تسجيل الدخول

حديث حواء بنت حواء

السيدة بن اسماعين زليخة خربوش

حدثتنا حواء بنت حواء قالت:
قذفت فتدحرجت فوقعت في غابة ، مساحتها بلا حدود ، اشجارها لا تحصى ، اعجبتني ظلالها ...سلبتني خمائلها ، راعني جمالها وادهشتني تحفها ...لعبت مرحت قفزت في سذاجة وبراءة...لم اشعر بالطفولة المهددة بكوابيس الطابو ...لم ابالي بما يمنع عني ويمنح لاخي ...
زوقوني دجنونى ، باعوني واشتروني في سوق الأرباح...
فتحت عيني أبصرت دربا فمشيت مع رفيقي ...ابتسم وضحكت ، قال: اخفضي صوتك ، الغابة مملوءة بالخنازير والضباع ، سكت...مررنا باماكن شجراء ...شربنا المياه ، استنشقنا الزهور جلسنا علي الهضبات الخضراء ...
دخلنا عرينا مظلما ...قدم لي امه ...كشرت ...بانت أنيابها المسوسة ...ابرزت مخالبها، زأرت: لا أهلا ولا مرحبا ،اركعي اسجدي ...اعترتني رعشة خوف ، عجزت عن الكلام ، قالت:انت هنا لتسمعي فقط...لتخدمني وهذا الذكر ...تهت في افكاري :لحظة السعادة ثمنها غال في هذه الغابة ؟ ...قالت العجوز: اياك ان تطمحي الى التفتح هنا ...عليك بالتنازلات ثم التنازلات ، والا رميناك الي وحوش الغابة ...خفت تعلقت برفيقي ، تحول الى هيكل عظمي بين يدي ...ضحك ، دفعني الي احضان امه ، جرحتني بمخالبه ، ردتني اليه ...تحولت الى لعبة بينهما ...شعرت باهانة مرة ، وبلادة دنيئة ، وملل لا يطاق ...لم ينفعني التلفاز ولا شغل البيت المضني ، ولا حتى العناية بالاسرة ...
اصبحت اسيرة في قصر الاهانة التي اعدها لي رفيقي...انقرض الحب ...هرب الود ، سيطر الرعب على جو العرين ... علت السحب في مجتمع الغابة، اظلم سماؤها ...خفت تقوقعت داخل نفسى ...فكرت في الهروب ، حذرونى من والحوش ومخاطر الغاب. فكرت وفكرت وقلت: الغابة ولا هذا العرين الفاسد ، يجب الا اخاف ، اني اخاف الله ومن خاف الله خاف منه كل شيء...ومن لا يخاف الله يخاف من كل شيء
خرجت ورفيقي وكلي سعادة وامل ... امنت بحكاية الصداقة الكاذبة والثقة المزيفة ،والامان المفقود...
تنبهت وجدتني نائمة في القطن المخضب، ومحاطة بالحماية الدامية ... ضمان الطعام هتك حريتي واتلف مواهبي ، اكتشفت انبوبين في فم رفيقي... غرس الاول في رأسى ليستغل زيوت دماغي، وغرس الثاني في صدري ليمتص دماء قلبي...
جنح التفاهم، عمت المساومة بالعواطف، وارعد التهديد... تحولت القبلة الى لطمة خد ،واللمسة الى لسعة افعى ...كنت العبد وكان السيد ... استشهد الحب وتحطم الود وانتحر الوفاء ...
باسم الحب والفضيلة أذابوا شخصيتي ، بسكين الشك ذبحوني ...باسم الحماية مسحوا خصوصياتي ، قلموا اظافري ، بردوا اسناني ... كدسوا الثلج علي مشاعري ، حاصرونى في ذاتى ...تحولت الى صحراء لانبات ولا امطار ...عجزت عن المقاومة .
نظرت خلفي : الابواب موصدة وطريق العودة مرفوض...سرت والطريق طويل ، اكافح اجاهد اصبر، وأصابر ...حياة الغاب مشوهة ممزقة ،ملفوفة في قماش العدس البراق...تحجب مخالب ملوثة بامصال الابرياء‘ وتخفي وجوها ملطخة بعار الخداع.
اجري واكابد ،ما اكاد اتخلص من معركة حتى تقابلني معركة ،وما اتخلص من وحش حتى يقابلني وحش، حياتي كفاح لا يهدأ ، اعيش نزالا بلا حيلة...على يميني { فونبيرات} ووطاويط جارحة وافاعي سامة ...على يساري دكتاتورية متثائبة ، وواقع منفصل عن الواقع ، وغربال مثقوب، وغيلان منتهزة، تعيش على النوم والتطفل والاطماع والحسد .خلفي ذئاب تعوي وكلاب تنبح وتتعلق بثيابي ... امامي هوة عميقة سحيقة وظلام مكثف ...
كان علي ان اسير وإلا وقعت ... اسير في حذر ، واحارب عقولا دفنت نفسها في بيوت نومها، وافكارا لم تقفز اعلي من الغرائز ...كنت انهزم واهرب او انتصر وانصرف... حتى في حالة انتصاري لم اخرج سليمة من جروح تصيب نفسي وعقلي معا..
واصلت سيري في وهاد الحياة ، محتمية بابني وبنتي ، مررت بدروب و سقوف مظلمة ، فاجأنى خفاش جارح ، في فمه انبوب واسع القطر ، غرسه في صدر ابنتي، انقض عليها وطار بها...حامت بومة، شرسة ناعقة، بابني وطارت به..
مشيت وحدي عائشة ميتة ، بجانبي رفيق موهوم مغلوب على امره... معي ومعه ولسنا معا... وحيدة بين اهلي ، غريبة بين بني جنسي ...وحيدة بهم او بدونهم ...الانابيب تنخر كياني.. دفنت في اعماق السجون، علقت على اعلى مشانق الصوامع... اضعف ، اقاوم ....
تقتلني الغيرة تحرقني الاهانة ، تقيد معصمي ...اتخبط في مستنقع الانهيار ، اتيه في بحر العقد أتغذى حرب الاعصاب ، اتعشى الخوف والغدر ...تنهشني انياب سوء الظن ، واعاقب على جرائم لم ارتكبها ..في الصباح اقول لنفسي صباح الشر صباح الرعب ، في المساء اقول مساء الارق ،مساء القهر والحقارة ...
كرهت العيش في وطن الغاب ، مللت الظلام في عز الشمس ...لا الضوء يضىء قلبي وعقلي ولا الطمأنينة تسكن وجداني..
صرخت ، عويت بح صوتي ، تحول الى فحيح ...نظرت في المرآة ...افزعني مظهري ، عفت نفسي : ماتت البراءة مات الطهر ، ماتت إنسانيتى؟ بدأت مخالبي تنبت وقروني تبرز؟ بدأت اشبه ام رفيقي ...
لبست حيل الذئاب ، تقمصت سياسة الحرباء، اصبت ببلادة مرة ... حولني الاستبداد الي حقودة حسودة انتقامية ، احترفت الثرثرة والكذب والنفاق ...ضعت في مجتمع الشقاق والمخاوف ، انهزم وعيي بين ما حققته وما يجب ان احققه ...وددت ان انطلق كالمارد واهب كالعاصفة لانقذ ابنائي واحفادي من شرور وحوش الغاب.
قررت ان اعرف الله باقتناعي وليس باقتناع غيري ...ولكي افهم الله يجب ان افهم نفسي أولا... ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) أدركت أن حريتي هي ان ارفض الباطل والظلم .
نظرت الى الافق البعيد، رأيت منارة ، جريت نحوها ، طريقها صعب وشائك ، ادمت قدمي ، أتعبتنى ...
كانت المنارة مشعة فوق بيت الصحوة ...كانت مكتبة جدرانها فلاذية شفافة ، لا يدخلها الا صاحب ارادة حديدية ...حمت حول المكتبة وحمت ...حلقت الى جو الحقيقة ...مزقت الانابيب المثبتة في رأسى، امتطيت جوادا ، اقتحمت المكتبة بعزيمة قوية ، تخلصت من الخوف ونواميس الغاب ، حملت الامانة التي رفضتها السماء والأرض والجبال ، وكانت المتاعب ثمن حريتي .
حسبت قراء المكتبة ارحم من وحوش الغاب ، لكني صدمت ، وجدت اثار ما رضعوه ،لا زال عالقا باسنانهم الا بعضهم .
بعض القراء لم يشعر بوجودي ، بعضهم شعر وخاف الافك والافاكين ...والبعض الاخر نظر الي نظرة غريبة ،كادت تقذفني خارج المكتبة . جمدت ، عزلتني رؤاهم في زاوية بين جدارين من زجاج ...كتبت لهم ، راقبتهم ، عرفت عنهم كل شيء، ولم يعرفوا عني أي شيء...
اخذني القلق ، استوطنتني افكار مجنحة ..لم يفهموا قولي ولم يتبينوا نبئي، أصيبوا بجهالة ، رفضوا كلمتي، شوهوا لغتي ، حذفوا عباراتي، خسروني وربحتهم .
تركت النسور المستنسرة في السماء ، تتخاصم على وجودي وعقلى ولباسي وحجابي ...قبعت في زاويتي ، احتميت بكتبي .. هبطت الي ملجأ الاحرار واقتحمت وكر العقلاء والمفكرين والمتمردين ،هناك لاخوف ولا حزن ولا افتعال :قرأتهم فهمتهم سمعتهم لكنهم لم يسمعوني ...ومع ذلك مسحوا دمعتي وردوا لى ابتسامتي ... تشرفت بمعرفة انبياء الله...والعظماء : رأيت الامام الشافعي وقياسه ؟ عشت الكارثة التي حلت بالمعتزلة... زرت المعري في خلوته وتألمت معه في ظلمته واكتويت بساديته ... جنحت مع ثورة الفارابي ، مللت صحبة الامام الغزالي في تهافته ...جلست الساعات مع العقاد وتجرعت مرارة مواقفه ضد المراة...تمتعت مع طه حسين استرحت في حدائق جبران خليل جبران .... استنرت بقناديل الفقيه الشاطبي وسيد العقلاء ابن رشد... واستأنست بالاحرار: د عابد الجابري ، د زكي نجيب ،د جورج طرابيش،د المهدي المنجرة ...سمعت الحقيقة من افواه ابطالها ، كشفوا الزيف الذي كان يغطيها .
فاجأنى زلزال عنيف تحت ارضيتي ...قذفني خارج المكتبة ... عاد رفيقي متخفيا تحت حجاب وكتاب ، مد انابيبه ليثبتها في احشائي ، سبحت وتعوذت ولم ابالي بما سيضخ من ذخيرتي ، كان زادي وفير وثروتي غزيرة .
غاب الحق مرة اخري ، رأتنى وحوش الغابة ، خرجت من معاقلها ...طاردتني من جديد ...دب السوس الي شرايينى ،علا الضغط وتصلب الأرط زأر السيدا في سماء الغابة ، نعق السرطان ...هددني المصير المحتوم ...اني اعاني ، اندب : وقدساه...وا عرقاه ... وا عرباه ...وا أمتاه ...
تخبلت خيوط أعصابي ، تلون كل شيء في نظري بالهم والعذاب والحزن ..كل ما المسه يتحول الي سراب ..عجزت عن المقاومة ، العدو امامي والبحر ورائي ...مد لي ابنائي وبناتي يد الانقاذ ، ضاع من يدي المعفنة بالروماتزم ..زحف الوحش نحوي وقعت في البحر ...رمي لي احفادي حبل الانقاذ...؟

النص من كتابي أحاديث الوسادة طبع بدار الأديب بوهران 2006

zoulikha

رحلة بنت حواء في طريق احتكره ابن آدم
ظلم وجور في واقعه وتاريخه/ونصف يوم في سنة مهما قيل وقال لايغير منه شيئا.
كأني سمعت حكايتك زليخة أختي الإنسان من شفاه الكثير ممن عانين ويعانين من نظرة الفوقية.
قرأتها في عيون أمهاتنا وجداتنا مهما صمتنا وتكلمنا عكس ماعشنا.
مادام الكتاب أنيسك
والقراءة إدمانك
والعقل ميزانك
وانبياء الله قدوتك
فأنت السيدة
كوني كما تريدين ,تكوني راضية مرضية
جزيل الشكر لك
ماكتبت كان قمة الإبداع
اللهم علمنا ماينفعنا وانفعنا بماعلمتنا.
فقط ليس كل ابن آدم ينظر لبنت حواء نظرة الأعلى للأدنى
بل منهم من ينظر لك نظرة مساوة غي الإنسانية وكرامتها،ونظرة تكامل في الأنوثة والذكورة.
دمت بكل خير

شكرا على المرور والفهم وادراك لما وراء السطور ان ما كتبته يترجم المعانات التى تعيشها بنات حواء بما فيهن المتحدثة والصامتة التى تعانى في صمت والادانة ليست للرجل وانما للمجتمع ككل بما فيه المتفقهين بالدين الذين ليست لهم لا عقيدى صحيحة ولا فلسفة واضحة وكل ما لديهم بلبلة ورغبات فردية يريدون ان تكون المرة هي الطرف الخاسر الذي يضحى به في سبيل تحقيق ما يصبون اليه.
zoulikha