رد: مع الشيخ محمد الغزالي بعد 10 سنوات من وفاته :
18-06-2008, 12:21 AM
لم يكن الشيخ الغزالي رحمه الله داعية كل همه إلقاء الخطب والدروس ، وشحذ الهمم وإشعال حماس الجمهور بالكلمات الرنانة ، والخطب النارية ، وأن جهده الذي يمكن أن يبذله للأمة هو جهد فردي ، متناثر هنا وهناك ، ولم يكن تكوين الشيخ الغزالي رحمه الله وقفا على نتف من العلوم الشرعية ، بل ضم إليها المعرفة الإنسانية ، والإحاطة بالسنن الكونية ، والإلمام بتاريخ الشعوب ، وسبر أغوار الأمة ، معرفا بعللها وأمراضها ، منبها إلى الطريق لعلاجها ، فيمكن لنا أن نطلق على الشيخ الغزالي “ داعية الأمة ”؛ لأنه بالفعل كان يحمل هموم الأمة ، ينام ويصحو عليها ، ومن دور الداعية أنه كالطبيب ، يكشف بوضوح أعراض المرض ، ويسعى بخبرته لوصف علاجه .
فقدان الوعي :
ففي مجال الفكر، يرى الشيخ الغزالي أن الأمة أصيبت بأتباع فاقدي الوعي ، لا يدركون ما يحاك لهم من الأمم الأخرى ، وأن مثل هذا النهج يجعل الأمة أقرب للموتى منه للأحياء ؛ فهو يرى أن
“ الضمير المعتل والفكر المختل ليسا من الإسلام في شيء ، وقد انتمت إلى الإسلام أمم فاقدة الوعي عوجاء الخطى قد يحسبها البعض أمما حية ولكنها مغمي عليها ... والحياة الإسلامية تقوم على فكر ناضر ... إذ الغباء في ديننا معصية ”.
وإذا كان غياب الوعي الفكري بارزا في كثير من مظاهر الأمة ، لكنه أخطر حين يكون في مجال الشرع خاصة ، فتلك طامة كبرى ، وإن كان الفشل في الدين والدنيا مصيبة لا تغتفر ، فـ ” إن اضمحلال العقل الإسلامي واضح في أغلب ميادين الفقه ! وعدد كبير من المشتغلين بفقه العبادات أو المعاملات يحسن النقل التقليدي أكثر مما يحسن الوعي والاجتهاد ، ويغلب عليه ضيق الأفق ولزوم ما لا يلزم !. أما الفشل في شئون الدنيا فأمره مخجل حتى إن ما نأكله من طعام أو ما نأخذه من دواء أو ما نرتديه من لباس يصنعه لنا غيرنا !. وأما صناعات السلاح وما يحمي الشرف ويصون الإيمان فشيء لا ناقة لنا فيه ولا جمل ”.
سوء الخلق :
ومن الأمراض التي يجب علاجها السلوك الإنساني ، فإن الإسلام يقوم مع العقيدة والعبادة على الخلق والسلوك ، وبدون المعاملة الحسنة لا تستقيم حياة الناس ، بل تؤثر على دينهم ، فساعتها يكون نفع العقيدة والعبادة ضعيفا ، وأخطر ما يكون سوء الخلق في حاملي لواء الدعوة والإسلام ، ويعبر الغزالي عن ذلك قائلا :
“ أكره أصحاب الغلظة والشراسة ، لو كان أحدهم تاجرا واحتجت إلى سلعة عنده ما ذهبت إلى دكانه ، ولو كان موظفا ولي عنده مصلحة ما ذهبت إلى ديوانه ، لكن البلية العظمى أن يكون إمام صلاة أو خطيب جمعة أو مشتغلا بالدعوة ، إنه يكون فتنة متحركة متجددة يصعب فيها العزاء . إذا لم يكن الدين خلقا دمثا ووجها طليقا وروحا سمحة وجوارا رحبا وسيرة جذابة فما يكون ؟! وقبل ذلك، إذا لم يكن الدين افتقارا إلى الله ، وانكسارا في حضوره الدائم ، ورجاء في رحمته الواسعة ، وتطلعا إلى أن يعم خيره البلاد والعباد فما يكون ؟!. بعض المصلين تحركه لينتظم في الصف فكأنما تحرك جبلا !. وبعض الوعاظ يتكلم فكأنه وحده المعصوم والناس من دونه هم الخطاءون!. وهذا شاب حدث يحسب نفسه مبعوث العناية الإلهية لإصلاح البشرية فهو ينظر إلى الكبار والصغار نظرة مقتحمة جريئة ...
إن القلب القاسي والغرور الغالب هما أدل شيء على غضب الله ، والبعد عن صراطه المستقيم .. ومن السهل أن يرتدي الإنسان لباس الطاعات الظاهرة على كيان ملوث وباطن معيب .
لو أن إنسانا عرف معايبي فسترها عن الناس وقصد بها إلي ليكشف لي أخطائي ويرجع بي إلى ربي لشكرته ودعوت له !.
إنه أسدى إلي جميلا ، ورحم الله امرءا أهدى إلي عيوبي ...
إنني أخاف على نفسي وعلى الناس صياحا فضاحا يرتقب الغلطة ليثب على صاحبها وثبة الذئب على الشاة ، فهو في ظاهره غيور على الحق وفي باطنه وحش لم تقلم التقوى أظافره ، ولم يغسل الإيمان عاره ولا أوضأه .
إنه تحت شعار الإسلام يتوج ناس ليس لهم فقه وليست لديهم تربية ، يغترون بقراءات وشقشقات واعتراضات على بعض الأوضاع ، ويرون أن الدين كله لديهم ، وأن الكفر كله عند معارضيهم ، فيستبيحون دماءهم وأموالهم وكراماتهم .
ما هذا بإسلام وما يخدم بهذا الأسلوب دين من الأديان ”.
عادات رديئة :
وفي عمق الحياة الاجتماعية ، يتعدى الشيخ الغزالي القول بإباحة الأشياء ، ليغوص في مقاصد الأنشطة الاجتماعية التي يقوم بها المسلمون ، ليسلط الضوء على تلك العادات التي يغلب عليها الغلو والتكلف ، ويشن حملة على الإسراف بلا داع ، فهو يرى أن
“ للمسلمين في أفراحهم على اختلاف أسبابها عادات رديئة – فهم ينزعون إلى الغلو والتكلف ، وقلما يجنحون إلى البساطة والاعتدال وهم يستغلون إباحة الإسلام للطيبات ، فيتوسعون في انتهابها ، ويبلغون في الإسراف حدا لا يصل إليه أتباع الديانات الأخرى ، وقد حضرت أحفالا أقامها أصحابها لمناسبات شتى ، ابتهاجا بمولود ، أو استقبالا لموظف أو احتفاء بصديق أو فرحا بزواج فكان الإفراط البين طابعا عاما لهذه الأحفال كلها ، سواء في مصر أو الشام أو الحجاز ، ويمكن القول بأن الأجانب أدنى إلى الرشد منا في هذه الأمور ، وهذه النقائض تقع في عصر سقطت فيه دولة الخلافة وذهبت ريحها وديست أرضها ومشى الغاصبون في أرجائها يزأرون زئير الآساد الكاسرة القاهرة .
وكان حريا بالمهزوم أن يصد عن هذه المباحات الميسرة إذا أقبل المنتصر عليها وعلى غيرها وينتشي . أما أن يعتدل المنتصر ويفرط المهزوم فهذه هي المأساة ".
وفي عرض أمراض الشعوب الإسلامية لا يخجل الغزالي أن يكون صريحا، فهو يرى أن “ تخلف العالم الإسلامي قضية معروفة وإن كانت مخجلة ! وهذا التخلف أطمع الأقوياء فيه ! بل قد طمع فيه من لا يحسن الدفاع عن نفسه ! وشر من ذلك أن هذا التخلف ألصق بالإسلام تهما كثيرة ، بل إن عقائد خرافية فكرت في إقصائه ووضع اليد على أتباعه !...”.
يتبع : ...
فقدان الوعي :
ففي مجال الفكر، يرى الشيخ الغزالي أن الأمة أصيبت بأتباع فاقدي الوعي ، لا يدركون ما يحاك لهم من الأمم الأخرى ، وأن مثل هذا النهج يجعل الأمة أقرب للموتى منه للأحياء ؛ فهو يرى أن
“ الضمير المعتل والفكر المختل ليسا من الإسلام في شيء ، وقد انتمت إلى الإسلام أمم فاقدة الوعي عوجاء الخطى قد يحسبها البعض أمما حية ولكنها مغمي عليها ... والحياة الإسلامية تقوم على فكر ناضر ... إذ الغباء في ديننا معصية ”.
وإذا كان غياب الوعي الفكري بارزا في كثير من مظاهر الأمة ، لكنه أخطر حين يكون في مجال الشرع خاصة ، فتلك طامة كبرى ، وإن كان الفشل في الدين والدنيا مصيبة لا تغتفر ، فـ ” إن اضمحلال العقل الإسلامي واضح في أغلب ميادين الفقه ! وعدد كبير من المشتغلين بفقه العبادات أو المعاملات يحسن النقل التقليدي أكثر مما يحسن الوعي والاجتهاد ، ويغلب عليه ضيق الأفق ولزوم ما لا يلزم !. أما الفشل في شئون الدنيا فأمره مخجل حتى إن ما نأكله من طعام أو ما نأخذه من دواء أو ما نرتديه من لباس يصنعه لنا غيرنا !. وأما صناعات السلاح وما يحمي الشرف ويصون الإيمان فشيء لا ناقة لنا فيه ولا جمل ”.
سوء الخلق :
ومن الأمراض التي يجب علاجها السلوك الإنساني ، فإن الإسلام يقوم مع العقيدة والعبادة على الخلق والسلوك ، وبدون المعاملة الحسنة لا تستقيم حياة الناس ، بل تؤثر على دينهم ، فساعتها يكون نفع العقيدة والعبادة ضعيفا ، وأخطر ما يكون سوء الخلق في حاملي لواء الدعوة والإسلام ، ويعبر الغزالي عن ذلك قائلا :
“ أكره أصحاب الغلظة والشراسة ، لو كان أحدهم تاجرا واحتجت إلى سلعة عنده ما ذهبت إلى دكانه ، ولو كان موظفا ولي عنده مصلحة ما ذهبت إلى ديوانه ، لكن البلية العظمى أن يكون إمام صلاة أو خطيب جمعة أو مشتغلا بالدعوة ، إنه يكون فتنة متحركة متجددة يصعب فيها العزاء . إذا لم يكن الدين خلقا دمثا ووجها طليقا وروحا سمحة وجوارا رحبا وسيرة جذابة فما يكون ؟! وقبل ذلك، إذا لم يكن الدين افتقارا إلى الله ، وانكسارا في حضوره الدائم ، ورجاء في رحمته الواسعة ، وتطلعا إلى أن يعم خيره البلاد والعباد فما يكون ؟!. بعض المصلين تحركه لينتظم في الصف فكأنما تحرك جبلا !. وبعض الوعاظ يتكلم فكأنه وحده المعصوم والناس من دونه هم الخطاءون!. وهذا شاب حدث يحسب نفسه مبعوث العناية الإلهية لإصلاح البشرية فهو ينظر إلى الكبار والصغار نظرة مقتحمة جريئة ...
إن القلب القاسي والغرور الغالب هما أدل شيء على غضب الله ، والبعد عن صراطه المستقيم .. ومن السهل أن يرتدي الإنسان لباس الطاعات الظاهرة على كيان ملوث وباطن معيب .
لو أن إنسانا عرف معايبي فسترها عن الناس وقصد بها إلي ليكشف لي أخطائي ويرجع بي إلى ربي لشكرته ودعوت له !.
إنه أسدى إلي جميلا ، ورحم الله امرءا أهدى إلي عيوبي ...
إنني أخاف على نفسي وعلى الناس صياحا فضاحا يرتقب الغلطة ليثب على صاحبها وثبة الذئب على الشاة ، فهو في ظاهره غيور على الحق وفي باطنه وحش لم تقلم التقوى أظافره ، ولم يغسل الإيمان عاره ولا أوضأه .
إنه تحت شعار الإسلام يتوج ناس ليس لهم فقه وليست لديهم تربية ، يغترون بقراءات وشقشقات واعتراضات على بعض الأوضاع ، ويرون أن الدين كله لديهم ، وأن الكفر كله عند معارضيهم ، فيستبيحون دماءهم وأموالهم وكراماتهم .
ما هذا بإسلام وما يخدم بهذا الأسلوب دين من الأديان ”.
عادات رديئة :
وفي عمق الحياة الاجتماعية ، يتعدى الشيخ الغزالي القول بإباحة الأشياء ، ليغوص في مقاصد الأنشطة الاجتماعية التي يقوم بها المسلمون ، ليسلط الضوء على تلك العادات التي يغلب عليها الغلو والتكلف ، ويشن حملة على الإسراف بلا داع ، فهو يرى أن
“ للمسلمين في أفراحهم على اختلاف أسبابها عادات رديئة – فهم ينزعون إلى الغلو والتكلف ، وقلما يجنحون إلى البساطة والاعتدال وهم يستغلون إباحة الإسلام للطيبات ، فيتوسعون في انتهابها ، ويبلغون في الإسراف حدا لا يصل إليه أتباع الديانات الأخرى ، وقد حضرت أحفالا أقامها أصحابها لمناسبات شتى ، ابتهاجا بمولود ، أو استقبالا لموظف أو احتفاء بصديق أو فرحا بزواج فكان الإفراط البين طابعا عاما لهذه الأحفال كلها ، سواء في مصر أو الشام أو الحجاز ، ويمكن القول بأن الأجانب أدنى إلى الرشد منا في هذه الأمور ، وهذه النقائض تقع في عصر سقطت فيه دولة الخلافة وذهبت ريحها وديست أرضها ومشى الغاصبون في أرجائها يزأرون زئير الآساد الكاسرة القاهرة .
وكان حريا بالمهزوم أن يصد عن هذه المباحات الميسرة إذا أقبل المنتصر عليها وعلى غيرها وينتشي . أما أن يعتدل المنتصر ويفرط المهزوم فهذه هي المأساة ".
وفي عرض أمراض الشعوب الإسلامية لا يخجل الغزالي أن يكون صريحا، فهو يرى أن “ تخلف العالم الإسلامي قضية معروفة وإن كانت مخجلة ! وهذا التخلف أطمع الأقوياء فيه ! بل قد طمع فيه من لا يحسن الدفاع عن نفسه ! وشر من ذلك أن هذا التخلف ألصق بالإسلام تهما كثيرة ، بل إن عقائد خرافية فكرت في إقصائه ووضع اليد على أتباعه !...”.
يتبع : ...
اللهم اغفر لأهل منتديات الشروق وارحمهم واجعلهم جميعا من أهل الجنة
من مواضيعي
0 الطمع في خدمة تقدمونها إلي ...
0 عن الشيعة الإمامية الإثناعشرية بصيغة Pdf :
0 مواضيعي الطويلة ( المنشورة في المنتدى ) عن المرأة بصيغة Pdf :
0 أحكام من فقه ( مالك بن أنس ) الإمام :
0 ظواهر غريبة جدا عند طلب الرقية الشرعية
0 ماذا لو كنتَ مكاني وفُـرض عليك أن تسمحَ بالغشِّ ؟!
0 عن الشيعة الإمامية الإثناعشرية بصيغة Pdf :
0 مواضيعي الطويلة ( المنشورة في المنتدى ) عن المرأة بصيغة Pdf :
0 أحكام من فقه ( مالك بن أنس ) الإمام :
0 ظواهر غريبة جدا عند طلب الرقية الشرعية
0 ماذا لو كنتَ مكاني وفُـرض عليك أن تسمحَ بالغشِّ ؟!