أطوار المدنية الكونية الثلاثة
03-04-2018, 09:14 AM
اعتقد بعض العلماء في نهاية الخمسينات من القرن العشرين، بان المجرة مليئة بالحضارات العاقلة التي لا تستطيع تبادل الزيارات بينها لأسباب فيزيائية بحتة، لكنها تنهمك في محاولات للاتصال ببعضها من خلال بث أمواج راديوية في الفضاء، فقام (فرانك دريك)، أحد المتحمسين لهذه النظرية بتجربة عام (1960)، حاول فيها التقاط إشارات راديوية من المنطقة المحيطة بنجمين قريبين من الأرض، يقاربان الشمس في العمر والكتلة، هما (تاوسيتي Tauceti) و(إيبيسون إريداني Epison Eridani).
أمضى دريك وفريقه أسابيع يتنصتون إلى هاتين المنطقتين من خلال مراصدهم الراديوية الضخمة في ولاية فرجينيا الغربية من الولايات المتحدة، وقد أطلقوا على تجربتهم اسم (مشروع أوزما) نسبة إلى الساحر الأسطوري (أوز) الذي يعيش في أرض خرافية. بعد بضعة أسابيع تمكن الباحثون من التقاط إشارة قوية من منطقة (إيبيسون إريداني)، فغمرتهم نشوة الانتصار، لكنهم سرعان ما فوجئوا بأن الإشارة الملتقطة كانت من طائرة حربية تعمل بشكل سري، مما أدى إلى إثارة ضجة إعلامية كبيرة، بين مؤيد ومعارض لمثل هذه التجارب، أوقف المشروع برمته على إثرها.
بغض النظر عن المشروع (أوزما) ونتائجه، نتساءل فيما إذا كانت هناك مدنيات عاقلة فعلاً في المجرة، تسعى، وبشكل دؤوب للاتصال بسكان الأرض، وما الذي يهمها من هذا الاتصال أصلا؟
الواقع أن المسافات الكونية السحيقة، إضافة إلى حقل الشمس الراديوي الجبار يشكلان حجاباً غليظاً بيننا وبين المدنيات الأخرى (إن وجدت)، أيضاً فإن مثل هذا الاتصال يستدعي أن يكون لدى الآخرين فكرة عن الحضارة الأرضية، وعن إمكانية تبادل المعلومات معها، كذلك فإن تبادل المعلومات يستغرق ملايين السنين نظراً لأن انتقالها عبر أمواج الراديو يتم بسرعة الضوء التي لا يمكن تجاوزها بحسب نظرية آينشتاين النسبية، لذلك لا نجد مبرراً قوياً كي تقوم المدنيات الكونية الراقية المفترضة بالاتصال بالأرض، الأمر الذي دفع علماء آخرين إلى البحث عما يمكن أن تخلفه مثل هذه المدنيات من آثار كونية للتعرف عليها، والتأكد من وجودها، بدلاً من السعي للاتصال بها.
كتب الفلكي المرموق (دايسون) عام (1959) مقالاً هاماً انتهى فيه إلى أن الضغوط المالتوسية (أزمة السكان) ستدفع المدنيات الراقية إلى استثمار الموارد الكونية خارج حدود الكوكب الذي قد تتواجد هذه المدنيات عليه، فتبدأ باستثمار الموارد على الأجرام السماوية القريبة منها مكونة بذلك مراكز لأنشطتها وفعالياتها تحيط بالنجم الذي يدور كوكبها أو كواكبها حوله.
لقد تمخضت فرضية (دايسون) عن نظرية فلكية هندسية كبرى، تدعى باسم (غلاف دايسون-Dyson Sphere)، تقول النظرية، أنه بوسع المدنيات الراقية تفتيت الكواكب العملاقة، كالمشتري في المجموعة الشمسية مثلاً، وتحويلها إلى مقالع لاستخراج المعادن منها، أو لإقامة مستعمرات سكنية على شظاياها.
توضع هذه الشظايا في أفلاك حول الشمس الأم، بحيث تتعرض إلى أكبر كمية ممكنة من الطاقة المنبعثة من الشمس أو النجم الأم، فتشكل حلقات شبيهة بحلقات كوكب زحل، إلا أنها أكثر ثخانة، وامتداداً في الفضاء، فلا يظهر من تلك الشمس سوى قبتيها: العليا والسفلى، ويصبح الضوء المنبعث منها، والذي يشاهده الراصد البعيد، خافتاً، خلافاً لما ينبئ به عمر النجم من شدة الضياء الذي يجب أن يكون عليه.
نموذج لأثر حضارة كونية تستغل شمسها إلى أبعد الحدود
يعتقد (دايسون) وزميله عالم الفضاء الروسي (كارداشيف) أن المدنية الكونية العاقلة تمر وفقاً لرقيها في ثلاثة أطوار:
1- الطور الأول أو الأدنى: وهو الطور الذي يقوم على مصادر الطاقة المتاحة في كوكب واحد فقط كما هو الحال بالنسبة لمدنية الجنس البشري على كوكب الأرض.
2- الطور الثاني: ويقوم على استثمار مصادر الطاقة والمعادن المتاحة لدى الجيران الكواكب (كواكب المجموعة الشمسية مثلاً، بالنسبة لمدنية الجنس البشري على الأرض حالياً)، كما يكون في وسع هذا الطور من المدنية إحداث تغييرات في تركيب وبنية هذه الكواكب، بالشكل الذي يتيح استثمارها، والاستفادة من مصادر طاقتها إلى أبعد الحدود، ويصفان هذا الطور بالقول:
"... في تلك المرحلة، يبدأ النوع العاقل مؤسس المدنية بتشييد العمران في المناطق المحيطة بالنجم الأم، كي يضمن استثمار الطاقة التي يبثها هذا النجم إلى أقصى حد ممكن، ناهيك عن إقامة مستعمرات جديدة لنوعه الذي لا يفتأ يتكاثر باستمرار".
3- الطور الثالث: ويقوم على استثمار مجموعات نجومية مع توابعها من الكواكب (أي استثمار مقاطع كاملة من نجوم وكواكب مجرة درب التبانة مثلاً)،
فمدنية الجنس البشري مازالت إذاً في مرتبتها الدنيا تحبو على حواف الكون.
إن البحث عن مدنيات راقية في الكون حسب مفهوم (دايسون)، يجب أن يتركز في البحث عن آثارها الكونية التي تتضح من خلال استثمارها الأمثل لمصادر الطاقة والثروات المعدنية المحيطة بها في الفضاء.
أمضى دريك وفريقه أسابيع يتنصتون إلى هاتين المنطقتين من خلال مراصدهم الراديوية الضخمة في ولاية فرجينيا الغربية من الولايات المتحدة، وقد أطلقوا على تجربتهم اسم (مشروع أوزما) نسبة إلى الساحر الأسطوري (أوز) الذي يعيش في أرض خرافية. بعد بضعة أسابيع تمكن الباحثون من التقاط إشارة قوية من منطقة (إيبيسون إريداني)، فغمرتهم نشوة الانتصار، لكنهم سرعان ما فوجئوا بأن الإشارة الملتقطة كانت من طائرة حربية تعمل بشكل سري، مما أدى إلى إثارة ضجة إعلامية كبيرة، بين مؤيد ومعارض لمثل هذه التجارب، أوقف المشروع برمته على إثرها.
بغض النظر عن المشروع (أوزما) ونتائجه، نتساءل فيما إذا كانت هناك مدنيات عاقلة فعلاً في المجرة، تسعى، وبشكل دؤوب للاتصال بسكان الأرض، وما الذي يهمها من هذا الاتصال أصلا؟
الواقع أن المسافات الكونية السحيقة، إضافة إلى حقل الشمس الراديوي الجبار يشكلان حجاباً غليظاً بيننا وبين المدنيات الأخرى (إن وجدت)، أيضاً فإن مثل هذا الاتصال يستدعي أن يكون لدى الآخرين فكرة عن الحضارة الأرضية، وعن إمكانية تبادل المعلومات معها، كذلك فإن تبادل المعلومات يستغرق ملايين السنين نظراً لأن انتقالها عبر أمواج الراديو يتم بسرعة الضوء التي لا يمكن تجاوزها بحسب نظرية آينشتاين النسبية، لذلك لا نجد مبرراً قوياً كي تقوم المدنيات الكونية الراقية المفترضة بالاتصال بالأرض، الأمر الذي دفع علماء آخرين إلى البحث عما يمكن أن تخلفه مثل هذه المدنيات من آثار كونية للتعرف عليها، والتأكد من وجودها، بدلاً من السعي للاتصال بها.
كتب الفلكي المرموق (دايسون) عام (1959) مقالاً هاماً انتهى فيه إلى أن الضغوط المالتوسية (أزمة السكان) ستدفع المدنيات الراقية إلى استثمار الموارد الكونية خارج حدود الكوكب الذي قد تتواجد هذه المدنيات عليه، فتبدأ باستثمار الموارد على الأجرام السماوية القريبة منها مكونة بذلك مراكز لأنشطتها وفعالياتها تحيط بالنجم الذي يدور كوكبها أو كواكبها حوله.
لقد تمخضت فرضية (دايسون) عن نظرية فلكية هندسية كبرى، تدعى باسم (غلاف دايسون-Dyson Sphere)، تقول النظرية، أنه بوسع المدنيات الراقية تفتيت الكواكب العملاقة، كالمشتري في المجموعة الشمسية مثلاً، وتحويلها إلى مقالع لاستخراج المعادن منها، أو لإقامة مستعمرات سكنية على شظاياها.
توضع هذه الشظايا في أفلاك حول الشمس الأم، بحيث تتعرض إلى أكبر كمية ممكنة من الطاقة المنبعثة من الشمس أو النجم الأم، فتشكل حلقات شبيهة بحلقات كوكب زحل، إلا أنها أكثر ثخانة، وامتداداً في الفضاء، فلا يظهر من تلك الشمس سوى قبتيها: العليا والسفلى، ويصبح الضوء المنبعث منها، والذي يشاهده الراصد البعيد، خافتاً، خلافاً لما ينبئ به عمر النجم من شدة الضياء الذي يجب أن يكون عليه.
نموذج لأثر حضارة كونية تستغل شمسها إلى أبعد الحدود
يعتقد (دايسون) وزميله عالم الفضاء الروسي (كارداشيف) أن المدنية الكونية العاقلة تمر وفقاً لرقيها في ثلاثة أطوار:
1- الطور الأول أو الأدنى: وهو الطور الذي يقوم على مصادر الطاقة المتاحة في كوكب واحد فقط كما هو الحال بالنسبة لمدنية الجنس البشري على كوكب الأرض.
2- الطور الثاني: ويقوم على استثمار مصادر الطاقة والمعادن المتاحة لدى الجيران الكواكب (كواكب المجموعة الشمسية مثلاً، بالنسبة لمدنية الجنس البشري على الأرض حالياً)، كما يكون في وسع هذا الطور من المدنية إحداث تغييرات في تركيب وبنية هذه الكواكب، بالشكل الذي يتيح استثمارها، والاستفادة من مصادر طاقتها إلى أبعد الحدود، ويصفان هذا الطور بالقول:
"... في تلك المرحلة، يبدأ النوع العاقل مؤسس المدنية بتشييد العمران في المناطق المحيطة بالنجم الأم، كي يضمن استثمار الطاقة التي يبثها هذا النجم إلى أقصى حد ممكن، ناهيك عن إقامة مستعمرات جديدة لنوعه الذي لا يفتأ يتكاثر باستمرار".
3- الطور الثالث: ويقوم على استثمار مجموعات نجومية مع توابعها من الكواكب (أي استثمار مقاطع كاملة من نجوم وكواكب مجرة درب التبانة مثلاً)،
فمدنية الجنس البشري مازالت إذاً في مرتبتها الدنيا تحبو على حواف الكون.
إن البحث عن مدنيات راقية في الكون حسب مفهوم (دايسون)، يجب أن يتركز في البحث عن آثارها الكونية التي تتضح من خلال استثمارها الأمثل لمصادر الطاقة والثروات المعدنية المحيطة بها في الفضاء.