العامة (general theory of relativity). نشر أينشتاين تلك النظرية قبل مائة عام وتحديداً عام 1915، وللاحتفال بمرور قرن عليها، طلبنا من عالم الفيزياء ديفيد تونغ David Tong من جامعة كامبريدج شرح ما تعنيه النسبية العامة وكيف تُعبر معادلة أينشتاين عنها.

البداية مع نيوتن
________________________________________
تَصِفُ نظرية النسبية العامة قوة الجاذبية، ولم يكن أينشتاين أول من جاء بمثل هذه النظرية، فقد صاغ إسحاق نيوتن في العام 1686 قانونه الشهير للتربيع العكسي الذي يصف الجاذبية. يعمل قانون نيوتن بشكلٍ مثالي بالنسبة للأحجام الصغيرة، ويُمكننا استعماله لحساب سرعة سقوط جسم ما من مبنى مرتفع نحو الأرض، وكذلك يُمكن استخدامه لإرسال البشر إلى القمر. لكن عندما تصبح المسافات والسرعات كبيرة جداً، أو تدخل الأجسام فائقة الكتلة إلى المشهد، يصير قانون نيوتن غير دقيق، وبالطبع هو بداية جيدة لأنه من الأبسط وصفه مقارنةً بنظرية أينشتاين.

افترض أنه لديك جسمان، ولنقل الأرض والشمس وكتلتهما على التوالي هي \(m_1\) و\(m_2\)، وليكن r هو المسافة الكائنة بين الجسمين. حينها ينص قانون نيوتن على أن قوة الجاذبية f بين الجسمين هي:

\( F=G_N\frac{m_1 m_2}{r^2} \)

حيث \(G_N\) هو عدد ثابت يُعرف بثابت نيوتن (Newton's constant).

تتمتع هذه الصيغة بمنطق بديهي، فهي تُخبرنا أن الجاذبية تصبح أضعف عند المسافات الطويلة، أي كلما كان r أكبر كانت F أصغر، وأن قوة الجاذبية بين الأجسام ذات الكتلة الأكبر تكون أقوى، أي كلما كان \(m_1\) أو\(m_2\) أكبر كلما كانت F أكبر.

قوة مختلفة وصيغة مماثلة
________________________________________
هناك صيغة أخرى تبدو بسيطة جداً، لكنها تصف قوة مختلفة؛ ففي عام 1785، جاء عالم الفيزياء الفرنسي شارل أوغستين دو كولون Charles-Augustin de Coulomb بمعادلة تصف القوة الكهربائية الساكنة بين جسيمين مشحونين بشحنتين \(Q_1\) و\(Q_2\) على التوالي:

\(F = {1 \over 4\pi\in_0}{Q_1 Q_2 \over r^2}\)

وهنا تُمثل r المسافة بين الجسيمين، و\(ϵ_0\) ثابت يُحدد قوة الكهرومغناطيسية، ويُعرف بالسماحية الكهربائية للفضاء الحر (permittivity of free space).

المشكلة مع نيوتن
________________________________________
صيغ نيوتن وكولون جميلة وأنيقة، لكن هناك مشكلة؛ فبالعودة إلى قانون نيوتن، افترض أنك أخذت الأرض والشمس وحركتهما فجأة بسرعة كبيرة ليبتعدا عن بعضهما البعض. وبذلك ستضعف القوة الموجودة بينهما، لكن وفقاً لتلك الصيغة، فإن إضعاف القوة سيحصل مباشرة وتماماً عند تحريكك للأجسام، ويسري الأمر نفسه على قانون كولون، فتحريك الجسيمات المشحونة بعيداً عن بعضها البعض بسرعة كبيرة جداً سينتج عنه إضعاف لحظي في القوة الكهربائية الساكنة بينهما.

لكنّ ذلك لا يُمكن أن يكون صحيحاً، إذ تقول نظرية النسبية الخاصة لأينشتاين (special theory of relativity)، المقترحة قبل عشرة أعوام تقريباً من النسبية العامة أي في العام 1905، أنه لا يُمكن لأي شيء في الكون أن يتحرك بسرعة أكبر من سرعة الضوء، ولا حتى الإشارة التي تصل بين جسمين تحركا بعيداً عن بعضهما وأصبحت القوة بينهما أضعف.

لماذا نحتاج إلى الحقول؟
________________________________________
إنها أحد الأسباب التي توضح الحاجة إلى استبدال فكرة القوة في الفيزياء الحديثة؛ فعوضاً عن التفكير بالقوة، نحتاج للتفكير بدلالة شيء ما -أجسام جديدة- ينقل القوة بين جسم وآخر.

وقد ساهم عالم الفيزياء البريطاني مايكل فاراداي في هذا الأمر بشكل فعال، فقد أدرك فاراداي وجود أجسام تنتشر في أرجاء الكون وندعوها اليوم بالحقول (fields)، وهي موجودة في عملية نقل القوة، ومن بين الأمثلة عليها نذكر: الحقول الكهربائية والمغناطيسية، وقد تكون سمعت بهما في المدرسة.

يُؤدي الجسيم المشحون إلى ظهور حقل كهربائي (electric field)، ويتم استشعار هذا الحقل من قبل جسيم آخر يمتلك بدوره حقله الكهربائي الخاص، وسيتحرك أحد الجسيمات مستجيباً للحقل الكهربائي للجسيم الآخر وهذا ما نسميه بالقوة. عندما يتم تحريك أحد الجسيمات بسرعة كبيرة بعيداً عن جسيم آخر، يتسبب الأمر بحصول تموجات (ripples) في الحقل الكهربائي للجسيم الأول، وتتحرك هذه التموجات عبر الفضاء بسرعة الضوء، وتؤثر في النهاية على الجسيم الآخر. في الحقيقة، يُولّد الجسيم الذي تم تحريكه حقلاً مغناطيسياً (magnetic field) ويُصدِر إشعاعاً كهرومغناطيسياً، وتتجسد النتيجة النهائية في تفاعل معقد بين الحقول المتموجة، لكن النقطة الأهم هي أن القوة عبارة عن التأثير الحاصل على جسيم وحيد جرّاء التموجات المنتشرة في الحقل الخاص بجسيم آخر.

وقد تطلب الأمر من العلماء وقتاً طويلاً لتطوير هذه الصورة حول الكهرومغناطيسية بشكل كامل، ويعود الفضل في ذلك بشكل أساسي إلى العالم الاسكتلندي جيمس كليرك ماكسويل James Clerk Maxwell، الذي لم يدرك فقط أن القوتين الكهربائية والمغناطيسية كانتا وجهين لقوة واحدة تدعى الإلكترومغناطيسية، وإنما قام باستبدال أربع معادلات تصف كيفية استجابة المجالين الكهربائي والمغناطيسي للجسيمات المشحونة المتحركة بقانون كولوم المبسط حول الكهرباء الساكنة. وتعد معادلات ماكسويل الأربعة جزءاً من أكثر المعادلات إثارة في الفيزياء، حيث أنها ترصد كافة المعطيات لمعرفة المزيد حول الكهرباء والمغناطيسية.

الجاذبية والزمكان
________________________________________
حسناً، ماذا عن الجاذبية؟ تماماً كما الحال مع الكهرومغناطيسية، هناك حاجة لوجود حقل يؤدي إلى ظهور ما نستقبله على شكل قوة جاذبية تؤثر بين جسمين. تمثلت رؤية أينشتاين العظيمة في أن هذا الحقل مؤلف من شيء نعرف عنه جيداً: المكان والزمن. تخيل أنه لديك جسم ثقيل مثل الشمس موجود في الفضاء، أدرك أينشتاين أن الفضاء ليس سلبياً، وإنما يستجيب للأجسام الثقيلة بالانحناء، وسينحني جسم آخر مثل الأرض أثناء عبوره بالتجويف الناجم عن وجود جسم أثقل. وبدلاً من التحرك على طول خط مستقيم، سيبدأ الجسم بالدوران حول الجسم الأكبر كتلة، أو في حالة كان بطيئاً كفاية، فسيتحطم داخله، وتطلب الأمر العديد من الأعوام التي ناضل خلالها أينشتاين للوصول إلى نظريته هذه.

تُقدم نظرية النسبية العامة لأينشتاين درسا آخر وهو أن المكان والزمن ينحنيان على بعضهما البعض، فهما غير قابلين للفصل أبداً ويُمكن بالتالي تشويه الزمن جراء وجود الأجسام فائقة الكتلة، ولذلك لا نتحدث عن انحناء المكان فقط وإنما عن انحناء الزمكان (spacetime).

المعادلة
________________________________________
تُوصف نظرية النسبية العامة بمعادلة بسيطة الشكل وخادعة جداً:

\(R_{ \mu \nu}-{1 \over 2}Rg_{ \mu \nu} = {8\pi G_N \over c^4} T_ {\mu \nu}.\)
تخبرنا هذه المعادلة بشكلٍ أساسي كيف يُمكن لمقدار معين من الكتلة والطاقة أن يحنيا الزمكان، والجانب الأيسر من المعادلة

\(R_{ \mu \nu}-{1 \over 2}Rg_{ \mu \nu }\)

يصف انحناء الزمكان الذي نستقبل تأثيره على أنه قوة الجاذبية، والأمر مشابه للرمز F في الجانب الأيسر من معادلة نيوتن.

يصف الرمز \(T_{μv}\) الموجود في الجانب الأيمن من المعادلة كل شيء موجود ونعرفه حول الكتلة والطاقة وكمية الحركة والضغط المتوزعين في الكون، وقد أصبح في معادلة نيوتن \(m_1\) و\(m2\)، لكنه أكثر تعقيداً من ذلك بكثير.

نحتاج إلى كل تلك الأشياء من أجل معرفة كيف ينحني الزمن والمكان، ويُعرف \(T_{μv} \) تقنياً بموتِّر كمية الحركة-الطاقة، و\(G_N\) الذي يظهر في المعادلة يُعرف بثابت نيوتن أيضاً، أما c فهو سرعة الضوء.

ماذا عن الأحرف الإغريقية [μ] و[v] التي تظهر كأحرف سفلية؟ لفهم ما تعنيه هذه الأحرف، لاحظ في البداية أنّ للزمكان أربعة أبعاد، فهناك ثلاثة أبعاد للمكان (تعود إلى الاتجاهات الثلاث: يمين-يسار، وأعلى-أسفل، وأمام-خلف) وبُعد واحد للزمن الذي يجري في اتجاه واحد دوما. إذا أردت فهم كيف يؤدي تحريك جزء من كتلة إلى التأثير على الزمكان، فأنت بحاجة إلى فهم كيف يؤثر ذلك على كلٍ من هذه الأبعاد الأربعة وعلى توليفاتها المتنوعة.

لتشبيه الأمر، فكر بالطريقة التي ستصف فيها جسم يتحرك بسرعة ثابتة على طول خط مستقيم باستخدام فيزياء نيوتن الكلاسيكية. تحتاج حينها إلى قسمين من المعلومات: الاتجاه وسرعة الحركة، ويُعطى الاتجاه بالاعتماد على ثلاثة أرقام يُخبرنا كلٌ منها عن مقدار ما يتحركه الجسم في كلٍ من الاتجاهات الثلاث للمكان، ولذلك تُوصف الحركة بعدد إجمالي يصل إلى أربعة: ثلاثة تعود إلى المكان وواحد إلى السرعة. وطالما أن السرعة ترتبط بوحدة الزمن، فإننا بحاجة إلى ثلاثة بتات من المعلومات المرتبطة بالمكان وواحدة بالزمن لوصف الحركة.

ليست معادلة واحدة فقط
________________________________________
في معادلة أينشتاين، قد تأخذ الحروف الإغريقية [μ] و[v] القيم 0، 1، 2، أو 3. وبالتالي فإن المعادلة في الأعلى تخفي وراءها مجموعة كاملة من المعادلات المرتبطة بالتوليفات المحتملة بين قيم [μ] و[v] ويُمكن أن تكون:

\(R_{0 0}- {1 \over 2}Rg_{00}= {8\pi G_N \over c^4}T_{00} \)

\(R_{0 1}- {1 \over 2}Rg_{01}= {8\pi G_N \over c^4}T_{01} \)

\(R_{1 1}- {1 \over 2}Rg_{11}= {8\pi G_N \over c^4}T_{11} \)

وهكذا.

تعود القيمة 0 إلى الزمن والقيم 1، و2، و3 للأبعاد المكانية، وبالتالي فإن المعادلة

\(R_{0 1}- {1 \over 2}Rg_{01}= {8\pi G_N \over c^4}T_{01} \)
تعود إلى الزمن واتجاه واحد في المكان، ويُشير الرمز [T] في الجانب الأيمن من المعادلة إلى كمية حركة المادة في المكان أحادي البعد، وتتسبب الحركة باختلاط الزمن والمكان ذو البعد الواحد مع بعضهما البعض، ويُوصف هذا المفعول في الجانب الأيسر من المعادلة، (والأمر مماثل بالنسبة \(μ=0\) وv مساوٍ لـ 2 أو 3.)

على سبيل المثال لوكان للمعادلة القيم 1, 2, 3 فقط، فإنها

\(R_{1 1}- {1 \over 2}Rg_{11}= {8\pi G_N \over c^4}T_{11} \)
سترتبط بالمكان فقط، ويُشير الرمز [T] في الجانب الأيمن من المعادلة إلى الضغط الذي تتسبب فيه المادة في بعد المكان، ويُخبرنا الجانب الأيسر من المعادلة عن كيفية تسبب المادة في تمدد المكان في ذلك الاتجاه.

إذا كان لـ [μ] و[v] القيمة نفسها 0، حينها سترتبط المعادلة

\(R_{0 0}- {1 \over 2}Rg_{00}= {8\pi G_N \over c^4}T_{00} \)
بالزمن فقط، وسيُمثل الحد \(T_{00}\) الطاقة، التي تتسبب في تسارع الزمن أو تباطؤه، ويصف الجانب الأيسر من المعادلة ذلك التغير في تدفق الزمن.

طالما أنه بإمكان [μ] و[v] أخذ أربع قيم، فإن ذلك يؤدي إلى الحصول على 16 معادلة \(4×4=16\). على أية حال، فقد تبين أن المعادلة عندما يكون \(μ=i\) و\(v=j\) هي نفسها عندما يكون\( μ=j\) و\(v=i\)، ويُخفّض هذا الأمر من عدد المعادلات إلى عشرة.

في نظرية أينشتاين، تسمح لك المعادلة بمعرفة كيف تقوم الأجسام فائقة الكتلة "مثل الكواكب والنجوم والمجرات وحتى الثقوب السوداء" بالتأثير على الزمكان الموجودة فيه؛ وفي الواقع العملي، فهذه الأشياء ليست واضحة جداً وبسيطة. معادلات أينشتاين صعبة إلى درجة لا تُصدق، فنحن بحاجة إلى الحواسيب الفائقة (supercomputers) لإيجاد الحلول والإتيان بحلول جديدة. وتُعتبر معرفة ما يحصل للزمكان عندما يتصادم جسمان فائقي الكتلة كالثقوب السوداء (black holes) واحداً من أكبر التحديات الحالية.

كيف نعرف أن نظرية أينشتاين صحيحة؟ بعد مائة عام على نشرها، اجتازت النظرية كل اختبار تعرضت له؛ وبصرف النظر عن طبيعتها الواضحة لقليلين، إلا أنها مهمة جداً في الكثير من الأشياء التي نعتمد عليها يومياً مثل انظمة تحديد المواقع (GPS) الموجودة في الهواتف الذكية، وأجهزة ساتناف (Satnav devices) في سياراتنا. في الواقع، فتحت هذه النظرية الباب أمام أسئلة جديدة، ولذلك يُفكر بعض علماء الفيزياء بضرورة تعديلها. لكن سواء تبيّن أن ذلك ضروري أم لا، فلا يوجد أدنى شك في أن نظرية النسبية العامة هي واحدة من أعظم الإنجازات إذهالاً في تاريخ العلوم.
منقول......
[IMG][/IMG]