لاتصالح ! ...أمل دنقل
02-03-2014, 10:08 AM
لاتصالح !
..ولومنحوك الذهب
أترى حين أفقأ عينيك ,
ثم أثبت جوهرتين مكانهما ..
هل ترى ..؟
هى أشياء لا تشترى ..
ذكريات الطفولة بين أخيك وبينك ,
حسّكما ــ فجأة ــ بالرجولة ,
هذا الحياء الذى يكبت الشوق .. حين تعانقه ,
الصمت ــ مبتسمين ــ لتأنيب أمكما ..
وكأنكمـــا
ماتزالان طفلين !
تلك الطمأنينة الأبدية بينكما :
أن سيفان سيفك ..
صوتان صوتـــك
أنك ان متّ :
للبيت ربّ
وللطفل أب .
هل يصير دمى ــ بين عينيك ــ ماء ؟
أتنسى ردائى الملطّخ ..
تلبس ــ فوق دمائى ــ ثيابا مطرزة بالقصب ؟
انها الحرب !
قد تثقل القلب
لكن خلفك عار العرب
لا تصالح ..
ولا تتوخّ الهرب !
ــ 2 ــ
لاتصالح على الدم .. حتى بدم !
لا تصالح ! ولو قيل رأس برأس ,
أكل الرؤوس سواّء ؟ !
أقلب الغريب كقلب أخيك ؟ !
أعيناه عينا أخيك ؟ !
وهل تتساوى يدّ ... سيفها كان لك
بيد سيفها أثكلــك ؟
سيقولون :
جئناك كى تحقن الدم ..
جئناك . كن ــ ياأمير ــ الحكم
سيقولون :
ها نحن أبناء عم .
قل لهم : انهم لم يراعوا العمومة فيمن هلك .
واغرس السيف فى جبهة الصحراء ..
الى أن يجيب العدم .
اننى كنت لك .
فارسا
وأخا .
وأبا .
وملـــك !
ـــ 3 ــ
لاتصالح ..
ولو حرمتك الرقاد
صرخات الندامه .
وتذكّر ..
( اذا لان قلبك للنسوة اللابسات السواد ولأطفالهنّ الذين
تخاصمهم الابتسامة )
ان بنت أخيك ( اليمامة )
زهرة تتسربل ــ فى سنوات الصبا ــ
بثياب الحداد .
كنت ، ان عدت :
تعدو على درج القصر ,
تمسك ساقى عند نزولى ...
فأرفعها ــ وهى ضاحكة ـــ
فوق ظهر الجواد .
هاهى الاّن .. صامتة .
حرمتها يد الغــدر :
من كلمات أبيها ,
أرتداء الثياب الجديدة ,

من أن يكون لها ـ ذات يوم ـ أخ !
من أب يتبسّم فى عرسها ..
وتعود اليه اذا الزوج أغضبها ..
واذا زارها .. يتسابق أحفاده نحو أحضانه ,
لينالوا الهدايا ..
ويلهوا بلحيته ( وهو مستسلمّ )
ويشدّوا العمامة .
لا تصالح !
فما ذنب تلك اليمامة
لترى العشّ محترقا .. فجأة ,
وهى تجلس فوق الرماد ؟ !
ـــ 4 ـــ
لا تصالح
ولو توّجوك بتاج الامارة .
كيف تخطو على جثة ابن أبيك .. ؟
وكيف تصير المليك ..
على أوجه البهجة المستعارة ؟
كيف تنظر فى يد من صافحوك ..
فلا تبصر الدم ..
فى كلّ كف ؟
ان سهما أتانى من الخلف ..
سوف يجيئك من ألف خلف .
فالدم ــ الان ــ صار وساما وشارة .
لاتصالح ,
ولو توّجوك بتاج الامارة
ان عرشك : سيف
وسيفك : زيف
اذا لم تزن ــ بذؤابته ــ لحظات الشرف
واستطبت ــ الترف
ـــــ 5 ـــ
لا تصالح
ولو قال من مال عند الصدام
( ... ما بنا طاقه لامتشاق الحسام .. )
عندما يملأ الحقّ قلبك :
تندلع النار ان تتنفّس .
ولسان الخيانة يخرس .
لا تصالح ,
ولو قيل ما قيل من كلمات السلام .
كيف تستنشق الرئتان النسيم المدنّس ؟
كيف تنظر فى عينى امرأة ..
أنت تعرف أنك لا تستطيع حمايتها ؟
كيف تصبح فارسها فى الغرام ؟
كيف ترجو غدا .. لوليد ينام
ــ كيف تحلم أو تتغنى بمستقبل لغلام
وهو يكبر ــ بين يديك ــ بقلب منكّس ؟
لا تصالح
ولا تقتسم مع من قتلوك الطعام .
وأرو قلبك بالدم ..
وارو التراب المقدس ..
وارو أسلافك الراقدين ..
الى أن تردّ عليك العظام !
ـــ 6 ـــ
لاتصالح ,
ولو ناشدتك القبيلة
باسم حزن ( الجليلة )
أن تسوق الدهاء
وتبدى ــ لمن قصدوك ــ القبول .
سيقولون :
ها أنت تطلب ثأرا يطول
فخذ ــ الان ــ ما تستطيع :
قليلا من الحق ..
فى هذه السنوات القليلة .
انه ليس ثأرك وحدك ,
لكنه ُثأر جيـــــل فجيــــل .
وعــد ..
سوف يولد من يلبس الدرع كاملــة ,
يوقد النار شاملة ,
يطلب الثأر ,
يســتولد الحق ,
من أضلع المستحيــــل .

لا تصالح ,
ولو قيل ان التصالح حيلة .
انه الثأر
تبهت شعلته فى الضلوع ..
اذا ماتوالت عليها الفصول ..
ثم تبقى يد العار مرسومة ( بأصابعها الخمس )
فوق الحباة الذليلة !
ــ 7 ــ
لاتصالح . ولو حذّرتك النجوم
ورمى لك كهاّنها بالنبأ ..
كنت أغفر لو أننى متّ ..
مابين خيط الصواب وخيط الخطأ .
لم أكن غازيا ,
لم أكن أتسلل قرب مضاربهم
أو أحوم وراء التخوم
لم أمد يدا لثمار الكروم
أرض بستانهم لم أطأ
لم يصيح قاتلى بى : " انتبه " !
كان يمشى معى ..
ثم صافحنى ..
ثم سار قليلا
ولكنّه فى الغصون أختبأ !
فجأة :
ثقبتنى قشعريره بين ضلعين ..
واهتز قلبى ــ كفقاعة ــ وانفثأ .
وتحاملت حتى احتملت على ساعدى
فرأيت : ابن عمى الزنيم
واقفا يتشفى بوجه لئيم
لم يكن فى يدى حربة ,
أو سلاح قديم ,
لم يكن غير غيظى الذى يتشكّى الظمأ .
ــ 8 ــ
لا تصالح
الى أن يعود الوجود لدورته الدائرة :
النجوم .. لميقاتها
والطيور .. لأصواتها
والرمال .. لذراتها
والقتيل لطفلته الناظره
كل شىء تحطّم فى لحظة عابرة :
الصبا ــ بهحة الأهل ـ صوت الحصان ـ التعّرف بالضيف ـ همهمة
القلب حين يرى برعما فى الحديقة يذوى ـ الصلاة لكى ينزل المطر
الموسمّى ـ مراوغة القلب حين يرى طائر الموت
وهو يرفرف فوق المبارزه الكاسرة
كلّ شىء تحطم فى نزوة فاجرة .
والذى اغتالنى : ليس ربّا ..
ليقلنى بمشيئته
ليس أنبل منّى .. ليقتلنى بسكينته ,
ليس أمهر منّى .. ليقتلنى باستدارته الماكرة

لا تصالح ،
فما الصلح الا معاهدة بين ندّين ..
( فى شرف القلب )
لا تنتقص
والذى اغتالنى محض لص
سرق الأرض من بين عينّى
والصمت يطلق ضحكته الساخرة !
ـــــــ 9 ــــ
لا تصالح ,
ولو وقفت ضدّ سيفك كلّ الشيوخ ,
والرجال التى ملأتها الشروخ
هؤلاء الذين يحبّون طعم الثريد
هؤلاء الذين تدلّت عمائمهم فوق أعينهم ,
وسيوفهم العربيّة قد نسيت سنوات الشموخ
لاتصالح ,
فليس سوى أن تريد .
أنت فارس هذا الزمان الوحيد
وسواك .. المســــــــوخ !
ـــ 10 ـ
لا تصالح
لاتصالــح !
من jehat